رغم إحباطها من انخراط الرياض في “حرب النفط الجديدة”.. واشنطن لن تتخلّى عن مشروع التحالف (الخليجي الإسرائيلي)

غالبا ما كانت صفقة “النفط مقابل الأمن” هي جوهر العلاقات الأمريكية الخليجية، غير أن قرار ” أوبك +” بخفض الإنتاج النفطي، تم اعتباره بمثابة “حرب النفط الجديدة” ضد الولايات المتحدة، وأيضا خطوة إلى “قلب نظام الطاقة العالمي” بقيادة موسكو والرياض. وهو أمرٌ قد يُمثّل نقطة تحوُّل بين الخليج وواشنطن.

نشر الموقع الأمريكي “ناشيونل إنترست”، يوم 14 أكتوبر / تشرين الأول مقالا حول آفاق العلاقة الأمريكية السعودية خاصة، والخليجية عموما. تُقدّمه “الأيام نيوز” إلى قرّاء العربية.

كارتل نفطي.. تقُوده موسكو والرياض

تُشير الجهود المنسقة لدعم الأسعار، التي كان المنتجون الخليجيون يعرفون جيدًا أنها ستضُرُّ بالراعي الأمني منذ فترة طويلة، وتساعد في الحفاظ على المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا، إلى أن الرياض وأبو ظبي قد حسمتا رأيهما بشأن المسار الجيوسياسي المستقبلي لهما.

مع خفض “أوبك +”، غير المسبوق، لإنتاج النفط الأسبوع الماضي، تلاشت أي آمال في أن تكسب رحلة الرئيس “جو بايدن” إلى الخليج، قيمةً لواشنطن. والأهم من ذلك، أن قرار الكارتل النفطي، الذي تقوده السعودية وروسيا برفع أسعار النفط، قد يُمثل نقطة تحول بين الخليج وواشنطن.

أمريكا لم تعد جديرة بالثقة

إن رفض السعودية والإمارات زيادةَ إنتاجهما النفطي لم يكن مفاجأة، لأن البلدين يضعان مصالحهما دائمًا في المقدمة. في الواقع، أوضحت الرياض وأبو ظبي، في الأشهر التي سبقت جولة بايدن الخليجية، أن قراراتهما الإنتاجية سيكون دافعُها تحقيق الأرباح، وليس من أجل الحصول على تنازلات أمريكية، أو لمساعدة الغرب على عزل روسيا.

من وجهة نظر السعودية والإمارات، طُلب منهم تقليص أرباحهم المزدهرة والانقلاب على روسيا، شريكهما الوثيق بشكل متزايد، لإنقاذ إدارة أمريكية يرون بأنها صارت مُعادية، وغير جديرة بالثقة.

انقلاب في “نظام الطاقة العالمي

رفضُ ضخ المزيد من النفط شيء، لكن التنسيق مع موسكو بشأن خفض الإنتاج القياسي شيء آخر. ومع أن أسعار النفط الحالية أعلى بكثير من متوسط العقد الماضي، قامت السعودية وروسيا، بدعم متردد من الإمارات، بتدبير تخفيض قدرُه مليوني برميل يوميًا، لإعادة تأكيد السيطرة على السوق العالمية، ومواجهة الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لإبقاء الأسعار منخفضة.

وقد فشلت حملة الضغط المحمومة من البيت الأبيض على الرياض، في وقف هذه الخطوة الدراماتيكية، التي وصفتها صحيفة “فاينانشيال تايمز” بأنها الضربة الأولى في “حرب النفط الجديدة” ضد الولايات المتحدة، وخطوة في سياق الاستعداد لإحداث انقلاب في ” نظام الطاقة العالمي”، ومع ذلك، فإن أهمية خفض الإنتاج تتجاوز التأثير الاقتصادي المباشر.

الأولوية للعلاقات مع روسيا والصين

كان المنتجون الخليجيون يعرفون جيدًا أن “خطوتهم” النفطية ستضر بالراعي الأمني الأمريكي، ويبدو أن الرياض وأبو ظبي قد حسمتا رأيهما بشأن مسارهما الجيوسياسي المستقبلي، لذلك توجّهوا، في السنوات الأخيرة، إلى توسيع العلاقات مع الصين وروسيا للتّحوُّط ضد “محور” أمريكي بعيد عن مصالح المنطقة.

وفي هذا السياق، قررت السعودية والإمارات أن علاقاتهما مع واشنطن أقل قيمة مما كانت عليه في السابق، والأولوية للعلاقات مع القوى الأخرى دون التردّد في مجابهة الولايات المتحدة، عندما يناسبهم ذلك.

خفض الإنتاج ليس من أقل من خيانة

خفض الإنتاج جاء وسط أزمة الطاقة، الأكثر أهمية منذ عقود، وبعد أشهر فقط من اجتماع “بايدن” مع “محمد بن سلمان”، وقبل أسابيع فقط من الانتخابات النصفية الأمريكية، ليس أقل من خيانة. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها شركاء أمريكا في الخليج لضغوط كبيرة من المُشرعين في الكونغرس، لكن الضجة مختلفة هذه المرة. بعد سنوات من الانتقادات، التي اقتصرت إلى حد كبير على مخاوف حقوق الإنسان، تتساءل مجموعة متزايدة في الكونجرس الآن عن علاقات الولايات المتحدة مع السعودية والإمارات، على أسس استراتيجية.

نقل أنظمة الدفاع الصاروخي من السعودية إلى أوكرانيا

وسط هذا التحوُّل، طالب الديمقراطيون، بمن فيهم العديد ممن لم يتخذوا موقفًا متشددًا بشكل خاص في الماضي، بإصلاح السياسة الأمريكية في الخليج، تمامًا كما وعد “بايدن” نفسه خلال فترة ترشيحه للرئاسة.

مع الإجراءات الانتقامية القاسية التي يتم نهجُها من قبل بعض أقوى اللاعبين في الكابيتول هيل (مبنى الكابيتول الأمريكي)، قد لا تقتصر التداعيات على التصريحات النارية. مثلا، النائب توم مالينوفسكي (ديمقراطي من نيوجيرسي)، الذي دافع جهارًا في جويلية / يوليو عن جولة بايدن الخليجية كضرورة، قدم بسرعة تشريعات لإزالة جميع القوات الأمريكية والأصول العسكرية من السعودية والإمارات، وهي الخطوة التي أيّدتها مجموعة من المشرعين.

وأيضا، اقترح السناتور “كريس مورفي” على إدارة بايدن أن تنقل أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية من السعودية إلى أوكرانيا. وأعلن السناتور ريتشارد بلومنتال (الديمقراطي عن ولاية كارولينا الشمالية)، والنائب رو خانا (الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا)، عن تشريعات لوقف جميع مبيعات الأسلحة إلى السعودية لمدة عام واحد.

بالإضافة إلى هذا، هناك دعم متزايد لما يسمى بقانون “نوبك”، والذي من شأنه أن يستهدف أوبك بقوة لانتهاكات مكافحة الاحتكار. ستواجه مثل هذه القوانين معركة شاقة في الكونجرس المنقسم، لكن من الواضح أن خفض “أوبك +” قد يكون لحظة فاصلة بالنسبة للكثيرين في واشنطن.

من جانبها، اقترحت إدارة بايدن أن “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”، بما في ذلك رفع العقوبات عن فنزويلا لتعزيز إمدادات النفط، ودعم جهود الكونجرس لقمع “أوبك”، وتجميد مبيعات الأسلحة إلى السعودية.

العلاقات الأمريكية الخليجية على حافة الهاوية

ومع ذلك، فإن المشكلة التي تواجه البيت الأبيض هي أن مساعيه لإصلاح العلاقات مع السعودية لم تكن، كما افترض الكثيرون، مدفوعةً فقط بمخاوف الطاقة الفورية. في الواقع، أدرك المسؤولون الأمريكيون أن زيارة الرئيس، في يوليو / جويلية، من غير المرجح أن تُؤمّن امتيازات نفطية كبيرة، وبدلاً من ذلك، إنه مع وجود العلاقات الأمريكية الخليجية على حافة الهاوية، فإن بكين وموسكو تحرزان تقدمًا في المنطقة، إضافة إلى توقف المحادثات النووية مع إيران، ولم يكن لدى “بايدن” خيارٌ سوى إعادة النظر في “مكانة” أمريكا في منطقة الخليج. في الواقع، كان “بايدن” مقتنعًا في النهاية بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتسامح مع تحول الخليج نحو خصوم الولايات المتحدة في العالم الجديد الذي وُلدت فيه “حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”.

واشنطن لن تنسحب من الخليج وتترك فراغا يملؤه خصومها

وهكذا، خلال رحلته، في جويلية / يوليو، إلى السعودية، طمأن “بايدن” قمةَ القادة العرب بأن “الولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان” ولن “تنسحب وتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”. وبدلاً من مجرد التركيز على خفض أسعار الغاز، سعت زيارة بايدن إلى “إعادة ضبط” العلاقات بالكامل مع السعودية، وإرساء الأساس لهيكل جديد في الشرق الأوسط تحت شعار “التكامل الإقليمي”.

تحالف دفاع جوي (عربي-إسرائيلي) متكامل

بالاستفادة من نموذج اتفاقيات “أبراهام” والتهديد المشترك لإيران، تهدف الولايات المتحدة، أيضًا، إلى تشكيل تحالف دفاع جوي (عربي-إسرائيلي) متكامل، يستخدم التكنولوجيا الأمريكية و(الإسرائيلية)، وتبادل المعلومات الاستخباراتية لمواجهة الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية. لقد جعلت التطورات الأخيرة هذا الهدف الأمريكي طويل الأمد في متناول اليد، وجعلت إدارة بايدن والقيادة المركزية الأمريكية والكونغرس ترسيخ التحالف (العربي الإسرائيلي) الناشئ أولوية قصوى. زعمت “إسرائيل” هذا الصيف أن “تحالف الدفاع الجوي للشرق الأوسط”، الذي تقوده الولايات المتحدة نشط بالفعل، مع مشاركة الإماراتيين والسعوديين في المحادثات، حسبما أفادت شبكة “أن بي سي” في سبتمبر / أيلول، تخطط القيادة المركزية الأمريكية لفتح منشأة جديدة في السعودية “لتطوير واختبار قدرات الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة”. في الواقع، تحدد استراتيجية الأمن القومي لعام 2022، التي تم إصدارها مؤخرًا، مثل هذا التحالف باعتباره هدفًا طويل الأجل لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

واشنطن لن تقطع دعهما العسكري للخليج

على الرغم من كل إحباطها بشأن خفض “أوبك +”، قد لا تكون إدارة بايدن على استعداد للتخلي عن رؤيتها الأكبر لكتلة عربية (إسرائيلية) بقيادة الولايات المتحدة. وبينما انسحبت الولايات المتحدة من اجتماع، كان مُقررا عقده مستقبلا، بشأن الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل في الرياض، أسقطت إدارة بايدن الدعواتَ لإعادة النظر على نطاق أوسع في المبادرة.

قال منسق الاتصالات في مجلس الأمن القومي جون كيربي، يوم الثلاثاء الماضي، إنه “لم يتغير شيء بشأن إيماننا بأن شبكة الدفاع الجوي والصاروخي المتكاملة” في مصلحة الولايات المتحدة.  وأضاف مسؤول في وزارة الخارجية أن الولايات المتحدة “ليس لديها خطط” لقطع الدعم العسكري للسعودية والإمارات.

ترامب نجح بالتهديد.. بايدن فشل بالديبلوماسية

في حين أن فحوى استجابة الكونجرس تبدو مختلفة هذه المرة، فإن “غضب” أعضائه، وحتى التشريع، غالبًا ما فشل في إحداث تغييرات ذات مغزى في المساعدة الأمريكية لعملائها في الخليج. وبينما تصوغ إدارة بايدن ردها على “السعودية”، سيكون من الحكمة أن نتذكر بأنه لم يكن احترام الرئيس السابق دونالد ترامب للرياض، ولكن تهديده بسحب القوات الأمريكية من المملكة، هو الذي أقنع السعوديين بخفض إنتاج النفط، عندما انخفض الطلب في بداية وباء كوفيد -19.

محمد ياسين رحمة - الجزائر

محمد ياسين رحمة - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر محكمة الدار البيضاء تفصل غدًا في قضية بوعلام صنصال بعد محادثات الرياض.. واشنطن تعلن عن اتفاقات جديدة بين موسكو وكييف مشاريع ترامب حول العالم.. أرباح في آسيا وخسائر في أوروبا خطة طريق لتعزيز رقمنة قطاع التجارة الداخلية الجزائر تعيد رسم خارطتها الغذائية.. القمح الفرنسي خارج الحسابات بن جامع: "الهجمات الصهيونية انتهاك صارخ لسيادة سوريا ويجب وقفها فورًا" ارتفاع أسعار النفط عالميا وسط مخاوف من تقلص الإمدادات الجزائر والعراق.. شراكة طاقوية استراتيجية في ظل التحولات العالمية برنامج عمل مشترك بين وزارة الشباب ومكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر مولوجي تُشدد على ضرورة "تحيين" مناهج التكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا الجمارك تحجز أكثر من ربع مليون "قرص مهلوس" بالوادي  أوابك.. الغاز الطبيعي المسال سيلعب "دورا رئيسيا" في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون برنامج الغذاء العالمي.. 70 ألف لاجئ كونغولي ببوروندي مهددون بالمجاعة تنسيق جزائري-سعودي خِدمةً للحجاج والمعتمرين الجزائريين