صرخات ضحايا الموت الاشعاعي لن تخفت.. 65 سنة من العار الفرنسي

في مثل هذا اليوم قبل 65 عامًا، دوَّت انفجارات نووية هزَّت صحراء الجزائر، لكنها لم تكن مجرد تفجيرات عابرة، بل كانت بداية لجريمة بشعة ارتكبتها السلطات الاستعمارية الفرنسية ضد الإنسان والبيئة على أرض الجزائر. جريمة تركت ندوبًا عميقة في الجسد والروح الجزائرية، حيث تحولت مناطق الجنوب إلى مسرح لتجارب نووية غير إنسانية، عانى سكانها ولا يزالون من تداعياتها الكارثية.

اليوم، وبينما يحيي الشعب الجزائري هذه الذكرى الأليمة، تتعالى الأصوات المطالبة بمحاسبة فرنسا على ما اقترفته بحق الجزائريين من جرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم، حيث ترتفع المطالب بتسليم الخرائط الطوبوغرافية لمواقع التفجيرات، وتنظيف الأراضي الملوثة، وتعويض الضحايا الذين يكابدون تبعات الإشعاعات حتى يومنا هذا.

فما حدث في “رڤان” و”عين إيكر” وغيرها لم يكن مجرد تجارب علمية، بل هو وصمة عار في تاريخ الاستعمار، وتحدٍّ صارخ للمبادئ الإنسانية. ومع كل ذكرى، تتجدد المطالب بالعدالة، من أجل الكشف عن الحقيقة، وبإنصاف الضحايا الذين يدفعون ثمنًا باهظًا حتى بعد رحيل الاستعمار.

يحيي الشعب الجزائري اليوم الخميس الذكرى الـ 65 لأولى التفجيرات النووية التي أجرتها السلطات الاستعمارية الفرنسية بالجنوب الجزائري، والتي ستبقى على مر التاريخ جرائم ضد الإنسانية ارتكبت مع سبق الإصرار والترصد ويترتب عنها قيام مسؤولية قانونية عن جريمة غير قابلة للتقادم.

وفي هذا أكد عدد من الخبراء والحقوقيين أن فرنسا مطالبة بتسليم الخرائط الطوبوغرافية الخاصة بمواقع التفجيرات النووية التي أجرتها إبان الفترة الاستعمارية بالجنوب الجزائري وتطهير مواقع هذه التفجيرات التي أحدثت تداعيات خطيرة على الانسان والبيئة.

أوضحت الحقوقية فاطمة الزهراء بن براهم في تصريح لوكالة الانباء الجزائرية بمناسبة إحياء الذكرى الـ 65 للتفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة رقان (أدرار)، أن ملف هذه التفجيرات “تطور خلال السنوات الاخيرة، حيث يتم العمل على كشف الحقائق التي تسعى فرنسا الى إخفائها من خلال تقارير مفبركة ومزورة لتبرئة نفسها من الجرائم التي اقترفتها ضد الشعب الجزائري”.

وأكدت في ذات السياق على أهمية مواصلة الجهود لإجبار السلطات الفرنسية على كشف مواقع النفايات النووية ومطالبتها بدفع تكاليف الأضرار التي ترتبت عن هذه التفجيرات، مشيرة الى أن الأمر يتعلق أساسا بـ «تنظيف المواقع الملوثة وتسليم الخرائط الطوبوغرافية الخاصة بها وتوفير تدابير الرعاية والتعويض لجميع المرضى المصابين جراء هذه التفجيرات”.

وشددت السيدة بن براهم على ضرورة المطالبة بأن يتم الاعتراف بيوم 13 فيفري، باعتباره “اليوم العالمي لضحايا التفجيرات الذرية”، إضافة الى “عقد مؤتمر دولي لإجبار الدول الملوثة على تنظيف كل مواقع التفجير ات”. وأضافت بأنها “ستواصل المعركة، خاصة في ظل تمادي فرنسا في أكاذيبها والتقارير الملفقة التي تصدرها”، لافتة الى ان “الجميع يعلم أن فرنسا هي من نفذت تفجيرات نووية في الصحراء الجزائرية ولم تكن مجرد تجارب”.

بدوره، أبرز الباحث في الهندسة النووية، عمار منصوري، أهمية العمل من أجل “دحض الاكاذيب الفرنسية حول الاضرار التي نتجت عن التفجيرات النووية”، داعيا الى مواصلة النضال لمطالبة فرنسا بتسليم الخرائط الطوبوغرافية لتفجيراتها النووية في الصحراء الجزائرية، الى جانب تنظيف المواقع الملوثة وتعويض المتضررين.

من جهته، اعتبر الباحث في التاريخ، محمد لحسن زغيدي، أنه “حان الوقت لأن تتحمل فرنسا مسؤوليتها الجنائية إزاء تفجيراتها النووية في الصحراء الجزائرية، والتي تعد من أكبر الجرائم ضد الانسانية”، بالنظر -كما قال- لكون التلوث الاشعاعي الناجم عنها “لا يزول بعد وقت معين، بل تمتد آثاره لآلاف السنين”.

وفي ذات المنحى، تطرق أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة البليدة 2، بن يوسف تلمساني، الى الأهمية التي تكتسيها متابعة هذا الملف من خلال “التحرك القوي والتعبئة المستمرة لإجبار فرنسا على تحمل مسؤولياتها إزاء ما تسببت فيه من تلوث للبيئة وما خلفته من أضرار على الانسان والحيوان”.

صوت الضحايا لا يخفت

ويعرف ملف جريمة العار التي ارتكبتها الدولة الفرنسية قبل ستة عقود تطورات هامة، حيث تم مؤخرا إدراج مطلب الجزائر المتعلق بتحميل فرنسا مسؤولياتها في إزالة المخلفات الكارثية للتفجيرات النووية بشكل واضح وصريح ضمن التشريعات البيئية الوطنية لتعزيز حقوق الأجيال الحالية والقادمة، وذلك من خلال نص قانوني متعلق بتسيير ومراقبة النفايات وإزالتها، صادق عليه مجلس الأمة شهر جانفي الماضي.

فالجزائريون هم “أصحاب حق لن يسقط ويطالبون بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار”، مثلما أكد عليه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في خطابه الموجه للأمة أمام البرلمان بغرفتيه شهر ديسمبر الماضي، والذي قال فيه أن “الاستعمار ترك بالجزائر أمراضا يعاني منها أهلنا في الجنوب إلى غاية اليوم”.

كما جدد رئيس الجمهورية، في حوار أجراه مؤخرا مع جريدة “لوبينيون” الفرنسية، التأكيد على أن معالجة المخلفات المتعلقة بالتفجيرات النووية وباستخدام الأسلحة الكيميائية من طرف فرنسا، مسألة ضرورية لاستئناف التعاون الثنائي، داعيا إلى تسوية نهائية للخلافات المتعلقة بهذا الملف.

وأشار إلى أن ملف تنظيف مواقع التفجيرات النووية “ضروري وواجب إنساني وأخلاقي وسياسي وعسكري”، معتبرا أن هذه العملية ينبغي أن تتم مع السلطات الفرنسية التي ينبغي أن تكشف “بدقة” عن المناطق التي أجرت فيها هذه التفجيرات.

ولتدارك المخاطر التي تشكلها مخلفات التفجيرات النووية، تم سنة 2021 إنشاء الوكالة الوطنية لإعادة تأهيل المواقع القديمة للتفجيرات النووية، حيث أن النشاط الإشعاعي البيئي في المناطق التي شهدت هذه الجريمة يبقى مرتفعا بسبب استمرار مخلفات الإشعاعات.

وفي تلك الفترة، ادعت قوات الاحتلال الفرنسي أن ما أسمته “التجارب” تجرى في مناطق غير آهلة وصحراوية وهي رقان (أدرار) وعين إيكر (تمنراست) في الوقت الذي كانت هذه المناطق تأوي قرابة 20 ألف مواطن مدني.

وبتاريخ 13 فيفري 1960، قامت فرنسا بتفجير أول قنبلة ذرية، في إطار العملية التي تحمل اسم “اليربوع الأزرق” في سماء رقان، مما تسبب في كارثة طبيعية وبشرية، ويعادل هذا التفجير الذي تتراوح قوته بين 60 ألف و70 ألف طن من المتفجرات خمسة أضعاف قنبلة هيروشيما باليابان، حسب العديد من الخبراء في هذا المجال.

ويؤكد المؤرخون أن فرنسا الاستعمارية قامت خلال الفترة الممتدة ما بين 1960 و1966 ب57 تجربة نووية وانفجارا شملت 4 تفجيرات جوية بمنطقة رقان و13 تفجيرا تحت الأرض بعين إيكر، بالإضافة إلى 35 تفجيرا إضافي بالحمودية و5 تفجيرات على البلوتونيوم بعين إيكر الواقعة على بعد 30 كلم من الجبل حيث أجريت التفجيرات تحت الأرض.

ولايزال سكان هذه المناطق يعانون الى اليوم من مخلفات التفجيرات، حيث يتم تسجيل سنويا عدة حالات سرطان وتشوهات عند حديثي الولادة وإعاقة وعقم واضطرابات نفسية مزمنة، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي تهدد السلامة البيئية والإقليمية.

ولم يتم إلى غاية اليوم تسليم السلطات الجزائرية خرائط ومخططات تبين أماكن دفن العتاد المستعمل أثناء هذه التفجيرات بالرغم من النداءات والمبادرات الكثيرة التي قامت بها عدة جمعيات للمطالبة بالتكفل بالضحايا وكذا تطهير مواقع النفايات الإشعاعية واسترجاع الأرشيف الصحي والتقني.

ورغم أن هذا الطلب كان ضمن التقرير الذي رفعه المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سنة 2021، إلا أن فرنسا الرسمية ما زالت تصم آذانها تجاه هذا المطلب الذي يعد عصبا محوريا في علاقتها مع الجزائر.

موسى بن عبد الله

موسى بن عبد الله

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
وزير الاتصال..الجزائر توسّع بثها الإعلامي دوليًا عبر الأقمار الصناعية سونلغاز تفتح أبوابها لنقل خبرتها إلى بوركينا فاسو قائد الجيش السوداني:"الخرطوم حرة" استنفار وطني لمواجهة أسراب الجراد ومنع انتشارها إلى ولايات جديدة رقمنة الخدمات التجارية.. "مرافق كوم" الحل الذكي لمتابعة مداومة التجار دوفيلبان يتصدر الشخصيات السياسية المفضلة في فرنسا بعد مواقفه من غزة والجزائر هذه أبرز الملفات التي ناقشها اجتماع الحكومة الجزائر في صدارة الدول المصدرة للغاز المسال بإفريقيا ليلة القدر في الجزائر.. نفحات إيمانية وعادات متجذرة الكاردينال فيسكو: "تصريحات روتايو مستفزة والجزائر لن تخضع للخطاب التهديدي"  غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر