رفع اليد الصهيونية عن غزة وإلا..! لماذا تبقى يد اليمنيين في البحر الأحمر هي الطولى؟!

تمكنت قوات البحرية اليمنية، التي كثّفت ـ خلال الأسابيع الأخيرة ـ هجماتها في البحر الأحمر، مستهدفة السفن التي تتعامل مع الكيان الصهيوني، من إرغام جزء من قطاع النقل البحري على تجنب قناة السويس، فما الذي كسبته هذه القوات من وراء ذلك؟

وللإجابة عن هذا السؤال، أجرت صحفية “لوتان” السويسرية مقابلة مع عالم الأنثروبولوجيا، فرانك ميرمييه، المتخصص في الشأن اليمني، ومدير الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، لتبيين الحسابات من وراء هذه العملية، بعدما استطاع اليمنيون من خلال دفاعهم عن القضية الفلسطينية، تعزيز شرعيتهم.

وأوضح ميرمييه – وفق تلخيص للكاتب لويس ليما لهذه المقابلة- أن دخول القوات اليمنية المدوي على الساحة جاء في سياق دعم القضية الفلسطينية، وهو ما جعل عملهم يحظى بدعم واسع من الشعب اليمن حتى خارج مناطق سيطرتهم، وبالتقدير في العالم العربي الذي يدعم الفلسطينيين، وهو ما قد يعطيهم قدرا من النفوذ الإقليمي، خاصة أن مشاركتهم كانت فعالة إلى حد ما، إذ أثرت على إمدادات الموانئ الإسرائيلية بشكل مباشر.

ويعكس هذا العمل رغبة اليمنيين في إظهار قوتهم على المستوى الوطني والدولي، وأنهم يمثلون الشرعية في اليمن، كما يوجهون من خلاله رسالة إلى جيرانهم، وخاصة السعودية من أجل رفع سقف المفاوضات معها لكسب بعض التنازلات.

معضلة كبيرة

ويواجه التحالف الأمريكي معضلة كبيرة – وفق ميرمييه – لأن تدخله عسكريا في القواعد التي يوجد فيها الجيش اليمني قد يؤدي إلى تسريع انعدام الأمن في البحر الأحمر، وبالتالي تفاقم المشكلة، أما إذا لم يفعلوا شيئا، فستتعرض التجارة البحرية لمزيد من العوائق، وربما تقرّر “إسرائيل” التدخل بشكل مباشر.

ومع أن رهان اليمنيين هو الفائز حاليا، فالكاتب يرى أنه من الصعب الحكم على مقدار العقلانية في قرارهم، لأنهم ذهبوا بعيدا في اللعبة، وهو ما قد يعرض مكاسبهم الحالية للخطر فيما يتعلق بوقف إطلاق النار والمفاوضات مع السعودية مثلا، وفي تخفيف الحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء، لأن التحالف والأساطيل المختلفة قد تطبق عليهم الحصار، حتى لا يعبر شيء إليهم، حتى المساعدات الإنسانية، وهو ما سيكون كارثيا.

وختم الباحث الفرنسي عند سؤاله عن العلاقة بين المقاومة اليمنية وإيران بأن هذه الحركة في بدايتها مرتبطة بمشاعر الإحباط والتهميش الإقليمي، ولها أسباب داخلية لا علاقة لها بإيران، ولكن المقاومة اليمنية عندما وصلت إلى السلطة عام 2014، حصلت على مساعدة فنية ولوجستية من طهران، وإن كان ذلك لا يعني أنها تخدم مصالح إيران.

يشار إلى أن القيادة المركزية الأمريكية قد قالت إن سفينة حربية تابعة لها (يو أس إسلابون) أسقطت – دفاعا عن النفس- طائرة مسيّرة أطلقت من اليمن جنوب البحر الأحمر يوم السبت، بالقرب من عدة سفن تجارية.

“حارس الازدهار”

وأشار البيان إلى أن “إسقاط المسيرة جاء دفاعا عن النفس في المياه الدولية جنوب البحر الأحمر على مقربة من السفن التجارية المتعددة”، ولفت إلى أنه “لم يتم الإبلاغ عن وقوع إصابات أو أضرار”، دون ذكر مزيد من التفاصيل.

في سياق مواز، قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إنها تلقت تقريرا عن اقتراب 6 زوارق صغيرة من سفينة تجارية على بعد حوالي 50 ميلا بحريا جنوب شرقي مدينة المخا اليمنية، قبل أن تغادر الزوارق المنطقة، وأضافت الهيئة البريطانية في مذكرة حول هذه الواقعة “تم الإبلاغ عن سلامة السفينة وطاقمها”.

وتضامنا مع قطاع غزة الذي يتعرض منذ 7 أكتوبر الماضي لعدوان صهيوني، تستهدف قوات البحرية اليمنية بصواريخ ومسيّرات سفنَ شحن بالبحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات صهيونية أو تنقل بضائع من وإلى الكيان.

ومن جانبه، أعلن وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في 18 ديسمبر الماضي عن تشكيل قوة عمل بحرية باسم “حارس الازدهار” تضم 10 دول، بينها دولة عربية واحدة هي البحرين، بهدف مواجهة الهجمات في البحر الأحمر.

وتستحوذ التجارة البحرية على 70% من واردات الكيان، ويمر 98% من تجارتها الخارجية عبر البحرين الأحمر والمتوسط، بينما تساهم التجارة عبر البحر الأحمر بـ 34.6% في اقتصاد “تل أبيب”، بحسب وزارة المالية الإسرائيلية.

يُعد التعامل مع “التهديد اليمني” أحد الملفات الشائكة التي تهدد بتفجر العلاقة بين أمريكا والكيان الصهيوني، فرغم الدعم العسكري المفتوح الذي تقدمه واشنطن للمجهود الحربي للاحتلال، ثمة خلافات جوهرية بين الطرفين، أهمها أن واشنطن لا تبدو مرتاحة لفكرة حرب بلا نهاية في غزة، فضلا عن تشككها في إمكانية إخضاع القطاع للسيطرة الإسرائيلية.

تبدو الخلافات أصعب حول ما يفعله اليمنيون في البحر الأحمر، إذ ترفض واشنطن توجيه ضربة عسكرية مباشرة لليمنيين، ما دفع نتنياهو لإبلاغ الإدارة الأمريكية عزمه التحرك عسكريا ضدهم إذا لم تتخذ واشنطن أي إجراءات.

في الأخير، قررت واشنطن التدخل على استحياء من أجل حماية السفن التي قد يستهدفها اليمنيون، دون أن تتخذ قرارا بالتصعيد المباشر ضدهم، وينبع هذا القرار المتحفِّظ حيال التهديدات الأمنية التي تواجه الملاحة في البحر الأحمر من حسابات معقدة، تتعلق في جوهرها بالأوضاع في اليمن والحرب الدائرة فيها منذ عام 2014.

موقف السعودية

وبحسب ما نشرته وكالة “رويترز”، فقد ضغطت السعودية على الولايات المتحدة، وطلبت منها بوضوح عدم مهاجمة اليمنيين، والالتزام معهم بضبط النفس، لأن ذلك يضُر بعملية السلام التي تقودها في اليمن، كما أن الاندفاع نحو حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط يهدد الممرات البحرية التي يمُر عبرها النفط السعودي، وهي أكبر مُصدر للنفط عالميا.

في غضون ذلك، دلَّلت شواهد عدة على التأثير الذي أحدثه “طوفان الأقصى” على القرار السياسي العربي، بما في ذلك داخل اليمن ذاته، ومن ضمن التحولات الجديدة امتناع الجماعة اليمنية المدعومة من الرياض عن المشاركة في التحالف البحري الذي دعت إليه الولايات المتحدة لحماية خطوط الملاحة التي تتعرض لتهديدات الجيش اليمني.

وفي الوقت الذي يقول فيه اليمنيون الذين يسيطرون على ثلاثة موانئ رئيسة إن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر لها أهداف مُحددة ومعروفة للجميع، ولا تستهدف إلا السفن الصهيونية، دعت الولايات المتحدة لتوسيع قوة المهام المشتركة “153”، وهي وحدة عسكرية تضم 39 دولة تركز على تأمين ومكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وخليج عدن.

وقد تولَّت مصر قيادتها منذ ديسمبر 2022، قبل تسليمها إلى الأسطول الخامس الأمريكي الذي يتولى قيادتها حاليا منذ جوان الماضي. وبينما تتصدر مصر وإلى جوارها السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة مسؤولية حماية التجارة العالمية، وسلامة عبور ناقلات النفط من قناة السويس، لا يبدو أن أحدا من هؤلاء يرغب في خوض مواجهة مباشرة مع الجيش اليمني في هذا التوقيت، خاصة أن عملية كتلك سوف تظهر الحقيقة المخفية وهي خدمة المصالح الصهيونية تحت ذريعة تأمين الملاحة في البحر الأحمر.

وما يزيد من تعقيد الموقف أن إيران هدَّدت رسميا، على لسان وزير دفاعها، بأن ذلك التحالف سيواجه مشكلات استثنائية، ووجَّهت تحذيرا ضمنيا للجميع بأن المنطقة لم تعُد قادرة على تحمل المزيد من صراعات القوى نتيجة “الحماقات الأمريكية”، على حد تعبيره.

وفي ضوء ذلك، لا أحد يميل لاتخاذ خطوات أحادية متسرعة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بسبب الرفض العربي من جهة، وحتى إحجام العديد من حلفاء الولايات المتحدة الغربيين عن المشاركة وفي مقدمتهم إسبانيا، ومنعا لهدم سنوات من السلام مع اليمنيين من جهة أخرى.

على حافة الهاوية

هذا، إلى جانب الرغبة في عدم توسيع الحرب إقليميا، وهو نهج حرصت عليه واشنطن جزئيا بعد أن حثت الكيان الصهيوني على عدم الرد عسكريا على اليمنيين، لأن ذلك يمكن أن يشعل صراعا أوسع في منطقة على حافة الهاوية بالفعل، بحسب ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية.

ويبدو أن توجيه ضربة عسكرية غربية شاملة ضد المقاومة اليمنية ليس أمرا سهلا على ضوء التعقيدات والتشابكات الكثيرة التي تربط الحكومة اليمنية بمحادثات السلام مع الرياض، والتحالفات الوثيقة مع طهران، علاوة على التوتر في الأهداف المُعلنة حيال حرب غزة بين الحليفين الأوثق، “تل أبيب” وواشنطن.

لذلك، فإن هجمات اليمنيين على السفن الصهيونية مرشحة للاستمرار حتى ينجح المجتمع الدولي في إيقاف آلة القتل الصهيونية، ووضع نهاية للمجزرة التي دخلت شهرها الرابع.

لذا، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو أن واشنطن، كما فعلت في تدخلها الأخير، سوف تستمر في سياسة التدخلات المحدودة الهادفة لمنع ضربات اليمنيين في مهدها، وهي سياسة لا ترقى لتقويض قوة البحرية اليمنية، لكنها تنأى بالولايات المتحدة عن توسيع نطاق الصراع في البحر الأحمر.

لا يُدلِّل على ذلك أكثر مما قاله البيت الأبيض، في أعقاب الهجوم الأمريكي على زوارق يمنية، إذ أصدر بيانا قال فيه إنه لا يسعى لتوسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط. وأيضا، كما قال جون كيربي منسق الاتصالات الإستراتيجية بمجلس الأمن القومي الأمريكي: “نحن لا نسعى إلى إشعال صراع مع المقاومة اليمنية، الأفضل هو أن تتوقَّف المقاومة اليمنية عن هجماتهم، كما أوضحنا لهم مرات ومرات”. لكن اليمنيين لن يوقفوا هجماتهم ما لم يتم الاستجابة إلى طلبهم الأوحد: رفع اليد الصهيونية عن غزة.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الألعاب العسكرية الإفريقية بنيجيريا.. شنڨريحة يترأس حفل تكريم أعضاء الوفد الرياضي زيتوني: الإصلاحات الاقتصادية في الجزائر أنعشت طلبات الاستثمار 121 مليار متر مكعب إضافية من الغاز.. حاسي الرمل يتحدى النضوب بالأرقام.. وزارة التجارة تكشف قيمة المحجوزات في 2024 الأزمة السودانية والوضع في الساحل.. هذا ما بحثه الوزير عطاف مع مسؤول إفريقي “مسار وهران”.. استئناف أشغال الندوة الـ11 رفيعة المستوى حول السلم والأمن في إفريقيا من الأغواط إلى ثياروي.. فرنسا تغسل يديها بدماء ضحاياها تطهير الديون الجبائية المتجاوزة 4 سنوات.. المديرية العامة للضرائب توضح عبر معبر كرم أبو سالم.. الأونروا تعلن تعليق إيصال المساعدات إلى القطاع الجيش الصهيوني يواصل انتهاكاته لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان قوجيل يهنىء النخب الرياضية الوطنية العسكرية إنهاء التعاون العسكري مع فرنسا.. بداية استقلال جديد لإفريقيا الثورة الجزائرية مرآة المقاومة الفلسطينية.. "أنا وراك دايما" براءة اختراع.. تجربة بلقاسم حبة تلهم المؤسسات الناشئة محمود علي يوسف: إفريقيا تواجه تحديات أمنية كبيرة تستدعي تعزيز التعاون النخبة الجزائرية المشاركة في الألعاب العسكرية بنيجيريا.. الفريق أول شنڨريحة يهنئ بعد فشل العدوان على غزة ولبنان.. سوريا بين فكّي أفعى الإرهاب الصهيو-تركي الرئيس تبون يُهنئ المنتخب الوطني العسكري لألعاب القوى الجزائر – أوغندا.. نحو التحضير لاجتماع اللجنة المشتركة هشام العلوي: محمد السادس خطر على المغرب