زيلينسكي في الزاوية الضيقة.. واشنطن ترفع يدها وروسيا تضيّق الخناق!

تدخل أوكرانيا مرحلة مفصلية مع تصاعد التوترات مع حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي بات دعمها لكييف أقل حماسة مما كان عليه في بداية الحرب. فبعدما اعتمدت أوكرانيا بشكل شبه كلي على المساعدات العسكرية والمالية الغربية، بدأت مؤشرات التراجع في هذا الدعم تتضح، ما يضعها أمام تحديات غير مسبوقة سياسيًا وعسكريًا. تصاعد الخلاف بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والإدارة الأمريكية، خاصة بعد اللقاء المتوتر مع الرئيس السابق دونالد ترامب، كشف عن أزمة ثقة تهدد مستقبل كييف في الحرب الدائرة. وبينما تحاول المملكة العربية السعودية لعب دور الوسيط عبر استضافة محادثات رفيعة المستوى بين واشنطن وكييف، تبدو الأخيرة عاجزة عن فرض رؤيتها، وسط رفض أمريكي واضح لمطالبها المتعلقة بالحدود مع روسيا. على الضفة الأخرى، لا تفوّت موسكو الفرصة لاستغلال هذا التصدع، إذ أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أي اتفاق سلام يجب أن يكون طويل الأمد، وليس مجرد هدنة تمنح كييف فرصة لإعادة تسليح نفسها. ومع تضاؤل الدعم الغربي وتزايد الضغوط الميدانية، تجد أوكرانيا نفسها أمام تساؤلات مصيرية: هل تملك هامش المناورة للحفاظ على تماسكها العسكري والدبلوماسي؟ أم أن فتور الموقف الأمريكي سيعجّل بفرض وقائع جديدة على الأرض لصالح موسكو؟
ومع تزايد الإحباط داخل أوكرانيا، بدأت كييف تلجأ إلى خيارات غير تقليدية، مثل حملة التبرعات لتمويل برنامج تطوير الأسلحة النووية، في خطوة تعكس يأسها من الموقف الدولي. وهكذا تبدو أوكرانيا اليوم في موقف سلبي للغاية، حيث تتلاشى تدريجيًا رهاناتها على الدعم الغربي، بينما تستمر روسيا في تعزيز موقفها التفاوضي، مما يطرح تساؤلات خطيرة حول مستقبل هذا الصراع الذي لا يزال يلقي بظلاله على الأمن والاستقرار الدوليين.
في ظل التطورات المتسارعة للأزمة الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية المتزايدة بين روسيا من جهة، والغرب ممثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى، استضافت المملكة العربية السعودية محادثات رفيعة المستوى بين الجانبين الأمريكي والأوكراني في مدينة جدة. وبهذه الخطوة، تؤكد السعودية مجددًا دورها المحوري كدولة ذات علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، وسعيها الدؤوب لتعزيز الأمن والاستقرار الدوليين، استنادًا إلى نهجها الدبلوماسي القائم على الوساطة والحوار.
وقد مثل الجانب الأمريكي في هذه المحادثات كل من وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، فيما ضم الوفد الأوكراني عددًا من الشخصيات البارزة، من بينهم مدير مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، ووزير الخارجية الأوكراني، أندري سيبغا، إضافة إلى وزير الدفاع الأوكراني، رستم عميروف. تأتي هذه المحادثات ضمن جهود دبلوماسية متواصلة تهدف إلى إيجاد حلول للأزمة التي تعصف بشرق أوروبا منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022، والتي خلفت تداعيات سياسية واقتصادية وأمنية واسعة النطاق.
وصرح رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، أندريه يرماك، بأن الجلسة الافتتاحية من المحادثات مع الجانب الأمريكي بدأت بطريقة وصفها بـ”البناءة للغاية”، ما يعكس أجواءً إيجابية قد تسهم في تعزيز التفاهم بين الطرفين حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
في سياق متصل، أشارت وسائل إعلام أوكرانية، مثل “Novosti.LIVE”، إلى أن المحادثات التي جرت في جدة شهدت تأخرًا في بدء الاجتماع نتيجة تأخر وصول الوفد الأمريكي إلى مقر اللقاء. ووفقًا لما نشرته القناة التلفزيونية، فقد ظهرت اللقطات الأولى من الاجتماع على الإنترنت، ما يعكس اهتمام وسائل الإعلام المختلفة بمجريات هذا الحدث الدبلوماسي المهم. وكانت وزارة الخارجية الأوكرانية قد أعلنت أن هذا الاجتماع يعد فرصة ثمينة لمناقشة العديد من الملفات العالقة بين واشنطن وكييف، في ظل تصاعد التوتر بين الأخيرة وروسيا.
على صعيد آخر، وفي إطار ردود الأفعال الدولية على تطورات الأزمة الأوكرانية، أدلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتصريحات مثيرة للجدل، حيث زعم أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي يسعى للحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة تتضمن التزامًا أمريكيًا باستخدام الأسلحة النووية ضد روسيا في حال تصاعد الصراع. وأكد لافروف خلال مؤتمر صحفي عقده عقب لقائه مع الأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فريدون سينيرلي أوغلو، أن هذه المطالب التي ينادي بها زيلينسكي “غير جادة”، وتعكس تصعيدًا خطيرًا في لغة الخطاب السياسي الأوكراني.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المخاوف الأوروبية من احتمال اتساع رقعة النزاع، لا سيما بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد في الخامس من مارس أن روسيا باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لفرنسا وأوروبا بأسرها. وفي هذا السياق، دعا ماكرون إلى إجراء نقاش حول إمكانية استخدام فرنسا لترسانتها النووية في إطار الدفاع عن أمن الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعكس تحولات ملحوظة في الموقف الأوروبي تجاه الأزمة الأوكرانية.
إلى جانب ذلك، تشهد العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة توترات حادة فقد برزت خلافات بين زيلينسكي والإدارة الأمريكية، وقد تفاقمت هذه التوترات بعد اللقاء الذي جمع ترامب بزيلينسكي في البيت الأبيض في الثامن والعشرين من فيفري، والذي تحول، إلى مشادة كلامية انتهت بقيام ترامب بطرد الرئيس الأوكراني وإلغاء صفقة تتعلق بتوريد المعادن النادرة بين البلدين.
وأفادت “سكاي نيوز” بأن المسؤولين الأمريكيين لا يريدون سماع أي شيء من كييف بشأن الوصول إلى حدود 2014 أو 2022.، قبل يومين وذكرت الوكالة أن “مسؤولين أمريكيين قالوا في محادثات خاصة إنهم (لا يريدون سماع أي طلبات أوكرانية بشأن العودة إلى حدود عام 2014 أو 2022″، وكانت وزارة الخارجية الأوكرانية قد ذكرت يوم أمس الثلاثاء أن اجتماعا بين الوفد الأوكراني وممثلين عن الولايات المتحدة قد بدأ في المملكة العربية السعودية.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح خلال اجتماع مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الروسي أن هدف حل النزاع في أوكرانيا لا ينبغي أن يكون وقف إطلاق نار قصير وفترة راحة لإعادة تجميع القوات وإعادة التسليح بهدف مواصلة النزاع لاحقا، بل سلام طويل الأمد. وبحسب قوله فإن السلطات الروسية ستواصل النضال من أجل مصالح الشعب الروسي، وهذا هو معنى العملية الروسية الخاصة. وأشار بوتين إلى أن السلام في أوكرانيا يجب أن يقوم على “احترام المصالح المشروعة لجميع الشعوب، والأمم التي تعيش في هذه المنطقة”.
وفي تطور آخر يعكس حالة الإحباط التي تعيشها كييف، أعلن المصرفي الأوكراني أوليغ غوروخوفسكي عن إطلاق حملة لجمع التبرعات بهدف تمويل برنامج لتطوير الأسلحة النووية الأوكرانية، وذلك عقب الخلافات المتزايدة بين زيلينسكي والإدارة الأمريكية. ووفقًا لما نشرته قناة “CBS News”، فإن المسؤولين الأوكرانيين باتوا يشعرون باليأس من موقف البيت الأبيض، ويحاولون إعادة فتح قنوات الحوار مع الإدارة الأمريكية دون تحقيق تقدم يذكر، حيث يُقال إن ترامب يرفض تمامًا التواصل مع زيلينسكي في الوقت الراهن.
وفي سياق متصل، عكس البرلمان الأوكراني حالة من الانقسام السياسي الداخلي، حيث فشل أمس الثلاثاء في جمع العدد الكافي من الأصوات لاستدعاء وزير الخارجية أندريه سيبيغا من أجل تقديم تقرير مفصل حول مفاوضات جدة. وأعلن أليكسي غونشارينكو، عضو البرلمان عن كتلة “التضامن الأوروبي”، عبر قناته في تيلغرام، أن اقتراحه باستدعاء سيبيغا للاستماع إلى تفاصيل المفاوضات قُوبل بالرفض، متهمًا نواب حزب “خادم الشعب” ومنصة المعارضة – من أجل الحياة، بإفشال التصويت.
تعكس هذه التطورات المشهد السياسي المعقد الذي تشهده الساحة الدولية، حيث لا تقتصر التحديات على الصراع المباشر بين روسيا وأوكرانيا، بل تمتد إلى علاقات كييف مع حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة. وبينما تحاول المملكة العربية السعودية قيادة جهود الوساطة لإيجاد حلول دبلوماسية، يظل المستقبل السياسي للأزمة الأوكرانية رهينًا بالمفاوضات الجارية ومدى استعداد الأطراف المنخرطة فيها لتقديم تنازلات تضمن إنهاء النزاع وتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.

حميد سعدون

حميد سعدون

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة تحطم طائرة عسكرية بأدرار.. والجيش يفتح تحقيقًا في الحادث مظاهرات حاشدة بالمغرب تطالب بإسقاط التطبيع مع الكيان الصهيوني إحباط محاولة إدخال 30 قنطارًا من الكيف عبر الحدود مع المغرب الجزائريون في رمضان.. حين يتحوّل العمل التطوعي إلى عادة مُتجذرة في المجتمع شراكة أمنية وتنموية بين الجزائر وتونس لخدمة المناطق الحدودية غزة تحت القصف الصهيوني.. عظّم الله أجركم فيما تبقّى من إنسانيتكم أيها...! في محاولة لتخفيف التوتر.. وزير الخارجية الفرنسي يتودد للجزائر رقم أعمال "جيتكس" للنسيج والجلود يرتفع بـ15 بالمائة في 2024 اليونيسف: المشاهد والتقارير القادمة من غزة تفوق حدود الرعب القضاء الفرنسي يرفض تسليم بوشوارب للجزائر.. هل تتصاعد الأزمة؟ وزير الداخلية التونسي يزور مديرية إنتاج السندات والوثائق المؤمنة بالحميز انتشار "الجراد الصحراوي" يُهدّد 14 ولاية.. وهذه المناطق المعنية الجزائر تُروّج لمنتجاتها الغذائية في صالون لندن الدولي من الهاغاناه إلى "الجيش الإسرائيلي".. قرنٌ من التآمر على فلسطين! تقييم جهود البحث والإنقاذ البحري.. نحو استجابة أكثر فاعلية الجزائر تُندّد بجرائم الاحتلال في غزة وتدين صمت مجلس الأمن تراجع طفيف في أسعار النفط وسط احتمالات إنهاء الحرب بأوكرانيا نضال دبلوماسي لكسر العزلة.. الحقيقة الصحراوية تتحدّى التزييف المغربي خطوة نحو الاكتفاء الذاتي.. قطع غيار جزائرية في قلب صناعة السيارات