شهدت احتفالات افتتاح الألعاب المتوسطة بوهران، حضورا مميزا ورمزيا لضيوف الجزائر، لكن خلفيات هذا التمثيل تحمل الكثير من الرسائل السياسة، وهو مؤشر على طبيعة المحاور الإقليمية التي تتحرك ضمنها الجزائر في ظل السياقات العالمية الراهنة والمعقدة.
كان إلى جانب الرئيس عبد المجيد تبون في المنصة الشرفية لملعب وهران الجديد، ميلود هدفي، ضيفان مميزان، هما أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونائب الرئيس التركي، فؤاد أقطاي، وبين هذه الدول الثلاث خصوصيات رصدت على مر السنوات القليلة المنصرمة.
قد يقول البعض إن المحفل رياضيٌ ولا ينبغي تحميله أكثر مما يحتمل، لكن وفي غياب أية معطيات بشأن الدعوات التي وجِّهت للضيوف، فإن من لبّوا الدعوة كانوا قادة دول لها علاقات خاصة مع الجزائر، وهو يعزز من تحميل هذا الحضور حمولة سياسية أيضا.
فقبل نحو شهر من الآن كان الرئيس عبد المجيد تبون، في تركيا في زيارة عمل امتدت لثلاثة أيام، وحفلت بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات الثنائية مسّت قطاعات عدة، وقد جاءت تلك الزيارة ردّا على الزيارة التي قادت الرئيس التركي، رجب الطيب أردوغان، إلى الجزائر في جانفي 2020 كأول رئيس دولة يزور الجزائر بعد انتخابات الرئيس تبون رئيسا للجمهورية.
أما دولة قطر فكانت وجهة الرئيس تبون في فبراير المنصرم، وقبلها بقليل وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة،
كما زار رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق السعيد شنقريحة، الدوحة في مارس المنصرم، للمشاركة في فعاليات النسخة السابعة من المعرض الدولي للدفاع البحري (ديمدكس-2022).
ويعتبر تعدد الزيارات بين البلدين وجود تعاون ومصالح مشتركة وقبول وتفاهمات بشأن قضايا تهم الأطراف المعنية، وهي الحالة التي تنطبق على كل من الجزائر وأنقرة والدوحة.
ويمكن حصر المصالح المشتركة مثلا على صعيد البعد الاقتصادي في الاستثمارات، وبالنسبة لقطر فهناك مصنع بلارة للحديد والصلب، وفضاءات خدماتية واسعة، أما تركيا فقد قفزت إلى الواجهة كواحد من أبرز الشركاء، متقدمة على دول كانت لها حظوة قديمة وامتيازات لا حصر لها، كما أن نشاطها الاستثماري موزع على جميع القطاعات من الحديد والصلب كما هو الحال بالنسبة لمصنع “توسيالي” في وهران، ومركب النسيج العملاق في غليزان، والذي يعتبر الأول من نوعه في القارة السمراء، والبناء والأشغال العمومية والمياه والري والطاقة، فيما يتوقع إبرام صفقة بين البلدين في مجال التسليح، ولا سيما الطائرات الحربية “بيرقدار”، من دون طيار (الدرون)، التي برعت فيها أنقرة
وعلى الصعيد الجيوسياسي، تتقاسم البلدان الثلاثة الموقف في واحدة من أهم القضايا، وهي القضية الليبية، فكلاهم متفقون على أن الحل يجب أن يكون سلميا وليس عبر العسكرة، وقد اتفقوا على رفض العملية العسكرية التي قادها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، في العام 2020 للسيطرة على العاصمة طرابلس، ويتذكر الجميع التحذير الذي أطلقته الجزائر على لسان وزير خارجيتها السابق، صبري بوقدوم، عندما قال إن طرابلس خط أحمر.
أما تركيا وقطر فقد كان لهما حضور عسكري مباشر في صدر هجوم حفتر، وكشفت الأزمة الليبية أن هذا المحور نشطت عليه الجزائر أيضا ولا تزال، ويعتبر موقفها قريب من محور تركيا وقطر.