في ظل التوترات التي تشهدها العلاقات الجزائرية-الفرنسية، يبرزُ ملف الصحراء الغربية كأحد أبرز التحديات المعقدة، التي تعكسُ تباين مواقف البلدين حول قضايا جوهرية تتعلق بالتاريخ والسيادة والشرعية الدولية.
في هذا السياق، أكّد المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، على أن السبيل الوحيد لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الطبيعي، هو التزام باريس بالشرعية الدولية بشأن موقفها الداعم لما يسمى بـ”خطة الحكم الذاتي” في إطار “السيادة المغربية” المزعومة على الصحراء الغربية.
في حوار له مع صحيفة المساء الجزائرية، أبرز ستورا أن بداية التوتر في العلاقات الجزائرية-الفرنسية تعود إلى موقف فرنسا من قضية الصحراء الغربية، موضحا أن “خطة الحكم الذاتي المزعومة” هي سبب الانسداد الحالي.
كما شدد المتحدث على أن السبيل الوحيد لاستعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين هو العودة إلى الشرعية الدولية التي تضمن حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وفق قرارات الأمم المتحدة.
واعتبر ستورا أن العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا أصبحت تعاني من “هشاشة كبيرة جدًا”، ما يتطلب إعادة بناء الثقة بين البلدين الكبيرين، مؤكدا على أن احترام المبادئ الأممية المتعلقة بالنزاع في الصحراء الغربية سيكون خطوة أساسية نحو إعادة الدفء للعلاقات الدبلوماسية بينهما.
ملف الذاكرة.. عصب محوري في العلاقات الثنائية
وحول عمل اللجنة الجزائرية-الفرنسية للتاريخ والذاكرة، التي يترأسها من الجانب الفرنسي، أشاد ستورا بالأهمية التي يوليها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لهذا الملف، مشيرًا إلى أن إنشاء هذه اللجنة جاء بمبادرة من الرئيس تبون لمعالجة الجوانب التاريخية للاستعمار.
وشدد على ضرورة العودة إلى أصل الأحداث التي ميزت فترة الاستعمار الفرنسي، بما في ذلك نزع الأراضي، تجريد الجزائريين من ممتلكاتهم، ارتكاب المجازر، ومحاولات طمس الهوية الوطنية الجزائرية.
ذكر ستورا أيضا، أن اللجنة عقدت خمسة لقاءات مثمرة، أبرزها الاتفاق على تسلسل زمني معين للأبحاث التاريخية، بالإضافة إلى تمكين المؤرخين الجزائريين من الوصول إلى الأرشيف الفرنسي الذي يوثق تاريخ الجزائر منذ بداية القرن التاسع عشر، واعتبر أن هذا التطور يمثل خطوة إيجابية نحو فهم أعمق للماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر.
وفي رده على سؤال حول التفجيرات النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري، أوضح ستورا أن مسألة تنظيف مخلفات هذه التفجيرات كانت ضمن التقرير الذي قدمه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2021، لكنه أكد أن “فرنسا الرسمية ما زالت إلى غاية اليوم تصم آذانها تجاه هذا الطلب”، معتبرًا أن هذا الملف يشكل “عصبًا محوريًا” في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
الرد على مزاعم بوعلام صنصال
وفي سياق آخر، علق ستورا على تصريحات الكاتب الموقوف بوعلام صنصال بشأن الوحدة الترابية للجزائر، مشددًا على أن “مزاعمه حول تبعية مناطق غربية من الجزائر لدول أخرى مجرد بهتان صريح”، مؤكدًا أن هذه المناطق جزائرية “محضة منذ قرون طويلة”.
يُشار إلى أن فرنسا كانت قد أكدت في شهر جويلية الماضي، دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب للصحراء الغربية.
وردا على ذلك، حذرت الخارجية الجزائرية آنذاك، فرنسا من أن قرارها يتعارض مع “المصلحة العليا” للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة.
وقالت الخارجية الجزائرية في بيانها، “أخذت الحكومة الجزائرية علما، بأسف كبير واستنكار شديد، بالقرار غير المنتظر وغير الموفق وغير المجدي الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بتقديم دعم صريح لا يشوبه أي لبس لمخطط الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة”.
ومنذ ذلك الحين، تمرّ العلاقات الجزائرية-الفرنسية بحالة من التوتر المتزايد، حيث تتفاقم الخلافات السياسية والدبلوماسية بين البلدين، في ظل مواقف متباينة تجاه القضايا الإقليمية والملفات المشتركة، ما يعمّق الهوة بينهما ويعقّد فرص التوصل إلى تفاهمات تعيد الدفء إلى العلاقات الثنائية.