تعتزم الجزائر زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى إيطاليا بنحو 50 بالمائة، بصفقة جديدة من المقرر توقيعها يوم غد الإثنين، بحسب ما أفادت به صحيفة “بلومبيرغ” نقلا عن مصادر وصفتها بـ”المطلعة”.
وذكرت المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها للصحيفة لأن الاتفاقية “غير علنية”، أن “الجزائر ستعزز صادراتها إلى إيطاليا بنحو 9 إلى 10 مليارات متر مكعب سنويا بحلول نهاية عام 2022″، إذ “استلمت إيطاليا نحو 21 مليار متر مكعب من الغاز من الجزائر عام 2021 مقارنة بنحو 29 مليار متر مكعب من روسيا”.
وبحسب “بلومبيرغ”، فإنه “من المقرر توقيع الاتفاق يوم الاثنين بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي إلى الجزائر العاصمة حيث من المقرر أن يلتقي بالرئيس عبد المجيد تبون”.
وأشار المصدر إلى أن دراغي سيصطحب معه وفدا من المتوقع أن يضم رئيس مجموعة إيني الإيطالية للطاقة ووزير الخارجية لويجي دي مايو ووزير التحول البيئي روبرتو تشينغولاني.
هذا وتشمل الاتفاقية “زيادة واردات الغاز من الجزائر واستثمارات مشتركة في مصادر الطاقة المتجددة”، وفق الصحيفة.
ولفتت “بلومبيرغ” إلى أن “إيطاليا، التي تعتمد على الواردات الروسية بنحو 40 بالمائة من استهلاكها من الغاز، تسعى للحصول على إمدادات بديلة، حيث يفكر قادة الاتحاد الأوروبي في اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد روسيا” جراء العملية العسكرية في أوكرانيا.
وتشهد العلاقات الجزائرية – الإيطالية تقارباً لافتاً في ظل الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين، وتصريحاتهم التي تكشف عن مستقبل “حيوي”.
وجاء وصول وزير خارجية روما، لويجي دي مايو، إلى الجزائر في ثاني زيارة له خلال أقل من سنة، وحديثه عن اتفاق على تنويع التعاون وتوسيعه ليشمل قطاعات أخرى غير المحروقات، ليؤكد وجود تحول في العلاقات الثنائية.
أنريكو ماتي.. عراب التعاون الاقتصادي بين الجزائر وإيطاليا
ويعود تاريخ العلاقات الاقتصادية الجزائرية الإيطالية إلى فترة الثورة التحريرية، أين أضحى صديق الجزائر، المصنع الايطالي، أنريكو ماتي (1906-1962) الذي دافع عن قضية الشعب الجزائري، على مدار سنوات، شخصية بارزة للتعاون الاقتصادي والصداقة بين الجزائر وإيطاليا.
ويحمل أنبوب الغاز “العابر للمتوسط” الذي يربط بين البلدين اسم أنريكو ماتي منذ سنة 1999 كما منحه الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون وسام أصدقاء الثورة الجزائرية ما بعد الوفاة فكل هذه المبادرات الرمزية تجسد صداقة جزائرية- ايطالية متينة وتعاون اقتصادي ثنائي واعد.
وبفضل “أنبوب الغاز أنريكو ماتي” الذي يعد ثمرة شراكة مبرمة سنة 1977 بين مجمع سوناطراك والمجمع الطاقوي الايطالي “إيني” الذي كان مؤسسه المصنع في مجال البترول والرجل السياسي ماتي سنة 1953، فإن إيطاليا تعد إحدى أهم وجهات الغاز الطبيعي الجزائري.
وينطلق أنبوب الغاز هذا الذي تم انجازه من أجل تزويد ايطاليا بالغاز الجزائري من حقل حاسي رمل حيث يعبر كل من تونس وقناة صقلية ومضيق مسين، علما أن هذه المنشأة التي تسمح منذ دخولها الخدمة في سنة 1983 بضمان إمدادات سنوية بالغاز قد تبلغ 32 مليار متر مكعب.
وقد اضطلع أنريكو ماتي المعروف بمواقفه المناهضة للاستعمار ومقاومته للفاشية بشمال إيطاليا ابتداء من 1943 حيث عرف عنه أنه كان “متبصرا ومروجا لتعاون حقيقي بين الشمال والجنوب” بدور هام في مفاوضات ايفيان من خلال وضع خبرته في خدمة الطرف الجزائري في مجال المحروقات.
كما ساعد ماتي الجانب الجزائري على تحديد المحاور الاستراتيجية الكبرى للمفاوضات والدفاع عن مصالح الجزائر في استغلال مواردها البترولية والمنجمية حسب الشهادات المعبر عنها بهذا الخصوص في مختلف المنتديات.
وله دور بارز في مجمع “إيني” في تكوين الإطارات الجزائرية في مجال الصناعة البترولية على مستوى مدارسها بعد استقلال الجزائر.
وفي يونيو 2021، قال السفير الإيطالي بالجزائر، جيوفاني بوغلييزي، إن الراحل أنريكو ماتيي يعتبر “شخصية بارزة أسست لمرحلة فاصلة في العلاقات بين إيطاليا والجزائر”.
وخلال ملتقى دولي نظم بالجزائر العاصمة سنة 2010 تحت عنوان “انريكو ماتي وحرب التحرير الوطني”، اعتبر الإطار السابق بوزارة التسليح والاتصالات العامة ووزير الداخلية والجماعات المحلية السابق، دحو ولد قابلية أن “مواقف ماتي حول ملف البترول الجزائري كلفته حياته”.
وبحسب متابعين، تندرج زيارة رئيس الوزراء الإيطالي في سياق العلاقات الاستراتيجية التي تسعى الجزائر لبنائها مع الشركاء الموثوق، ضمن التوجه الجديد، بخاصة بعد تراجع تقارب الجزائر مع فرنسا، وبشكل أقل مع إسبانيا ودول عربية وأفريقية.
ويرى هؤلاء أن إيطاليا تسارع إلى المظلة الجزائرية مستغلة الظرف الذي تمر به العلاقات الجزائرية – الفرنسية، بحيث تسعى روما إلى طرح نفسها كبديل أوروبي استراتيجي مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط.
زيارة تاريخية
وفي 6 نوفمبر 2021، دعا الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، إلى عقد قمة حكومية مشتركة مع الجزائر قريباً، واصفاً العلاقات الإيطالية الجزائرية بـ”الإستراتيجية”.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقده في الجزائر العاصمة، مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعا ماتاريلا إلى عقد قمة حكومية إيطالية جزائرية في وقت قريب، لبحث كل قضايا التعاون وتطوير العلاقات بين البلدين، خاصة في المجالات الاقتصادية.
وأبرز أنّ الجزائر وروما بحاجة إلى تطوير العلاقات، مشدداً على أنّ “الأمر يتطلب حواراً فيما بيننا، ومن جانبنا في إيطاليا سنعمل على تمتينها”.
وأكد الرئيس الإيطالي، أنّ “الجزائر هي نقطة هامة ومركزية في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والقارة الأفريقية”، مشيراً إلى أنه بحث مع نظيره الجزائري ملفات الإنعاش الاقتصادي بعد نهاية جائحة كورونا، وتوسيع مجال التعاون بين البلدين، وتعزيز العلاقات الثقافية.
من جهته أكد الرئيس الجزائري أن “اجتماع اللجنة العليا للبلدين المقبلة، سيخرج بنتائج إيجابية وميدانية حقيقية لتعزيز العلاقات والتعاون الاقتصادي بين البلدين”.
وقال تبون “إيطاليا معروفة باقتصاد متكون من مؤسسات اقتصادية صغيرة ومتوسطة، وهذا ما نريده في الجزائر”، في إشارة إلى رغبة الجزائر الاستفادة من التجربة الإيطالية في هذا المجال، مشيرا إلى أن الجزائر سبق لها أن أوفدت إلى إيطاليا الوزيرين المنتدبين المكلفين بالصناعة الصغيرة والمؤسسات الناشئة.
وتبدي الجزائر اهتماماً كبيراً بتطوير علاقاتها مع إيطاليا وإسبانيا كبديل متوسطي عن فرنسا، التي تتجه الجزائر إلى قطيعة سياسية واقتصادية معها، إذ كان الرئيس تبون قد وجه الحكومة قبل فترة قصيرة إلى إرسال وفد من الخبراء للاطلاع على تجربة المؤسسات الناشئة في إيطاليا، كما أعلن بشكل صريح رغبته في الاستفادة من تجارب الاقتصاد الإيطالي، وقال إنّ “بنية الاقتصاد الجزائري تشبه الاقتصاد الإيطالي وليس الفرنسي”.
ويضخ خط أنابيب ترانسميد” خط الأنابيب عبر المتوسط” الغاز الجزائري إلى السواحل الإيطالية منذ عام 1983. وتزيد الطاقة اليومية للخط عن 110 ملايين متر مكعب ولكنه ينقل حاليا أقل من 60 مليون متر مكعب.
وارتفعت الواردات الإيطالية من الغاز الجزائري في العام الماضي 76 في المائة إلى 21.2 مليار متر مكعب أو 29 في المائة من إجمالي الواردات. وقالت روما إنها تتطلع إلى الحصول على تسعة مليارات متر مكعب أخرى من الجزائر.
وأجرت شركة النفط والغاز الجزائرية المملوكة للدولة سوناطراك مباحثات مع إيني التي تسيطر عليها الدولة حول كيفية زيادة إمدادات الغاز إلى إيطاليا على المدى القصير والمتوسط.
ولـ”إيني” عقود غاز طويلة الأجل مع سوناطراك وقد أعلنت عن كشف كبير في الصحراء الجزائرية في مارس/ آذار يبلغ نحو 140 مليون برميل من النفط في الموقع.
وترتبط الجزائر بخط أنبوب للغاز مع إيطاليا، يزود الأخيرة بحاجياتها من الغاز ومنها إلى باقي الدول الأوروبية، إذ كانت شركة المحروقات الجزائرية سوناطراك والمجمع الإيطالي إيني قد وقعا في مايو/أيار 2019، اتفاق تجديد لشراء ونقل الغاز الطبيعي لعشر سنوات قادمة، حيث تبقى الجزائر أهم مصدر للغاز الطبيعي للسوق الإيطالية.