الصهيونية اليهودية فكر شيطاني خبيث، عشعش وباض وفرّخ في رؤوس المتطرفين من زناة التاريخ ولصوص الحضارة ولقطاء الجغرافيا، ثم ما لبث أن تسرب واندسّ في دواليب النظام العالمي الحديث، قبل أن يستولي -بعد ذلك- ويأسر إرادة جلّ المؤسسات الدولية -المالية الاقتصادية والسياسية الاجتماعية، فجعلها مجرد هياكل خاوية بلا روح ولا ضمير.
من الفكر الصهيوني إلى الحركة الصهيونية؛ بمعنى الانتقال من مرحلة التنظير والتخطيط، إلى طور التنفيذ والتجسيد.. وقد كان ذلك ضمن توجهات مختلفة، تبنّاها الكيان في رحلته الوجودية، وفي مهمّته الثبوتية.. فكانت الحركة على أوجه مختلفة، منها:
انتقل الفكر الصهيوني من مرحلة التنظير والتخطيط إلى التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع، حيث تجسد عبر مراحل متعددة تبنتها الحركة الصهيونية لتحقيق أهدافها. وقد ظهرت هذه الحركة بأساليب مختلفة ضمن مسيرتها الوجودية ومهمتها الاستيطانية.
- وُلدت الصهيونية الدينية في مطلع القرن الـ20 من تزاوج الدين مع الصهيونية السياسية، وأغلب غلاة هذه المدرسة، هم من الملاحدة.
- الصهيونية الثقافية أو الصهيونية الروحية، تنبع فلسفتها من فكرة القومية اليهودية، تعتمد في بنائها الفكري على أولويات ثلاث: التراث الثقافي، اللغة العبرية والأساطير التاريخية. ورغم أنه لا وجود لثقافة يهودية خاصة خالصة، إلا أن هذا الجانب من الصهيونية يقوم على تهويد وصهينة ثقافات الشعوب الأخرى، والاستدلال بها على ما يُزعم أنه تميّز العنصر اليهودي.
- الصهيونية العملية، اشتهرت كمصطلح في تاريخ الحركة كتيار نشط ذي برنامج موحد. فالصهاينة “العمليون” كانوا يرون في النشاط الدبلوماسي اللاهث وراء وعود وضمانات دولية مضيعة للوقت، لذلك عارضوا «هيرتزل»، وركّزوا جهودهم على تنمية المستعمرات داخل فلسطين، مع العمل على زيادة الهجرة إليها، ليتم فرض سياسة الأمر الواقع على العالم وعلى الفلسطينيين بشأن الاستيطان.
- الصهيونية السياسية، اصطلاح يُستخدم للتمييز بين البدايات الصهيونية مع جمعية “أحباء صهيون” التي كانت شبه ارتجالية -بمعنى من دون استراتيجية ولا تخطيط- بحيث تعتمد في حراكها على صدقات أغنياء اليهود، بينها وبين صهيونية «هيرتزل» التي حولت المسألة اليهوديةإلى “ظاهرة” سياسية، بمعنى آخر، أن الصهيونية السياسية كانت قائمة، لكن في عالم النظريات، حتى جاء «هيرتزل» وحولها إلى حركة سياسية.
- الصهيونية العمالية أو الصهيونية الاشتراكية، وأهم تياراتها تمثلت في مدرسة «غوردون» التي ركزت على فكرة اقتحام الأرض والعمل كوسيلة من وسائل التخلص من عقد المنفى، ووسيلة عملية لغزو الأرض وصهر القومية اليهودية الجديدة وإدماجها بصورة براغماتية فاعلة، مع العلم أن الصهاينة “العماليين” أو الاشتراكيين يركزون على الجانب الاقتصادي والاجتماعي لليهود، وليس على الجانب الديني.
- الصهيونية الليبرالية، كانت في البداية هي الاتجاه السائد داخل الحركة الصهيونية، وذلك منذ المؤتمر الصهيوني الأول لعام 1897م، إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى. وقد خفتت قليلا ثم عاودت الهيمنة من جديد، على الرغم من عدم ارتباطها بأي حزب أو فصيل سياسي معين.
- الصهيونية التحريفية أو “التعديلية تهذيبا”، بقيادة زعيمهم «زئيف جابوتنسكي»، والتي أخذت فيما بعد تعريف “الصهيونية القومية”، وقد غادر “التحريفيون” المنظمة “الصهيونية العالمية” لأنها رفضت القول بأن إنشاء دولة يهودية كان هدفًا للحركة الصهيونية، ومن هنا ظهر عمق الخلاف بين التيارات الصهيونية، والتي لا يجمعها سوى احتلال فلسطين وقتل العرب.
قد يظهر مما سلف، أن اليهود الصهاينة على قلب رجل واحد، وأنهم متّحدون من أجل هدف واحد، لكن واقع الحال يشير الى غير ذلك، فهم مجرد عصابات متعصبة متطرفة تتستر بالبعد الديني في المسألة، وتتخفى برداء الضحية التاريخية، وتتقوى بأكذوبة معاداة السامية. وتتنافس في نصب المكائد وزرع الفتن لزعزعة استقرار العالم كله.
منذ البدء، كان الصهاينة قد أيقنوا بأن العرب سكان فلسطين الأصليين، لن يكونوا لقمة سائغة لهمجيتهم الاستعمارية، وأنهم سيرفضون بكل الوسائل والإمكانات المادية والمعنوية التخلي عن أرضهم، ولذلك سارعوا إلى انتهاج أسلوب الترهيب والقتل والحرق والتدمير، بمساعدة جيش الاحتلال البريطاني، في مسعى جهنمي لتغيير الحقائق على الأرض.
وفعلا، فقد تمكّنت الحركة الصهيونية من كسب دعم المركز الإمبريالي البريطاني، والذي سيخلفه المركز الأمريكي لاحقا، في عملياتها الإرهابية بحق أهل الأرض وترويعهم، وذلك لإجبارهم على ترك ديارهم عنوة، واللجوء الى محتشدات غير إنسانية في الداخل وفي دول الجوار.
كان ذلك بعد وقوع “الاغتصاب الكبير” أو النكبة الكبرى عام 1948م، والتي تلاها بعد ذلك العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ثم النكسة الكبرى التي أودت بكرامة العرب عام 1967م، واحتلال ما تبقى من فلسطين، إضافة إلى سوريا بهضبة الجولان، ومصر في سيناء.
وفي أثناء تلك الأحداث كان الصهاينة يقومون بارتكاب أخبث المجازر وأقذر الجرائم بحق الشعب الفلسطيني، آخرها الحرب الأبادية الدائرة في غزّة منذ 7 أكتوبر 2023، على مرأى ومسمع من العالم بأسره.
وقد قال زعيم حزب “الصهيونية الدينية” اليميني المتطرف، عبر منصة إكس: “مهمة حياتي هي بناء (إسرائيل) وإحباط إقامة دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض (إسرائيل) للخطر، وهذه ليست سياسية، إنها وطنية ووجودية”، مسترسلا بكل صلف وغطرسة؛ “لهذا السبب أخذت على عاتقي، بالإضافة إلى منصب وزير المالية، تولي مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة..” (يقصد الضفة الغربية المحتلة).
هذا الأرعن المتطرف -وبالإضافة إلى منصبه وزيرا للمالية- يشغل منصب مسؤول عن شؤون الاستيطان في الضفة الغربية بوزارة الحرب الصهيونية، وقد أردف في ذات السياق؛ “سأواصل العمل بكل قوتي، حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين على خط المواجهة وتحت النار، بحقوق كل مواطن لدى (إسرائيل)..”، طبعا بكل الوسائل والطرق، بما فيها المجازر اليومية وعمليات القتل والتدمير.
وقد تجاوز عدد المستوطنين في الضفة الغربية حدود نصف مليون مستوطن محتل، إضافة إلى أكثر من مائتي ألف مستوطن بالقدس الشرقية. ولذلك وبهدف حماية مستوطنيه، يقوم الجيش الصهيوني بعمليات توغل وعدوان، موازاة مع عدوانه الإرهابي على غزّة، منذ 7 أكتوبر 2023م.
كما يقوم بدعم وتغطية عمليات التصعيد التي يقوم بها المستوطنون بحق الفلسطينيين والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 692 مدنيا فلسطينيا أعزلا، وجرح أكثر من خمسة آلاف وسبعمائة شخص، واعتقال عشرة آلاف وأربعمائة مواطن مدني من بينهم الكثير من الأطفال والنساء والمسنين، وهذا وفق آخر إحصاءات مؤسسات رسمية فلسطينية.
الصهيوني «سموتريتش» يعارض بكل وقاحة وغطرسة إقامة دولة فلسطينية، ويدعم الاستيطان في الضفة الغربية ويؤيد ضمّ أراضي الضفة إلى الكيان الصهيوني، فهو بذلك يقف ضد الإرادة الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة، والتي تعتبر الاستيطان في الأراضي المحتلة غير قانوني.
صهيوني آخر أكثر شراسة وعدوانا وإجراما، أو على الأقل هكذا يريد أن يقدم نفسه للعالم، المسمى «رون ديرمر»، وهو أحد أهم المقربين من رئيس وزراء سلطة الاحتلال «بنيامين نتنياهو» قال بدوره: “إن الجيش الصهيوني سيدخل معبر رفح وسيسيطر عليه، حتى لو كلف ذلك (إسرائيل) شقاقًا عميقًا في العلاقات مع الولايات المتحدة.. سيحدث ذلك حتى لو اضطرت (إسرائيل) إلى القتال بمفردها، وحتى لو أدار العالم كله ظهره لـ(إسرائيل)، بما في ذلك الولايات المتحدة، فسوف نقاتل حتى ننتصر..”.. وجاد هذا، ضمن في تحدّ صارخ للإرادة الدولية، وللرغبة الأمريكية المائلة إلى صالح إنهاء الحرب، حفاظا على الحد الأدنى من ماء الوجه أمام الرأي العام الداخلي.
بالنهاية، صحيح أن الصهيونية تحتل فلسطين، لكنها بالمقابل، تهين العالم وتبصق على وجه السلام، وتدوس على القيم والأخلاق الإنسانية التي تتقاسمها البشرية في كل مكان وحين، وبالتالي، بات من الضرورة بمكان، على دول العالم الحرّ أن تعيد النظر في علاقتها بهذا الكيان الإرهابي القاتل، وأن تسارع إلى محاصرته بقطع كل صلة به، وعزله عن المجموعة الدولية، كما هو قاطع صلته بالعالم والانسان.