في المشهد الأول، إسرائيليون يرفعون شعار “نغادر البلاد معا” عنوانا لحملة تدعو إلى مغادرة الكيان الصهيوني بحثا عن وجهة أخرى في هذا العالم، يستقرّون فيها أو يقيمون بها مؤقتا؛ هذا ليس مجرّد حَراك إلكترونيّ، بل رغبة حقيقية تتنامى لدى “المجتمع” الإسرائيلي الرّخو للخلاص من كوابيسَ باتت تلاحق أفراده في كيان بات من المستحيل ـ رغم التواطؤ الغربي وعمالة بعض الأنظمة العربية ـ تحويله إلى وطن حقيقي محكم البنيان متراصّ الجدران؛ إن هذا الكيان الهش يعاني نزيفا حادا منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”، إذ هجره أكثر من 230 ألف يهودي منذ السّابع من أكتوبر المنقضي، ومن المتوقع ارتفاع أعداد المغادرين مع استمرار العدوان على قطاع غزة، وتصاعد التوتر على الجبهة الشمالية مع لبنان، إضافة إلى المواجهات المتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.
=== أعدّ الملف: منير بن دادي وسهام سعدية سوماتي ===
في المشهد المقابل، يدهشنا فلسطينيون بمختلف شرائحهم وأعمارهم، أطفالا كانوا أو نساء ، رجال من المدنيين هم أو مقاتلون منخرطون في مشروع التحرير الذي هو كالقيامة آتِ لا محالة يتشبثون بالأرض بينما آلة الموت الصهيونية تحصد آلاف الأرواح بصواريخها وقنابلها الفسفورية المحرّمة ورصاصها الغادر الفتّاك في الضفة الغربية، فلسطينيون اقتُرح عليهم مغادرة قطاع يتهاوى تحت القصف فرفضوا، سُئلوا التّنكر لحماس طلبا للخلاص والنجاة فأبوا، ولسان حالهم يقول حماس منّا وفينا، وفلسطين أرضنا وأرض أجدادنا نحيا بها وعليها أحرارا أو نموت أحرارا. أكثر من 47 عائلة فلسطينية شُطبت كليّا من سجلّ الحالة المدنيّة، فأضحت الأسر تتفرّق عبر أماكن عديدة حفاظا على النوع. أسر آثرت التمسّك بأرضها حيث لا بيتَ ولا ماءَ ولا كهرباءَ ولا علاجَ ولا غذاءَ! وبين هذا المشهد وذاك الذي رسمع الصهاينة في مستوطنات العار يقف العالم – خاصة الغربي منه – متسائلا عن سرّ هذا الصمود غير المسبوق، وما مصدر القوة التي تمنح الفلسطينيين في غزّة الثبات والتّمسك بالحياة على أرض يتراقص فيها شبح الموت ويتراءى ليل نهار؟!
بمجرد أن أعلنت المقاومة الفلسطينية في غزّة إطلاق عملية “طوفان الأقصى”، وما تلا ذلك من رد صهيوني همجي ضد المدنيين في القطاع المحاصر، أصدرت مجموعة عرين الأسود بيانا حثّت فيه على النّفير العام ومقاومة الاحتلال الصهيوني. وفي نص هذا البيان استخدمت المجموعة عبارة طالما تردّدت في أدبيات النضال الفلسطيني: “يا أبناء شعبنا البطل آن الأوان لكلّ الفلسطيني أن ينهض كطائر الفينيق”.
أخذت القضية الفلسطينية طابع الأسطورة، وارتبط ذكرها ـ على المستوى الرمزي ـ بطائر الفينيق الذي يحترق حتى يظن العالم أنه انتهى، لكنه سرعان ما ينهض من رماده ليواجه آلة الدمار الصّهيونية المستعينة بالغرب سياسيا وعسكريا والمستفيدة من صمت العربي المطبّع مع الكيان الغاصب.
وحتى إن كان الشاعر الراحل محمود درويش قد ظنّ، في لحظة يأس، أن طائر الفينيق قد مات نهائيا ليرثيه في قصيدة “مديح الظل العالي”، حين اضطرت المقاومة الفلسطينية إلى أن تخرج من بيروت، ليضطر درويش لأن يتخلى ـ في لحظة شعرية عابرة ـ عن أمله بإمكانية عودة طائر الفينيق الفلسطيني، وهكذا راح يؤبّنه قائلا: “أيوب مات وماتت العنقاء.. وانصرف الصحابة”.
لكن الصحابة لم ينصرفوا، وقام طائر الفينيق (العنقاء) مرة أخرى من رماده في غزّة التي صمدت في مواجهة عدوان الاحتلال الصهيوني عام 2008 و2009؛ ومنذئذ، أصبحت غزّة هي طائر الفينيق ذاته، تكتب أسطورتها على الأرض وليس في مخيّلة الشعراء فقط، بل أصبحت هي الأسطورة بعينها.
تتهاوى المباني ويستشهد الأطفال والنساء والرجال والمقاتلون، تنهال الصواريخ الصهيونية على المستشفيات، تنقطع الكهرباء وتجفّ المياه وتغدو غزّة مجرد ركام يتصاعد منه الدخان وتنبعث منه رائحة الجثث المتحللة، في وقت أطبق فيه العالم الصمت ـ خاصة الغربي ـ في انتظار إعلان نهاية فصول الأسطورة، إلا أن الأسطورة لا تنتهي، إذ في لحظة غير متوقعة تنهض من عمق الموت وتطلق طوفانها العارم: “طوفان الأقصى”.
“ميغان رايس”.. أهلّ غزّة وصبر أيوب..
ثبات الفلسطينيين وصبرهم على فقد أحبّتهم سلّط الضوء على قضيّتهم
“ميغان رايس” شابة أمريكية من أصول إفريقية، ذات صيت على منصة التواصل الاجتماعي “تيك توك”، مؤثرة تقدم محتوى متنوعًا يتضمن فيديوهات حول الطهي والأكل الصحي، يتبعها نحو 534 ألف مشترك، ألفوا أن يروها ضاحكة ساخرة، ليتفاجؤوا بتغّير طرأ وبدا على “ميغان رايس” ، فمَ استجد؟
في 17 أكتوبر الماضي، أطلت “ميغان رايس” على معجبيها شاحبة الوجه، دامعة العينين، فقد شاهدت مقاطع فيديو نشرها بعض شباب غزة، يكشف هول الكارثة الناجمة عن القصف الصهيوني الوحشي على الأبراج والمباني السكنية والمستشفيات في جميع أنحاء القطاع المحاصر.
قالت ميغان وهي تبكي: “لا يمكننا أن ننسى تلك الفيديوهات وتلك الصور القادمة من غزة” وتحدث الشابة عن ذلك الطبيب الذي أخبروه باستشهاد ابنه، فقد ذهب لرؤية جثته في ثلاجة حفظ الموتى، ودّعه بنظرة أخيرة ثم عاد إلى عمله، وتحدثت أيضا عن ذلك الطفل الذي فر هاربًا من المبنى الذي تعرض للقصف وهو يحمل قطته”، لقد أنقذها!
لكنّ ميغان عادت لتنشر مقطع فيديو آخر يتقاطع مع حكاية النبي أيوب (عليه الصلاة والسلام)، فيما قدمت مقارنة بين معاناة الفلسطينيين ومعاناة النبي أيوب، معربة عن إعجابها بقوة إيمان الفلسطينيين، وكيف أنهم يتوجّهون إلى الله بشكواهم وهم يحملون جثث أطفالهم بين أيديهم. وقالت إن هذه المشاهد تُظهر إيمانًا قويًا واستقامة، على عكس أولائك الذين يدّعون نشر المحبة والرحمة وهم في الحقيقة “مجرّد منافقين”.
وبما أن “ميغان” ليست أسيرة الإعلام الأمريكي، فهي تميل إلى البحث والاستقصاء، لتقول إنها بعدما سألت علمت أن السّر وراء صمود الفلسطينيين في غزّة إنما هو كتابهم المقدّس، فقرّرت الشروع في قراءة القرآن لفهم سرّ قوة إيمان أهل غزة بقضيّتهم وثباتهم عليها؛ موضوع ملف اليوم في “الأيام نيوز”.
“أنا دمي فلسطيني”.. المغني عسّاف والهاتف “أليكس”..
“طوفان الأقصى” يلفت نظر الغرب إلى عدالة القضيّة
وعلى غرار “ميغان”، بدأت “أليكس” الشابة الأمريكية النشطة على “تيك توك” في قراءة القرآن ومشاركة مقاطع منه، وهي التي كانت – قبل هذا – تنشر محتوى يدور فحواه حول الأكل والشرب والرقص. هذا التّحول سُجّل لديها بعد العدوان الهمجي على غزّة.
لقد تغيّر مضمون منشورات صفحة “أليكس” يوم 17 أكتوبر المنقضي، عندما أتاحت مقطع فيديو تعبّر من خلاله عن دعمها لفلسطين مرفقا بمقطع نشيد المغني الفلسطيني محمد عساف “أنا دمي فلسطيني” . ويوم 24 من الشهر الماضي، نشرت المؤثرة ذاتها مقطع فيديو تظهر فيه وهي تقتني نسخة من المصحف الشريف.
وكما جرت الأمور مع ميغان، فقد أعجبت “أليكس” بالأسلوب المباشر الذي تميّز به القرآن الذي يأمر بالوقوف إلى جانب حق الإنسان المظلوم في رد الاعتداء الذي يتعرض له، ومن أهم ما نشرته “أليكس” مقطع يندد بقطع الاتصالات عن غزّة، وينتقد بشدّة الصّمت على المجازر المرتكبة في غزة.
وكانت المؤثرة، هي الأخرى، تريد معرفة سرّ قوة إيمان أهل غزّة وسبب ثباتهم الذين رغم فقدانهم أطفالهم وأفراد أسرهم وكل ما يملكون إلا أنهم مستمرون في حمد الله وشكره، ويطلبون منه أن يكرم أحبابهم الذين التحقوا برحابه، وتضيف “أليكس”: “تَراهم لا يشككون في دينهم أو معتقداتهم”.
ويبدو جليا أن أهم ما توصلت إليه الفتاتان الأمريكيتان ـ ميغان وأليكس ـ هو أن الإيمان بالحق في السيادة على الأرض المستمد من الإيمان بالله، هو واحد من أسرار الصمود الفلسطيني. لكن، دون نسيان أن الثقافة الشعبية في فلسطين كانت على دوام تشكل فلسفة الإنسان إزاء الحياة والوطن.
الموروث الشّعبي الفلسطيني وقود المقاومة الذي لا ينضب..
قوة التّمسك بالمبدأ لدى الفلسطينيين.. جذور العبقريّة!
يردّد الفلسطينيون هذا المثل الشعبي: “اربط إصبعك منيح، لا بدمي ولا بقيح” وهو مثل يُساقُ غالبا تعبيرا عن وجوب اتخاذ الأسباب وبذل الجهد تفاديا للوقوع في الخطأ وعواقبه.
ويعبّر هذا المثل الشّعبي الفلسطيني على أن الإنسان عندما يكون لديه هدف، يحضر له جيدا، إذ يفعل كل ما بوسعه ويأخذ بالأسباب حتى يصل إلى مبتغاه، ليحققه على أرض الواقع، في إشارة تعكس تمسّك الشعب الفلسطيني بإرادة الكفاح والمقاومة وإصراره على استرداد أرضه المسلوبة وطرد الأعداء منها.
مثل فلسطيني آخر يقول “لو عكا بتخاف من الموج ما سكنت على الشّط”، ويعبّر هذا المثل الشعبي عن القدرة في المواجهة، إذ إنّ عكا تعلم أن البحر خطير لكنها قررت العيش بالقرب منه، لأنها لا تخاف؛ فلو كانت هذه المدينة تخاف لتركته وابتعدت، وهكذا هم الفلسطينيون؛ فلو كانوا يخشون ردة فعل العدو لما أعلنوا “طوفان الأقصى” أو أطلقوه، وللعلم فهذا المثل ـ يردده شعب غزّة لتقوية عزيمتهم وقوتهم حتى يصلوا إلى الهدف المنشود، هزيمة عدوهم واستعادة الأرض أو الاستشهاد دونهما.
“الغريب بروح بس بدّه طولة روح”، مثل آخر يعبر أيضا عن أن “الغريب” والمقصود به المحتل، هو في يوم من الأيام سوف يرحل عن أراضى فلسطين لكن تحقيق ذلك يحتاج إلى وقت وخطة لمواجهة المحتل ومحاربته حتى استرداد الأرض مرة أخرى، وهو ما قصدوا به في المثل “بدّه طولة روح”.
“يوم عالأرض ولا ميّة تحتها”، ويشير هذا المثل الفلسطيني إلى أن العيش بكرامة أفضل من العيش في ذل وهوان في ظل الاحتلال الصهيوني، وثمّة مثل آخر يقول “اللى ما بوخذ حقه عنب بوخذه زبيب”، ويعني أن الإنسان المكافح سيحقق هدفه مهما طال الوقت، فإذا لم يحصل على حقه في الوقت الحاضر ـ على شكل عنب ـ فسيحصل عليه في المستقبل زبيبا، ما يدل أن الإصرار والصبر والإرادة الصلبة ، وقبل ذلك الأيمان الذي تحدثت عنه “ميغان وأليكس ـ عوامل تشكل ذهنية الفلسطيني الحرّ مهما كانت حاله.
إلى جانب كلّ ما تم تناوله، هناك عامل مهم اسمه العبقرية الفلسطينية، فقد اعتبر الخبير العسكري الأردني اللّواء المتقاعد مأمون أبو نوار أن عملية “طوفان الأقصى”، التي أطلقتها المقاومة في غزّة على مستوطنات ومواقع عسكرية لجيش الاحتلال، عملية تكتيكية نوعية مفاجئة وبارعة تعكس عبقرية عسكرية لدى الفلسطينيين في مجال الحروب غير المتكافئة، والتي تضع الاحتلال الصهيوني في جانب القوة النّسبية.
وقال الجنرال السابق، أبو نوار، إن فصائل المقاومة ستنتصر في هذه المعركة التي حققت الصدمة النفسية لدى عناصر قوات الاحتلال وأرعبت سكان المستوطنات وحققت المفاجئة التكتيكية نتيجة لفشل جهاز الاستخبارات الصهيوني فيما يخص كشف هذه العملية، ما يؤكد أن قوة الاحتلال الصهيوني لا يعتدّ بها في مثل هذه الحروب.
وبيّن الخبير أن استخدام المقاومة الصواريخ التي طالت المستوطنات كافة ، بل وأصابت أهدافها بدقة، يؤشر على أن نظام القبة الحديدية لا يعمل بالشكل الصحيح ولا يستطيع أن يحمي سكان الأراضي المحتلة، إذ شاهدنا فشل القبة في إسقاط صواريخ المقاومة في مرات كثيرة حتى إنها وصلت إلى داخل المستوطنات وأسقطت قتلى وجرحى وأحدثت خسائر مادية كبيرة كما بثّت الخوف والرّعب لدى المستوطنين.
وأضاف أبو نوار أن عملية “طوفان الأقصى” أحيت القضية الفلسطينية مجددا بعد أن وصلت إلى مرحلة التّأزّم سياسيا دون حلول على أرض الواقع، إضافة إلى تغوّل وارتفاع وتيرة اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني مؤخرا، مشيرا إلى أن إستراتيجية “جز العشب” التي تستخدمها سلطة الكيان لتقليص قدرات حماس استوعبتها الأخيرة وأثبتت فشلها، مرجحا أن الاحتلال لا يستطيع أن يدخل غزّة لأن اجتياحها يتطلب منه خوض حرب دموية، وستكون غزّة مصيدة لجنوده.
ومن جانب عسكري، أيضا، لا يمكن لقوات الاحتلال الدخول لأكثر من نحو 5 كيلومترات على حدود الغلاف، لأن مثل هذه الخطوة خاسرة لا محالة من خلال حرب شوارع من مبنى إلى آخر، إضافة إلى عدم امتلاك الاحتلال إستراتيجية الخروج من القطاع.
وحول دخول عناصر مسلحين من حماس إلى المستوطنات، أوضح أبو نوار أن هناك تخطيطا إستراتيجيا عسكريا جرئيا ومنقطع النظير، خاصة من خلال ما شهدناه في “البراشوت الطائر المسلح” واستخدامه في عملية عسكرية أثبتت نجاحها، مبينا أن هذه الحرب قد تمتد إلى مناطق الضفة الغربية، وهنا ستفقد سلطة الكيان قدرتها على السكان المدنيين فكيف ستكون الحال بوجود مقاومة في الضفة؟!
وأكد الخبير أن المقاومة أحدثت – هذه المرة – رعبا لدى الكيان، وكسرت هيبة القوة العسكرية الصهيونية على الأرض، وهذا ما تم رصده من خلال مشاهد الخوف وغياب التنسيق الأمني بين صفوف جنود الاحتلال، بالإضافة إلى وقوع عدد كبير وغير مسبوق من القتلى والجرحى والأسرى في الجانب الصهيوني.
وتوقّع الخبير العسكري أن يكون هناك حرب أخرى نتيجة هذه العملية الكبيرة ناهيك عن فشل سياسة “جز العشب”، أما خيار استخدام سلاح الجو فسيكون محدودا جدا ، لأنه سيخلّف جرائم إنسانية وإبادة جماعية في حال قرر الاحتلال ذلك. وعلى الصعيد الدبلوماسي، قال أبو نوار إنه لابد أن تدخل وساطات دولية وعربية للتهدئة، ولكن ذلك لن يغيّر ما يجري على الأرض، بينما يسعى الكيان إلى إقامة دولة قائمة على أساس الدين.
وشدّد المتحدث على أن الاحتلال لا يستطيع – الآن – فرض قواعد اللعبة بالنسبة إلى التهدئة والهدنة، في الوقت الذي أخذت فيه حماس زمام المبادرة حين استخدمت قاعدة “الرّعب مقابل الرّعب” وكسرت بذلك قواعد الاشتباك “use it or you lose it”.
230 ألف إسرائيلي هجروا الكيان منذ بدء العملية..
“طوفان الأقصى” حوّل “أرض الميعاد” إلى أضغاث أحلام
وفي مقابل هذا الصمود الفلسطيني وعبقرية المقاومة، يبرز الجبن الصهيوني، ذلك أن معطيات رسمية لدائرة الهجرة والسكان في وزارة الداخلية الصهيونية أشارت إلى أن هناك أكثر من 230 ألف إسرائيلي غادروا الكيان منذ بدء “طوفان الأقصى” واحتدام القتال على جبهة غزّة، وتضم المجموعات المغادرة عائلات ورجال وسيدات أعمال من أصحاب الجنسية المزدوجة، ومن يملكون جوازات سفر أجنبية.
وتتوقّع سلطة الاحتلال أن يرتفع عدد المغادرين في المستقبل القريب في حال استمرت الحرب على غزّة وتوسعت إلى جبهات أخرى، ودعت سلطة الكيان عبر ما يسمى “مجلس الأمن القومي” المستوطنين إلى إعادة النظر في السّفر إلى خارج الكيان، وتجنّب إبراز الرموز الصهيونية، والهوية الدينية اليهودية خلال مكوثهم في الخارج، في محاولة لإقناعهم بأنهم في الخارج ليسوا بمأمن أيضا!
وتأتي هذه الرغبة الملحة في مغادرة الأراضي المحتلة بعدما فقد الصهاينة أملهم في البقاء على أرض يقاتل شجعانها من أجل استعادتها شبرا شبرا.
واستعرض تقرير لصحيفة “ذى ماركر”، لأول مرة، ظاهرة الهجرة من الكيان في ظل الحرب والتوتر الأمني، من خلال توثيق إفادات لعائلات اختارت الهروب. ووفقا للتقرير، فإن الظاهرة أخذت تتكشف منذ الأسبوع الثاني للحرب.
السفارة الصهيوني في نيقوسيا قدرت أن ما بين 10 آلاف و12 ألف إسرائيلي يقيمون بشكل دائم في قبرص، وبعد طوفان الأقصى أضيف إليهم نحو 4 آلاف آخرين فروا جراء المستجدات، وفي ظل اتساع ظاهرة هجرة العائلات الإسرائيلية إلى الجزيرة المجاورة، أشارت قناة عبرية إلى الارتفاع المتواصل في أعداد الصهاينة المتجهين إلى الجزيرة، وقالت: “لا أحد يعرف على وجه التحديد عدد الإسرائيليين حاليا في قبرص”، مؤكدة أنهم يفوقون تقديرات السفارة الصهيونية في نيقوسيا”.
أسباب الصّمود في نظر المحتلّ.. خمسة!
أما على الأرض، فإن المحلل الإسرائيلي نيتسان سادان، المتخصص بشؤون الطيران، فقدّم قراءة لأسباب صمود المقاومة الفلسطينية، فعددها خمسة تجعل حماي قادرة على الاستمرار في إطلاق الصواريخ من غزة، رغم ضراوة القصف الصهيوني.
- الموقع: صواريخ المقاومة منتشرة على مساحة واسعة في غزّة، وبطريقة تجعل من الصّعب تحديد مكان كل منصة إطلاق. كما أن الإطلاق يتم بواسطة أجهزة تحكم عن بُعد، ما يتيح للمقاومين إطلاق الصواريخ من مواقع مخبأة.
- بنية مجموعة الصواريخ: تم تصميم الصواريخ بحيث تعمل بشكل مستقل عن أنظمة القيادة والسيطرة. المقاومون يحتاجون لإطلاق النار إلى جهاز تحكم عن بُعد يخص قاذفة الصواريخ.
- سياسة إدارة النار: المقاومة تعمل بحكمة للاستمرار في إطلاق النار لأطول فترة ممكنة. المقاومون يختارون متى يركزون جهودهم ويطلقون المزيد من الصواريخ.
- العلاقات العامة: إطلاق الصواريخ يخدم أيضًا أغراضًا دعائية، إذ تعمل المقاومة على منح مؤيديها الثّقة في قدرتها على مواجهة الجيش الصهيوني.
- استنزاف الجيش الصهيوني: قوات الاحتلال تعاني من قيود في الموارد والعتاد. تحديد مواقع جميع الصواريخ في غزّة سيكون إهدارًا للموارد، وبالتالي يعتمد الرّد الصهيوني على نظام الدّفاع الصاروخي الحديث للتّصدي للصواريخ.
المقاومة الفلسطينية تدفع الإعلام الغربي إلى التّمعن والتّمحيص..
“إلموندو” الإسبانيّة: قوات الاحتلال الصّهيوني تضمّ “مرتزقةً”
يعلم الفلسطينيون المتسلّحون بإيمانهم أنّهم يحاربون عدوا فاقد الثقة في مشروعه الجبان، إلى حد أنه أصبح يستعين بالمرتزقة لحماية قطعان من المستوطنين هم أنفسهم مرتزقة. وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة “إلموندو” الإسبانية أن الجيش الاحتلال يستعين بمرتزقة تعاقدوا مع شركات عسكرية خاصة لأداء خدمات عسكرية.
بعض هؤلاء المرتزقة تورطوا في دعم العدوان على قطاع غزّة، وتحدثت الصحيفة مع أحد هؤلاء المرتزقة، وهو بيدرو دياز فلوريس كوراليس (27 عامًا)، الذي كان جنديًا سابقًا في الجيش الإسباني والآن يشارك كمرتزق لدعم القوات الصهيونية.
وأوضحت الصحيفة أن هناك “جيشًا” من المرتزقة يعملون داخل الكيان وتم توظيفهم لأداء مهام معينة. وأشار كوراليس إلى أن العمل مع الجيش الصهيوني مربح جداً من الناحية المالية، حيث يتقاضى أجرًا أسبوعيًا بقيمة 3900 يورو، بالإضافة إلى تعويضات أخرى للمهام الإضافية، وتم توظيف كوراليس كمرتزق من قبل شركتي “ريفن” و”غلوبال سي. أس. تي”، وهما شركتان عسكريتان خاصتان تعاقد معهما الجيش الصهيوني لتوظيف مرتزقة لأداء مهام عسكرية.
وأوضح كوراليس أنه لا يشارك مباشرة في الحرب، ودوره ودور زملائه يقتصر على تقديم الدعم الأمني للقوافل العسكرية الصهيونية في قطاع غزة. ومن بين مهامه أيضاً ضمان أمان نقاط التفتيش ومراقبة الحدود مع غزّة والأردن، وحاليًا يعمل في الجولان المحتل، على حدّ قوله. وأشار كوراليس إلى وجود العديد من الشركات العسكرية الخاصة في الكيان، والتي تتعاون وتتشارك في أداء المهام المختلفة.
بينما تشكل هذه العناصر مجتمعًا يشبه جيشًا، يتنقلون من حرب إلى أخرى وأصبحوا محترفين في هذه المهمة. وعلى الرغم من دورهم المتنوع، يعملون تحت إشراف شركات عسكرية خاصة وتنص عقودهم على أداء مهام محددة.
“أوريان 21” الفرنسيّة: صمود الفلسطينيين أذهل الغرب وأطاح بغطرسة الصهاينة!
مدير مجلة “أوريان21” الفرنسية، الصحافي “آلان غريش”، قال: “إن صمود الفلسطينيين يذهل المحتلين ويصدم الغربيين”، موضحا أن الاحتلال الصهيوني أعمته غطرسته، ولفت إلى أن الاحتلال فوجئ كما في حرب أكتوبر، بالهجوم الفلسطيني، ومني بهزيمة عسكرية استثنائية.
وقال المتحدث ذاته إن غطرسة الاحتلال واحتقاره للفلسطينيين وقناعة الحكومة اليهودية بأن الله إلى جانبها، عوامل ساهمت في استفحال حالة العمى التي أصابت سلطات الاحتلال . وأشار غريش إلى أن الهجوم المفاجئ لحماس لم يكن مباغتا في توقيته فقط، بل أيضا في حجمه وتنظيمه وقدراته العسكرية والتي مكّنته من اجتياح القواعد العسكرية الصهيونية.
واستذكر أن العديد من المعلقين في أوروبا والولايات المتحدة أدانوا في ذلك الوقت ما أسموه العدوان المصري السوري “غير المبرر وغير الأخلاقي”، مشيرا إلى أن “زعماء (إسرائيل) يحبذون هذه العبارة التي تسمح لهم بالتعتيم على جذور الصراع، أي الاحتلال”.
وتساءل غريش: “إذا كانت الرغبة في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية عام 1973، فكيف تكون رغبة الفلسطينيين في تحرير أنفسهم من الاحتلال الإسرائيلي غير شرعية اليوم، بعد مرور 50 عاما؟”، وأكد أن هذه العملية وحدت كل الفلسطينيين، وأثارت دعما واسع النطاق في العالم العربي، “رغم سعي قادته إلى التّطبيع مع الكيان والتضحية بفلسطين”.
وقال الكاتب: “في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب مصطلح الإرهاب، مع أنه ـ هو ذاته ـ ذلك الغرب الذي لا يتوانى عن تمجيد مقاومة الأوكرانيين. وهكذا ـ يقول الكاتب ـ أدان الرئيس إيمانويل ماكرون بشدة الهجمات التي تضرب الكيان حاليا، دون أن ينبس ببنت شفة عن استمرار الاحتلال الذي هو مصدر العنف”.
والواقع أن صمود وثبات الفلسطينيين أذهل كل العالم، وقد أشاد به قائد الثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي عندما التقى في طهران رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقالت وسائل إعلام رسمية إيرانية إن هنية الذي يقيم بين قطر وتركيا منذ 2019 “أطلع خامنئي على آخر التطورات في قطاع غزّة وجرائم النظام الصهيوني في غزّة وكذلك التطورات في الضفة الغربية”.
والمعروف أن إيران تدعم حماس لكنها تؤكد على أنها لم تلعب أي دور في الهجوم المباغت الذي شنه مقاتلو القسام على الكيان الصهيوني الشهر الماضي، وقال التلفزيون الرسمي الإيراني إن آية الله خامنئي أشاد “بثبات سكان غزّة وصمودهم، وعبر عن أسفه الشديد بسبب جرائم النظام الصهيوني المدعوم مباشرة من واشنطن وبعض الدول الغربية”.
وذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء أن خامنئي “أكد على سياسة طهران الثابتة في دعم قوى المقاومة الفلسطينية في مواجهة المحتلين الصهاينة”، وحذرت المؤسسة الدينية الإيرانية الكيان الصهيوني من “عواقب وخيمة” إذا استمرت الهجمات على قطاع غزة. وترفض إيران الاعتراف بالكيان الصهيوني.
الغاردين البريطانيّة: “عملية السّلام” ماضية إلى مثواها الأخير!
وفي بريطانيا، نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا لـ”توني كينغ” ـ المستشار السابق لمجموعة فلسطين الإستراتيجية والمنتدى الإستراتيجي الإسرائيلي ـ يعرض فيه وجهة نظره بشأن مآل ما يسمى “عملية السلام” في الشرق الأوسط، وقال كينغ: “علينا أن نودع “عملية السلام” إلى مثواها الأخير، فلا يوجد ما يسمى بعملية السلام أو حتى ما يمكن أن نطلق عليه عملية السلام المحتملة منذ سنوات طويلة، لكنني أعتقد أنه من الممكن أن عملية سلام جديدة قد تولد من رحم البؤس الحالي”.
وأشار إلى أن حالة من الودّ كان من الممكن أن يلاحظها الجميع بين الفلسطينيين والإسرائيليين أثناء مفاوضات السلام في الفترة التي شهدت التوصل إلى اتفاق أوسلو، لكن ذلك الودّ اختفى بعد ذلك بسبب “العوار الذي ينطوي عليه الاتفاق، والتعنّت الإسرائيلي والتوغل الاستيطاني في الضفة الغربية، وقيادة اليمين المتشدد (لسلطة الكيان)”.
وذكر المتحدّث أيضا أن من بين الأسباب التي أدت إلى المزيد من التباعد بين طرفي عملية السلام ما وصفه بتلك “الروايات الخيالية” التي يروّج لها (القادة الإسرائيليون) عن “العروض السخية”، التي يقدمونها، والتي دائما ما يرفضها الفلسطينيون. وتحدث عن مساعي التطبيع التي قامت بها سلطة الكيان مع دول من المنطقة العربية، مع تجاهل الفلسطينيين وإسقاطهم تماما من المعادلة، على اعتبار أنهم ـ وفق النظرة القاصرة ـ “شعب مهزوم”، والإصرار على هذا النّهج رغم تحذيرات المراقبين والمحللين من أن استمرار تلك الممارسات قد يؤدي إلى “انفجار عنيف”.
كما ألقى الكاتب باللّائمة على ما وصفه بـ “الغطرسة والزهو بالنّفس” الذي يمارسه القادة الإسرائيليون، مرجحا أن هذه الخصال كانت وراء تعرض الكيان لهذا الهجوم القوي الذي نفذته حماس ضده، وقال أيضا “الفشل المفاجئ في توقع هجوم حماس القاتل كان أكثر من مجرد فشل، لأنه وليد إصرار الجانب الإسرائيلي على الاستهانة بقدرات العدو العربي” بحسب تعبيره.
ومن جهة أخرى، نشرت صحيفة التايمز البريطانية مقالا عن تضارب وجهات النظر بشأن ما يحدث في غزّة في ظل عدم توافر المعلومات الكافية لدى من يدلون بدلوهم في تحليل الموقف على صعيد الصراع هناك.
وانتقد جيمس ماريوت، كاتب المقال، إدلاء الجميع بآرائهم في القضايا العامة دون أن تتوفر لديهم المعلومات الكافية لتكوين رأي واضح في ما يحدث في جميع أنحاء العالم. وأعرب الكاتب عن قلقه إزاء تعرّض غير المتخصصين وعديمي الخبرة لقضايا دولية خطيرة.
وقال ماريوت: “واحد من أسوأ الاكتشافات التي تبدت للعالم وقت الوباء هو أن كثيرين تصورا أنهم متخصصون في علم الأوبئة وأن لديهم الكثير من الرؤى المقنعة في ما يتعلق بعمليات الإغلاق وعلوم اللقاحات. ثم حولت الحرب في أوكرانيا علماء الأوبئة هؤلاء إلى خبراء في المعدات العسكرية، كما تسببت الحرب في غزّة في انطلاق دفعة جديدة غير متوقعة من الدرجات العلمية المختصة في تاريخ الشرق الأوسط!”.
وأضاف: ” وشدد الكاتب على أن الرأي العام أصبح يتمتع بمكانة أخلاقية، وهو ما أثبته حادث جورج فلويد، المواطن الأمريكي ذي الأصول الأفريقية الذي قتله شرطي بالضغط على رقبته بركبته حتى زهقت روحه، والحملات التي انطلقت لدعم السود في ذلك الوقت، أبرزها “حياة السود مهمة”، والتي تزامنت مع ظهورها إطلاق حملة أخرى بعنوان “الصمت عنف”، والتي اعتبرت عدم إبداء الرأي ذنبا كبيرا.
وعلى صعيد ما يحدث في غزة، ظهرت آراء متعددة ومتناقضة بخصوص ما يشهده القطاع في الفترة الأخيرة، وظهرت تغريدات كثيرة على منصة أكس (تويتر سابقا)، من مختلف الأطياف السياسية، وكانت كل تغريدة محاولة لفرض رأي معين والتقليل من أهمية رأي آخر وتقديم أدلة مثيرة على أن الطرف الآخر هو الأكثر غباء، كما ظهر كتاب مقالات افتتاحية وهم من هواة التقليل من شأن مأساة غزة، لكن قلة تمكنت من طرح أفكار مبنية على معلومات مؤكدة عما يحدث على الأرض، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى اختزال معاناة القطاع في بعض الحوادث المنفصلة.
وأضاف ماريوت: “لا أقصد هنا أن أقاضي الرأي في قاعة محكمة؛ فأغلب الآراء تسلط الضوء على قضايا هامة ولا تقدر بثمن. لكن ما أريد أن أوضحه هو أن التوازن الهام أثناء إبداء الرأي بات مفقودا. كما ينبغي ألا ننسى أن الأهم من وجهات النظر والصمت الحكيم هو أن يكون رأينا مبنيا على تفكير سليم”.
المحلل السياسي الفلسطيني صالح الشقباوي لـ”الأيام نيوز”:
“التفاف الفلسطينيّين حول حماس دليل على تبنِّيهم خيارَ المقاومة”
أكد الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور صالح الشقباوي، أن شنَّ القيادة العسكرية لحماس هجوما يوم السابع أكتوبر الماضي واستهدافهم قوات العدو الغاشمة في غلاف غزة، جاء لمنع “إسرائيل” من مهاجمة قطاع غزة، حيث قامت حماس بحرب استباقية لقطع الطريق أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي كان ينتظر انتهاء اليهود من أعيادهم الدينية ومن ثمّة ضرب القطاع وتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، فهذا الفعل الإجرامي والعدواني الصهيوني الغاشم على غزة كان مخططا ومبرمجا له قبل ذلك بفترة طويلة وذلك تنفيذا للمخطط الإسرائيلي – الأمريكي الذي يرمي أساسًا إلى تهجير أهل قطاع غزة إلى سيناء في إطار ما تضمنته صفقة القرن.
وأوضح الدكتور الشقباوي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن حماس من خلال هذه الضربة الاستباقية حققت نصرًا تاريخيا للمنطقة وللقضية الفلسطينية حيث أسقطت وهم وفكرة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر ، وأكدت أن “إسرائيل” هي حقيقةً أوهن من بيت العنكبوت، وبالتالي فإن المفاجئة والدقة في التنفيذ والخبرة العملياتية العالية التي يتمتع بها أفراد المقاومة أذهلت الجيش الإسرائيلي وأذهلت معه الجيوش العربية وحتى العالم برمته، وأكدت للمرة الألف للقاصي قبل الداني أن فكرة هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي ممكنة ومعقولة وأصبحت قاب قوسين أو أدنى، رافعةً بذلك اليأس عن الكثير من عقول وأهل وأنظمة هذه الأمة الذين فقدوا إيمانهم بفكرة النصر.
وتابع المتحدث قائلا: “الفلسطينيون، اليوم، يمارسون حقهم الطبيعي في الكفاح المسلح وفي مقاومة العدو الصهيوني والتصدي له، والمقاومة الفلسطينية موجودة وهي التي تشرف على سير المعارك وتنظيمها، حيث أثبتت حقيقةً أنها قادرة على قيادة هذا الشعب الفلسطيني بكل فئاته وأطيافه التي توحدت حولها وشكلت إطارا بنيويا لحمايتها، فالشعب الفلسطيني هو شعب مقاوم لا يرضى بالرضوخ ولا يركع إلا لله، أي أن هناك قيادة حكيمة الآن تقود المعركة وتسطر كل يوم في الميدان انتصارات جديدة في حرب أقل ما يقال عنها إنها حرب همجية تدميرية تهدف إلى إزالة معالم وجود القطاع جغرافيا وتدميره عن بكرة أبيه”.
في السياق ذاته، أشار الخبير في السياسة إلى أن الشعب الفلسطيني صامد ويسطر أروع مشاهد التضحية والفداء لأنه شعب مؤمن بعدالة قضيته ومؤمن بأن هذا العدو هو عدو محتل وغازي وغريب عن هذه الأرض، وأن هذه الحملة الشنعاء التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة ستفشل فشلا ذريعا على أبواب غزة التي ستتحول إلى محرقة لدباباته وكل آلياته وجنوده، وستنجح المقاومة في حسم المعركة لصالحها ومنع الصهاينة من شطب الشعب الفلسطيني من معادلة الوجود السياسي والإنساني والديمغرافي على هذه الأرض.
في سياق ذي صلة، قال الدكتور الشقباوي “إن إيمان الفلسطيني بحقه وبوطنه وتاريخه وبجغرافيته، وبأنه كان هنا على هذه الأرض منذ آلاف السنين، هو الدافع الحقيقي الذي يجعله يقاتل ويصمد في وجه محتل مستبد، رافضًا فكرة التهجير حمايةً لحياته، فهو يفضل الاستشهاد على أرضه وتحت سقف بيته، على أن يترك هذا المكان ويهجره مرة ثانية ويعيش نكبة ثانية كتلك التي عاشها شعبنا عام 1948، حين كانت العصابات الصهيونية “شتيرن” و”الأرغون” تقتحم منازل الفلسطينيين وتضع المسدسات في رؤوس شعبنا وتجبرهم على الرحيل ومغادرة المكان والقرى والمدن، لكن اليوم تختلف المعادلة في ظل وجود مقاومة تحمي هذا الشعب وتمنع جحافل الدبابات والجنود من التقدم، مسطرة بذلك أروع مشاهد البطولة والفداء في تاريخ المقاومة الفلسطينية”.
وفي حديثه عن التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة وحول حركة حماس ودعمه المطلق لها، ذكر الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، أن ذلك دليل آخر على أن هذا الشعب قد اختار خيار المقاومة والصمود وخيار الاستشهاد والتضحية رافضا رفضا مطلقا خيار الهروب والنجاة بالنفس والنزوح والانصياع إلى طلب الصهاينة واللجوء، مؤكدا أن الحرب التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة لن تُحسم بالمعادلات التقليدية وستحسم بعدم قدرة “إسرائيل” على استيعاب خسائرها خاصة في الحرب البرية، فغزة ستكون فعلا مقبرة لجيش الاحتلال الصهيوني ولدباباته ومدرعاته، ويكذب من يدعي أن هذه الحرب هي من أجل إزالة حماس إنما هي حرب من أجل اقتلاع الشعب الفلسطيني من قطاع غزة من شماله وجنوبه وشرقه وغربه والقذف به في صحراء سيناء، لكن الشعب الفلسطيني سيبقى صامدا متمسكا بأرضه إلى غاية استرجاع حقه واستقلاله.
ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر محمد الحمامي يؤكّد:
“على المطبّعين أن يعوا أن مصلحة شعوبهم مرتبطة بمصلحة الفلسطينيّين المتجذّرين في أرضهم”
أبرز ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أن الشعب الفلسطيني متمسك ومتجذر في أرضه، فرغم محاولات فرض التهجير على هذا الشعب سنة 1948 و1967 إلا أن الشعب الفلسطيني أعاد بناء نفسه ووعيه وتمسكه بأراضيه. فإذا تحدثنا عن الجانب الديمغرافي، فهو يساوي عدد الصهاينة المتواجدين على أرض فلسطين وهذا الموضوع يؤرق الصهاينة ويدفعهم إلى محاولة تهجير وترحيل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وفي الضفة الغربية كذلك.
وأوضح الحمامي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الشعب الفلسطيني كله شعب مقاوم، إذ إن هناك في الميدان خمس قوى مقاومة أساسية هي كتائب القسام، سرايا القدس، كتائب المقاومة الوطنية، قوات الشهيد عمر القاسم، الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية وعدة فصائل أخرى تحمل السلاح، كلها ملتحمة في الميدان وكلها تدك العدو الصهيوني الغاشم، بمؤازرة ووجود حاضنة شعبية تؤمن بالمقاومة وجربت على مدار السنوات الماضية سياسة الاحتلال التي تهدف إلى تصفية القضية الوطنية الفلسطينية وإلى تهويد مدينة القدس وإلى ترحيل شعبنا من أرضه في الضفة الفلسطينية ومن أرضه في قطاع غزة.
في سياق ذي صلة، أشار ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر إلى أن العدوان الصهيوني الإجرامي، المدعوم أمريكيا ومن دول العالم الغربي الذي يدّعي الإنسانية والديمقراطية، كشف عن زيفه وعن حقيقته الداعمة للثكنة العسكرية المتقدمة له في الشرق الأوسط، فقد كان يعتقد الأمريكان من خلال دعم مشروع تعميم التطبيع على الدول العربية أنه بإمكانهم تصفية القضية الفلسطينية،إلا أن شعبنا الفلسطيني الواحد والموحد في الميدان قلب الطاولة على الجميع من خلال هذه العملية البطولية “طوفان الأقصى” ، والتي زلزلت وأربكت حسابات بايدن وإدارته وأوقفت مسار “أبراهام” هذا المسار المشؤوم الذي يُريد الاحتلال الصهيوني من خلاله السيطرة على مقدرات الشعوب العربية.
وفي هذا الصدد، دعا الحمامي قيادة السلطة الفلسطينية والقيادة الرسمية إلى أن ترقى تحركاتها إلى مستوى تضحيات الشعب الفلسطيني المقاوم، لأن المخطط المرسوم هو مخطط كبير يُرادُ به إفراغ قطاع غزة من أهله، إلا أن صمود هذا الشعب وتمسكه بأرضه، وفي ظل وجود حاضنة شعبية قوية للمقاومة ورغم الويلات ورغم الوجع والألم، كل ذلك أفشل مشروع التهجير القسري، فأصبحوا يبحثون عن مشروع تصفية المقاومة الفلسطينية من قطاع غزة وإعادة الانتداب إلى شعبنا الفلسطيني وعودة الحكم على “ظهر دبابة”؛ وهذا ما يرفضه شعبنا الفلسطيني رفضًا قاطعًا لا رجعة فيه. وعليه، فإن المطلوب الآن هو توحيد الموقف السياسي الفلسطيني لأن شعبنا الفلسطيني لن يغفر ولن ينسى موقف أي كان ممن يتواطأ عليه، ولا يحق لأي أحد ولأي هيئة مهما كانت أن تحدد للشعب الفلسطيني خياراته، فهو قد اختار طريق المقاومة طريقا وحيدا من أجل استرجاع حقوقه الوطنية المشروعة.
وفي هذا الإطار، ناشد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر كل أحرار وشرفاء العالم أن يستمروا في تحركاتهم الضاغطة على الإرهاب الصهيوني لوقف هذا العدوان الإجرامي النازي، المرتكب في حق شعبنا الفلسطيني، مُطالبًا – في السياق ذاته – بالإسراع في تشكيل قيادة وطنية موحدة ولجان لحماية شعبنا في الضفة الفلسطينية وأن تأخذ أجهزة أمن السلطة دورها الكامل في محاصرة المستوطنات، فهذا هو الفعل المقاوم الحق، أما لغة الاستجداء والتذلل التي أوصلتنا إلى مشاريع تصفية القضية الوطنية الفلسطينية فلا نريدها بعد الآن، كما أن أحرار العالم والشعوب العربية مطالبة هي الأخرى بممارسة الضغط على أنظمة التطبيع، هذه الأنظمة المتواطئة والخائنة التي لم تتخذ -حتى الآن – أيّ تحرك لدعم هذا التوجه، وهي التي تمتلك عناصر القوة، وفي مقدمتها طرد سفراء الكيان الصهيوني لديها، وأن تتخذ إستراتيجية عربية واحدة موحدة وأن تهدد الدول الغربية الداعمة للاحتلال بقطع المصالح السياسية والاقتصادية عنها وأن تخاطب الولايات المتحدة الأمريكية بلغة المصالح.
هذا، وأكد ممثل الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بالجزائر، محمد الحمامي، أنه بالرغم من كل ما حدث ويحدث، وبالرغم من الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، إلا أن الشعب الفلسطيني صامد وصابر وماضٍ في تقديم التضحيات الجِسام من أجل استرداد كرامته وعزته وأرضه، فهو الآن يدافع عن كل الشعوب العربية وعن أحرار العالم، وعلى الدول العربية المطبعة أن تعي جيدا أن مصلحتها هي مع الشعب الفلسطيني ولا مصلحة لها مع الكيان الصهيوني المجرم، الذي يريد السيطرة على مقدرات وخيرات كل الشعوب العربية وليس الشعب الفلسطيني فقط.
محمد دويكات عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس):
“محاولات التهجير ستنكسر كلّها أمام صمود سكان غزة”
أبرز عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس)، محمد دويكات، أن الاحتلال الصهيوني أعلن وبشكل واضح أن هذه الحرب التي يشنها تستهدف كل أبناء الشعب الفلسطيني، اعتقادًا منه بأن ذلك سيثني هذا الشعب عن مواصلة النضال والمقاومة، وأيضا من أجل تفكيك وحدة الشعب الفلسطيني، إلا أن المحاولات الحثيثة والجارية لتهجير شعبنا وإعادة نكبة أخرى، وأمام هذا الصمود الأسطوري الذي نشهد تفاصيله بشكل يومي ومتواصل، وإصرار أبناء شعبنا في قطاع غزة وفي الضفة على الصمود والثبات ورفض التهجير القسري والترحيل متسلحين بالحق الفلسطيني، إنما هي عوامل تؤشر بوضوح إلى أن كل الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه ووطنه ولن يقبل بأن يرّحل خارج حدود هذا الوطن.
وأوضح دويكات، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن هذه المشاريع التصفوية التي تُحاك ضد وجودنا كفلسطينيين، بالتأكيد ستنكسر أمام صلابة وصمود شعبنا الباسل وأمام صمود المقاومة، التي أكدت للقاصي والداني أن خيار المقاومة هو خيار كل الشعب الفلسطيني، وهو الخيار الذي يلتف حوله كل أبناء هذا الشعب في الضفة وفي قطاع غزة،وهذه الحرب المجنونة التي يُباد من خلالها آلاف الأبرياء في القطاع الهدف منها هو إرغام شعبنا على رفع الراية البيضاء ومن ثمّة تسهيل ترحيله وتهجيره، وهو الأمر الذي لن يحدث في ظل توحّد الشعب في التصدي لهذا المشروع الصهيوني الأمريكي.
“الفلسطينيّون مدركون أنّهم يخوضون معركة تقرير مصير”
وأردف محدّثنا يقول: “إن القضية بالنسبة إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني هي قضية مصيرية ونحن نخوض معركة وجود وتقرير مصير ، وبالتالي لا خيار أمامنا إلا أن نصمد ونواصل المقاومة وأن نبقى في بيوتنا حتى لو تم قصفها ونسفها فوق رؤوسنا، فنحن نستقبل الموت بإيمان مطلق وبحتمية النصر وأيضا بيقين مطلق بأن هذه الأرض لن تحرر إلا من خلال بذل دماء أبنائها، واليوم جميع الشعب الفلسطيني بكل مكوناته السياسية والاجتماعية موحّد خلف خيار المقاومة وخيار الصمود والمواجهة متسلحين بحقهم في الأرض، الذي انهار أمامه جيش الاحتلال الصهيوني الذي لطالما ادعى أنه جيش أسطوري لا يهزم ولا يقهر؛ فالشعب الفلسطيني مصمم على الخلاص من هذا الاحتلال ومصمم على أن نحيا بحرية وكرامة حتى لو كلفنا ذلك أرواحنا وبالرغم من كل الجرائم التي يتمادى الاحتلال في ارتكابها سنبقى متمسكين بهذه الأرض وبخيار مقاومة هذا الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، حتى دحره من أرضنا، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وعودة لكل اللاجئين إلى ديارهم التي هُجروا منها غصبا وجورا”.
في سياق ذي صلة، أشار المتحدث إلى أنه ومنذ اليوم الأول لهذه المعركة نستطيع القول إننا انتصرنا على هذا العدو الفاشي والنازي، لأن كل المحاولات الحثيثة من الاحتلال وأعوانه من الدول الغربية والإدارة الأمريكية لثني الشعب الفلسطيني عن خياره، وتشويه الرواية الفلسطينية باءت بالفشل، وسقطت كل هذه المحاولات والسيناريوهات أمام هذه المعركة وأمام صمود المقاومين وأمام صمود المواطنين، الذين يستقبلون الصواريخ بصدورهم العارية متسلحين بيقينهم وإيمانهم المطلق بعدالة قضيتهم، التي حتما ستنتصر على هذا الجلاد وهذا الاحتلال الصهيوني المتجبر والمتغطرس.
هذا، وأبرز عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين (نابلس) أن الاحتلال حدّد أهداف خلال هذه الحرب المجنونة وكانت أولى أولوياتهما إزالة “حماس” من الوجود، وهو الأمر الذي لن يتحقق وهو ما يدركه الاحتلال اليوم تمام الإدراك، لأن المقاومة الفلسطينية ليست مجرد أفراد فقط، كما يعتقد العدو وقوى الشر الداعمة له، إنما هي فكر متجذر داخل عقول أبناء كل الشعب الفلسطيني الذي يفاجئ الاحتلال في كل مرة بصلابته وقوته ووعيه المتقدم وإدراكه خطورة هذا الاحتلال وخطورة مساعيه الرامية إلى تبديد الحقوق الوطنية الفلسطينية، فبرغم من كل هذه المجازر وكل هذا الألم ورغم هذه التضحيات ورغم الخذلان الذي يعيشه الشعب الفلسطيني الذي أصبح يدرك أنه يواجه هذه الحرب الهمجية وحده، يبدي الفلسطينيون صلابة وإيمانا مطلقا بعدالة قضيتهم وبأن الحق الفلسطيني لا يمكن أن يُسترد إلا من خلال تقديم التضحيات واستمرار الصمود الأسطوري أمام هذا الاحتلال المستبد.
الصحافي الفلسطيني محمد الشيخ يؤكد استيعاب الدّرس:
“الفلسطينيّون قرّروا ألّا يعيشوا نكبة أخرى!“
أبرز الصحفي الفلسطيني محمد الشيخ أن الفلسطيني وُلد ونشأ وتربى وترعرع شخصًا مقاومًا لمحتلٍ صهيوني اغتصب أرضه منذ نحو 75 عاما. وأبرز المتحدث ذاته أنه إذا تحدثنا بشكل خاص عن أهل غزة في ظل الوضع الراهن في القطاع والعدوان الإسرائيلي الهمجي الذي يتعرضون له، نجد أن معظم سكان غزة في الأصل هم من الذين تم تهجيرهم من أراضيهم وبيوتهم بشكل قسري سنة 1948، وهم من الأجيال التي زُرع فيها حب الأرض والوطن والتمسك بحقهم فيها والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الوطن، لأنهم لا يريدون بأي شكل من الأشكال تكرار سيناريو ومأساة نكبة 1948.
وفي تصريح لـ “الأيام نيوز”، قال الشيخ: “الفلسطيني تعوّد وترسّخ لديه، بحكم التجربة، عدم الاعتماد على أي أحد، لأنه جرب وعانى ويلات النكبة ومن بعدها النكسة وخيبات الجيوش العربية في المعارك ضد الاحتلال الإسرائيلي عبر التاريخ، وضد الحركات الصهيونية قبل قيام ما يسمى عبثًا بـ”دولة إسرائيل”، وبالتالي أصبح يثق تمام الثقة بأن لا خلاص له من هذا المحتل المغتصب لأرضه إلا من خلال الاعتماد على نفسه وعلى مقاومته الداخلية وعلى اللُّحمة الشعبية، التي تتوافق تماما وتؤيد المقاومة قطعا بلا أي شك وبلا ريب، فمهما اختلفت الانتماءات والتوجهات فالشعب الفلسطيني والغزاويون تحديدًا هم دائما مع المقاومة وأينما كانوا وحيث ما وجد فهم يؤيدون المقاومة ويدعمونها بشكل منقطع النظير”.
أما فيما يتعلق بكون الفلسطينيين يرفضون التهجير حتى لو كان ذلك مقابل التضحية بفلذات أكبادهم أو بأرواحهم، فيؤكد الصحافي الفلسطيني بأن ذلك يرتبط بشكل أساسي بمعاناة الشعب الفلسطيني من ويلات التهجير، التي تعرض لها على مدار التاريخ، والتي تستمر مآسيها إلى يومنا هذا، فالفلسطيني لا يريد تكرار مأساة النكبة وهذا السبب الذي يدفعه إلى تحمل الجوع والبقاء في عراء والبقاء، أو في بيوتهم مهددين بالقصف ، مثل ما يحدث الآن في شمال قطاع غزة لأنهم يرفضون الترحيل والهجرة والنزوح مرة أخرى.
أما بالنسبة إلى التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة بكل فصائلها، فيقول الصحفي محمد الشيخ: “إن ذلك يرتبط بكونها عاملاً بارزًا في استرجاع الحق الفلسطيني واسترداد حريته التي سلبها منه الاحتلال الصهيوني على مدار سنوات، منذ احتلاله الأراضي الفلسطينية، وكون المقاومة السبيل الأوحد لعودته إلى الأرض التي هُجر منها أجداده بالإكراه وبالإجرام الصهيوني، والتحرر من الاحتلال الصهيوني الذي تغطرس وتجبر في الاستبداد بشعبنا الأعزل، وبالتالي هذا الأمر عزّز من ارتباط الفلسطيني بأرضه وحبه لوطنه، وهذا ما يعزّز أيضا تبني الفلسطيني المقاومة؛ إذ قرّر الشعب الفلسطيني أن يكون هو الحاضنة الشعبية القوية للمقاومة المسلحة كونها الوحيدة التي بإمكانها استعادة كرامة وحرية وأرض الفلسطيني التي سلبت منه وهو يسعى بكل ما يملك إلى مساندتها ودعمها وأن يكون هو الحاضنة الشعبية القوية لها، فالفلسطيني دائما في ظهر المقاومة ويدعمها بكل السبل والطرق المُتاحة أمامه”.
القيادي في حركة مجتمع السلم عفيف بليلة لـ”الأيام نيوز”:
“الشّعب الفلسطيني أدرك أنّ ما أُخذ بالقوّة لا يُسترد إلاّ بالقوّة”
يعتقد القيادي في حركة مجتمع السلم، عفيف بليلة أنّ “الفلسطينيين قد اكتسبوا مناعة -كالجزائريين تماما إبّان الثّورة المسلحة-، فلم تعد تخيفهم لا الدّبابات ولا الطّائرات”. وحسبه فقد أدرك الشعب الفلسطيني أنّ “الحكّام العرب لا حول لهم ولا قوة عكس شعوبهم الذين يتوقون للجهاد في أرض الرّباط”.
وأفاد النائب بالمجلس الشعبي الوطني، عفيف بليلة، في تصريح خصّ به “الأيام نيوز”، بأنّ “الفلسطينيّن قد أدركوا أنّ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلاّ بالقوة وأنّ الحديد لا يفلح إلاّ بالحديد -وهي نظرية التحرّر عبر العالم-، مثلما أدركوا أنّ لا خيار له سوى الالتفاف حول المقاومة المسلّحة، مدركين جيّدا أنّ الثّمن باهض وأن لا يستكينوا أو يهنوا حتى لا تتزعزع ثقتهم بربهم ثم بالجهاد المقدس”.
وتابع عفيف بليلة قوله إنّ “إخواننا قد جرّبوا كلّ شيء، من النداءات المتكرّرة كما جرّبوا الحصار وجرّبوا التظاهر وجرّبوا كلّ شيء لذلك لم يبقى أي شيء سوى المقاومة”، وحسبه فإنّ “كل آيات الله والإيمان تتجلّى في فلسطين وفي غزّة الإباء”.
وأشار القيادي في حركة مجتمع السلم إلى أنّ “من يتقدّمون إلى الجهاد في الصّفوف الأولى هم حفظة القرآن الكريم، مستدلا في هذا السّياق بالآية الكريمة، ووصيّة الله عز وجل في كتابه العزيز حين قال: “انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.
وأرجع عفيف بليلة رفض شعب غزّة مسألة التّهجير وتحمّل الجوع والمبيت في العراء ومواجهة الموت يوميا، فضلا عن فقد الكثير منهم آباءهم أو إخوانهم وتدمير المدارس وأماكن اللّعب الخاصة بالأطفال وغيرها من آثار العدوان إلى “التمسك بالأرض وحبّهم لها ويقينهم بأنّ المقاومة ستنتصر وستردّ الطغيان، متيقنين أيضا بأنّ المعركة البرية لن تكون إلاّ في صالح المقاومة”، وأضاف – في السياق ذاته – أنّ “سكان غزّة ناس مؤمنون يلهثون وراء الشّهادة وعلى يقين بأنّهم يحاربون في سبيل حق، وأن صمودهم قوة للمقاومة وإضعاف للعدو”.
الباحث في الشّؤون الأمنية والإستراتيجية عكنوش نور الصباح لـ”الأيام نيوز”:
“العالم أسقط غصن الزيتون من أيدي الفلسطينيين وأعادهم إلى البندقيّة مكرَهين”
الأيّام نيوز: في نظرك، ما الذي يجعل الفلسطينيين يصمدون أمام آلة الحرب الإسرائيلية، ولا يطلبون النّجاة من أحد، مع تأكيدهم على الالتفاف حول المقاومة كخيار وحيد وأوحد لحلّ القضية الفلسطينية؟
البروفيسور عكنوش نور الصباح: واضح أنّ القضيّة الفلسطينية تعيش لحظة تاريخية ستحدّد مستقبلها مهما كان الثّمن على ضوء كمية التّهديدات من جهة، والسيناريوهات من جهة أخرى، والتي ترتبط بمصير الجغرافيا والشّعب والقضية ككل، والتي تقدم نموذجا إستراتيجيا في الصّبر والصّمود يخشى الغرب ” المسيحي المتهوّد” أن يتحول من حالة عابرة في المكان والزّمان والإنسان إلى ظاهرة تتراكم وتتأصّل وتنتج جيلا بل أجيالا مقاوِمةً ، وهو المحدّد المركزي الذي يجب على الفلسطينيين كنخب وكشعب البناء عليه في إطار أدبيات منظمة التّحرير الفلسطينية، التي يمكن تفعيلها هيكليا وفكريا لتستوعب الفعل المادي للنّضال، أي الكفاح المسلّح؛ بما أنّ العالم أسقط من أيديهم غصن الزيتون وجعلهم يعودون للبندقية مكرهين لاسترجاع حقوقهم. وعليهم أن يعودوا لهذا الخيار المسلح بعد فشل الخيارات السياسية الأخرى في إطار إجماع وطني شامل من منظور لمِّ الشّمل، ما دامت المسألة اليوم هي أن يكونوا أو لا يكونوا فلو يفرغ الكيان الصهيوني من غزة سيتجه للضفة منهجيا للقضاء إستراتيجيا على القضية الأم. وعليه، فالعقل السياسي الفلسطيني بيمينه ويساره وكل فصائله وتياراته الإسلامية والعلمانية والشيوعية يجب أن يجتمع في مشروع وطني واحد، وتستغل هذه المكونات الفرصة الحالية لجعل اجتماع الجزائر العام الماضي ميثاقا غليظا للمستقبل الذي يحاول الغرب المتصهين أن لا يكونوا فيه على ضوء مخطّطات للقضاء على القضية قبل 2030، والمرور ولو عبر القوّة النّووية نحو تسريع عملية تحقيق وعود تلمودية لا صحة لها لإنهاء فلسطين اسما وفعلا وحقيقة للأبد، وهو ما يستنهض الوعي الفلسطيني حتى لا تتكرّر مأساة 1948 ويتحقّق بالعكس الوعد الإلهي الحقيقي في نصرة أهل الحق والرباط.
في اعتقادك، ما الذي جعل شعب غزّة يرفض التّهجير ويتحمّل الجوع والمبيت في العراء ومواجهة الموت يوميا، فضلا عن فقد الكثير منهم آباءهم أو إخوانهم، ناهيك عن الدّمار الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت الأساسية ؟
البروفيسور عكنوش نور الصباح: لا غروَ في أنّهم شعب الجبّارين حتّى أنّ هناك دراسات غربية حديثة تصنّف الفلسطينيين من بين الشّعوب الأكثر صبرا وجَلدا في الشّدائد والمحن وصبرا على نكبات الدّهر ، وهو ما يفسّر تعلّقهم الوجداني والوجودي بالأرض كرمزية وكهوية بزيتونها وترابها وقدسيّتها المباركة؛ فالموضوع مرتبط بالرّباط والجهاد ورسالة السّماء بحيث يتجاوز نصوص القانون وأدبيّات السّياسة إلى العقيدة والإيمان، ولهذا تجدهم أطفالا وكهولا وشيوخا ونساء ومن كلّ الفئات والأعمار مقبلين على الشّهادة وثابتين في الدّفاع عن القضيّة بشجاعة نادرة يتمّ دراستها في جامعات الغرب نفسه، يقاومون التهجير لأنّهم لا يرحلون من الأرض إلاّ إلى السّماء حيث وعد الله، رغم كيد وحقد بني صهيون. وكلّما زاد العدو الصّهيوني من وحشيته وجنونه ازدادوا صبرا ومقاومةً وكلّما يستشهد طفل يولد عشرات ومئات في معادلة ديمغرافية وحضارية إستراتيجية تتحدى الاستدمار الصهيوني.
رغم كلّ محاولات الاحتلال الإسرائيلي تفريغ غزة من سكّانه وجعلها بلا شعب، إلاّ أنّ شعب غزّة ما يزال ملتفّا حول حركة المقاومة حماس، يقول قولها ويزكي فعلها حتى لو كان الثّمن إبادة جماعية، كيف تقرؤون ذلك؟
البروفيسور عكنوش نور الصباح: القضيّة تأصيلا وتحليلا ليست قضيّة حركة أو فصيل أو تنظيم، بل القضيّة قضية رمز وفكرة وجدها الشّعب الفلسطيني أو جزء كبير منه في حماس ليس من منطلق إيديولوجي أو سياسي بالمطلق بل لأنها تمثّل سيرورة تراكمية للعمل النّضالي الوطني الفلسطيني في لحظة هوان وضعف داخلي وإقليمي ودولي، أصبحت تعبّر عن الثّورة وعن الدّفاع عن الوطن والعقيدة ، وعن الذّات وسط مشاريع الاغتراب وخطط التّمييع ومؤامرات التّطبيع بما تحمله من رصيد كفاحي وثقل اجتماعي وبعد تحرّري عميق يطمئِن له الفلسطيني البسيط والمحاصر والمعزول داخل خطابات سلطوية ونخبوية لا تتماهى مع واقعه وتطلّعاته الشّرعية للحريّة، مثله مثل أي شعب مظلوم في عالم غير عادل؛ ولهذا كانت مساحة الثّقة والانتماء كبيرة جدّا معنويا ووجدانيا لحماس القضيّة وليس حماس الحركة فقط.
حماس أثبت أن الجهاز الأمني الصهيوني هشّ وفقاعة صابون..
“رفض الفلسطينيين التّهجير وصمود المقاومة حطّما مخطّطات الاحتلال والغرب”
بقلم: أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية البروفيسور عبد اللطيف بوروبي
إنّ الحرب الهمجيّة التي يشنها الكيان الصّهيوني على غزّة قد أثبتت حاجة الشّعب الفلسطيني إلى تصحيح الأخطاء على المستوى الأمني والإستراتيجي والسّياسي والقانوني، وهذا أمر وارد وملحّ في ظلّ ما يحدث، فهناك عدّة مسارات تحتاج إلى قراءة جديدة وفق منطق أنّ ما يأخذ بالقوّة لا يسترجع إلاّ بالقوّة.
هذه المسارات التي عبّرت عن وجود أمور يجب أن تؤخذ بجديّة أكثر، وأكّدت على أنّ القضيّة الفلسطينية حلولها بين الفلسطينيين، وهذه الحلول تكون من الدّاخل الفلسطيني، كما أنّ تصحيح الأخطاء السّابقة التي كانت بالجملة يجب أن يدركها الجميع، لتشكيل وعي جيوسياسي جديد ميزته أنّ الفلسطينيين قد أخذوا بزمام أمور قضيتهم.
هذا الطّرح الجديد يحتاج إلى مقوّمات تدعمه ولا تكون إلاّ بإزالة وتصحيح الأخطاء السّابقة، وهي المنطلق الصّحيح لتحقيق النّصر باستقراء التّاريخ، الذي يشير إلى وجود مجموعة من الأحداث والوقائع التي ارتبطت بنضال الشّعب الفلسطيني عملت على إعادة قراءة كلّ الخيارات مهما كان نوعها، سواء ما تعلّق بالاعتماد على الذّات وبالمقاومة.
موجة الهرولة نحو التّطبيع التي أضعفت القضيّة ووضعتها في الثلاجة، من باب أنّ الكبار يموتون والصّغار ينسون، ولكن النتيجة أنّ الصّغار لا ينسون وحملوا القضية، هذا التحوّل في كيفية التّفكير في القضيّة، الذي لم يعد يؤمن ببعض الأفكار حول دور جامعة الدّول العربية، ودول الجوار، أدى إلى طرح آخر يعبر عن الذّات والكينونة الفلسطينية.
إلاّ أنّ هناك من الدّول التي لم تنسَ القضية وساندتها تاريخيا، حيث عملت الجزائر من خلال اجتماع جامعة العربية الواحد والثلاثين على لمِّ شمل الفصائل الفلسطينية دون إقصاء، والتّأكيد على أنّ منظّمة التّحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشّعب الفلسطيني، والعمل على حشد الدّول العربية والإسلامية من خلال جامعة الدّول العربية ومنظّمة المؤتمر الإسلامي على دعم افتكاك فلسطين مقعدا دائما في هيئة الأمم المتحدة، وأن إنهاء الاحتلال لا يكون إلاّ بمنطق حلّ الدّولتين بحدود 1967، وعاصمتها القدس وعودة اللّاجئين.
هذه المعطيات التي عملت على تقوية الجبهة الدّاخلية من خلال أنّ الوحدة ضرورة في مجابهة العدو، غير أنّها اصطدمت بالهرولة نحو التطبيع من قبل بعض الدّول العربية، والتي جعلت ميزان القوى يبقى يخدم دائما الكيان الصّهيوني، وإلاّ ماذا نفسّر الحاجة إلى مراجعة المسارات السّابقة، خاصة المسار الأمني الذي أدحض الأكذوبة التي جعلت من الكيان الصهيوني القوة التي لا تهزم في الشرق الأوسط، وعنصر المفاجأة جعله أمام انكشاف أمني غير مسبوق منذ 1948، تجلّى من خلال الانقسام حول طبيعة ردّة الفعل عمّا حدث في السابع أكتوبر 2023 بين الردّ السياسي والعسكري، كما أنّ تكلفة الحرب في تصاعد مستمر والحرب ستتطور عكس ما تم الترويج له على أنّها أيّام ويُقضى على المقاومة.
أمّا عن المسار الإستراتيجي، فجاء مرتبطا بطبيعة الخطّة الإستراتيجية المتّبعة في قطاع غزّة والتي هي إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وضرب شامل جوي وبحري وبري، مناقضا لما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الكيان الصهيوني أن تكون الأهداف محدّدة وألا تكون ضربا عشوائيا.
وفي ظلّ وجود مطالب شعبية ورسمية من داخل التّحالف الغربي الذي تقوده أمريكا حول أنّ القضية ليست حربا على الإرهاب – كما يدّعيه الكيان- بل تتعدّى إلى جريمة إنسانية، ما يجعل الكيان الصّهيوني أمام معضلة أمنية وإستراتيجية بعد أن اتّبع خطّة عزل المناطق عن بعضها البعض في قطاع غزة من خلال الضّرب المتكرر لها، حتى تكون هناك سهولة في الدّخول، إلاّ أنّ صمود المقاومة ورفضها التّهجير القسري من الشّمال إلى الجنوب، أو إلى أي دولة أخرى من الجوار جعل خيارات العدو تضيق في ظلّ رفض الفلسطينية الخضوع للإستراتيجية الصهيونية، والإبقاء على خيار الشّهادة عوض التّهجير، وهذا ما جعل كلّ خيارات العدو في تراجع مستمر، فلا المقاومة قضي عليها، ولا تهجير قسري تحقق، بل غلاف غزّة هجره اليهود. هذا الخيار الإستراتيجي الأمني اتّضح أنّه فاشل، هو الأخر، في ظل صمود شعبنا الفلسطيني في غزة والذي أخلط كل أوراق الكيان الصّهيوني.
أمّا عن المسار المتعلّق بالقانون الدّولي وقرارات محكمة العدل الدّولية، والتي هي جهاز قضائي تابع لمنظمة الأمم المتحدة، والتي أصدرت قرارا في 2004 “أن لا شرعية ولا حقّ للدّفاع عن النّفس لمحتل”، بل أكثر من ذلك؛ الجدار العازل هو عنصري وشبيه بنظام الأبرتهايد، وأكثر من ذلك الأجهزة التّابعة للأمم المتحدّة في قطاع غزّة قد ضربت هي كذلك، وبالتّالي لا قانون دولي ولا دور للمنظّمات الدّولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة، بعد أن فشلت في إيقاف الجريمة الإنسانية في حقّ الشّعب الفلسطيني في غزّة، ومن ثمّ نحن أمام حقيقة أنّ القانون الدّولي والأعراف الدّولية والأخلاق هي مجرد حبر على ورق والقانون هو قانون الأقوى، وأنّ القضية رجعت من جديد من باب هذه المسارات التي جعلت منها المقاومة تحت المراجعة.
يجب أن نتّفق أنّ ما حدث مع الكيان الصهيوني قوّى الجبهة الداخلية الفلسطينية من خلال أنّها – الآن – حدّدت معالم الكفاح الواقعي والجدي، والابتعاد عن الحلول الوهمية على أنّ الحلول ستكون من الخارج الفلسطيني. أكثر من ذلك، جعلت من المتخاذلين عن مساندة القضية أمام مسؤولية تاريخية وهي لحظة فارقة تؤكّد أنّ إنهاء الاحتلال يكون بالقوة.
نحن الآن أمام إلغاء لمسارات فاشلة، والتّأكيد على مسار جديد أنّ المقاومة المسلحة هي الحل وأي سيناريو مستقبلي لا يخرج من هذا الحل واضح المعالم والجلي، على أنّ المقاومة بعثت من جديد. هناك ضحايا وخسائر والثّمن باهظ بالنسبة للفلسطينيين، ولكن لا مناص من أنّ الحل قد بدأ ولا رجعة فيه، وأكثر من ذلك نحن أمام خيارات مغلقة بالنسبة إلى الكيان الصهيوني بعدما كان يتبجح بأنه الناهي والسيد. فالمقاومة حدّدت طريقة العمل، والهدف إمّا النّصر أو الشّهادة، ومن ثمّ الخيارات أصبحت أكثر وضوحا الآن بعدما كانت مرتبطة بأوهام أصبحت حقيقة.
القضيّة الفلسطينية تبقى هي القضية الأولى للأمة العربية والإسلامية، وأي تخاذل عن نصرتها سيسجله التاريخ، والتاريخ يكتب ولا يؤلف ولا يرحم، والنّصر قريب لإخواننا الفلسطينيين وسيشكلون دولتهم ويعترف بها الجميع.
وإنّك لتَعجب من طفل مصاب يلقّن أخاه الطفل المحتضر الشهادة..
“كل أولادي فدى فلسطين!”
بقلم: الباحث المقدسي في الدّراسات التراثية إبراهيم باجس عبد المجيد
باستغراب شديد، يُمطرني أحد أصدقائي غير الفلسطينيين بسيل من الأسئلة، وهو يتابع معركة “طوفان الأقصى”، التي يخوضها المقاومون المجاهدون في غزّة ضدّ الآلة العسكرية الصهيونية الضخمة.. ما الذي يجعل الفلسطينيين يصمدون ولا يطلبون النجاة من أحد، مع تأكيدهم على ضرورة رصّ الصف والالتفاف حول المقاومة كخيار وحيد وأوحد لحل القضية الفلسطينية؟ وما الذي جعلهم يرفضون التّهجير رغم فقدهم فلذات أكبادهم أمام أعينهم؟ ويسألني آخر: ما الذي جعل أهل غزة يتحمّلون الجوع والمبيت في العراء رغم ما أصابهم من قتل وتدمير لبيوتهم وتشريدهم منها؟ وما الذي جعلهم يلتفُّون حول حركة المقاومة حماس، بل يقولون قولها ويزكون فعلها حتى لو كان الثمن إبادةً جماعية؟
هذه بعض أسئلة فرضتْها الحرب الدائرة في غزة، معركة طوفان الأقصى، وأسئلة أخرى كثيرة تزاحمت في أذهان العرب والمسلمين، بل العالم أجمع.. ما سرُّ هذا الصمود المذهل الذي أبان عنه أهل غزة وتشبُّثهم بأرضهم والتفافهم حول المقاومة.
ولعلَّ الإجابة عن هذه التساؤلات تكمُن في واقع التّجربة، بل التّجارب، التي مرَّ بها الشّعب الفلسطيني منذ أن احتلَّ الصهاينة أرضه قبل 75 عامًا، بل قبل ذلك إبّان الاستعمار البريطاني، الذي كان هو أساس البلاء في قضية فلسطين، حينما وَعد اللورد بلفور اليهودَ بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ونفَّذ لهم وعده المشؤوم هذا. منذ وعد بلفور، وما تلاه من ثورات خاضها الشعب الفلسطيني ضدّ المستعمر الإنجليزي عام 1927 وعام 1936، ثم حرب عام 1948 و1967 التجأ الفلسطينيون إلى إخوانهم العرب، علَّهم يسعوْن إلى نُصرتهم، ويقدِّمون لهم الدّعم بالرجال والمال والسّلاح، لكن مع الأسف خاب ظنُّهم، فما دخلت بعض الجيوش العربية المعركة في فلسطين إلا هُزمت شرَّ هزيمة، وكان ذلك وبالا على فلسطين وأهل فلسطين وقضية فلسطين، بدل أن يكون ذلك نصرا وتمكينا وتثبيتا لأهل فلسطين، وطردا للغُزاة المستعمرين والمحتلين.
عندها، أيقن الفلسطينيون أنه لا بد من الاعتماد على النفس، بعد الله عز وجل، وتكوين نواة للمقاومة تصدّ عدوان الغاصبين، وتعيد الأرض إلى أهلها، وأن يتوحد الفلسطينيون فيما بينهم من أجل ذلك، فكانت حركات المقاومة الفلسطينية، على اختلاف توجهاتها وأفكارها، ومنها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وذراعها العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، التي رأت أن الجهاد والمقاومة المسلحة هو الخيار الأمثل لاسترداد فلسطين وحقوق شعبها، لأن كل التجارب السابقة في الحلول السلمية والسياسية لم تُرجع حقا إلى أصحابه، ولا أرضا إلى أهلها.
وكان الوجود الأكبر والفاعل لهذه الحركة في قطاع غزة، منذ أن أسسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين رحمه الله، وقد خاضت هذه الحركة المقاومة منذ عام 2008 أربعة حروب ضد الكيان الصهيوني المحتل، وهذه الحرب (طوفان الأقصى) هي خامس الحروب.
ومن الملاحظ أنّ هذه الحروب والمعارك المتواصلة لم تُضعف المقاومة المسلَّحة، إنما زادتها قوة وصلابة وخبراتٍ متتاليةً في القتال والإعداد والاستعداد العسكري. وأهم من ذلك هو زيادة الرّصيد الشّعبي لها في صفوف الشعب الفلسطيني، فهو الحاضنة والرديف والسّند لها، فنجد الناس في غزة وفي الكل الفلسطيني يلتفون حول المقاومة، ويحملون رايتها ويدافعون عنها.
التفَّ الشّعب الفلسطيني حول المقاومة لِمَا رأوه منها من تضحيات جبارة، وإنجازات وانتصارات ما كان أحد يتخيل أن تحدث في غزة وبإمكانات متواضعة، بل إنها أبهرت العالم كلَّه، بما فيه من خبراءَ عسكريين ومحللين سياسيين وإستراتيجيين.
رأى الشعب الفلسطيني والعالم أجمع عمليات المقاومة المبهرة، التي لم يروها من قبل، فأعطت مصداقية كبيرة في عمل المقاومة، كما رفعت الروح المعنوية في نفوس أهل غزة، وزرعت فيهم الثقة بهؤلاء المقاومين، الذين أسقطوا مقولة الجيش الذي لا يقهر إلى غير رجعة، فقهروه عسكريا ونفسيا ومعنويا.
فالتفَّ الشعب حول المقاومة، فرفضوا التهجير والرحيل عن أرضهم، أو اللجوء إلى دول أخرى.. فقد هُجِروا منها أكثر من مرة ( 1948- 1967)، وكانوا يأملون في العودة إلى ديارهم، وطال انتظارهم وطال دون حصدهم أيَ شيء، لذا رفضوا الهجرة أو التهجير، ورأوا في المقاومة خيرَ سبيل لاسترداد حقهم ورجوعهم إلى أرضهم المسلوبة.
والتف الشّعب الفلسطيني حول المقاومة، رغم ما أصابه من قتل ذريع طال الآلاف من أبنائه، وتدمير الآلاف من بيوته ومساكنه، وما نراه هو أشبه بالإبادة الجماعية لأهل غزة، ولكنَّ أهلها صامدون ثابتون في أرضهم، رغم الجوع ورغم الجراح، فرغم ما أصابهم لا نجد منهم التذمر من المقاومة، أو ظنهم بأنها جلبت لهم القتل والدمار كما يروِّج البعض من المتخاذلين.
نعم، هم يتألمون لكنهم صامدون، ويستحضرون قول الله تعال: (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون). ويستحضرون قول رسوله: (إنما النصر صبر ساعة)، وأن الغلَبة للحق، وهم أصحاب الحق.
وإن النّاظر لما يدور في غزة ليعجب أشدّ العجب من هذه الروح المعنوية العالية لدى أهلها ، التي لا تكاد تُصدَّق لولا أننا نراها ونسمعها عيانا على شاشات التلفزة.. تعجب من تلك الأم الثكلى التي فقدت كل أبنائها أو معظمَهم وهي تقول: كل أولادي فدى فلسطين وفدى المقاومة! وتعجب من ذاك الأب الذي يحمل (أشلاء) أبنائه في (كيس)، ويقول: يا رب خذ من أجسادنا وأبنائنا حتى ترضى، فلن نلين ولن نستكين!
وتعجب لَمَّا ترى طبيبا أو ممرضا في مستشفى يُفاجأ بأن من بين الشهداء ابنا له أو ربما عائلته كلها، فيحزن عليهم، لكنه لا يجزع، ولا يترك عمله، بل يبقى يداوي المرضى ويعالج الجرحى ولا يغادر مستشفاه.
وتعجب لَمَّا ترى إعلاميا يغطي أحداث المعركة على الهواء، ويأتيه خبر استشهاد عائلته، فلا يُحبطه ذلك ولا يثنيه عن القيام بواجبه، لأنه يرى أن تأثير الكاميرا و(المايك) لا يقل عن تأثير الرشاش والبندقية.
وعندما تشاهد من يقول لمن فقد بعضا من أهله أو أكثرَهم… اصبر فكلُنا مشاريعُ شهادة وأرضنا هذه أرض رباط وجهاد. فاعلم أن هناك شعبا أصبح يرى فلسطين ومقدساتها أثمنَ وأغلى من الروح ومن المال والولد. تعجب عندما ترى طفلا صغيرا في غزة يرفع يديه بالدعاء للمقاومين المجاهدين.
تعجب عندما ترى طفلا مُصابا بإصابات بالغة يشكل علامة النصر وهم ينقلونه على عربة الإسعاف، وتعجب عندما ترى طفلا آخر لم يتجاوز الثامنة من عمره أصابته الجراح، وعلا الغبارُ وجهَه، يخرُّ ساجدا شكرا لله أن نجاه من الموت.
وعندما ترى طفلا مصابا بالجراح يلقِّن أخاه الذي يحتضر الشهادة، ويطلب منه أن يقول “أشهد أن لا إله إلا الله” مخافة أن يستشهد ولا يكون قد ردد الشهادتين.. عندما ترى هؤلاء الفتية تشعر أن وراءهم أمَّا وأبا زرعا فيهم حب الجهاد والمجاهدين، وأن المجاهدين، لا المتخاذلين، هم شرف الأمة وعزُّها.
عندما تسمع زهرة من غزة تغني، رغم الألم.. إنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون، فاعلم أن هذا الشعب أصبح متجذِّرا في أرضه، وأن صِغاره لا ينسون أرضهم ووطنهم وقضيتهم، ولن تقلعه كلُّ آلات الحرب الصهيونية، ولا كلُّ آلاته الإعلامية، وأنه شعب حيٌّ لن يموت ولن يُهزم بإذن الله.