ما زالت مئات الشاحنات المحملة بمواد الإغاثة – بما في ذلك الغذاء والإمدادات الطبية – تتعرض للتلف تحت لهيب الشمس في انتظار المرور عبر معبر رفح الذي كان، حتى بعد اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر 2023، يشكّل منفذاً رئيساً لإدخال المساعدات الإنسانية إلى ضحايا الحرب الصهيونية في غزة، كونه المعبر الوحيد الذي لا تديره سلطة الاحتلال التي كانت تتعمد عرقلة وصول المساعدات من مصر إلى غزة، ومع مرور الوقت تدهورت الأوضاع بشكل كبير. وبلغت الأزمة ذروتها عندما احتل الجيش الصهيوني المعبر بالكامل في السادس من ماي الماضي خلال هجومه على مدينة رفح جنوبي القطاع واجتياحه لأجزاء منها. وتبادل الطرفان، مصر وسلطة الاحتلال، الاتهامات بشأن المسؤولية عن إغلاق المعبر، ما دفع إلى عقد اجتماع ثلاثي في القاهرة يوم الأحد الماضي، ضم وفوداً أمنية مصرية وأمريكية وصهيونية، لمناقشة إعادة تشغيل معبر رفح. فما هي نتائج هذا الاجتماع؟ وما هي خلفيات هذه الأزمة؟ وإلى متى سيظل منكوبو الحرب في غزة ينتظرون تدفق المساعدات؟
=== أعدّ الملف: حميد سعدون – سهام سوماتي – منير بن دادي ===
انتهى في القاهرة، – مساء الأحد – الاجتماع الأمني الثلاثي – المصري الأمريكي الصهيوني – بالفشل، في الاتفاق على إعادة فتح معبر رفح، إذ أكدت مصر تمسكها بانسحاب الجيش الصهيوني من الجانب الفلسطيني حتى يتم استئناف تشغيله مرة أخرى، وقال مصدر رفيع المستوى، لقناة “القاهرة الإخبارية” – المقربة من جهاز المخابرات المصري – إن “الوفد الأمني المصري أكد مسؤولية سلطة الاحتلال الكاملة عن عدم دخول مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية”. وتابع قائلا: “تمسك الوفد المصري بضرورة العمل الفوري لإدخال ما لا يقل عن 350 شاحنة مساعدات للقطاع يوميا تشمل كافة المواد اللازمة سواء غذائية أو طبية أو وقود”.
وأجمعت مصادر عديدة أن القاهرة تميل إلى الاستعانة بمراقبين أوروبيين على الحدود للإشراف على عملية تشغيل المعبر بواسطة السلطات الفلسطينية، ولم يصدر عن الجانب الأمريكي أو الصهيوني أي توضيح بشأن نتائج الاجتماع. لكنّ وسائل إعلام مصرية أفادت خلال الاجتماع إن سلطة الاحتلال تريد فرض “وجود بعثة أممية للمشاركة في تشغيل معبر رفح بمشاركة طرف فلسطيني مقبول لديها، ويأتي هذا الموقف المتعنت بعدما سيطرت قوات الاحتلال في السادس من ماي الماضي فعليا على المعبر من الجانب الفلسطيني، وهو ما فاقم الأزمة الإنسانية وزاد من حدة التوتر في العلاقات المتوترة بالفعل على خلفية الحرب في القطاع بين مصر والكيان.
يعيش سكان قطاع غزة في عزلة عن العالم منذ أكثر من 17 عاماً بسبب الحصار الصهيوني، لكن هذه العزلة تفاقمت منذ بدء الاحتلال عدوانه على القطاع في أعقاب عملية “طوفان الأقصى”، ثم تفاقم مجدداً بسيطرته على محور صلاح الدين “فيلادلفيا” على الحدود المصرية عقب احتلاله وإغلاقه الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري في 6 ماي الماضي، ليكون بذلك قد حاصر قطاع غزة من الاتجاهات الأربعة.
ومنذ سيطرته على معبر رفح، أي قبل أكثر من شهر 30، يمنع جيش الاحتلال نحو 20 ألفاً من جرحى ومرضى قطاع غزة من السفر للعلاج خارج القطاع، المسجلين في قوائم انتظار السفر التي كانت تضم عدة آلاف يحتجون السفر بصفة عاجلة. وفي مطلع شهر إفريل الماضي، كان عدد الذين يحتاجون إلى السفر أكثر من 10 آلاف جريح ومريض، وكانت تجري محاولات لزيادة أعداد المقبولين، وتسريع الإجراءات، ثم زادت الأعداد مع تصاعد القصف الصهيوني وخروج غالبية مستشفيات القطاع عن الخدمة، ومنذ السابع من ماي، بات الجميع محروماً من العلاج في الخارج.
لتلقي العلاج.. آمال الجرحى في غزة تتعلق بفتح معبر رفح
وينتظر عدد كبير من الجرحى فتح معبر رفح للسفر لتلقي العلاج، ويترقب هؤلاء أن تسفر المفاوضات عن فتح المعبر بشكلٍ منتظم، لكن هناك الكثير من التخوف من أن يكون للاحتلال الصهيوني شروط تتيح له جانباً إدارياً، أو أن يفرض إقامة حواجز عسكرية يمكنه من خلالها أن يعتقل الغزيين كما كان يحصل قبل الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة عام 2005، وعلى غرار ما يحصل مع المرضى والمصابين في الضفة الغربية.
ونشر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الأحد، إحصائية جديدة تفيد بوجود أكثر من 11 ألف جريح بسبب القصف الصهيوني ومرضى تفاقمت أوضاعهم بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج بشكل عاجل، كما أن نحو عشرة آلاف مريض بالسرطان يواجهون الموت بسبب نفاد العلاج.
وكشفت الإحصائية عن إصابة أكثر من مليون شخص بأمراض معدية في قطاع غزة منذ بداية العدوان الصهيوني، وأن غالبية تلك الإصابات كانت نتيجة تكرار النزوح، كما ارتفعت أعداد الإصابات بعدوى التهابات الكبد الوبائي الفيروسي إلى 20 ألفاً، ويواجه نحو 350 ألفاً آخرين من أصحاب الأمراض المزمنة خطراً داهماً بسبب منع إدخال الأدوية اللازمة.
منذ بداية الحرب قبل 8 أشهر كان معبر رفح، وهو المعبر الوحيد في القطاع الذي لا تديره سلطة الاحتلال، يشكل شريان الحياة الرئيسي بين العالم الخارجي وسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، إذ أتاح دخول الإمدادات الإنسانية ونقل المرضى إلى الخارج في ظل انهيار مرافق الرعاية الصحية، وقالت مصادر في مجال العمل الإنساني لـ«رويترز» إن تدفق المساعدات من المعبر توقف.
وصرح هشام عدوان المتحدث باسم هيئة المعابر في قطاع غزة أن “الاحتلال الصهيوني يحكم على سكان القطاع بالموت بعد إغلاقه معبر رفح… إغلاق معبر رفح يحكم على مرضى السرطان بالموت في ظل انهيار المنظومة الصحية”.
وأعلن الجيش الصهيوني أن معبر كرم أبو سالم، وهو نقطة العبور الأخرى الوحيدة في الجنوب والذي جرى من خلاله تسليم معظم المساعدات إلى غزة في الآونة الأخيرة، مغلق، وقال ينس لايركه المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إن ذلك أدى إلى «خنق» الشريانين الرئيسيين لإدخال المساعدات إلى غزة مع وجود مخزونات قليلة جداً داخل القطاع.
وذكرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في منشور على منصة «إكس» أن معدلات الجوع الكارثية، خصوصاً في شمال قطاع غزة، ستزداد سوءاً إذا انقطعت خطوط الإمداد نهائيا. وحذرت المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي من «مجاعة شاملة» تتفشى في شمال القطاع. وعبرت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق عن قلقها من أن إغلاق المعبر بين مصر وغزة سيكون له تأثير كبير على إمدادات الأدوية ودخول العاملين في المجال الطبي.
ومع إغلاق المعابر الحدودية مع أراضي فلسطين التاريخية، أصبح معبر رفح الطريق الوحيدة التي يمكن لسكان غزة من خلالها مغادرة القطاع الساحلي الذي تبلغ مساحته 360 كيلومتراً مربعاً، كما بات محور الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات الإنسانية والسماح للمصابين وحاملي جوازات السفر الأجنبية بالخروج.
وغادرت القطاع المجموعة الأولى من المصابين عبر معبر رفح في الأول من نوفمبر بعد نحو 3 أسابيع من بدء الحرب، تلتها الدفعة الأولى من حاملي جوازات السفر الأجنبية. ولم تكن سلطة الاحتلال تسيطر بشكل مباشر على المعبر قبل السادس من ماي الماضي، لكنها كانت تراقب كل الأنشطة في جنوب غزة من قاعدة كرم أبو سالم العسكرية وعبر غيرها من وسائل المراقبة. وهذه أول عودة للقوات الصهيونية إلى معبر رفح منذ انسحاب الاحتلال الصهيوني من غزة عام 2005.
مصر تنفي بناء حاجز جديد على حدود غزة
شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري، يوم الاثنين 3 جوان – خلال مؤتمر صحافي في مدريد مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألفاريس – على أن “مصر واضحة في رفضها للوجود الصهيوني في معبر رفح” الحدودي مع قطاع غزة، معتبراً أنه “من الصعب أن يستمر معبر رفح في العمل دون إدارة فلسطينية”.
وأكد شكري، على أن “الوجود العسكري الصهيوني في قطاع غزة مرفوض من مصر والغالبية العظمى للمجتمع الدولي”، مشيراً إلى أن “معاهدة السلام مع الاحتلال الصهيوني مستقرة على مدى أربعة عقود وبها آليات لمواجهة أي خروقات أو مخالفات لبنودها، ويجب على الجميع التصرف بمسؤولية للحفاظ عليها”.
من جانبها نفت مصر، يوم الاثنين 3 جوان، عزمها بناء حاجز جديد مواز لمحور فيلادلفيا على طول الحدود مع قطاع غزة، وذلك وفق ما نقلته قناة “القاهرة الإخبارية” المقربة من المخابرات المصرية، عن مصدر وصفته بـ”رفيع المستوى”، وجاء على موقع القناة: “مصدر رفيع المستوى ينفي ما تناولته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، حول اعتزام مصر بناء حاجز جديد على الحدود مع قطاع غزة”.
وبالفعل، كانت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، قد ذكرت، أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين والأمريكيين طالبوا مصر، خلال اجتماعات في القاهرة، ببناء جدار على طول حدودها مع قطاع غزة. وأشارت الهيئة إلى أن المطالب جاءت بأن “يكون الجدار مزودا بوسائل تكنولوجية، ويمتد تحت الأرض من أجل القضاء على الأنفاق تحت الخط الحدودي”.
وأضافت أن “الأمريكيين يضغطون على مصر للبدء في تشييده”، وأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن “خصصت حوالي 200 مليون دولار لمثل هذا المشروع”. كما زعم التقرير الإسرائيلي أنه “من المتوقع أن يبدأ المصريون في العمل على تشييد الحاجز بشكل فوري”.
وفي نهاية شهر ماي الماضي حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، من تبعات الكارثة الإنسانية جراء اشتداد أزمات الغذاء والماء والدواء وتفاقم المجاعة والعطش، محمّلا الاحتلال الصهيوني والإدارة الأمريكية مسؤولية منع إدخال المساعدات. وجاء في بيان المكتب أن جيش الاحتلال يواصل إغلاق جميع المعابر والمنافذ المؤدية إلى غزة منذ مند السادس من ماي، ما يُنذر بوقوع مجاعة حقيقية في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية ينفذها الاحتلال وتدعمها الإدارة الأمريكية.
وقبل ذلك أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن كمية الغذاء والمساعدات الإنسانية التي تدخل إلى قطاع غزة انخفضت بمقدار الثلثين، منذ أن بدأت قوات الاحتلال هجومها على رفح جنوبي القطاع. وقال المكتب الأممي، في تقرير له، إن كمية الغذاء والمساعدات الأخرى التي تدخل غزة، والتي كانت بالفعل غير كافية لتلبية الاحتياجات المتزايدة، تقلصت بصورة أكبر منذ السادس من ماي الماضي.
وذكر أن متوسط الشاحنات التي تصل إلى غزة، بلغ 58 شاحنة، مقابل متوسط يومي قدره 176 شاحنة مساعدات خلال الفترة من الأول من أفريل إلى السادس من ماي، ما يمثل انخفاضا بواقع 67%.
وفي السياق، أفاد المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن احتلال معبر رفح البري من قبل جيش الاحتلال، وإغلاق معبر كرم أبو سالم، أدى إلى وقوع أزمات إنسانية مركبة بمنع 22 ألف جريح ومريض من السفر لتلقي العلاج خارج قطاع غزة، وكذلك بمنع إدخال المساعدات الإنسانية والإمدادات التموينية لغزة.
وأشار إلى أن هناك أكثر من 2 مليون نازح في القطاع يعيشون على المساعدات بشكل أساسي ووحيد، خاصة في ظل فقدان ربع مليون رب أسرة أعمالهم ووظائفهم بسبب الحرب الصهيونية، وهو ما نجم عنه انعدام السيولة النقدية لديهم، مما يعزز فرص تعميق المجاعة بشكل واضح.
كيف حال رجال المقاومة في شمال غزة؟
ذكر المكتب أن الاحتلال الصهيوني يمنع إدخال الوقود وغاز الطهي والدواء ضمن سياسة الضغط على المدنيين والأطفال والنساء، وهي جريمة ضد الإنسانية، مما أدى إلى توقف أكثر من 98% من مخابز قطاع غزة عن العمل بسبب انعدام غاز الطهي. ولفت إلى توقف أكثر من 700 بئر للمياه عن العمل في القطاع بسبب استهدافها من جيش الاحتلال الصهيوني ومنع إدخال الوقود، مما يُعزز فرص تعميق المجاعة والعطش ضد المدنيين، خاصة ضد الأطفال والنساء.
وقال إن الصورة الأخلاقية والإنسانية للإدارة الأمريكية وللاحتلال تهشمت بشكل واضح أمام كوارث التجويع والقتل والإبادة الجماعية والتدمير الممنهج للأحياء السكنية وللبنى التحتية ولشبكات الماء والصرف الصحي والكهرباء ولكل قطاعات ومناحي الحياة بالقطاع.
وحذر المكتب المجتمع الدولي وكل دول العالم من تفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كارثي في قطاع غزة، ودعا المحكمة الجنائية الدولية وكل المحاكم الدولية الأخرى إلى ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين والأمريكان الذين قتلوا أكثر من 36 ألف إنسان في محرقة تاريخية لم يشهد العالم لها مثيل.
بدورها، شددت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على أن اكتظاظ الملاجئ ونقص النظافة يزيدان من انتشار الأمراض المعدية، وسط نقص اللقاحات والأدوية. ومن جانب آخر، قال المرصد الأورو-متوسطي لحقوق الإنسان إن قوات الاحتلال الصهيوني تمعن في جريمة التهجير القسري بتدمير ما تبقى من الأحياء السكنية ومراكز الإيواء الأممية في مخيم جباليا شمال قطاع غزة.
قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) -يوم الاثنين 3 جوان- إن التهجير القسري دفع أكثر من مليون شخص للفرار من مدينة رفح في قطاع غزة. وذكرت منظمات إغاثة أن نحو مليون فلسطيني كانوا يعيشون في المدينة الصغيرة الواقعة على الطرف الجنوبي لغزة بعد أن فروا من الهجمات الصهيونية في مناطق أخرى من القطاع.
ومنذ أوائل ماي، نفذ الجيش الصهيوني اجتياحا وحشيا في رفح للقضاء على المقاومة، لكن حماس تستمر في إظهار قُدرتها على الصمود بشكلٍ ملحوظ، ولا سيما في شمالي قطاع غزّة، مثلما أكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية.
وبحسب “الغارديان”، فإنّ حماس تمكّنت من إعادة فرض سيطرتها على مناطق شمالي قطاع غزّة. وقد أشار رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق، إيال هولاتا إلى أنّ إصرار مقاتلي حماس على الصمود في الشمال، استلزم عمليات مُتكررة للقوات الصهيونية لاستعادة هذه المناطق.
ويعتقد محللون أنّ عدد مقاتلي حماس في شمال قطاع غزّة، الذي يفترض أنّ القوات الصهيونية قد قامت بتمشيطه قبل أشهر، أكبر من عدد مقاتلي حماس في مدينة رفح جنوبي القطاع. ويدّعي رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو ومسؤولون آخرون أنّ هجومهم المستمر في رفح سوف يحقّق هدف تحييد حماس وتحرير الأسرى.
ولكنّ الصراع في جباليا، حيث واجهت حماس، (الجيش) الصهيوني بإصرار مفاجئ، يؤكد قُدرة المجموعة على التعافي، الأمر الذي يُهدّد بـ”حرب أبدية” لأشهرٍ أو حتى لسنواتٍ مقبلة. وقال مايكل ميلستين من مركز “موشيه ديان” الصهيوني لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أنّ حماس تبقى السلطة الأساسية في قطاع غزّة، بعد أن تكيّفت مع الوضع الجديد.
وأضاف “منذ الوصول إلى السلطة في العام 2007، حافظت الحركة على هيكل الحكم، لذلك هناك سلطة واحدة مُهيمنة وبارزة في غزّة هي حماس. ولفتت الصحيفة إلى أنّ السكان في جباليا شاهدوا مسؤولين من حماس، في ماو الماضي، وهم يقومون بدورياتٍ في الأسواق، ويفرضون ضوابط على أسعار السلع الرئيسية ويُنظّمون توزيع المساعدات.
وفي وقتٍ سابق، ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، أنّ أغلبية الجنود في (الجيش) الصهيوني “يعتقدون أنّ العملية الجديدة في جباليا عبثية”، ونقلت عن ضابط إسرائيلي كبير قوله إنّ “العمليات الأخيرة أظهرت أنّ تقديرات الجيش ليست صحيحة، في ما يتعلق بالبنية التحتية لحماس”.
وقبل ذلك، أكد عضو “الكنيست” الصهيوني، عاميت ليفي، أنّ “كل كتائب حماس الـ24 موجودة في غزة، بحيث لم يتم تدمير أي واحدة منها”، مضيفاً أنّه إلى جانب صمود حماس، لا تزال حركة الجهاد الإسلامي موجودة، و”كذبوا علينا بأنّه تم القضاء عليها”. والشهر الماضي، أظهر استطلاع للرأي، أنّ 48% من الإسرائيليين يرون أنّه لا يمكن إخضاع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مقابل 35% يرون ذلك ممكناً.
في الجهة الفلسطينية..
هل تقبل مصر بالوجود الصهيوني على معبر رفح؟
أبرز الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية، علي الطواب، أنّ معبر رفح يُعتبر المتنفس الوحيد المُتبقي لقطاع غزة ولسكان غزّة المقدر عددهم بنحو 2 مليون مواطن فلسطيني، والكيان الصهيوني الجائر تعمّد قصف الطرق المؤدية للمعبر من الجانب الفلسطيني إلى خانيونس ومنها إلى دير البلح ومنها إلى مدينة غزّة ثم إلى باقي القطاع بأكمله، وبالتالي ليس هناك طرق تمر عبرها الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والمواد الإغاثية من غذاء ودواء ووقود وما إلى ذلك.
وفي هذا الصدد، أوضح الطواب في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أنّ آلة الحرب الصهيونية لم تستثني حتى المستودعات الخاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” حيث تم استهدافها وقتل عدد من الموظفين المنتسبين إليها وإلى كيانات ومنظمات دولية أخرى، وكل ذلك حدث ويحدث أمام مرأى ومسمع العالم بأسره، وهذا الوضع يؤشر إلى أمر دولي خطير متهالك ومهترئ، حيث اكتفى هؤلاء ببيانات الشجب والإدانة وهي من الأمور المتعارف عليها، والتي لا تغيّر شيئا على أرض الواقع.
على صعيدٍ متصل، تطرق الباحث المصري، إلى قيام بلاده بإعداد ما يوصف بأنّه مخزنٌ استراتيجي أو منطقة لوجستية لتجميع المواد الإغاثية، حيث تم تسخير معبر رفح لهذا الغرض، كما قامت مصر بفتح مطار العريش وتجهيز ميناء العريش البحري لهذا الموضوع، فكل المساعدات التي تأتي كانت معرضة للتلف فقامت مصر بتجهيزها بحيث كلما ما سمحت الفرصة لإدخال 100 ألف طن من المواد الإغاثية، لا بد أن تكون هذه ال 100 ألف طن مجهزة بهذا المكان اللوجيستي، لافتاً إلى أنّ هناك شائعة سخيفة تم تداولها تقول بأنّ “هذه الأماكن هي أماكن إيواء مجهزة لاستقبال الفلسطينيين”، وهذا كذب وهراء سياسي ومعلوماتي بالمقام الأول، لأنّ هذه الأماكن كانت ولازلت مجهزة لاستقبال المواد والمساعدات الإنسانية والإغاثية ولا شيء غير ذلك.
وأردف محدث “الأيام نيوز” قائلا: “إنّ “إسرائيل” ومن شدة حقارتها، اشترطت أن تُغادر الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى معبر كرم أبو سالم، حتى يتم تفتيشها بحجة أنّها قد تحتوي على أسلحة، والأكيد كما لا يخفى على أحد أنّ ذلك مجرد كذب وذريعة واهية لا أساس لها من الصحة، كما قام الكيان الصهيوني بافتعال أزمة من خلال الدخول إلى معبر رفح من الناحية الفلسطينية حيث تم فض المعبر وسحب الموظفين والإداريين، كما تم استهداف الطريق المؤدي من رفح الفلسطينية إلى بقية القطاع، هذه أمور تفتعلها “إسرائيل” وتتعمدها من أجل عرقلة وتعطيل دخول ووصول المساعدات إلى قطاع غزّة الذي يشهد ظروفا إنسانية قاهرة”.
“إسرائيل” لا تريد حلاً لهذه الأزمة
في سياق ذي صلة، أكّد الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية أنّ القاهرة لا تزال ترفض الحوار مع هؤلاء حتى خروج قوات الاحتلال الصهيونية من معبر رفح من الناحية الفلسطينية، وهذا ما تم نقله إلى الجانب الإسرائيلي الذي يتعنت دائما، وإلى الوسيط الأمريكي، والحقيقة كانت مفاوضات شرسة في هذا السياق، فمصر لن تقبل احتلال “إسرائيل” لمعبر رفح من الناحية الفلسطينية والخيارات كانت مفتوحة، مُشيراً إلى دخول الجيش المصري قبل أيام في اشتباك ضد جيش الاحتلال الصهيوني، عند الشريط الحدودي الفاصل بمنطقة معبر رفح، والذي أسفر عن استشهاد جندي مصري، حيث نقل المتحدث العسكري المصري ما يخص الرواية المصرية فقط، فيما كان الرد عمليا ووقتيا كما أعلنته إذاعات الاحتلال وإعلامه الخاص.
إلى جانب ذلك، أفاد الطواب، أنّ الاجتماع الثلاثي في القاهرة والذي ضم وفودا أمنية مصرية وأمريكية وإسرائيلية، بشأن بحث إعادة معبر رفح لم يحقق تقدماً جديراً بالذكر، ولا يزال التعنت الإسرائيلي سيد الموقف، فـ”إسرائيل” لا تريد حلاً لهذه الأزمة، وما دام الدم الفلسطيني يُراق فنتنياهو يجلس على طاولته وحتى المناوئين له على غرار بن غفير، سموتريتش، يائيل لابيد وغيرهم كلهم دون استثناء يقتطعون الجسد الفلسطيني من أجل البقاء على كرسي السلطة، حتى أنهم قالوا تعبيرا كان في غاية الغرابة “سنعمل من أجل بناء الدولة الإسرائيلية وإقامتها كاملة حتى لو تم التنازل عن مجموعة من الأفراد”، في إشارة واضحة إلى المحتجزين الإسرائيليين الذين لا يزالون بحوزة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”.
وتابع: “هؤلاء ليسوا بشرا وبالتالي لابدّ أن نتعامل معهم وفق هذا المنطق، فهؤلاء لا يعترفون إلا بمنطق القوة، قوة أمام قوة حرب مقابل حرب رصاصة مقابل رصاصة، هذه هي المفردات الأساسية التي تفقهها “إسرائيل”، وبالتالي فإنّ ما يزيد الأزمة والمشهد الفلسطيني قساوةً وحدّة هو أنّ البسطاء من الأبرياء والعزل هم من يدفعون الفاتورة في الأخير”.
هذا، وعرّج الباحث المصري، إلى أنّ معبر رفح معطل من الجانب الإسرائيلي وليس من الجانب المصري، وهناك إنزال جوي قد يساهم في التخفيف من حدّة المشهد ولو بالشكل القليل، ولكن خلال هذا الاجتماع الثلاثي طُرحت كل الملفات، وكل النقاط بكل وضوح وصراحة، فلا نقاش ولا حديث مع هؤلاء قبل الانسحاب من معبر رفح من الناحية الفلسطينية.
خِتاماً، أبرز الباحث المصري في الشؤون السياسية والاستراتيجية، علي الطواب، أنّ ما أُثير مؤخرا حول محور فيلاديلفيا وما إلى ذلك، فعلاً حدث لكن لبضع ساعات فقط بعدها ترك هؤلاء هذا الشريط الضيق على الحدود المصرية الفلسطينية، داعياً في السياق ذاته إلى ضرورة أن يدرك الجميع خاصةً في مجال الإعلام والقائمين عليه، أنّ هذه حدود مصرية فلسطينية، وليست حدوداً مصرية إسرائيلية كما يصفها البعض إماّ خطأ وجهلا وإمّا عمدا، فالحقيقة أنها حدود مصرية فلسطينية ومحور فيلاديلفيا يقع بين الشق المصري والشق الفلسطيني كما تنصُ عليه في اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين المصري والإسرائيلي، والتي تبقى عليها ما يقرب عامين حتى تكمل نصف قرن من الزمان.
أزمة معبر رفح..
مصر بين كماشة الضغط الأمريكي ومسؤولياتها القومية
بقلم: د. محمود الحنفي – باحث قانوني فلسطيني
تعدّ سيطرة “إسرائيل” على الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري بتاريخ السابع من ماي الفارط، انتهاكًا صارخًا لمعاهدة كامب ديفيد، حيث يشكّل اجتياح المعبر انتهاكًا للمادة الثانية من اتفاقية السلام والملاحق الأمنية، التي تلزم الطرفين المصري والإسرائيلي بعدم اللجوء إلى التهديد، أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي للطرفين.
كما يعتبر السلوك الإسرائيلي انتهاكًا للمادة الرابعة، وكذلك ما ورد في الملحق الأول من اتفاقية كامب ديفيد، والتي أنشأت مناطق منزوعة السلاح على جانبي الحدود المصرية – الإسرائيلية، إذ انتهكت قوات الاحتلال هذه الاتفاقية بالاجتياح، وإدخال المعدات الثقيلة إلى هذه المناطق.
كذلك فقد انتهك الاحتلال، باقتحام معبر رفح، اتفاقية فيلادلفيا الموقّعة بين “إسرائيل” ومصر عام 2005، وهي الاتفاقية التي أعطت السلطات المصرية والسلطة الفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي، دور تنظيم الحركة على المعبر حتى سيطرة حركة المقاومة حماس على المعبر عام 2007، وفرضت “إسرائيل” حصارًا اقتصاديًا وسياسيًا على قطاع غزة.
يمتدّ “محور فيلادلفيا”، المعروف أيضًا بمحور صلاح الدين داخل قطاع غزة من البحر المتوسط شمالًا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا بطول الحدود المصرية، التي تبلغ نحو 14 كيلومترًا.
لم تعد منطقة محور فيلادلفيا خالية من السكان الفلسطينيين، كما كانت خلال فترة الوجود الإسرائيلي، أي قبل الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، فالمنازل الفلسطينية اقتربت بشكل كبير من السياج الحدودي، وفي بعض النقاط التصقت به باستثناء المناطق الشرقية لمعبر رفح، والمنطقة القريبة من شاطئ البحر.
وَفق مصادر إسرائيلية متعددة، فإن عدم ثقة “إسرائيل” بمصر، هو الذي دفعها للسيطرة على معبر رفح البري، لإنهاء قدرة حماس السلطوية من جهة، وكذلك منع إدخال الأسلحة إلى قطاع غزة، رغم أن أية شاحنة نقل تمرّ في معبر رفح، تخضع لفحص جيش الاحتلال قبل دخولها إلى القطاع.
في محاولة لامتصاص غضب القاهرة، قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير جندلمان: إن “العملية العسكرية التي تشنها القوات الإسرائيلية عند معبر رفح، لا تؤثر على معاهدة السلام مع مصر”، وأوضح جندلمان عبر منصة “إكس”، أن “إسرائيل” تعي الحساسية المتعلقة بإجراء عمليات عسكرية ضد حماس قرب الحدود المصرية.
رغم الانتهاك الصارخ لهذه الاتفاقية، فقد امتنعت مصر حتى الآن عن اتخاذ موقف حاسم وعلني حيال هذا الانتهاك، لأن مثل هذه الخطوة قد تؤثر على دور مصر بصفتها وسيطًا يمكن أن يتحدّث للطرفين.
كانت الخارجية المصرية، قد أدانت بأشد العبارات العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدينة رفح الفلسطينية، وما أسفرت عنه من سيطرة إسرائيلية على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، واعتبرت أن هذا التصعيد الخطير، يهدّد حياة أكثر من مليون فلسطيني يعتمدون اعتمادًا أساسيًا على هذا المعبر.
ودعت الخارجية المصرية “إسرائيل” إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية ذات التأثير بعيد المدى، كما طالبت جميع الأطراف الدولية المؤثرة بالتدخل وممارسة الضغوط اللازمة لنزع فتيل الأزمة الراهنة، وإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية لتحقق نتائجها المرجوة.
السيطرة على معبر رفح يعني المزيد من عمليات إطلاق النار المتبادل
ظهر يوم السابع والعشرين من ماي الفارط، وقع تبادل إطلاق نار بين الجيش المصري وجيش الاحتلال الإسرائيلي عند الحدود الفاصلة بينهما بمنطقة معبر رفح أدت إلى استشهاد جندي مصري على الأقل وإصابة آخرين، فيما لم يصب أي جندي إسرائيلي بحسب مصادر رسمية إسرائيلية، وهذه الحادثة كانت متوقعة، بسبب سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على جزء كبير من محور فيلادلفيا بما فيها معبر رفح.
وقال المتحدث العسكري المصري حينها، في بيان له، إن: “القوات المسلحة تجري تحقيقات بواسطة الجهات المختصة حيال حادث إطلاق النيران بمنطقة الشريط الحدودي برفح، مما أدى إلى استشهاد أحد العناصر المكلفة بالتأمين”.
الجانب المصري في وضع حساس سياسيًا وشعبيًا، بسبب أن “إسرائيل” قد انتهكت اتفاقية كامب ديفيد، رغم التحذيرات المصرية الكثيرة بهذا الخصوص، وها هي اليوم تقتل جنديًا مصريًا وتصيب آخرين، ومن الناحية السياسية فإن السيطرة على معبر رفح تعتبر أكثر خطورة على الأمن القومي لمصر منه من حادثة استشهاد الجندي المصري التي يمكن أن تبرره “إسرائيل” على أنه سلوك فردي، أو رد فعل انفعالي أو ما شابه.
ومن غير الممكن أن تكون سيطرة “إسرائيل” على معبر رفح دون ضوء أخضر أميركي، ما يعني أن رد فعل القاهرة سوف يكون محكومًا بالتفاعلات الدولية التي ستدعو للتهدئة وتجاوز هذه الحادثة وفتح قنوات اتصال أكثر فاعلية بين الجانبين، وعليه فلا يتوقع أن تكون ردة فعل القاهرة دراماتيكية، أي تعليق العمل بالمعاهدة أو سحب السفراء أو اتخاذ أية إجراءات عسكرية مماثلة، وإذا ما بقيت قوات الاحتلال مسيطرة على معبر رفح، فمن المتوقع أن تحصل احتكاكات مسلحة بين الطرفين، وسوف تبقي القاهرة على الجهود الدبلوماسية لمواجهة انتهاك اتفاقية كامب ديفيد، أو معالجة الاحتكاكات المسلحة.
الاحتلال يناور في رفح..
ماذا بعد الاجتماع الثلاثي في القاهرة؟
بقلم: حازم عياد – باحث سياسي أردني
انتهى الاجتماع الثّلاثي الأمريكي-“الإسرائيلي”-المصري في القاهرة، دون التوصّل إلى اتّفاق نهائي لفتح معبر رفح، إذ تصرّ مصر على انسحاب قوّات الاحتلال من المعبر، وأن يتمّ إدخال 350 شاحنة في اليوم، وأن يدار من قبل الفلسطينيين، بالشّراكة مع الاتّحاد الأوروبي الذي تمّ الاتّفاق معه في بروكسل الأسبوع الفائت على لعب دور في إدارة المعبر خلال اجتماع وزراء خارجية لجنة المتابعة في الدّول العربية والإسلامية، ووزراء خارجية الاتّحاد الأوروبي.
الشّريك الأوروبي اشترط مسبقًا تحقيق الأمن ووقف القتال، بعد إعلان جوزيب بوريل ممثّل السّياسة الخارجية في الاتّحاد الأوروبي أنّ أوروبا لن تلعب دور الشّركة الأمنية في المعبر.
الاحتلال الإسرائيلي يصرّ على دور مباشر لجيشه، ويرفض أن يكون للاتّحاد الأوروبي الدّور الأبرز، إلى جانب ذلك يرفض البديل الفلسطيني الذي ستقدّمه أوروبا، وهو على الأرجح السّلطة في رام الله التي اعترفت بها إسبانيا وأيرلندا والنّرويج وسلوفينيا كدولة مؤخّراً.
ولمواجهة ذلك؛ فإنّ يوآف غالانت وزير الحرب في حكومة الائتلاف الفاشية، قدّم تصوّر حكومته خلال استعراض واقع الجبهة الجنوبية اليوم أمام حكومة الطّوارئ، بالقول إنّ العملية في رفح تتقدّم فوق وتحت الأرض، مضيفًا: “نقوم بتدمير أنبوب الأكسجين الذي يربط بين قطاع غزّة ومصر، وفي الآن ذاته نعدّ بديلاً سلطوياً لحركة حماس، طبعاً بالتّعاون مع جهاز الشّاباك”.
مفاوضات القاهرة تمثّل عيّنة اختبارية للكيفية التي سيتمّ فيها التّعامل مع مسار باريس لوقف الحرب والتوصّل لصفقة تبادل أسرى، فهو مسار يضيف تعقيدات منظورة لمسار باريس ولإمكانية ترجمة مبادرة بايدن وجهود وليام بيرنز لعقد صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النّار؛ فكيف بالإمكان الجمع بين مسارين ورؤيتين متعارضتين في الآن ذاته.
فالاحتلال الإسرائيلي – بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية – يناور في عملياته العسكرية في رفح بالقول إنّه سيقتصر على مثلّث صلاح الدّين (فيلادلفيا) ولن يوسّع عملياته ملتزمًا بخطوط بايدن الحمراء، ما يعني أنّه يساوم على رفض الانسحاب من المعبر مقابل الامتناع عن توسيع العمليّة في رفح، إذ يرغب في إحكام سيطرته على المعابر، مفرغاً مسار باريس والمبادرة المعلنة من بايدن للتوصّل لاتّفاق تبادل الأسرى ووقف القتال من مضمونهما.
مسارا باريس والقاهرة يتعارضان ولا يتقاطعان، ما يعني أنّ الطّريق لا زالت طويلة ووعرة أمام مسار باريس، إذ برزت محاولات جادّة وعملية لتعطيل مسار باريس من خلال مسار القاهرة وتفاصيله، أمر يتهدّد إمكانية تحقيق الاتّفاق تقنيًا وسياسيًا وأمنيًا؛ فكيف لمساري باريس والقاهرة أن يجتمعا في الآن ذاته في الزّمان والمكان ذاته، فكلاهما كالمادّة والمادّة المضادة في الفيزياء الكمية، يلغي ويفني أحدهما الآخر للعدم، وهو ما يسعى لتحقيقه نتنياهو وغالانت بالجمع بين المسارين، أمر نبّه له بوريل بطريقة غير مباشرة عندما اشترط وقف القتال قبل التوصّل لاتّفاق حول إدارة المعبر.
الابتزاز الإسرائيلي المتوحش للقاهرة
الراجح أنّ الاحتلال الإسرائيلي افتعل الأزمة على معبر رفح باستهداف الجنود المصريين، لإجبار مصر على التّفاوض لفتح المعبر بالتّنسيق مع جيش الاحتلال، بدلاً من التواصّل والتّنسيق عبر الأمريكان والأوروبيين لإدارة المعبر، فحسابات الاحتلال السّياسية ازدادت تعقيدًا بدعوى النّائب العام للجنائية الدّولية وقرار العدل الدّولية، واعتراف عدد من الدّول الأوروبية بالدّولة الفلسطينية، وأجندة بايدن الانتخابية، فهل تخضع القاهرة للابتزاز “الإسرائيلي” وتقبل بتحرير الاحتلال من حساباته المعقّدة؟ أم تصعد؟ أم تحتوي الأزمة عبر التحفّظ على تفاصيلها والمعلومات الصّادمة التي تخفيها، وهو الرّاجح في الحالة المصرية الرّاهنة؟!
لا يمكن النّظر إلى حادثة استشهاد جنود مصريين على يد الاحتلال الإسرائيلي كحدث عابر وعارض ناجم عن خطأ أو سوء تقدير، إذ جاء بعد ساعات من اتّصال الرّئيس الأمريكي بايدن بالرّئيس المصري عبد الفتّاح السّيسي، حيث اتّفقا على إدخال المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم إلى حين تشغيل معبر رفح.
الحادث في الآن ذاته جاء بالتّزامن مع لقاء وزراء الخارجية العرب في بروكسل نظراءهم الأوروبيين لمناقشة دور أوروبا في الإغاثة الإنسانية وإدارة المعابر في الحرب وما بعدها، ولقاء الرّئيس المصري وفد الكونغرس الأمريكي من الحزبين الجمهوري والدّيموقراطي، أكّد فيه السيسي على ضرورة وضع حدّ للمأساة الإنسانية المستمرّة في قطاع غزّة، ومنع توسّع الصّراع وامتداده.
الحادثة بهذا المعنى لا يمكن نزعها عن سياقها السّياسي، فالاحتلال الإسرائيلي يمارس ابتزازًا وحشيًّا لمصر، يريد أن يفرض من خلاله على الجانب المصري التّنسيق الميداني المباشر مع قوّات الاحتلال المتواجدة في معبر رفح، بحجّة التّحقيق بالحادثة، وتجنّب حوادث مماثلة مستقبلًا، كلجوء فلسطينيين إلى الجانب المصري، فاتحاً بذلك الباب لإمكانية التّنسيق لإدخال المساعدات عبر المعبر الذي تسيطر عليه قوّات الاحتلال كأمر واقع، فالاحتلال بهذا المعنى يوجّه رسالة لمصر مفادها أنّ الاحتلال وحكومته الفاشية الطّرف الوحيد الذي يجب التّنسيق والتّعامل معه، لا بروكسل أو واشنطن.
الإحتلال الإسرائيلي باستهدافه الجنود المصريين يهدّد بنقل الأزمة إلى السّاحة المصرية من ناحية أخرى، عبر إثارة الرّأي العام المصري، الأمر الذي تسعى القاهرة لتجنّبه، فآخر ما ترغب فيه القاهرة تحرّك الشّارع في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة وسياسية وأمنية على الحدود مع قطاع غزّة، وهي ورقة ابتزاز “إسرائيلية” خطيرة، تعكس أزمة الاحتلال النّاجمة عن تعقيدات حساباته الدّاخلية والإقليمية والدّولية، وإدراكه لحدود الرّد المصري وهامش المناورة الضيّق للقاهرة في الآن ذاته.
جيولوجيا معبر رفح وجدوى التّعدين السّياسي!
معبر رفح هو الآن الوسيلة التي تستخدمها مصر للضّغط على “إسرائيل”، وليس على حماس، من أجل وقف استمرار العملية في رفح وإعادة المعبر إلى ما كان عليه في السّابق.
قيل إنّ في الإيجاز إعجاز، وهذه هي العبارات الأبلغ في وصف واقع معبر رفح والعلاقة بين الأطراف على جانبيه طوال سنوات طويلة وحقب جيولوجية عديدة، هي عبارة قالها الكاتب تسفي برئيل في مقاله المنشور قبل أيّام في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بعنوان “الشّرخ العلني بين “إسرائيل” ومصر.. هل يعزّز خيار عودة السّلطة لغزّة؟”.
فالمعبر لطالما كان أداة لإدارة العلاقة بين مصر والمقاومة وعلى رأسها حركة حماس، وهو الآن بحسب الكاتب تحوّل إلى أداة ضغط مصرية في إدارة علاقتها مع الكيان الإسرائيلي بل الولايات المتّحدة الأمريكية، لتتحوّل السّيطرة عليه من نعمة إلى نقمة لكافّة الأطراف المعنية بعد أن تعرّض المعبر لتعرية جيولوجية وسياسية وأمنية.
الولايات المتّحدة الأمريكية ولتحييد فاعلية المعبر والإشكالات والتّعقيدات النّاجمة عن إدارته والمرتبطة أوّلًا بالعلاقة المصرية-“الإسرائيلية”، ثمّ الأمريكية-المصرية، وأخيرًا الأمريكية-“الإسرائيلية”، قامت بالتّلويح بالرّصيف البحري لحسم المسألة وللضّغط على الأطراف المنخرطة في جدل حول مستقبل المعبر وكيفية إدارته وتوفير الحماية له؛ فالرّصيف سيضعف الدّور المصري وفي الآن ذاته يربك الجانب “الإسرائيلي”، ورغم كونه ورقة فهو عبء ثقيل على الجانب الأمريكي.
المعبر ومن حيث لا ندري تحوّل إلى عنوان للفشل والهزيمة بدل النّصر والسّيطرة للاحتلال، وعنوان لمزيد من الاضطراب في الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية، تراقبه المقاومة الفلسطينية عن بعد بصبر لتحسم النّقاش بضربة هاون أو صاروخ أو بعملية خاصّة تنهي ما سيتمّ الاتّفاق عليه، لتعيده إلى نقطة الصّفر كما حدث في جباليا والزّيتون مؤخّرًا.
المعبر كشف عن طبقات جيولوجية من المواقف والمحاولات والجهود لكيفية التّعامل معه، فمصر مضطرة للتّنسيق مع الاحتلال وأمريكا قبيل اجتياحه، وفي الطّبقة الثّانية مضطرّة للمشاركة في النّقاشات حول مستقبل إدارته في سياق من التّعطيل بانتظار الحسم المفقود والخلاف المعهود بين إدارة بايدن ونتنياهو حول مستقبل إداراته، وستكون مضطرّة للتّعامل مع تبعات الفشل “الإسرائيلي” والأمريكي في الآن ذاته وهو محور التّوتّر الحالي والمستقبلي.
المعبر تحوّل إلى عنوان للفشل يؤكّد الهزيمة الاستراتيجية للاحتلال وعدم الجاهزية للحرب، وفقدان التّخطيط والموارد لإدارته، فرغم وفرتها من النّاحية العسكرية إلّا أنّها شحيحة من النّاحية السّياسية والدّبلوماسية والقانونية.
المعبر في الختام لا زال قيد الدّراسة والمسوح الجيولوجية، والنّتائج غير مبشّرة لأمريكا و”إسرائيل”، وغير واعدة للسّلطة في رام الله وللدّول العربية، فهو عصي على التّعدين السّياسي، وبعوائد سياسية شحيحة وكلف مرتفعة للأطراف الطامحة.
“مقاولو الكوارث”.. شركاء أمريكا الاستراتيجيون لإدارة المعابر
خلقت السّياسات الرّأسمالية للدّول الكبرى ماّسي وكوارث لشعوب كثير من الدّول سواء تحت مسمّى “تحقيق التّنمية والدّيموقراطية وحقوق الإنسان أو الأعمال الإغاثية”، إذ أنّ النّتائج دائمًا ما كانت سلبية وبعيدة عن المخطّط له، فضلًا عن أنّها حاولت إطالة أمد هذه الكوارث ليصبح الأمر أشبه ما يكون بتجارة كبرى تدرّ المليارات على الشّركات والمقاولين.
هذه خلاصة ما توصّل إليه الصّحفي الاسترالي انتوني لوبنشتاين في بحثه الاستقصائي الذي زار فيه ثماني دول من ضمنها أفغانستان وهاياتي واليونان، مسجّلاً ذلك في كتاب من 400 صفحة تحت عنوان “رأسمالة الكوارث”.
اللّجوء إلى مقاولين وشركات خاصّة لإدارة الأمن والأعمال الإغاثية والإشراف على الموانئ أمر ليس بالجديد، فالولايات المتّحدة استعانت بهذه الشّركات في أفغانستان والعراق وهايتي وغيرها من الدّول، إلّا أنّ هذه الشّركات التي تحظى بحصانة أمريكية تستعين بمقاولين محلّيين بالباطن؛ فتنشأ المعسكرات للتّدريب، وتستجلب المزيد من المرتزقة، وتنشئ شبكة فساد، وتصنع أمراء حرب لخفض الكلف والخسائر ورفع قيمة الأرباح.
اللّجوء إلى المقاولين هو الخيار الوحيد المتبقّي للولايات المتّحدة الأمريكية لإدارة المعابر والرّصيف البحري قبالة مدينة غزّة، بحجّة الإغاثة لفرض الحوكمة “الإسرائيلية”-الأمريكية في قطاع غزّة، ولتجنّب تورّط القوّات الأمريكية التي يقودها الجنرال مايكل كوريلا تحت مسمّى القيادة المركزية في العمليات العسكرية والتّعقيدات السّياسية.
فالولايات المتّحدة وجدت صعوبة كبيرة في إقناع الاحتلال “الإسرائيلي” في إشراك سلطة رام الله أو إشراك الدّول العربية التي رفضت المقترح “الإسرائيلي” والأمريكي بإدارة المعابر وشؤون القطاع المدنية. ولا يكاد يمضي يوم واحد على العدوان “الإسرائيلي” دون أن يسجّل فيه خسارة دبلوماسية أو سياسية أو ميدانية للكيان المحتل، ممتزجة بخسارة أخلاقية، تعكس عنف وإجرام الكيان في القطاع والضفّة الغربية وجنوب لبنان.
لذلك لا يتوقّع أن ينجح شركاء أميركا الاستراتيجيون (المقاولون) وشركاؤهم في الباطن من تحقيق ما عجزت عنه الماكينة العسكرية للولايات المتّحدة والكيان “الإسرائيلي” طوال الأشهر الثّمانية الماضية، خصوصًا في ظلّ الرّفض العربي والوعي الفلسطيني، فما سيضيفه هؤلاء المرتزقة لن يختلف عمّا أضافوه في مناطق أخرى من العالم بحسب لوبنشتاين مؤلّف كتاب “رأسمالية الكوارث”، وهو إطالة أمد الصّراع وتحويله إلى نزيف سياسي وأخلاقي واستراتيجي للولايات المتّحدة وحليفتها “إسرائيل” في المنطقة في أحسن الأحوال.