يبدو أن غضب العرب الأمريكيّين واستياءهم من تعاطي الرّئيس جو بايدن مع العدوان الصهيوني على قطاع غزّة، لن يتوقف عند المظاهرات والاعتصامات والمناشدات، بل سيتعداها إلى حرمانه من أصوات انتخابيّة ستكون مفتاحيّةً لفوزه بعهدة ثانية في الـ 5 نوفمبر 2024.
فالعرب والمسلمون الأمريكيّون الذين يصوتون تقليديا للحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرّئيس، قرّروا حرمانَه من أصواتهم الانتخابية، ردا على دعمه اللامشروط للحرب الهمجية التي يقودها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزّة المحاصر.
أظهر استطلاع جديد للرأي أن دعم الرّئيس جوبايدن بين الأمريكيّين العرب، وهم ناخبون مهمون نظرا إلى تمركزهم بشكل مُكثف في ما يُسى بـ “Swing states” أوالولايات المتأرجحة، حيث انخفض تأيديه من أغلبية مريحة في الانتخابات الماضية أمام خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2020 إلى ما نسبته 17 % فقط، وسط غضب متصاعد من دعم الرّئيس والديمقراطيين الهجمات الإسرائيلية الهمجية والمستمرة على الفلسطينيين المدنيين في قطاع غزّة.
وحسب سبر الآراء الذي أجراه المعهد العربي الأمريكي، فإن دعم العرب الأمريكيّين لبايدن، الذي بلغ 59℅ خلال رئاسيّات 2020، كان قد انخفض قبل اندلاع الحرب في الشرق الأوسط إلى 35℅، لكنه عاد وانخفض إلى النصف بعد الـ 7 أكتوبر الماضي، تاريخ هجوم كتائب القسّام التّابعة لحركة حماس الفلسطينية على الكيان الإسرائيلي، وإعلان هذا الأخير اندلاع الحرب.
40 ℅ من العرب والمسلمين سيمنحون أصواتهم لـ “ترامب”
اللافت في الاستطلاع أن العرب الأمريكيّين، ولأول مرة منذ عام 1997، أصبحوا لا يفضلون الحزب الديمقراطي بغالبية مطلقة، حيث كشفت النتائج أن 32℅ منهم صاروا ينتمون للحزب الجمهوري، و31 ℅ يعتبرون أنفسهم ناخبين مستقلين، والأكثر إثارة للتساؤلات أن 40℅ من العرب الذين شملهم الاستطلاع قالوا إنّهم سيمنحون أصواتهم للرئيس السابق دونالد ترامب، المرشّح الأوفر حظا للحزب الجمهوري، في رئاسيات 2024، بزيادة تبلغ 5 نقاط مؤيدة عن عام 2020.
لقد صوّت العرب الأمريكيين تقليديا لصالح المترشّحين الديمقراطيين، وكفئة بارزة في الولايات المتأرجحة والمتنازع عليها بشدة مثل ولايات ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا، التي تساهم نتائجها في تحديد الفائز في الرئاسيات، ساهموا بشكل كبير في وصول العديد من الرؤساء الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، لكن الأرقام سالفة الذكر تعد أحدث دليل على أن الرئيس جوبايدن المترشّح لولاية ثانية قد بدأ بالفعل يخسر وبسرعة دعم الأمريكيين المسلمين والعرب بسبب مساندته القوية للكيان الإسرائيلي، ما قد ينهي مستقبله السياسي.
هذا، وقال ربع الأمريكيين العرب إنهم غير متأكدين من الجهة التي سيدعمونها في عام 2024، كما قال 13.7℅ إنهم سيدعمون المترشح المستقل روبرت إف كينيدي جونيور، بينما أجاب 3.8℅ بأنهم سيدعمون المترشح الديمقراطي كورنيل ويست، وفق استطلاع المعهد العربي الأمريكي، الذي قامت به مؤسسة “John Zogby Strategies” جون زغبي ستراتيجيز، المختصة باستطلاعات الرأي.
وأظهر الاستطلاع أن 20℅ فقط من الأمريكيين العرب يصنفون الأداء الوظيفي للرئيس بايدن على أنه “جيد”، بينما عبر 66℅ عن وجهة نظر سلبية تجاه وظيفة الرئيس بشكل عام، وقال إن 68℅ من الأمريكيين العرب إنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترسل أسلحة ومعدات عسكرية إلى الكيان الإسرائيلي، وقالوا إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تستخدم نفوذها لدى الكيان الإسرائيلي للدعوة إلى وقف إطلاق النار.
الجالية المسلمة: من يدعم الكيان الصّهيوني ليس مؤهلا لمحاربة الإسلاموفوبيا!
أما عن جرائم الكراهية والاعتداءات التي طالت العرب والمسلمين واليهود، منذ بداية الحرب على غزّة، فقد قال 78℅ من العرب الأمريكيّين إنهم قلقون بشأن تصاعد التعصب ضد العرب، وقال 67℅ إنهم قلقون إزاء تزايد نسب معاداة السامية، بينما أفاد 59℅ بأنهم لا يعانون من التميّيز، وأظهر الاستطلاع أن 45℅ من العرب الأمريكيين يشعرون بالقلق على سلامتهم الشخصية بسبب الحرب الدائرة بين الكيان الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، ممثلة في حركة حماس.
وارتفعت حوادث الكراهية ضد المسلمين والعرب بشكل كبير في الولايات المتحدة وخارجها، منذ الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس في الـ 7 أكتوبر الماضي، وكان أبرز تلك الهجمات المناهضة للعرب، في الولايات المتحدة، جريمة مقتل الطفل وديع الفيوم البالغ من العمر 6 سنوات، وإصابة والدته في هجوم نفذه سبعيني أمريكي يهودي، قال الادعاء إنه كان مدفوعا بالإسلاموفوبيا.
وذكرت وكالة “أسوشيتد برس” أن إدارة بايدن تستعد للإعلان عن وضعها إستراتيجية وطنية لمكافحة الإسلاموفوبيا، وكان من المتوقع أن يصدر إعلان البيت الأبيض الأسبوع الماضي حين عقد بايدن اجتماعا مع الزعماء المسلمين، لكنه تأخر، حسبما أفاد به ثلاثة أشخاص لوكالة أسوشييتد برس، وفسر اثنان منهم التأخير بمخاوف لدى الجالية الأمريكية المسلمة من افتقار إدارة بايدن إلى المصداقية بشأن هذه القضية، نظرا إلى دعمها القوي للجيش الإسرائيلي.
وقال رامي النشاشيبي، مؤسس شبكة العمل الإسلامي في ولاية شيكاغو، والمشارك في الاجتماع مع الرئيس بايدن، لوكالة “أسوشييتد برس” إنه يعتقد أن مثل هذا الجهد سيكون “ميتا عند ولادته” مع الجالية الإسلامية، حتى يقوم الرئيس ومسؤولو الإدارة بإدانة قوية لأعضاء حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين دعوا علنا إلى استئصال الفلسطينيين من غزّة، وإلى أن تدين الإدارة بشكل أكثر عدوانية جرائم الكراهية التي تستهدف المسلمين والعرب الأمريكيين.
وعبّر ممثلوالجالية الأمريكية المسلمة عن رغبتهم وحاجتهم لاعتذار بايدن، أو على الأقل تقديم توضيح علني حول تعليقاته الأخيرة، التي قال فيها إنه “ليس لديه ثقة” في عدد القتلى الفلسطينيين، الذين قضوا بسبب الضربات الانتقامية الإسرائيلية لأن البيانات تأتي من المركز الذي تديره حركة حماس، على حد قوله.
وقال النشاشيبي مؤسس شبكة العمل الإسلامي في ولاية شيكاغو إن إستراتيجية البيت الأبيض يمكن أن تفشل في الوقت الذي يشعر فيه الكثيرون في المجتمع الأمريكي المسلم بأن الدّعوة إلى تقرير المصير الفلسطيني يتم وضعها بشكل غير عادل مع أولئك الذين يتبنّون معاداة السّامية ودعم المتطرفين.
وقال المتحدّث ذاته لوكالة “أسوشييتد برس”: “هذا الخلط يساهم إلى حد كبير في خلق جوحيث يمكننا أن نرى المزيد من النتائج القاتلة والمزيد من الاستهداف”، وأضاف النشاشيبي: “لا يتمتع البيت الأبيض بالمصداقية اللازمة لطرح “إستراتيجية الإسلاموفوبيا” في هذه اللحظة دون معالجة علنية للنقاط التي أثرناها صراحة مع الرئيس خلال اجتماعنا”.