رغم أنف سلطات الذيل الأمريكي.. هكذا أعادت غزة “جورج غالاوي” إلى البرلمان البريطاني

استطاع السياسي المخضرم، جورج غالاوي، أن يفوز بنحو 40% من الأصوات في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل، التي هيمنت على يومياتها مآسي العدوان المدمّر على قطاع غزة، ويعدّ غالاوي – المعروف بآرائه المناهضة للعدوان الصهيوني وبمناصرته للقضية الفلسطينية – الأكثر جرأة في انتقاد تحيّز الغرب لصالح الكيان وتبعية لندن لواشنطن، إذ سبق له أن وصف بريطانيا بـ”ذيل الكلب الأمريكي”. 

واستهدف السياسي المخضرم جورج غالاوي، زعيم حزب العمال البريطاني، كير ستارمر، في خطاب النصر، وقال “كير ستارمر، هذا من أجل غزة”، وأضاف “ستدفعون ثمنا باهظا للدور الذي لعبتموه في تمكين الكارثة وتشجيعها وتغطيتها، التي تحدث حاليا في غزة المحتلة في قطاع غزة”.

وقد أطاح غالاوي، وهو عضو برلماني سابق عن حزب العمال، بحزبه السابق في 3 انتخابات، وسيعود إلى البرلمان للمرة الرابعة خلال 37 عاما، وقال غالاوي “إنّ حزب العمال يدرك أنّه فقد ثقة الملايين من ناخبيه الذين صوّتوا له بإخلاص جيلا بعد جيل”.

وعلى الرغم من الحملة التي هيمنت عليها الأحداث في الشرق الأوسط، قال غالاوي إنّه يأمل في تشكيل “تحالف كبير” مع أعضاء مجلس روتشديل للعمل على القضايا المحلية، ويأتي فوزه بعد واحدة من أكثر الانتخابات الفرعية إثارة للجدل في الذاكرة الحديثة، وكان فريق غالاوي واثقا للغاية لدرجة أنّهم أطلعوا الصحفيين في غضون ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع على أنّه فاز “بشكل مريح”.

سوناك يتجاوز مستوى القلق

لكن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، وصف فوز غالاوي في الانتخابات البرلمانية بالأمر المثير للقلق، وحذَّر من مساعي تقويض الديمقراطية في المملكة المتحدة، واتهم سوناك – في كلمة ألقاها خارج مكتبه في داوننغ ستريت يوم الجمعة – من وصفهم بـ”المتشددين الإسلاميين واليمين المتطرف” بتعمّد تقويض الديمقراطية العريقة في بريطانيا.

وفي ما يبدو أنّه تأكيد لمواقفه الداعمة للمجزرة الصهيونية في غزة، انتقد سوناك الاحتجاجات الداعمة لغزة، وقال “من حقّ الناس الاحتجاج والمطالبة بحماية الحياة المدنية في غزة، لكن لا يمكنهم استخدام هذا لتسويغ الدعم لحماس، وهي جماعة محظورة”، وقال إنّ انتخاب غالاوي لمقعد برلماني أمر “يتجاوز مستوى القلق”، واتهمه بتجاهل الهجوم الذي شنّته المقاومة الفلسطينية على “إسرائيل” في السابع من أكتوبر 2023.

وردا على ما ورد في كلمة سوناك بشأن فوزه، أكّد غالاوي أنّه يناهض العنف والتطرّف، وذكّر بتعرّضه شخصيا لاعتداء في 2014، وأضاف “أنا ضدّ التطرّف والعنف مثل أيّ شخص آخر، وربما أكثر قليلا نظرا لتجربتي الشخصية”.

وكان غالوي، يشير إلى الاعتداء الذي تعرّض له في 30 أوت 2014 وهو نائب في البرلمان البريطاني، عندما هاجمه أشخاص واعتدوا عليه بالضرب مما أدى إلى كسر فكّه، في هجوم يُعتقد أنه ناجم عن تصريحاته المساندة للفلسطينيين، وفقا لما ذكره حزبه حينها.

استفتاء على غزة

وكان حزب العمال، الذي يدافع عن أغلبية تقترب من 10 آلاف صوت ويحتل مرتبة عالية في استطلاعات الرأي، يتوقّع منافسة مباشرة لاستبدال النائب الحالي، توني لويد، الذي توفي في 17 جانفي الماضي بسبب سرطان الدم.

لكن الحملة دخلت في حالة من الفوضى عندما تبيّن أنّ مرشحها أزهر علي كرّر نظريات المؤامرة المناهضة للاحتلال بشأن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 التي شنّتها كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) – وفصائل من المقاومة الفلسطينية ردا على الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في القدس والضفة الغربية، واضطر حزب العمال في النهاية إلى التبرؤ من أزهر علي والتخلي عن حملته بعد أسبوع واحد فقط من المنافسة.

وعلى الرغم من أنّ اسم علي كان على ورقة الاقتراع، فقد فات الأوان لاختيار مرشح آخر، إلا أنّ حزب العمال أوقف جميع الحملات الانتخابية في المدينة منذ ما يقرب من 3 أسابيع، من ناحية أخرى، كان غالاوي مندفعا ومتحمسا، فقام بجولة في روتشديل بمكبّر الصوت، واصفا الانتخابات الفرعية بأنها “استفتاء على غزة”، وفرصة لتنظيم احتجاج ضدّ حزب العمال.

ذيل الكلب الأمريكي

وظلّ غالاوي من أبرز المؤيّدين للقضية الفلسطينية، حيث قاد قوافل شريان الحياة الدولية إلى غزة التي زارها مع ناشطي التضامن، وحصل على الجنسية الفلسطينية التي قدّمها له إسماعيل هنية الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء الحكومة آنذاك.

وفي ديسمبر الماضي 2023، وصف جورج غالاوي، بريطانيا بـ”ذيل الكلب الأمريكي، والذيل لن يهزّ الكلب، وإذا كان الرئيس بايدن رأس الكلب إذا ما قال لنا هزوا سنهزّ”، وأعرب غالاوي، عن رفضه الشديد للمجازر والهجمات التي يتعرّض لها الفلسطينيون في قطاع غزة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.

وشبّه غالاوي، الدمار الذي يشهده قطاع غزة بمدن دريزدن وهامبورغ وبرلين الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، مشيرًا إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي غرس منذ اتفاقية أوسلو مئات الآلاف من المستوطنين في المناطق التي كان من المفترض أن تكون دولة فلسطينية مستقلة، وقال إنّ الفلسطينيين يتطلّعون إلى حلّ سياسي، ولن يفرّطوا بحقوقهم غير القابلة للتجزئة.

وأعرب غالاوي عن استعداده لدعم أيّ مخرج مشرّف يحفظ كرامة الشعب الفلسطيني، بدءًا من وقف القتال وإنهاء حصار غزة، داعيا إلى عقد مؤتمر دولي للوصول إلى حلول مستدامة، وفي إشارة إلى الوضع الإنساني الصعب في غزة، أشار غالاوي إلى أنّ السكان يعانون من الجوع وانعدام الخدمات الصحية، ملقيًا باللوم على الاحتلال في تدمير منظومات الصحة والبنية التحتية.

وقال غالاوي، إنّ تصريحات وزير في حكومة حرب الاحتلال الإسرائيلية، أثارت جدلاً واسعاً بعد تهديده بمسح قطاع غزة، مستخدما عبارات نازية صادمة، مثل محو سكان غزة حتى لا يبقى فيها أحد، واستذكر غالاوي قيادة قوافل الغوث لسكان غزة بعد وقوع كوارث مشابهة عام 2008، مشيرا إلى مرور 20 عاما من الحصار والصراع.

الإرهاب الحديث

وجدّد غالاوي انتقاداته للغرب، مشيرا إلى أنّه لا يشكّل سوى 13% من المجتمع الدولي، وتساؤل عن مسار نتنياهو الذي يقود دول الغرب التي تزوّده بالأسلحة لقتل الأطفال الفلسطينيين، وفي تعليقه على العلاقات البريطانية، ذكر غالاوي أنّ ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث لم تزر (تل أبيب) أبدًا، مرجحا أنّ القادة الحاليين ينتمون إلى حزب متطرف.

وأشار إلى جرائم “الصهاينة” خلال الانتداب البريطاني، معتبرا أنهم اخترعوا الإرهاب الحديث، وقال غالاوي إنّ الحكومة البريطانية قد نسيت تاريخها، حيث أشار إلى الهجمات التي شنّها الفلسطينيون خلال فترة الصراع السابق، مؤكدًا أنّ بريطانيا لم تعد دولة مستقلة بل تابعة للولايات المتحدة الأمريكية.

وانتقد غالاوي، وسائل الإعلام التقليدية، مشيرًا إلى أنّها تستجيب للضغط العام وتفتقر إلى تغطية شاملة للأحداث. وقال إنّ ملايين الأشخاص حول العالم تتجمّع للتعبير عن دعمها للشعب الفلسطيني في ظلّ التصاعد الكبير للتوترات في المنطقة. وفي الولايات المتحدة، أظهرت المظاهرات حضورا هائلًا من قبل مجتمعات متنوّعة، بما في ذلك اليهود الداعمين للحقوق الفلسطينية.

وأشار غالاوي إلى أنّ هناك تحولًا في الخطاب السياسي، حيث يعكس النفاق بوضوح، مؤكدًا على أهمية فهم الناس للحقائق ورفض السكوت أمام المأساة، وقال إنّ “ما نشهده هو صخرة كبيرة سيعاني نتنياهو من حملها ويسقطها على قدميه”، ‏لكن على المدى القصير “آلاف الأطفال الصغار يموتون ودمّهم يسيل على الأرض، لا يمكن تحمّل ذلك.. لا أستطيع أن أنظر إلى أطفالي دون أن أرى في وجوههم أطفال غزة، لذلك على المدى القريب يجب أن نقوم بشيء ما لنفرض وقف إطلاق النار”.

وفي رسالة وجّهها إلى الشعوب العربية، دعا غالاوي إلى الاتحاد والتضامن، مؤكدًا أنّ اليد الواحدة يمكنها التوجّه إلى الفلسطينيين في غزة والقدس، كما دعا إلى وقف العدوان على غزة وتوفير المساعدات الإنسانية اللازمة.

تاريخ من النضال

يعد السياسي المخضرم، جورج غالاوي، المولود يوم 16 أوت 1954 لعائلة أيرلندية مهاجرة تسكن مدينة داندي على الساحل الشمالي الشرقي لأسكتلندا، من أصدقاء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومدافعا شرسا عن القضية الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني نظرا لما بذله – طيلة مسيرته – من جهود حقوقية وسياسية ونضالية وإعلامية وحزبية لكشف جرائم الاحتلال الذي طالما وصفه بـ”الكيان الإرهابي”.

أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية الغربية سنة 2006، عندما شارك في البرنامج التلفزيوني “الأخ الأكبر”، وتبرّع بكامل قيمة الجائزة إلى منظمة “أنتريال” الخيرية التي تقدّم الدعم للشعب الفلسطيني.

وفي ثمانينيات القرن الماضي، أيّد قرار المجلس البلدي لمدينة داندي برفع العلم الفلسطيني فوق المبنى البلدي، لتكون المرة الأولى التي يرفع فيها العلم الفلسطيني على مؤسسة حكومية في الغرب.

عام 1989، أعلن إطلاق توأمة بين مدينة غلاسكو (كبرى مدن أسكتلندا) وقرية بيت لحم الفلسطينية، وشارك في العديد من قوافل الإغاثة لتخفيف آثار الحصار المفروض على أكثر من 1.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة. ويعد غالاوي من أشدّ الدعاة إلى حشد التضامن والدعم العربي والدولي لفلسطين، خصوصا في ضوء السياسات الإسرائيلية العنصرية التي أفرغت جلّ عمليات التفاوض من مضمونها.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر