في قرار كان منتظرا، كشفت وسائل إعلام إسبانية عن تطور جديد في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا، تمثلت في تفعيل الجزائر لورقة الغاز، ردا على قرار حكومة مدريد بدعم خارطة الطريق التي طرحها نظام المخزن المغربي، لتسوية قضية الصحراء الغربية.
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة “الموندو” الإسبانية في عددها الصادر اليوم إن الجزائر قررت رفع أسعار الغاز المصدر نحو إسبانيا بداية من العام الجاري وحتى العام 2024 على الأقل، في أحدث موقف يصدر عن الجزائر في خضم الصراع الحاصل بين العاصمتين، بسبب “خرجة” مدريد الأخيرة وغير المتوقعة.
إخراج الجزائر لسلاح الغاز من أجل ردع الحكومة الإسبانية كان منتظرا، وقد أصبح على الطاولة، وفق الصحافة الإسبانية، ما يعني أن مدريد خسرت وضعية الزبون المفضل وفق ما هو مدون في الاتفاقيات المبرمة بين البلدين منذ عقود، لأن إسبانيا كانت مستفيدة من وضعها الخاص بحكم العلاقات الإستراتيجية التي تطبع العلاقات الثنائية، غير أن هذا المعطى أصبح من الماضي، منذ نهاية الأسبوع المنصرم.
هاجس الإسبان اليوم لم يعد فقط تضرر سمعة بلادهم بسبب القرار الارتجالي الصادر عن رئيس حكومتهم بيدرو سانشيز، بالنظر لخصوصية القضية الصحراوية بالنسبة إليهم باعتبار إسبانيا هي المستعمرة السابقة ما يجعلها مسؤولة بطريقة أو بأخرى أخلاقيا وسياسيا في تمكين الشعب الصحراوي من حقوقه المكفولة بنصوص القانون الدولي، وإنما في تبعات هذا القرار على المواطن الإسباني التي يطهي غذاءه ويتدفأ وينتج كهرباءه من الغاز القادم من الجزائر.
من يدفع الثمن بعد قرار الجزائر مراجعة أسعار الغاز التي وصلت إلى مستويات قياسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، هو الشعب الإسباني الذي يعاني أصلا من غلاء الأسعار بسبب تداعيات الجائحة الصحية التي اجتاحت العالم في السنتين الأخيرتين، ومن بعدها الحرب في شرق القارة العجوز، وهو ما يضعه في موجهة الحزب الاشتراكي الذي يقف خلف القرار الأخير وغير المدروس للحكومة الإسبانية.
ويعتقد الخبراء الإسبان أن استدعاء الجزائر لسفيرها في مدريد يتحمل مسؤوليته الطرف الإسباني، لأنهم يدركون تداعيات مثل هذه التطورات على المواطن في شبه الجزيرة الإيبيرية، وقد جاء في الوقت الأسوأ، تقول صحيفة “لفوث دي غاليسيا”، في ظل أزمة الغاز التي تعيشها إسبانيا برمتها جراء الحرب الروسية الأوكرانية.
وتساءلت الصحيفة: “ماذا سيحدث إذا أغلقت الجزائر الصنبور؟ سيصادف أن يظل 40 بالمائة من الطلب على المحروقات في إسبانيا مكشوفًا. على الرغم من وجود مخزونات تكفي لثلاثة أشهر، يجب البحث عن موردين آخرين بأقصى سرعة”.
وترسم الصحيفة واقعا صعبا في حال قررت الجزائر إغلاق صنبور الغاز، لأن إسبانيا بعد ذلك لا يمكنها الحصول على غاز عن طريق الأنابيب، بل عن طريق ناقلات الغاز العملاقة وهذا من شأنه أن يضاعف سعر هذه المادة الحيوية في الأسواق الإسبانية.
ووفق الصحيفة فإن المواد الخام التي تصل عن طريق البحر لها تكاليف إمداد تقارب ضعف تكلفة الوقود الذي يتدفق عبر الأنبوب.
واستنادا لأحدث البيانات من اللجنة الإسبانية للأسواق والمنافسة في سوق الغاز بالجملة، بلغ سعر الواردات عبر خط أنابيب الغاز 25.43 أورو لكل ميغاواط / ساعة، مقابل 46.12 يورو للغاز الطبيعي المسال (LNG) الذي يصل عن طريق الناقلات.
ويتباكى الإسبان اليوم على الغاز الجزائري لأنه الأرخص مقارنة بغيره كونه يصلهم عن طريق الأنابيب وليس على متن الناقلات، وبالتالي فهم مقتنعون بأن بلادهم سوف لن تحصل على غاز بسعر رخيص إلا من الجزائر لقربها، أما ما تشتريه من الولايات المتحدة ونيجيريا وقطر وروسيا، فلن يكون إلا عبر الناقلات.
تضرر العلاقات الجزائرية الإسبانية سيفقد مدريد ورقة كانت تحلم بلعبها وهي أن تصبح ممولة لأوروبا بالغاز الجزائري، ووفق الخبراء فإن إيطاليا هي المستفيد الأول، بحيث بات الطريق أمامها مشرعا لتوزيع الغاز الجزائري الذي يفيض عنها إلى الدول الأوروبية، عبر أنبوب “ترانس ماد” والثاني الذي يوجد قيد الإنشاء.