تحول المرشح اليميني المتطرف، إيريك زمور، ذو الأصول الجزائرية، إلى ظاهرة شغلت بال الباحثين والسياسيين والإعلاميين في آن واحد، بسبب مواقفه المثيرة للجدل، والتي لا تتماشى حتى مع بعض القناعات التي اختلقها ودافع عنها، هذا المشرح الذي يحظى بعناية خاصة من قبل الإعلام الفرنسي الواقع تحت سيطرة اللوبي الصهيوني.
من بين الباحثين الذين استهوتهم ظاهرة “إيريك زمور”، الكاتبان جوديت كوهين سولال، وجوناثان هايون، اللذان أنجزا تحقيقا فكريا وتاريخيا حول هذا المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية، تحت عنوان “زمور ونحن”، وقد تتبعا الجذور الفكرية لمعاداة السامية، عند زمور الذي يدعي الانتماء إلى الهوية اليهودية.
الباحثان استهدفا الغوص في خلفيات مدى ازدهار غموض “زمور” في حالة فقدان ذاكرة فرنسية للغاية بسبب معاداة الدولة للسامية، وهو ما قاد الباحثان إلى طرح مجموعة من الأسئلة، من قبيل كيف يمكن للمرء أن يكون يهوديًا، لكنه مدعوما من قبل النازيين الجدد؟ هذه هي المفارقة التي عجز الباحثان عن إيجاد إجابة لها.
في تقاليد النازية منذ تأسيسها من قبل الزعيم الألماني، أدولف هتلر، قبل أزيد من نصف قرن، ليس بينها وبين اليهودية أية قواسم مشتركة، بل إن اليهود في الأعراف التاريخية للصهيونية، من أبرز ضحايا الفكر النازي، ومن هذه الفلسفة ولدت مزاعم الهولوكوست، وتصفية اليهود بالملايين، وهي الأدبيات التي اقتات منها الصهاينة لتبرير إيجاد موطن قومي لهم في فلسطين المحتلة، مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بثلاث سنوات فقط.
ويستغرب الباحثان في كتابهم الجديد كيف أن المرشح اليميني المتطرف عن “حرب الاسترداد”، يدعي بأنه يهودي وأن هويته يهودية بل وصهيونية من خلال مواقفه وتصريحاته المتواترة والعلنية، ثم بعد ذلك يرتكب حماقات تتناقض والأفكار التي يتبناها ويدافع عنها اللوبي الصهيوني، والتي تقوم على عدم انتقاد المواقف والسلوكات التي يقوم بها اليهود والصهاينة في حق الشعب الفلسطيني، ولو كانت همجية ووحشية.
قبل أن يتفطن الكاتبان إلى ظاهرة زمور، كان هذا المرشح قد أثار الانتباه في الجزائر بسبب تصريحاته المعادية لكل ما هو جزائري ومسلم، بسبب مواقفه الفجة من المهاجرين، وتوعده بطرهم من فرنسا، ومنعهم من تسمية أبنائهم بالأسماء العربية الإسلامية في حال وصوله إلى صناعة القرار في باريس، وهو أمر يبقى مستبعدا بالنظر إلى الرفض الكبير الذي يلقاه من قطاع كبير في المجتمع الفرنسي.
المفارقة التي تمت ملاحظتها على مواقف زمور تتناقض مع ما يقتنع به حتى بني جلدته من اليهود، ولا سيما ما تعلق بانتمائه سياسيا إلى اليمين المتطرف، لأن اليهود يعارضون سياسات اليمين المتطرف، التي تقوم على معارضة الأجانب والدعوة إلى التضييق عليهم ولو تطلب الأمر ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما ينطبق على اليهود أيضا، الذين وإن حاولوا الاندماج في المجتمعات التي يوجدون فيها، إلا أنهم يصرون على الحفاظ على معتقداتهم وهويتهم، ويفضلون العيش في تجمعات مغلقة، ما يمكن أن يجعلهم هدفا لليمين المتطرف.
هذا المعطى يجعل من إيريك زمور متمردا على مواقف وقناعات بني جلدته من اليهود، كما يجعله أيضا محسوبا على فئة قليلة من الفرنسيين من اليمينيين المتطرفين، وهو بذلك مهما فعل، فإنه لا يمكنه أن يحل محل مارين لوبان التي تقاسمه القناعات ذاتها، لأن الفرنسيين سيعتبرونه مهاجرا مهما حاول التمسح بفرنسيته، ولا شك أن حالة الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، ابن المهاجر اليهودي القادم من المجر والذي تطاول على سلفه جاك شيراك، وها هو اليوم يدفع الثمن غاليا بمحاكمات وأحكام بالسجن تأبى التوقف، تبقى المشهد الذي ينتظر زمور مستقبلا، ولو تظاهر بأنه فرنسيا أكثر من الفرنسيين أنفسهم.