سوريا تعود إلى الحضن العربي.. ما تريده الجزائر يتحقّق

الفرحة في دمشق والبهجة في القاهرة والمجد في الجزائر، وأما الصمت فقد خيّم على بقيّة العواصم العربية التي رضخت في النهاية، لصوت الحكمة والعقل الذي تبنّته الجزائر من أول يوم لاندلاع الأزمة في سوريا والذي كانت قد غيّبته المصالح الضيّقة والأنانية المفرطة والحسابات الخاطئة لدى بقية الأشقاء في الوطن العربي.  

عندما دخلت القوات السورية مدينة حلب، إثر تحريرها من فلول المتطرّفين وقطّاع الطرق وشذّاذ القتلة، سئل وزير خارجية الجزائر آنذاك «لعمامرة» عن موقف بلده مما يجري هناك، فقال بكلّ عفوية وصراحة، ما يحدث في حلب هو استعادة الدولة السورية لسيادتها على المدينة وكفى، فجاء ردّه بمثابة فرصة سانحة لأبواق الصحافة العربية المتصهينة، لتصبّ جام حقدها على الجزائر دولة وحكومة وحتى تاريخا وكيانا، متهمة في الوقت ذاته رجال «المرادية» بدعم «الأسد» ضد “ثورة” الشعب السوري، أعقبتها بلائحة طويلة عريضة من التجاوزات الأخلاقية والأدبية بحق الجزائر.

الآن وقد عادت سوريا إلى حضن الجامعة العربية، أو بالأحرى، عاد العرب إلى حضن دمشق الشام، يرى المحللون بأن الجزائر تستحق فعلا وقفة إجلال وتحيّة إكبار ولفتة اعتراف لمواقفها الثابتة الرصينة، مشفوعة بآيات الشكر والتبجيل، ومختومة بسيل من التشكرات والاعتذارات العربية الرسمية والصحفية والجمعوية، على الأقل من باب التكفير عن الذنب والقدح وسوء الأدب.

لكنّ الجزائر كعادتها، لا تنتظر شيئا من أحد، إذ يكفيها فخرا أنها لا تزال وفية لمبادئها وثوابتها وقيمها التي جُبلت عليها منذ ألاف السنين، في دعم صريح للحق ونصرة صادقة للمظلوم وإغاثة ناصحة للمضطر والمستجير.

قمة الجزائر: لمّ الشمل العربي

عاد العرب إلى سوريا، أم عادت سوريا إلى العرب؟ لا يهمّ من باب أنه ليس موضوع المقال، فالمهم أن بداية لمّ الشمل العربي المشتّت قد انطلقت منذ قمة الجزائر، وأن المساعي الحميدة التي تبنّتها بدأت تؤتي أكلها، وها هي الأحداث والظروف قد أظهرت من كان على حق، ومن هو في ضلال مبين، كما بيّنت المواقف السيادية الصلبة، والمواقف الوظيفية الهشة.

إلا أنه ومنذ الإعلان الرسمي للقرار الصادر عن مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورته غير العادية، والذي جاء فيه:

  • يعرب المجلس عن تضامنه المطلق مع الشعب السوري، إزاء ما يواجه من تحديات تطال أمنه واستقراره، وما يتعرض له من انتهاكات خطيرة تهدد وجوده، وحياة المواطنين الأبرياء، ووحدة وسلامة الأراضي السورية.
  • يرحّب المجلس بالجهود المبذولة من أجل تهيئة الظروف الملائمة الرامية إلى تحريك مسار التسوية السياسية الشاملة في سوريا، والحرص على تفعيل الدور العربي القيادي في جهود حلّ الأزمة السورية، لمعالجة جميع تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، مع وضع الآليات اللازمة لهذا الدور.
  • قرّر المجلس تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وذلك استنادا إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه، والتأكيد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على الخروج من أزمتها.
  • التأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حلّ الأزمة وفق مبدأ الخطوة، مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم؛ 2254، بدءا بمواصلة الخطوات التي تتيح إيصال المساعدات الإنسانية لكل محتاجيها في سوريا.

ورغم البيان الرسمي هذا، والتأكيد على أن النظام السوري لم يعد “منبوذا” على المستوى العربي، فإن بعض “العاهات” الرسمية والسياسية في الوطن العربي والتي تتغذّى من نفايات التاريخ، لا تزال تتهجّم على الجزائر للنيل من مصداقيتها والتقليل من دورها الريادي الذي صار يزعج الكثير، في حين تؤدي هذه العاهات دورا شيطانيا مقيتا، خدمة للمدّ الصهيوني العابث بالكرامة والعلاقات الأخوية.

على هامش الأحداث

بالأمس عاد الدفء للعلاقات السعودية الإيرانية، فوجدت بعض الأنظمة العربية الغبية ذاتها متسللة على هامش الأحداث والتاريخ، وهي التي كانت قد طردت سفير إيران وقطعت علاقاتها معها، تضامنا مع «الرياض» في صراعها مع طهران، اليوم، عادت سوريا إلى شغل كرسيها بجامعة الدول العربية، رغم أنف ذات الأنظمة “القذرة” التي كانت قد طردت سفير سوريا كذلك، تضامنا مع السعودية والإمارات وقطر وتركيا، في حربها على دمشق.

السيناريو ذاته سيعاد في اليمن، وستعيد ذات الأنظمة سفراءها إلى صنعاء، من دون كرامة ولا سيادة، وهي التي أرسلت مرتزقتها لقتل اليمنيين ظلما وعدوانا. وسيتكرر مع الصحراء الغربية، وسيبدأ العرب تدريجيا بالاعتراف باستقلال الجمهورية الصحراوية، وستجد ذات الأنظمة نفسها خارج مجال الأحداث والتاريخ، فقد بدأ نوع من التقارب والتنسيق يرتسم في الأفق بين جبهة البوليساريو وبعض الدول العربية، من خلال اجتماع أمني ضم قادة جيوش كل من مصر ليبيا والجزائر، بالإضافة إلى قائد الجيش الصحراوي.

الاجتماع المشار إليه، جاء ضمن سلسلة اللقاءات للجنة رؤساء الأركان الأعضاء في “قدرة إقليم شمال إفريقيا”، المنبثقة عن الاتحاد الإفريقي، لمناقشة مسائل التعاون الإقليمي في مجال مكافحة الإرهاب في المنطقة، وفضّ النزاعات وعمليات إحلال السلام، وهو اللقاء الأول الذي جمع قادة عسكريين من ليبيا ومصر، مع قيادات عسكرية من جبهة “البوليساريو” التي لا تُحظى بالاعتراف الرسمي من قبل هذه الدول، على خلفية النزاع القائم حولها من قبل الاحتلال المغربي.

مثّل الجزائر في هذا الاجتماع قائد الأركان الفريق أول «سعيد شنقريحة»، وعن الجانب المصري حضر مساعد رئيس أركان حرب ‏القوات المسلحة المصرية، اللواء أركان حرب «عصام الجمل»، ورئيس هيئة الأركان العامة لحكومة ‏الوحدة الوطنية الليبية الفريق أول «محمـد علي الحداد»، ورئيس أركان جبهة البوليساريو «محمد الوالي أعكيك»، وهو الاجتماع الذي ناقش فيه الحضور عدداً من الملفّات المرتبطة بحالة التعاون العسكري وبناء القدرات لجيوش دول المنطقة، وآليات تطوير التعاون بين هذه البلدان.

تبنّي مقاربة إفريقية جديدة

وجاء هذا “اللقاء فرصة لتعزيز مستوى التنسيق القائم بين البلدان الأعضاء، لمواجهة التهديدات المحدقة بأمن وسلامة المنطقة، بما يعطي، دون أدنى شك، دفعاً قوياً لقدرة إقليمنا، من حيث الجاهزية العملياتية، وتعزيز مستوى التنسيق القائم بين بلداننا، لمواجهة التهديدات المحدقة بأمن وسلامة منطقتنا”.

كما جاء في كلمة «سعيد شنقريحة» قائد الأركان الجزائري، الذي أردف قائلا: إن “منطقة شمال إفريقيا، وعلى غرار باقي مناطق القارة الإفريقية، تواجه تحديات كثيرة في مجال السلم والأمن، كالإرهاب والجريمة المنظمة والصراعات المسلحة والنزاعات الحدودية، وهو الأمر الذي يتطلّب منا، أكثر من أيّ وقت مضى، التعاون لمواجهة هذه التحديات، والعمل على الحدّ من العنف والتطرّف وجميع أشكال الجريمة العابرة للحدود”.

كما استطرد شنقريحة مفسرا: “الجزائر التي بذلت جهوداً لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الساحل، سواء في إطار التعاون الثنائي، أو من خلال الآليات متعددة الأطراف، ترافع من أجل تبني مقاربة إفريقية جديدة، تتعلق بمكافحة الإرهاب، وترتكز على محاربة الجماعات المسلحة وكذا الوقاية من كل أشكال التطرف”.

مخزن الدونكيشوتية

كما أضاف؛ “المعركة ضد الإرهاب والتطرف العنيف لا يمكن كسبها في غياب مقاربة متكاملة، تهدف إلى التصدي للتطرف العنيف وتجفيف مصادر تمويل الإرهاب، على غرار منع دفع الفدية، التي تساهم في دعم صفوف الإرهابيين ومدهم بالأسلحة وتوسيع قدراتهم التدميرية”، ينهي كلامه الفريق أول «سعيد شنقريحة».

وفي ختام الاجتماع المبرم، قامت الوفود العسكرية المشاركة، بتأدية زيارة رسمية إلى القاعدة اللوجستية الإقليمية التابعة لـ”قدرة إقليم شمال إفريقيا”، الواقعة بولاية جيجل، وذلك من أجل الاطلاع على الإمكانات المسخرة لضمان استجابة سريعة، وفعالة للقوة الإفريقية الجاهزة، وذلك في حال نشرها ضمن عمليات دعم السلم، المفوضة لها من قبل الاتحاد الإفريقي أو منظمة الأمم المتحدة.

ورغم أن تنظيم هذا الاجتماع الأمني والتنسيقي، يدخل ضمن استراتيجية الاتحاد الإفريقي الأمنية، إلا أن الصحافة الصفراء لنظام المخزن المغربي، لم تجد سوى الجارة الشرقية، مرة أخرى، لتخوضها حربا دونكيشوتية شعواء بكل وضاعة وحقارة، لشيطنة كل ما هو جزائري.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا