“زهور تذبل” تحت هذا الوسم امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي وتحرّك الناشطون والإعلاميون بالصوت والكلمة فخرجت الكثير من الروايات للقرّاء والمتابعين، ليحل بعدها السواد ضيفا على صنعاء المدينة الرازحة تحت وطأة الحرب لما يربو عن ثمانية سنوات، وكُشف الستار عن مشهد مأساوي لقضية إنسانية يندى لها جبين التاريخ، لتصبح غصّة يتجرّعها شعب بأكمله دون بكاء، فأنّى تجد دمعة في عين شعب – بعد سنوات من الحرب – تُمكّنه من غسل روحه المُنهكَة.
فهنا على قارعة العدالة المنشودة مُنذُ ما يقارب العام، تقف زهور وأختيها في انتظار قطار عدالة تعيد ما سُلب من حقوق نفسية، أما عذريّة الورد وعبيرها الزاكي فقد نُزفت ذات ليال شاهدة على نديم سهرة لذئاب بشرية، زهور، الطفلة التي لم تبلغ الثانية عشر بعد وبرفقتها أختان يصغرنها بسنوات تزيد عن أربع، وبجوارهن أب ينشد الضياع وعيناه اللّتان يخاطبهما بما قالته الخنساء ذات حزن وفراق ” أعيناي جودا ولا تبخلا.. ألا تبكيان لصخر الندى”.
الضحايا والذئاب
زهور وليان وأصغرهن أميرة، شقيقات ثلاث تعرّضن لاغتصاب متكرّر واستغلال جنسي من قبل أربعة رجال بالغين، وخامسهم حسب بعض الروايات في إطار الاتهام، في قضية وصفها القضاء اليمني بالدعارة والزنا تحت إشراف مباشر من زوجة الأب المدعوّة “فاطمة علي قدحة”، التي استغلت غياب زوجها، العامل في الأراضي السعودية، لتتاجر بأجساد فتيات لا يعرفن معنى مشقّات الحياة فضلا عن انتهاك واغتصاب.
القضية ظلّت حبيسة الأدراج في دهاليز القضاء في محكمة بني الحارث شمال محافظة صنعاء منذ مرور ما يقارب 10 أشهر، وما إن أشرقت شمس الثاني عشر من أيلول/سبتمبر الحالي، إلا وانتشرت القضية كالنار في الهشيم، حيث خرجت شقيقة الأب “عمّة الطفلات” حسيبة الضلعي عن صمتها، عن طريق مقطع فيديو تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي، كاشفة تفاصيل الجريمة المُروّعة، ومُوضحة فصول مأساة إنسانية، تعود تفاصيلها إلى العام الماضي، لطفلات مُورِس ضدّهن الاعتداء الجنسي لأشهر عديدة.
ثم ما لبث والد الفتيات، الذي عاد من الغربة بطريقة مفاجئة ليكشف حقيقة متاجرة زوجته ببناته الثلاث، حيث ظهر عبر العديد من الفيديوهات وهو تارة ينشد بمفرده “السفارة اليمنيّة” بالسعودية والقضاء بصنعاء، لعلّهم يُسرِّعوا عملية القبض على المتهمين الذين خرجوا من السجن سريعا في تفاصيل غامضة يجهلها الرأي العام، وتارة أخرى يظهر مع فتياته الصغار، مستعينا ببراءتهن الطاغية، لعلّ صوتهن يصل أصقاع الدُنا.
وضع مأساوي
أوراق تحقيق قضائية وتقارير طبية تسّربت لتدلّ على وحشية المغتصبين وتواطؤ رسمي مع الجناة الذين فرّوا إلى الخارج حسب شهود عيان، فمنهم من يتواجد في جمهورية مصر ومنهم من وَجَد في السعودية ملاذا للهروب من عدالة قد تقتص منه.
الطفلات الثلاث، وفي حديثهن للجهات المختصة وصفن كيفية تعرضهن للاعتداء الجنسي، بالأصابع والأعضاء الذكرية من قبل الجناة، رغم صراخهن من الألم الشديد، حيث أثبتت تقارير الطب الشرعي – التي تم تداولها – تمزقات في غشاء البكارة للطفلات الثلاث، وتعرّض الكبيرة منهن لاعتداء وتمزّق إضافي في فتحة الشرج وإصابتها بـ “الناسور المهبلي”، إذ استُخرج من رحمها “أكياس نيلون، وشاش، وقطع قماش، وشعر، وقطن”.
من جهة أخرى، أظهرت أوراق التحقيق في القضية، التي نشرها ناشطون وحقوقيون على حساباتهم في تويتر، أن القضية تتعلّق بشبكة “دعارة” مُكوّنة من زوجة الأب وخمس نساء أخريات رفقة المتهمين الخمسة.
الحالة النفسية
في التحقيقات الرسمية قالت الطفلات الثلاث، أن زوجة الأب وشركاءها مارسوا الجنس أمامهن مراراً وتكراراً، وأن الطفلة الكبرى، زهور، أُجبرت على إعداد الشيشة (النارجيلة) للرجال الذين قضوا ليالٍ وأياماً في منزلهن.
وفي هذا السياق تتحدث الدكتورة النفسية إلهام الشويطر، لـ “الأيام نيوز” قائلة:” لم تكن المعاناة الجسدية الناتجة عن حادثة الاغتصاب التي تعرضت لها زهور وأختاها الأشد وَقْعًا عليهن، بل الحالة النفسية التي تمر بها الشقيقات الثلاث هي ما يُخشى منها، لا سيما إن ظلت القضية مفتوحة أمام الرأي العام، دون إغلاقها من خلال تطبيق الشرع”.
وتضيف الدكتورة شويطر، يجب إخضاع الشقيقات الثلاث لجلسات علاج نفسية لإعادة دمجهن في المجتمع مجددا، مشيرة إلى أهمية توفير بيئة مناسبة لهن وعدم ترديد الحادثة أمامهن، كي يتسنى لهن صنع حياة جديدة بعيدة عما حدث، وليصبح ما حدث ماضيا وليس جزءًا من الحاضر لهذه العائلة، التي تحتاج منا جميعا الوقوف معها ومساندتها.
اتهامات وتشكيك
في زمن الحرب والانقسام الحاصل في البلاد لا تمر قضية دون تسييس، فقضية زهور وأختيها كان لها النصيب الوافر من تراشق الاتهامات وتوجيه إصبع الاتهام نحو حكومة صنعاء، باعتبار وقوع الحادثة في نطاق سيطرتها الجغرافية، وهو ما حذّر منه كثير من الإعلاميين عبر مواقع التواصل الاجتماعي خشية ضياع العدالة بسبب تسييس القضية.
في مقطع مُصوّر نُشر عبر تويتر، استنكرت ناشطة يَمَنيّة الصمت الذي طال أمده بهدف تمييع القضية وتبرئة المتهمين، مُلقية باللوم على الطب الشرعي الذي لم يُظهر حقيقة الوضع الصحي للطفلات الثلاث، ما أدى إلى تعفّن الرحم للطفلة الكبرى”زهور”، متهمة في ذات الوقت القضاء بالانحياز للمتهمين في قضية الاغتصاب والذين يعيشون طُلقاء خارج السجن.
وتضيف هيفاء الكوكباني الطالبة في كلية الشريعة والقانون لـ “الأيام نيوز”، رغم أن القضاء مُلزم بإنجاز القضايا والبت فيها أولا بأول، كما أن القضاة محاسبون في التقصير، حسب القانون القضائي اليمني، إلا أننا نشهد في كثير من القضايا وبالأخص الجنائية الجسيمة منها وحتى غير الجسيمة، تساهل القضاء وتمديد فترة البحث الجنائي، ممّا يؤدي إلى طمس الأدلة وضياع حقوق المجني عليه.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي وتحت وسم “زهور تذبل”، سخروا من الوضع الذي تمر به البلاد، وبالأخص القضاء، وطالبوا الجهات المعنية بسرعة القبض على الجُناة ومحاسبتهم، في ظل مكاشفة واضحة بكل المجريات دون تعتيم على القضية، كما حدث في الأشهر الماضية.