تدخل الحكومة التونسية فعليا في مسار الرفع التدريجي لدعم المحروقات، في إطار ما يُسمى بتقليص العبء على الميزانية الطاقية، ما اقتضى الترفيع في أسعار بعض المواد البترولية وقوارير الغاز المنزلي، وهو الإجراء الذي اتخذته الحكومة ـ الأحد 18 سبتمبر 2022 ـ ليكون الزيادة الرابعة على التوالي منذ بداية 2022.
وترجّح عديد القراءات أن يكون صندوق النقد الدولي قد اشترط على تونس رفع الدعم عن المواد الأساسية، في المقابل تسعى الحكومة التونسية من خلال الترفيع المستمر في أسعار المحروقات إلى تقديم بادرة حسن نوايا إزاء المؤسسات المالية الدولية.
وخلال إعداد الميزانية المالية لسنة 2022، أعلنت وزارة المالية التونسية عن انتهاج استراتيجيا لإصلاح منظومة الدعم، موضّحة أن نسبة الدعم ستتقلّص لتبلغ 2.1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي و6.8 في المائة من جملة النفقات في أفق 2024.
ومنذ بداية 2022، رفعت تونس في أسعار المحروقات ثلاث مرات، وكانت الأولى في شهر فيفري والثانية في مارس والثالثة في إبريل 2022، وفي كل مرة كانت الزيادة ما بين 50 و100 مليم.
عبء على المواطن التونسي
ويقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي أرام بلحاج لـ«الأيام نيوز»: إن “هذا الترفيع في أسعار المحروقات متوقّع، لكنْ يبقى المشكل الأساسي في الوضعية الاقتصادية الصعبة للتونسيين في ظل ارتفاع نسبة التضخّم التي وصلت إلى مستوى 8.6 بالمائة في أوت 2022، مع العلم أن الحكومة تواصل الترفيع في أسعار المحروقات حتى في حال تراجعت الأسعار على المستوى العالمي”.
ويضيف بلحاج: “إن من سيتحمل كلفة السياسة الخاطئة للحكومة التونسية خلال إعداد الميزانية، هم التونسيون، لذلك كان من الأجدى لو ذهب صانعوا القرار في تونس في اتجاه تدعيم المخزون الاستراتيجي من الطاقة وإيجاد حلول بديلة كالطاقات المتجدّدة”.
الترفيع المتتالي في أسعار عديد المواد الأساسية وأساسا المحروقات هي إشارات تريد أن تثبت ـ من خلالها ـ الحكومة التونسية لصندوق النقد الدولي أنها متجهة نحو الإصلاح.
وفي المقابل ستكون هذه الإصلاحات عبئا يُثقل عاتق المواطن الذي لم يهنأ طويلا باتفاق الزيادة في الأجور ـ على مستوى القطاع العام ـ الذي تم الإمضاء عليه مؤخرا بين الحكومة التونسية والاتحاد العام للشغل، بنسبة 3.5 في المائة في السنوات الثلاث المقبلة كمعدل عام وهي زيادة وصفت “بالمحتشمة” أمام الارتفاع “الجنوني” للأسعار في مختلف المواد الأساسية.
أسعار المحروقات إلى أين؟
كما كشف المدير العام للمحروقات بوزارة “الصناعة والمناجم والطاقة”، رشيد بن دالي، بأن الرفع التدريجي للدعم عن المحروقات سيكون على امتداد ثلاثة سنوات في إطار الإصلاحات العامة وتوجيه الدعم إلى مستحقيه.
وأكد بن دالي أن الأسعار الحقيقية للمحروقات تصل إلى 4500 مليم (تونسي) للتر الواحد من البنزين الرفيع الخالي من الرصاص، فيما تصل إلى المواطن التونسي بـ2400 مليم، ويتكفل صندوق الدعم بالفارق في الأسعار. وبيّن أنّ قانون المالية لسنة 2022 رصد 900 مليون دينار(تونسي) كميزانية لدعم المحروقات، إلا أنه تكلف على الدولة بأكثر من 4500 مليون دينار مع الزيادات التي شهدتها أسعار المحروقات.
وفي بيان رسمي أعلنت وزارتا “الصناعة والطاقة والمناجم” و”التجارة وتنمية الصادرات” عن الترفيع في أسعار بعض المواد البترولية وقوارير الغاز المنزلي بداية من يوم الأحد 18 سبتمبر 2022 على الساعة صفر.
وحسب نص البيان الرسمي فان قرار التعديل في الأسعار يعود إلى تواصل ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية وسعيا لتغطية مختلف حاجيات السوق المحلية من هذه المواد بصفة منتظمة.
ووفق البلاغ أصبحت أسعار البنزين الرفيع الخالي من الرصاص، 2400 مليم (تونسي) اللتر الواحد أي بزيادة 70 مليما والغازوال دون كبريت، 2080 مليم (تونسي) اللتر الواحد أي بزيادة 70 مليما والغازوال العادي، 1860 مليم (تونسي) اللتر الواحد أي بزيادة 70 مليما.
كما تم الترفيع في أسعار غاز البترول المنزلي ليبلغ ثمن القارورة 8800 مليم بسعة 13 كيلوغرام، وحسب نفس البيان فان هذه المادة لم تسجل أي تعديل في الأسعار منذ سنة 2010.
وبخصوص الأصناف الرفيعة من المحروقات التي لا يتجاوز استهلاكها نسبة 1 بالمائة من الاستهلاك الجملي للمحروقات على غرار البنزين الخالي من الرصاص “الممتاز” والغازوال بدون كبريت “الممتاز” تم إقرار تعديل في أسعارها في حدود بالمائة.
حماية القدرة الاستهلاكية للتونسي
ويقرّ لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لـ«الأيام نيوز»، بأن “أوضاع التونسيين الاقتصادية أصبحت متردية جدا بسبب غلاء الأسعار المتواصل والذي يتطلب تدخلا عاجلا من قبل سلط الإشراف لتطويق الوضع وحماية ما تبقى من القدرة الاستهلاكية للتونسيين وذلك من خلال تسقيف المنتجات الاستهلاكية للضغط على الأسعار مثل منتجات البيض واللحوم والحمراء والبيضاء.
ويؤكد الرياحي أن “الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات ستؤثر بشكل مباشر على بقية المواد الأخرى، وعلى الحكومة التونسية تشديد الرقابة حتى لا يتم استغلال هذه الزيادة من قبل التجار، إلى جانب الذهاب في منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني وتقليص المتدخلين في القطاع على مستوى التجارة ومسالك التوزيع وهيكلة السعر عند الإنتاج مع مراجعة فواتير الكهرباء والماء”.
ويتذمر عموم التونسيين وخاصة الطبقات الوسطى ومحدودة الدخل من عدم قدرتهم على مجابهة غلاء المعيشة وارتفاع نسق الأسعار في مختلف المواد الاستهلاكية.
كما أعلن أصحاب التاكسي الفردي في تونس الأربعاء 21 سبتمبر 2022 دخولهم في إضراب مفتوح عن العمل احتجاجا على الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات في غلاء السيارات وقطع غيارها ومعاليم تأمينها.