صِدام اقتصادي بريشة التعريفات الجمركية.. هل تغيّر الرسوم الترامبية خرائط التجارة العالمية للأبد؟

في خطوة غير مسبوقة، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بداية شهر أفريل الجاري مفاجأة مدوية بإعلانه عن فرض رسوم جمركية شاملة على عشرات الدول، شملت حلفاء وخصومًا على حد سواء. هذه الخطوة، التي وُصِفت بأنها الأخطر على استقرار النظام التجاري العالمي منذ عقود، أحدثت موجة من القلق الدولي، حيث ألقت بظلالها على آفاق التجارة العالمية وأثارت تساؤلات بشأن قدرة النظام الدولي على الصمود في مواجهة سياسة تجارية متشددة وغير تقليدية. ورغم أن ترامب أعلن لاحقًا عن تعليق مؤقت للرسوم لمدة 90 يومًا، إلا أن استثناء الصين من هذا التعليق ورفع التعريفات الجمركية بالنسبة لهذا البلد بما يتجاوز 125% أضاف أبعادًا جديدة للصراع التجاري العالمي. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل ستتجاوز تداعيات هذه الحرب التجارية التوترات الحالية لتؤثر بشكل جاد في استقرار الاقتصاد العالمي؟

في خطوة وُصفت بأنها الأعنف منذ عقود على مستوى النظام التجاري العالمي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع أفريل 2025 فرض رسوم جمركية شاملة على معظم الواردات القادمة إلى الولايات المتحدة. واعتبر ترامب القرار إعلانًا لـ”الاستقلال الاقتصادي”، مؤكدًا أن السياسات التجارية السابقة جعلت من بلاده ضحية للاستغلال التجاري من قبل دول عدة، في طليعتها الصين.
القرار أثار عاصفة من ردود الفعل الدولية، إذ شمل رسومًا إضافية على عشرات الدول، بنسب متفاوتة، استندت – وفق تعبير الإدارة الأمريكية – إلى معيار “المعاملة بالمثل”. وقد قوبل هذا التوجّه بقلق عالمي، لما يحمله من احتمالات اندلاع موجة جديدة من الحروب التجارية، في وقت ما زال الاقتصاد الدولي يترنح من تبعات الأزمات السابقة.
وفيما كانت التوترات تتصاعد، فاجأ ترامب العالم مجددًا بإعلان تعليق مؤقت للرسوم الجديدة لمدة 90 يومًا على أغلب الدول، مع خفضها إلى نسبة موحدة قدرها 10 في المئة. جاء هذا التراجع نتيجة ما وصفه برغبة أكثر من 75 دولة في التفاوض، ما فتح الباب أمام احتمالات العودة إلى طاولة الحوار، ولو بشكل مشروط ومؤقت.
غير أن الرسائل الصادرة من واشنطن لم تكن جميعها تصالحية، فقد صعّد ترامب لهجته تجاه الصين، ورفع الرسوم الجمركية المفروضة عليها إلى أكثر من 125 في المئة، قائلًا إن بكين لم تُبدِ أي احترام للأسواق العالمية، وإن مرحلة استغلال الولايات المتحدة قد انتهت. وكتب على منصة “تروث سوشال” إن الأيام القادمة ستثبت جدية واشنطن في فرض قواعد جديدة للتجارة.
وفيما أكدت الإدارة الأمريكية أن فترة التعليق فرصة لإبرام “صفقات عادلة للجميع”، يترقّب العالم عن كثب مآلات هذه الخطوة المفصلية، وسط تساؤلات مشروعة حول مدى قدرة الدول المتأثرة على التكيّف، وحول ما إذا كانت هذه الهدنة التجارية المؤقتة ستكون مقدّمة لحلول شاملة، أم مجرد استراحة قبل موجة تصعيد جديدة.

الرسوم الجمركية… ما هي؟ وكيف تُغيّر وجه التجارة؟
وقبل الحديث والخوض في تفاصيل الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتداعياتها، من المهم التوقف أولًا عند مفهوم هذه الرسوم وأسباب فرضها. فالرسوم الجمركية، ببساطة، هي ضرائب تفرضها الحكومات على السلع المستوردة من الخارج، وتُضاف إلى قيمة المنتج عند دخوله البلاد، ما يجعله أكثر كلفة من المنتجات المحلية المشابهة.
وتلجأ الدول إلى فرض هذه الرسوم لأسباب متعددة، أبرزها حماية الصناعات الوطنية من المنافسة الأجنبية، خاصة إذا كانت المنتجات المستوردة أرخص أو مدعومة من حكوماتها الأصلية. كما تُستخدم الرسوم كأداة لتحقيق التوازن في الميزان التجاري، أو كوسيلة ضغط سياسي واقتصادي في مواجهة شركاء تجاريين ترى الدولة أنهم لا يلتزمون بمعايير “العدالة التجارية”.
وفي أوقات الأزمات، قد تتحول الرسوم الجمركية إلى أداة سياسية حساسة تُستخدم في النزاعات الاقتصادية بين الدول الكبرى، وغالبًا ما تتبعها إجراءات انتقامية. فحين تفرض دولة رسومًا على واردات دولة أخرى، ترد الأخيرة بالمثل، ما يُدخل الطرفين في دائرة مغلقة تُعرف بـ”الحرب التجارية”، والتي تؤثر بشكل مباشر على الشركات، والمستهلكين، وسلاسل الإمداد العالمية.
ولهذا، لا يُنظر إلى قرارات مثل التي اتخذها ترامب في 2025 على أنها مجرد إجراء اقتصادي داخلي، وإنما كخطوة تملك آثارًا دولية متشعبة. فهذه الرسوم تمس علاقات تجارية ضخمة، وتؤثر على حركة السلع والأسعار، وتعيد تشكيل خريطة التحالفات الاقتصادية العالمية، خصوصًا إذا كانت صادرة عن قوة اقتصادية كبرى كالولايات المتحدة.
وتكمن حساسية الملف في أن الاقتصاد العالمي بات اليوم أكثر ترابطًا من أي وقت مضى، والقرار الأحادي من طرف مؤثر يمكن أن يُخلّ بتوازنات دقيقة بين العرض والطلب، ويخلق حالة من عدم اليقين لدى الأسواق، كما يُضعف ثقة المستثمرين ويهدد الاستقرار المالي في العديد من الدول.

واشنطن وبكين… صِدام على جبهة الرسوم
من بين جميع الدول التي شملتها قرارات الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة، كانت الصين في قلب العاصفة. فبعد سلسلة من الإجراءات التصعيدية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى نسبة 125 في المئة وأكثر، في خطوة وصفها بأنها رد مباشر على “عدم احترام الصين للأسواق العالمية”، بحسب ما نشره على منصته “تروث سوشال”. القرار دخل حيّز التنفيذ الفوري يوم 9 أبريل 2025، ضمن ما سمّاه ترامب بـ”حرب تحرير اقتصادية”.
هذا القرار جاء بالتوازي مع إعلان ترامب تعليق الرسوم الجمركية على بقية الدول لمدة 90 يومًا، مع خفضها مؤقتًا إلى 10 في المئة. لكن الصين لم تكن ضمن قائمة الدول المستفيدة من هذا التعليق، إذ شدد الرئيس الأمريكي على أن بكين لم تُبدِ أي نية للتراجع أو التفاوض، وأن استهدافها بهذه النسبة المرتفعة هو محاولة لجذبها إلى طاولة المفاوضات.
الصين ردّت على الفور، وأعلنت من خلال مكتب لجنة الرسوم الجمركية بمجلس الدولة رفع الرسوم على السلع الأمريكية من 34 إلى 84 في المئة، اعتبارًا من 10 أبريل. كما أدرجت وزارة التجارة الصينية ست شركات أمريكية في قائمة الكيانات “غير الموثوقة”، في تصعيد واضح لما بات يُوصف بأنه أعنف مواجهة تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم منذ تأسيس منظمة التجارة العالمية.
في بيان رسمي، أكدت الصين أن فائضها التجاري مع الولايات المتحدة “لا مفر منه”، ونتيجة طبيعية لاختلالات هيكلية في الاقتصاد الأمريكي نفسه، إلى جانب الفروقات في تقسيم العمل الدولي. كما شددت على أن لا أحد يمكنه أن يربح من حرب تجارية مفتوحة، محذّرة من أنها تمتلك “العزيمة والوسائل” للدفاع عن مصالحها المشروعة.
البيانات الرسمية أظهرت أن الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة بلغ نحو 295.4 مليار دولار في عام 2024، مقارنة بـ279.1 مليار دولار في 2023. ويُذكر أن أعلى مستوى لهذا العجز الأميركي في تجارة السلع مع الصين سُجّل في عام 2018، إبان الولاية الأولى لترامب، وبلغ حينها 418 مليار دولار، ما يجعل الصين هدفًا متكررًا للسياسات الحمائية الأمريكية.
الأسواق المالية كانت من أول من تفاعل مع القرار، حيث شهدت مؤشرات الأسهم الأمريكية ارتفاعًا حادًا عقب إعلان ترامب، إذ صعد مؤشر داو جونز بأكثر من 2200 نقطة، وارتفع مؤشرا “ناسداك” بنسب تراوحت بين 6 و8 في المئة. هذا التحرك كان مدفوعًا بأمل المستثمرين في أن التصعيد قد يدفع الطرفين أخيرًا إلى التفاوض الجاد.
ومع ذلك، لا تزال الرؤية غامضة بشأن ما إذا كانت هذه الجولة من التصعيد ستقود إلى انفراجة، أم أنها مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات المتبادلة التي بدأها الطرفان منذ سنوات، وتسببت في اضطراب سلاسل التوريد العالمية وأثّرت سلبًا على أسعار المواد الخام، وحركة التجارة في قطاعات حيوية عديدة.

تم تدقيق النص لغويًا مع تصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية، خاصة فيما يخص الهمزات ووضع “إسرائيل” داخل شولتين إن وُجدت، دون أي تغيير في الأسلوب أو الصياغة:

الرسوم الأميركية تطال الحلفاء الآسيويين
ورغم التصعيد الحاد مع الصين، لم تتوقف إدارة ترامب عند حدود الخصومة التقليدية، بل وسّعت نطاق الرسوم الجمركية لتشمل عددًا من الدول الآسيوية التي تُعد في الأصل من أقرب شركاء واشنطن الاقتصاديين، وعلى رأسها اليابان، كوريا الجنوبية، فيتنام، تايلند، وتايوان. خطوة فجّرت تساؤلات حول نوايا الإدارة الأميركية في إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، مع الخصوم، وحتى مع الحلفاء، وسط تخوّفات من أن تتحول هذه الرسوم إلى أداة ضغط استراتيجي تمتد آثارها إلى عمق الصناعات الآسيوية وميزان القوى الاقتصادية في المنطقة.
تُعد اليابان واحدة من أبرز الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين خلال عام 2024 نحو 227.9 مليار دولار، بينها 148.2 مليار دولار من الواردات اليابانية إلى السوق الأميركية. وقد شكّلت صناعة السيارات وقطع الغيار ما يقارب ثلث هذه الصادرات، بما يعادل 7.2 تريليون ين. ومع إعلان إدارة ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 24% على واردات اليابان، أُطلقت تحذيرات في طوكيو من تأثير هذه الإجراءات على قطاع يُعد ركيزة أساسية في الاقتصاد الوطني.
وفقًا لبيانات وزارة المالية اليابانية، بلغت صادرات اليابان إلى الولايات المتحدة 21.3 تريليون ين، أو ما يعادل 19.9% من إجمالي صادراتها، متقدمة على صادراتها إلى الصين. هذه الأرقام تُظهر عمق الارتباط بين طوكيو وواشنطن، لكنها أيضًا تضع اليابان في موقع حساس ضمن السياسة التجارية الجديدة للولايات المتحدة، خصوصًا في ظل عدم وجود إعفاء مؤكد من الرسوم المفروضة.
فيتنام بدورها واجهت إحدى أعلى نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي أقرتها إدارة ترامب، حيث بلغت 46%. وتشير بيانات التبادل التجاري إلى أن حجم التجارة السلعية بين البلدين بلغ 149.6 مليار دولار، بينها 136.6 مليار دولار من الواردات الأميركية من فيتنام، مقابل 13.1 مليار دولار من الصادرات الأميركية إلى السوق الفيتنامية، ما يعكس عجزًا تجاريًا أميركيًا بقيمة 123.5 مليار دولار.
أما تايلاند، فقد طالتها رسوم جمركية بنسبة 36%، وسط تبادل تجاري بلغ 81 مليار دولار في 2024. واستوردت الولايات المتحدة ما قيمته 63.3 مليار دولار من السلع التايلاندية، مقابل صادرات أميركية بقيمة 17.7 مليار دولار، أي بفارق تجاري سلبي قدره 45.6 مليار دولار لصالح تايلاند. وبلغت الرسوم المفروضة على كل من تايوان وإندونيسيا نسبة 32%، حيث سُجل العجز التجاري الأميركي مع تايوان 74 مليار دولار، ومع إندونيسيا 17.9 مليار دولار.
وفيما يتعلق بكوريا الجنوبية، وهي من بين أكبر المصدرين إلى الولايات المتحدة، فقد بلغت قيمة التجارة بين البلدين 197.1 مليار دولار، مع تسجيل واردات أميركية بقيمة 131.5 مليار دولار مقابل صادرات بـ65.5 مليار دولار. وقد فرضت الإدارة الأميركية عليها رسومًا جمركية جديدة بنسبة 25%، ضمن سياسة عامة شملت الاقتصادات الآسيوية ذات الفوائض التجارية الكبيرة مع الولايات المتحدة.

الرسوم الأميركية تُربك العلاقات التجارية مع أوروبا
أوروبا بدورها، لم تكن بمنأى عن القرارات الاقتصادية الأخيرة الصادرة عن واشنطن، فقد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 20% على غالبية السلع القادمة من دول الاتحاد الأوروبي. وجاء هذا القرار بعد سلسلة من الرسوم التي شملت سابقًا الصلب والألومنيوم والسيارات، ما أدى إلى حالة من التوتر والارتباك في الأوساط الاقتصادية والسياسية داخل القارة العجوز.
الرسوم الجديدة، التي وصفتها بروكسل بأنها الأشد منذ عقود، تهدد ما يقارب 70% من إجمالي صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، والتي بلغت قيمتها 532 مليار يورو في عام 2024. وبرّر ترامب هذه الخطوة بالفائض التجاري الكبير لصالح أوروبا، والذي بلغ في العام نفسه 235.6 مليار دولار. هذا الفائض، بحسب ترامب، يُعد دليلًا على “خلل مزمن” في موازين التجارة يجب تصحيحه.
ردّ الفعل الأوروبي جاء سريعًا، لكنه محسوب. ففي 7 أبريل، اجتمع وزراء تجارة دول الاتحاد في اجتماع استثنائي في لوكسمبورغ، لتدارس الموقف وصياغة خطة موحدة. وصف وزير التجارة الفرنسي الرسوم الأميركية بأنها “عدوانية وتعسفية”، فيما شدد وزير الاقتصاد الألماني على ضرورة التضامن الأوروبي. أما مفوض التجارة الأوروبي ماروش شيفوفيتش، فاعتبر الأمر “مفترق طرق حاسم” في تاريخ العلاقات التجارية عبر الأطلسي.
ورغم التصعيد، اتخذت أوروبا مسار التهدئة، فأعلنت عن تعليق الرسوم الجمركية المضادة التي كانت مقررة في 15 أبريل لمدة 90 يومًا، تماشيًا مع إعلان ترامب عن تعليق مؤقت مماثل للرسوم الأميركية (باستثناء الصين). هذا التعليق منح الطرفين هامشًا زمنيًا لإعادة ترتيب أوراقهم وفتح قنوات التفاوض، ولو بشكل غير رسمي حتى الآن.
رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، رحّبت بإعلان ترامب، وأكدت تمسك الاتحاد الأوروبي بمبدأ “التعريفات الصفرية”، معربة عن رغبتها في إلغاء جميع الرسوم الجمركية بين الطرفين. وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى حوار بناء يحافظ على توازن المصالح الاقتصادية بين القارتين.
في الأثناء، كان يُنتظر أن يكشف وزراء التجارة عن ردود فعل ملموسة، إلا أن التصريحات اقتصرت على تأكيد دراسة “إجراءات مضادة تدريجية”، مع ترك المجال مفتوحًا لتقييم مواقف كل دولة عضو. التركيز في هذه المرحلة، بحسب مفوض التجارة، هو على معالجة الرسوم المفروضة على الصلب والألومنيوم أولًا، قبل الانتقال إلى ملفات أوسع نطاقًا.
ومع بقاء أوروبا في وضع الترقب، فإن الرسوم المفروضة، وإن كانت معلقة مؤقتًا، لا تزال تلقي بظلالها على مستقبل العلاقة التجارية بين واشنطن وبروكسل. فالمخاطر كبيرة، والتنسيق الأوروبي مطلوب أكثر من أي وقت مضى لتفادي الوقوع في دائرة مواجهة قد تعصف بمصالح الطرفين في وقت حساس يشهد فيه الاقتصاد العالمي تقلبات عميقة.

إفريقيا… رسوم ثقيلة على قارة تبحث عن النمو
وبينما كانت أوروبا تحاول تهدئة التوترات التجارية مع واشنطن عبر تجميد إجراءاتها الانتقامية، كانت دول القارة الإفريقية تواجه تصعيدًا من نوع مختلف. فقد شملت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الشهر قرابة 185 دولة، من بينها 50 بلدًا إفريقيًا، في خطوة اعتبرها مراقبون تهديدًا مباشرًا لاتفاقيات تجارية راسخة مثل “قانون النمو والفرص في إفريقيا” المعروف اختصارًا بـ”أغوا”، الذي كان قد أُقر منذ نحو ربع قرن لتعزيز الشراكة التجارية بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية.
قانون “أغوا”، الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2000، مكّن أكثر من 1800 منتج إفريقي من دخول الأسواق الأميركية دون رسوم جمركية، وساهم في تعزيز صادرات القارة من المنسوجات والمعادن والمنتجات الزراعية، وخلق آلاف الوظائف. ومع الرسوم الجديدة التي تراوحت بين 10% و50% على المنتجات الإفريقية، يرى خبراء أن هذا القانون بات في مهب الريح، خاصة أن مدته تنتهي رسميًا في سبتمبر المقبل، وسط شكوك بشأن نية ترامب في تجديده.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين إفريقيا والولايات المتحدة في عام 2024 نحو 71 مليار دولار، توزعت بين صادرات أميركية بقيمة 32.1 مليار دولار، وواردات من القارة السمراء بلغت 39.5 مليار دولار، أي بعجز تجاري أميركي قدره 7.4 مليارات دولار. هذا العجز، إلى جانب ما وصفه ترامب بـ”الرسوم التعسفية” التي تفرضها بعض الدول الإفريقية على المنتجات الأميركية، كان من أبرز دوافع فرض الرسوم الجديدة تحت شعار “المعاملة بالمثل”.
أبرز المتضررين من هذه الإجراءات كانت دول الجنوب الإفريقي، وعلى رأسها ليسوتو التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 50%، ومدغشقر بنسبة 47%، وموريشيوس 40%، وبوتسوانا 37%، وأنغولا 32%. أما جنوب إفريقيا، فقد خضعت لتعريفة جمركية منفصلة بنسبة 25% على السيارات المصنّعة محليًا، رغم أنها كانت تُصدّر نحو ملياري دولار من المركبات وقطع الغيار إلى الولايات المتحدة ضمن إعفاءات قانون “أغوا”.
كما طالت الرسوم دولًا عربية إفريقية مثل ليبيا التي فُرضت عليها نسبة 31%، والجزائر بنسبة 30%، إلى جانب الكاميرون وتشاد وكوت ديفوار وزيمبابوي وموزمبيق ونيجيريا، وكلها بدرجات متفاوتة تجاوزت 10%. وتكمن خطورة هذه الإجراءات في تأثيرها المباشر على الصناعات المحلية الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل شريانًا اقتصاديًا حيويًا في العديد من هذه البلدان.
وفيما يخص المواقف الرسمية، تفاوتت ردود الحكومات الإفريقية. ففي جنوب إفريقيا، وصفت الحكومة القرار الأميركي بأنه “إجراء عقابي” يعوق الازدهار المشترك، مؤكدة أنها لا تنوي الرد بإجراءات مماثلة، بل تفضل الحوار والتفاوض. أما زيمبابوي، فقد اتخذت موقفًا مفاجئًا، إذ أعلن الرئيس منانغاغوا إلغاء جميع الرسوم المفروضة على الواردات الأميركية، في رسالة نوايا لفتح صفحة جديدة في العلاقات التجارية.
ومع تصاعد القلق من أن الرسوم الأميركية قد تؤدي إلى إلغاء قانون “أغوا” نهائيًا، حذّر خبراء اقتصاديون من أن الأثر سيكون فادحًا على القارة، سواء من حيث فقدان الوظائف أو ارتفاع تكاليف التصدير وضعف القدرة التنافسية. فمعظم الدول الإفريقية لا تُصدّر منتجات نهائية، بل مواد خام، وهي الفئة الأكثر هشاشة أمام أي ضرائب إضافية. ووسط هذه الأجواء، لا تزال إفريقيا تحاول الحفاظ على شراكتها التجارية مع واشنطن، رغم ضيق الخيارات وغياب آليات ضغط فعّالة.

ترامب يطرق أبواب العرب بجمارك جديدة

وبعد أن امتدت الرسوم الجمركية الأميركية إلى قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، لم تكن المنطقة العربية بمنأى عن هذه الموجة التي وُصفت بأنها الأعنف في تاريخ التجارة العالمية الحديثة. إذ فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعريفات جمركية جديدة على غالبية الدول العربية، بنسب تراوحت بين 10% و41%، ما أثار تساؤلات جادة حول مستقبل الشراكة الاقتصادية بين واشنطن والعالم العربي، وانعكاسات ذلك على اقتصادات ترتبط بشكل وثيق بالدولار الأميركي.

وبينما ركّزت معظم ردود الفعل الدولية على الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن المنطقة العربية تواجه تحديات من نوع آخر، خاصة في ظل ارتباط عملات عدد من دولها بالدولار، الأمر الذي يضخم أثر التعريفات الجديدة على كلفة الاستيراد ويؤثر مباشرة في الميزان التجاري والاستقرار النقدي. كما أن النمو الاقتصادي العربي، الذي لا يزال هشًا في بعض الدول، يعتمد بدرجة كبيرة على التصدير، ما يجعل أي اضطراب في الشراكات الخارجية محط قلق واسع.

وبحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (USTR)، بلغ إجمالي التبادل التجاري بين أميركا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 141.7 مليار دولار في عام 2024، منها 80.4 مليار دولار صادرات أميركية إلى المنطقة، و61.3 مليار دولار واردات منها. الفائض التجاري الأميركي بلغ 19.1 مليار دولار، في مؤشر يعكس ميزانًا تجاريًا يميل لصالح واشنطن، وهو ما يطرح علامات استفهام حول دوافع فرض الرسوم على دول لا تشكل تهديدًا فعليًا على الاقتصاد الأميركي.

احتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً كشريك تجاري للولايات المتحدة، بتبادل سلعي بلغ 34.4 مليار دولار، منها 27 مليارًا صادرات أميركية، و7.4 مليارات واردات. تليها السعودية بـ25.9 مليار دولار، ثم مصر بـ8.6 مليارات، فالمغرب وقطر والأردن والكويت والجزائر وسلطنة عمان والبحرين، وفقًا لأرقام عام 2024. ومع هذه الأرقام الكبيرة، فإن أي تعديل على نظام الرسوم قد يؤدي إلى إعادة تشكيل أولويات التجارة والاستثمار في المنطقة.

فيما يخص الرسوم المفروضة، سجلت سوريا النسبة الأعلى عربياً بـ41%، تليها العراق بـ39%، وليبيا بـ31%، ثم الجزائر بـ30%. تونس خضعت لتعريفة بنسبة 28%، والأردن بنسبة 20%. أما باقي الدول، مثل دول الخليج ومصر والمغرب ولبنان والسودان واليمن وجيبوتي، ففرضت عليها رسوم موحدة نسبتها 10%. هذه النسب تمثل تحديًا فعليًا للعديد من الاقتصادات العربية، خاصة تلك التي تعتمد على السوق الأميركية لتصريف منتجاتها أو كمورد رئيسي للتكنولوجيا والمعدات.

وقد ينعكس هذا التوجه الأميركي على قطاعات حيوية داخل الدول العربية، مثل صناعة النسيج في مصر، أو الصناعات الثقيلة والنفطية في الجزائر، أو قطاع الخدمات اللوجستية في الإمارات. وبالنظر إلى أن العديد من هذه القطاعات كانت تستفيد من اتفاقيات تجارية ميسّرة مع الولايات المتحدة، فإن فرض رسوم إضافية يهدد جدوى هذه الشراكات، بل ويدفع بعض الدول للبحث عن بدائل وشركاء اقتصاديين جدد.

واللافت أن بعض الدول العربية التي ترتبط بعلاقات استراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن، مثل الإمارات والسعودية، لم تسلم من الرسوم، رغم التبادل التجاري الكبير والمصالح المتشابكة. ورغم أن النسبة المفروضة على دول الخليج كانت محدودة (10%)، إلا أن الرسوم قد تمثل إشارة إلى توجّه أكثر شمولاً في سياسة “أميركا أولاً”، دون استثناءات أو اعتبارات دبلوماسية.

في المقابل، لم تصدر حتى الآن ردود فعل رسمية موحدة من الدول العربية، واكتفت بعض العواصم ببيانات مقتضبة تعبّر عن “القلق” وتدعو إلى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية التاريخية. وتُرجّح مصادر دبلوماسية أن تلجأ بعض الدول إلى التفاوض الثنائي مع واشنطن لتخفيف أثر الرسوم أو الحصول على استثناءات، كما فعلت دول في آسيا وأوروبا.

ومع استمرار التصعيد الأميركي، يرى اقتصاديون أن الحرب التجارية قد تُضعف ثقة المستثمرين في الأسواق العربية، وتبطئ وتيرة الانتعاش في اقتصادات كانت تأمل في العودة للنمو بعد سنوات من التحديات السياسية والوبائية. كما أن الرسوم قد تزيد من كلفة المشاريع الكبرى في دول الخليج والمغرب ومصر، التي تعتمد على استيراد مكونات أساسية من السوق الأميركية.

ضريبة أميركية تُقابلها مرونة جزائرية

وبينما شكّلت قرارات الإدارة الأميركية بشأن الرسوم الجمركية تحديًا كبيرًا لعدد من الشركاء التجاريين، جاءت الجزائر ضمن قائمة الدول التي فُرضت عليها واحدة من أعلى النسب في المنطقة، إذ بلغت الرسوم الجديدة 30%. ويُعزى هذا التصنيف المرتفع إلى غياب اتفاقيات تبادل حر بين الجزائر والولايات المتحدة، إضافة إلى السياسة الحمائية التي انتهجتها الجزائر منذ عام 2019 بفرض رسوم وقائية على الواردات لحماية الإنتاج الوطني.

وعلى الرغم من التوتر الذي أحدثته القرارات الأميركية في الأسواق العالمية، فإن تأثيرها على الاقتصاد الجزائري يبدو محدودًا بالنظر إلى طبيعة المبادلات بين البلدين. فالصادرات الجزائرية نحو الولايات المتحدة تعتمد أساسًا على المحروقات، وهي تخضع لعقود دولية وأسعار بورصة عالمية، مما يجعلها بمنأى عن التأثر المباشر بهذه الرسوم. أما الصادرات خارج المحروقات، والتي تشمل مواد كالإسمنت والحديد وبعض المنتجات الزراعية، فلا تمثل حصة كبيرة في التجارة الثنائية، وبالتالي فإن أثر التعريفات الجديدة سيبقى محصورًا في هوامش ضيقة.

من الناحية التجارية، بلغ حجم التبادل السلعي بين البلدين نحو 3.5 مليارات دولار في عام 2024، حيث تصدّر الجزائر ما يفوق 2.5 مليار دولار من المحروقات إلى السوق الأميركية، مقابل واردات أميركية محدودة. هذا التفاوت في الميزان التجاري يفسر جزئيًا القرار الأميركي، الذي استند في مجمله إلى معيار “المعاملة بالمثل” وفقًا لرؤية إدارة ترامب.

وفي المقابل، تستمر الجزائر في إرسال إشارات واضحة على رغبتها في استقطاب الاستثمارات الأميركية، خاصة بعد تعديل الإطار القانوني المنظّم للاستثمار. فإلغاء قاعدة 49/51، وضمانات تحويل الأرباح، والتسهيلات المقدمة للمستثمرين الأجانب، تجعل من السوق الجزائرية بيئة واعدة للشركات الأميركية، خصوصًا في قطاعات الطاقة، الطاقات المتجددة، والصناعات التحويلية.

الفرص التي تفتحها هذه التحولات تمتد لتُتيح للجزائر إمكانية لعب دور أكبر في خارطة التبادل التجاري العالمي. فمع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها، تتجه أنظار الشركات العالمية نحو أسواق بديلة مستقرة وذات حوافز واضحة، وهو ما يعزز موقع الجزائر في ظل جهودها المستمرة لتحسين مناخ الاستثمار وترويج الفرص.

ومع ذلك، تمتد تأثيرات السياسات الجمركية الأميركية إلى آثار غير مباشرة تمس ركائز الاقتصاد الوطني. فالتصعيد التجاري بين واشنطن وبكين وسائر الشركاء، أدى إلى تراجع الثقة في الأسواق العالمية وانخفاض الطلب المتوقع على الطاقة، ما ساهم في تهاوي أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا على مداخيل الجزائر التي تعتمد بنسبة كبيرة على صادرات المحروقات.

انخفاض الأسعار العالمية للنفط يعني ضغوطًا إضافية على الميزانية العمومية للدولة الجزائرية، ويزيد من الحاجة إلى تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي. فالاعتماد الطويل على عائدات المحروقات لم يعد ممكنًا في ظل بيئة دولية متقلبة، وهو ما يجعل من الإصلاحات الاقتصادية والبحث عن بدائل مستدامة ضرورة لا مفر منها.

وفي هذا السياق، تُصبح الاستفادة من الوضع الجديد مرتبطة بقدرة الجزائر على التحرك بمرونة، وتنويع شراكاتها، والتكيّف مع المعادلات الاقتصادية الدولية. فتعزيز القدرات الإنتاجية وتطوير البنية التحتية، وتوسيع شبكة اتفاقيات التبادل الحر، إلى جانب تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، تمثل اليوم أولويات ضرورية لتأمين موقع دائم في سلاسل القيمة العالمية بعيدًا عن التبعية لمراكز القرار التجارية الكبرى.

 

الاقتصاد في لحظة اختبار عالمي

تحولت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية من إجراء اقتصادي داخلي إلى نقطة تحوّل مفصلية في مسار التجارة العالمية، أثارت ردود فعل واسعة، وأعادت ترتيب العلاقات بين القوى الاقتصادية الكبرى، وحتى الدول النامية. فبين التصعيد مع الصين، والتوتر مع الاتحاد الأوروبي، والرسائل المتباينة إلى بقية دول العالم، وجدت العشرات من الاقتصادات نفسها أمام واقع جديد يفرض التأقلم السريع وإعادة الحسابات.

في قلب هذه التحولات، تباينت مواقف الدول المتضررة بين التصعيد والانفتاح، بين الرد بالمثل والدعوة إلى التفاوض. أما إفريقيا والدول العربية، فواجهت تحديات من نوع مختلف، وسط قلق مشروع من انهيار مكتسبات شراكات عمرها عقود، سواء في إطار اتفاقيات تفضيلية مثل “أغوا”، أو علاقات تجارية تقليدية لطالما اعتمدت على الاستقرار والهدوء السياسي.

الرسوم الجديدة ألقت بظلالها على الأسواق المالية، وأسعار الطاقة، وثقة المستثمرين، وحتى مواقف الحكومات من سياسات “الحمائية” الاقتصادية التي بدأت تتغلغل في النظام العالمي. وفي الوقت الذي علّقت فيه واشنطن الرسوم مؤقتًا على بعض الدول، فإن شبح حرب تجارية شاملة لا يزال ماثلًا، ما لم تُفعّل قنوات الحوار بشكل فعلي ومستدام.

أما الجزائر، فرغم محدودية الضرر المباشر، إلا أن تداعيات هذه السياسات على أسعار النفط وأسواق الطاقة تفرض عليها تحديات مضاعفة، وتؤكد مرة أخرى أن التعويل على المحروقات لم يعد خيارًا آمنًا. فالمطلوب اليوم تحويل الأزمات إلى فرص لبناء اقتصاد متنوع، قادر على الصمود في وجه الأزمات، والانخراط بذكاء في توازنات الاقتصاد الدولي المتسارع.

حمزة العرابي 3
الدكتور حمزة العرابي – أستاذ المحاسبة والاقتصاد بجامعة البليدة 2

عقلية رجل الأعمال تطيح بشعارات السوق الحرة.. ترامب يفرض معادلة جديدة

يتحدث الدكتور حمزة العرابي، أستاذ المحاسبة والاقتصاد بجامعة البليدة 2، مع “الأيام نيوز” عن السياسات الحمائية التي انتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من خلال فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة، موضحًا أن هذه الإجراءات تعكس عقلية رجل الأعمال الذي يسعى إلى حماية السوق الداخلي وتعزيز تنافسية الشركات الوطنية، حتى ولو على حساب شعارات حرية السوق التي يتغنى بها الغرب، أو على حساب المستهلك الأمريكي في الأمد القصير.

وأكد الدكتور حمزة العرابي أن الولايات المتحدة الأمريكية شهدت في السنوات الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في تنافسية منتجاتها المحلية داخل أسواقها، وذلك بسبب اجتياح السلع المستوردة التي تفوقت عليها في الجودة والسعر معًا.
وأوضح أن المستهلك الأمريكي، الذي يُعد من بين الأكثر استهلاكًا في العالم، توجه بقوة نحو المنتجات الأجنبية التي تقدم له نفس الخصائص أو حتى جودة أعلى، ولكن بأسعار أقل من المنتجات الأمريكية، وهو ما تسبب في تقلص الطلب على الصناعات المحلية وأفقدها مكانتها التقليدية.
وأشار إلى أن هذا التغير في السلوك الاستهلاكي كان أحد أبرز الأسباب التي دفعت الرئيس دونالد ترامب إلى اتخاذ قرارات جذرية تهدف إلى استعادة السوق المحلي لصالح المنتج الوطني، من خلال فرض رسوم جمركية على السلع المستوردة.
واعتبر العرابي أن ترامب، بخلفيته كرجل أعمال، نظر إلى المشكلة من زاوية اقتصادية بحتة، حيث رأى أن استمرار هيمنة السلع الأجنبية سيؤدي إلى إضعاف الشركات الأمريكية، وبالتالي إضعاف الاقتصاد الوطني ككل على المدى المتوسط والبعيد.
وأضاف أن الرئيس السابق باراك أوباما حاول معالجة الظاهرة نفسها عبر خطابات تحفيزية دعت المستهلك الأمريكي إلى دعم اقتصاد بلاده باختيار المنتجات المحلية، غير أن هذه السياسة لم تنجح عمليًا، لأن المستهلك يضع مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، وهو ما تجاهلته المقاربة السياسية التقليدية.
وأكد الدكتور العرابي أن ترامب فهم طبيعة السلوك الاستهلاكي الأمريكي جيدًا، وعمل على تغييره بطريقة غير مباشرة عبر تعديل القواعد الاقتصادية، وليس عبر النداءات العاطفية، وهو ما جعل قراراته تنبع من منطق رجل الأعمال الساعي إلى حماية مصالح شركاته.

سياسة أوباما.. بعقلية تجارية
وأكد حمزة العرابي أن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما كان أول من حاول معالجة ضعف الطلب على المنتجات الأمريكية، لكنه اختار طريق التحفيز العاطفي والتوعوي، من خلال دعوة المواطنين إلى دعم الاقتصاد الوطني عبر استهلاك المنتجات المحلية.
وأوضح أن أوباما استعمل في بداية عهدته الأولى خطابًا مباشرًا يدعو فيه الأمريكيين إلى تعزيز الشركات الوطنية بشراء منتجاتها، معتبرًا ذلك واجبًا وطنيًا لضمان استمرار قوة الاقتصاد الأمريكي في مواجهة المنافسة الخارجية المتزايدة.
وأشار إلى أن هذه المقاربة، رغم نواياها الإيجابية، لم تلقَ نجاحًا فعليًا، لأنها اصطدمت بطبيعة المستهلك الأمريكي الذي يضع مصالحه الشخصية، وخاصة المالية، في المرتبة الأولى، ولا يهتم كثيرًا بالشعارات الوطنية عندما يتعلق الأمر بأسعار السلع.
وأضاف أن ترامب، على عكس أوباما، تعامل مع الظاهرة بعقلية رجل أعمال يفهم منطق السوق أكثر من منطق السياسة، فاستعمل الأدوات الاقتصادية المتاحة أمامه لفرض واقع جديد على المستهلكين الأمريكيين، دون اللجوء إلى الخطابات التحفيزية أو الوعود.
وشدد الدكتور العرابي على أن ترامب طبّق الفكرة نفسها التي حاول أوباما تمريرها، لكن بأدوات مختلفة، حيث فرض رسومًا جمركية على السلع المستوردة، ما أدى إلى رفع أسعارها، ودفع المستهلكين بشكل غير مباشر للعودة إلى المنتجات الأمريكية كخيار أقل تكلفة نسبيًا.
وأكد أن الفرق الجوهري بين الرجلين يكمن في زاوية المعالجة: أوباما أراد إقناع المستهلك، بينما ترامب أراد فرض معادلة جديدة، وهذا ما يعكس بوضوح عقلية ترامب الاقتصادية التي لا تؤمن بالشعارات بل بالنتائج الفعلية.

فرصة لإنعاش الصناعة الأمريكية
كما أكد الخبير الجزائري أن الرئيس دونالد ترامب لجأ إلى فرض الرسوم الجمركية كوسيلة فعالة لإعادة التوازن في السوق الأمريكية، مستهدفًا من خلالها تقليص الاعتماد على السلع المستوردة، وتشجيع المستهلكين على العودة إلى المنتجات المحلية.
وأوضح أن رفع الرسوم الجمركية أدى بشكل مباشر إلى زيادة أسعار المنتجات المستوردة، مما جعلها أقل جاذبية للمستهلك الأمريكي الذي يبحث دائمًا عن السعر المناسب، وهو ما أعاد الاعتبار للمنتج الأمريكي داخل السوق.
وأشار إلى أن هذا الإجراء كان جزءًا من خطة استراتيجية أوسع تهدف إلى إنعاش الشركات الوطنية، وزيادة الطلب الداخلي على ما تنتجه، وهو ما يُترجم في النهاية إلى تعزيز النشاط الصناعي وخلق فرص عمل جديدة.
وأضاف العرابي أن ترامب، من منطلق عقليته كرجل أعمال، لم يتردد في التضحية بالمستهلك على المدى القصير، لأنه يدرك أن الفائدة الاقتصادية الأوسع ستنعكس على الجميع في الأجل المتوسط والبعيد، من خلال اقتصاد قوي وصناعة محلية مزدهرة.
وشدد على أن هذا النوع من السياسات لا ينطلق من منطق الرفاهية اللحظية للمواطن، بل من رؤية استراتيجية ترى أن حماية الشركات الوطنية هي الأساس لأي مشروع اقتصادي ناجح، وهو ما جعل ترامب يخوض حربًا تجارية مع بعض الشركاء الدوليين من أجل دعم الاقتصاد الأمريكي.
واعتبر أن فرض الرسوم الجمركية كان رسالة مفادها أن السوق الأمريكية لن تبقى مفتوحة بالمجان، وأن الوقت قد حان لإعادة الاعتبار للصناعة الأمريكية في وجه المنافسة العالمية غير المتكافئة.

ازدواجية غربية.. ودروس للعبرة
يرى الدكتور الجزائري أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترامب كشفت عن ازدواجية واضحة في مواقف الدول الغربية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمبادئ مثل حرية السوق والمنافسة، التي يتم التراجع عنها سريعًا عندما لا تخدم مصالحها.
وأوضح أن الغرب كثيرًا ما يتغنى بشعارات تحرير التجارة والانفتاح الاقتصادي، لكنه لا يتردد في اللجوء إلى سياسات الحماية والتقنين متى شعر بتهديد لمصالحه التجارية أو الاقتصادية، كما حدث تمامًا مع فرض الرسوم الجمركية على الواردات في عهد ترامب.
وأشار إلى أن هذه الازدواجية تظهر أيضًا في قضايا أخرى مثل حقوق الإنسان والديمقراطية، التي تتحول إلى مجرد أدوات سياسية يتم توظيفها حسب المصلحة، وتسقط فورًا حين تصطدم بالواقع الاقتصادي أو الجيوسياسي للدول الكبرى.
وأضاف العرابي أن التجربة الأمريكية في فرض الرسوم يجب أن تكون درسًا مهمًا للدول النامية، وعلى رأسها الجزائر، التي تعاني من قوانين تجارية دولية مجحفة، ومن سياسات داخلية تضعف شركاتها المحلية بدلًا من دعمها ومرافقتها.
وشدد على أن فرض ضرائب ثقيلة، وغياب الدعم الفعلي للمؤسسات الوطنية، يقتل روح المبادرة ويعرقل نمو الاقتصاد المحلي، في وقت أصبح فيه العالم يتجه نحو تعزيز قدراته الذاتية واستغلال إمكاناته الداخلية لمواجهة التحديات.
وختم بالقول إن الصين تمثل نموذجًا ناجحًا في هذا السياق، حيث دعمت حكومتها القطاع الخاص ووفرت له الحماية والتسهيلات، ما جعله أحد أعمدة القوة الاقتصادية والعسكرية في البلاد، مؤكدًا أن دعم الاقتصاد المحلي هو الخطوة الأولى نحو بناء دولة قوية على جميع المستويات.

نزيم سيني 3
البروفيسور نزيم سيني – أستاذ الاقتصاد بجامعة مارسيليا وخبير الاستشراف الاستراتيجي

من واشنطن بدأت… شرارة حرب تجارية تهدد الاقتصاد العالمي

يرى البروفيسور نزيم سيني، أستاذ الاقتصاد بجامعة مارسيليا وخبير الاستشراف الاستراتيجي، في تصريح لـ “الأيام نيوز”، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أطلق فعليًا شرارة حرب تجارية عالمية من خلال توقيعه على مراسيم فرض رسوم جمركية متبادلة، معتبرًا أن هذه الإجراءات تمثّل تحولًا جذريًا عن مبادئ العولمة والتبادل الحر، وتنذر بإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي على أسس أكثر صدامًا، بل وقد تفتح الباب أمام أزمة اقتصادية غير مسبوقة تتجاوز في خطورتها أزمتي 1929 و2008.

وأكد البروفيسور نزيم سيني، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعلن فعليًا عن اندلاع حرب تجارية عالمية، من خلال توقيعه على مراسيم تاريخية بفرض رسوم جمركية متبادلة.
وأوضح أن ترامب اختار لهذا الحدث مصطلحًا رمزيًا هو “يوم التحرير”، ليقدّمه بوصفه انتصارًا اقتصاديًا وسياديًا للولايات المتحدة، في مشهد يحمل طابعًا تصعيديًا لا يعبّر عن منطق التفاوض أو التعاون الدولي.
وأشار إلى أن هذه الرسوم الجمركية التي دخلت حيّز التنفيذ في 5 و9 أبريل، تمهّد رسميًا لمرحلة جديدة من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وعدد من القوى الاقتصادية الكبرى في العالم.
وأضاف أن طبيعة هذه الرسوم، التي وُصفت بـ”المتبادلة”، تعكس توجهًا أمريكيًا نحو فرض منطق القوة والرد بالمثل، بعيدًا عن مبادئ النظام التجاري العالمي القائم على التفاهمات المتعددة الأطراف.
وشدّد البروفيسور سيني على أن هذه الخطوة إعلان مباشر عن تغيير قواعد اللعبة في التجارة الدولية، وهو ما يفتح الباب أمام سلسلة من الردود الانتقامية التي قد تُعمّق الانقسام الاقتصادي العالمي.
واعتبر أن هذه الإجراءات تمثّل الشرارة الأولى لما يمكن وصفه بالحرب التجارية العالمية الثانية، في سابقة لم يشهدها الاقتصاد العالمي بهذا الشكل منذ عقود، ما يستدعي قراءة استراتيجية متأنية لتداعياتها المقبلة.

تداعيات اقتصادية متوقعة
وأكد البروفيسور نزيم سيني أن توقيع ترامب على هذه الرسوم الجمركية التاريخية لن يمرّ دون آثار اقتصادية عميقة، بل من المتوقع أن يُحدث صدمة اقتصادية على مستوى العالم، تتجاوز حدود الولايات المتحدة إلى باقي الاقتصادات العالمية.
وأوضح أن من بين أولى النتائج المحتملة لهذه الحرب التجارية هو دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة انكماش أكيد، نظرًا لما ستخلّفه الرسوم المرتفعة من اضطراب في حركة التبادل التجاري وارتفاع في تكاليف الإنتاج والاستهلاك.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة نفسها ستتأثر بشكل مباشر، إذ ستواجه موجة تضخمية حادة نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة، مما سينعكس سلبًا على القوة الشرائية للمواطن الأمريكي وعلى استقرار السوق المحلية.
وأضاف أن هذا التضخم الداخلي لن يبقى محصورًا في الولايات المتحدة، وإنما سيمتد أثره إلى بقية دول العالم، نظرًا لارتباط الاقتصاد العالمي بالاقتصاد الأمريكي بشكل وثيق من خلال شبكات التجارة والتمويل العالمية.
وشدد سيني على أن هذه الخطوة قد تفتح المجال أمام تراجع الثقة في النظام التجاري الدولي، وتؤدي إلى تقليص الاستثمارات العابرة للحدود، وزيادة حالة عدم اليقين لدى المستثمرين والفاعلين الاقتصاديين.
وأشار إلى أن هذه التداعيات قد تكون بداية سلسلة من الارتدادات الاقتصادية المتلاحقة، التي من شأنها زعزعة الاستقرار العالمي، وإعادة رسم خريطة العلاقات الاقتصادية بين الدول الكبرى.

انهيار مبادئ العولمة وعودة منطق القوة بدل التفاوض
كما أكد البروفيسور نزيم سيني أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس ترامب تُعدّ انقلابًا على قرن كامل من التوجه نحو العولمة والتبادل الحر، إذ إنها تنسف منطق حرية التجارة الذي بُني عليه النظام الاقتصادي العالمي المعاصر.
وأوضح أن ترامب لا ينظر إلى التجارة الدولية كمجال للتفاهم والتكامل، وإنما يتعامل معها من زاوية الهيمنة وفرض القوة، متجاهلًا آليات التفاوض التي لطالما شكّلت قاعدة التعامل بين الدول.
وأشار إلى أن هذا التوجه يتعارض مع ما أثبته العديد من كبار منظّري الاقتصاد العالمي مثل ديفيد ريكاردو، بول صامويلسون، وجاجديش بهاجواتي، الذين دافعوا عن فعالية نظام التجارة الحرة باعتباره المحرك الأساسي لنمو الاقتصاد العالمي.
وأضاف أن ترامب يبدو متأثرًا بأفكار فريدريش ليست، المفكر الذي نظّر لاستخدام الرسوم الجمركية كأداة حمائية تهدف إلى تقوية الإنتاج الوطني على حساب الانفتاح، واعتبر أن هذه الرسوم استثمار طويل المدى في الإنتاجية.
وشدّد سيني على أن هذا التحول الفكري والسياسي في الإدارة الأمريكية يعكس نية صريحة في التخلي عن الاتفاقات والمؤسسات الدولية التي ترعى التبادل العادل، وتبني سياسات تجارية تقوم على المصلحة القومية الضيقة.
وأشار إلى أن هذا التراجع عن العولمة يهدد بإعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي على أسس أكثر صدامًا، ويطرح تساؤلات جدية حول مستقبل التعاون الدولي في المجال التجاري.

تحذير من أزمة اقتصادية عالمية أكبر من 1929 و2008
كما حذر أستاذ الاقتصاد بجامعة مارسيليا وخبير الاستشراف الاستراتيجي من أن السياسات التي تتبناها الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التصعيدية، تمثل خطرًا حقيقيًا على استقرار الاقتصاد العالمي، وقد تقود إلى أزمة اقتصادية كبرى لم يشهدها العالم من قبل.
وأوضح أن الحرب التجارية التي أطلقها ترامب هي مسار استراتيجي يُنذر بعواقب وخيمة، حيث إن انكماش حركة التجارة العالمية سيفضي حتمًا إلى انهيار في سلاسل التوريد، وركود واسع في مختلف الأسواق.
وأشار إلى أن الأزمات الاقتصادية الكبرى في التاريخ، مثل أزمة 1929 وأزمة 2008، رغم شدّتهما، قد تبدوان مجرد “نزهة” مقارنة بما قد ينتظر العالم إذا ما استمرت هذه التوجهات العدوانية في العلاقات الاقتصادية الدولية.
وأضاف أن ما يزيد من خطورة الوضع هو غياب البدائل الواضحة أو الإرادة الدولية الحقيقية لاحتواء التصعيد، مما يفتح الباب أمام موجات من الذعر الاقتصادي، وتآكل الثقة في مستقبل الاستقرار العالمي.
وشدّد سيني على أن منطق فرض القوة الاقتصادية دون حساب للعواقب يهدد بتفكك النظام الاقتصادي الدولي، ويجعل كل دولة تبحث عن خلاصها بشكل منفرد، في مناخ تغيب فيه قواعد التعاون والتوازن.
وختم تصريحه بالتأكيد على أن هذا المسار التصادمي في السياسة التجارية، إذا لم يُواجه بحكمة دولية وتنسيق جماعي، قد يكون الشرارة التي تُعيد البشرية إلى أجواء كساد اقتصادي شامل، بعواقب اجتماعية وجيوسياسية لا تُحمد عقباها.

رامي شاهين، 3
الدكتور رامي شاهين، خبير الذكاء الاصطناعي وتقنيات إدارة المستقبل – الأردن

ترامب والذكاء الاصطناعي: من يقود من في حرب الرسوم الجمركية؟

يتساءل الدكتور رامي شاهين، خبير الذكاء الاصطناعي وتقنيات إدارة المستقبل، في حديثه مع “الأيام نيوز”، عمّا إذا كانت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد استعانت فعلًا بروبوتات الذكاء الاصطناعي لصياغة سياساتها الجمركية، بعد أن تبيّن أن المعادلات التي استخدمتها الإدارة تشبه في بساطتها حسابات روبوتات المحادثة. ويحذر شاهين من خطورة الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي دون إشراف بشري متخصص، مؤكدًا أن مثل هذا النهج يمكن أن يؤدي إلى قرارات تجارية غير متزنة، ويدعو بالمقابل إلى تبنّي نماذج تحليل ذكية تدمج بين التكنولوجيا والرؤية الاستراتيجية لتحقيق سياسات أكثر عدالة وفعالية.

وأكد الدكتور رامي شاهين أن النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فرض الرسوم الجمركية مثير للدهشة من الناحية الاقتصادية.
وأوضح أن الإدارة أعلنت عن فرض رسوم جمركية “فردية” على أكثر من 60 دولة حول العالم، بحجّة أنها تسجّل عجزًا تجاريًا كبيرًا مع الولايات المتحدة، إلا أن بعض هذه “الدول” لم تكن سوى جزر غير مأهولة مثل “هيرد وماكدونالدز” في القارة القطبية الجنوبية، والتي تسكنها البطاريق ولا تُصدر شيئًا على الإطلاق.

وأشار شاهين إلى أن طريقة حساب العجز التجاري التي تبنّتها الإدارة الأمريكية كانت اختزالية ومضللة، حيث اعتمدت فقط على الميزان السلعي، متجاهلة فائض الولايات المتحدة في تجارة الخدمات مع عدد كبير من هذه الدول، مما شوّه الصورة الحقيقية للعلاقات التجارية.
وأضاف أن مثل هذه الحسابات لا تعكس الواقع الاقتصادي، ولا تأخذ بعين الاعتبار عوامل مؤثرة مثل الحواجز غير الجمركية، أو التبادل في قطاعات مثل السياحة والخدمات الرقمية، والتي أصبحت تشكل نسبة كبيرة من التبادلات الاقتصادية بين الدول.
وشدّد على أن الخطأ لا يكمن فقط في الأرقام، بل في الذهنية التي تتعامل مع التجارة العالمية بمنطق الأرقام المجتزأة، دون وعي بالتشابك المعقّد الذي يربط الأسواق وسلاسل التوريد والاستثمار عبر العالم.
وأشار بالقول إن هذا النوع من الحسابات “السطحية” لا يليق بدولة بحجم الولايات المتحدة، ويطرح تساؤلات حقيقية حول من صاغ هذه السياسة التجارية، وهل تم استخدام أدوات تحليل جدّية أم مجرد نماذج أولية تفتقد للعمق والدقة.

روبوتات الذكاء الاصطناعي تحاكي سياسات ترامب… وتحذّر منها!
والمفارقة الغريبة في سياسة ترامب التجارية حسب شاهين تكمن في أن بعض روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الاصطناعي قادرة على إعطاء نفس النتائج التي استخدمتها الإدارة الأمريكية لحساب الرسوم الجمركية على الدول.
وأوضح أن روبوتات مثل “شات جي بي تي”، حين طُرح عليها سؤال حول كيفية فرض رسوم لتحقيق توازن تجاري مع دول العالم، قدّمت نفس النوع من الحسابات التي قامت بها إدارة ترامب، والتي تعتمد ببساطة على قسمة العجز التجاري على صادرات كل دولة.
وأشار إلى أن المثير في الأمر أن هذه الروبوتات حذّرت من هذا النوع من الحسابات، ووصفتها بأنها “مبسّطة أكثر من اللازم” ولا تعكس التعقيد الحقيقي للعلاقات التجارية بين الدول.
وأضاف شاهين أن روبوتات الذكاء الاصطناعي نبّهت إلى أن فرض رسوم جمركية بهذه الطريقة قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وتصاعد التوترات مع الشركاء التجاريين، وظهور ردود فعل انتقامية قد تضر بالمصالح الأمريكية نفسها.
وشدّد على أن هذه التحذيرات من أنظمة الذكاء الاصطناعي يجب أن تكون جرس إنذار لصانعي القرار، خصوصًا إذا كانت النماذج الأولية التي استخدمتها الإدارة تفتقر إلى الرقابة والتحليل البشري المتخصص، وهو ما يفتح الباب أمام قرارات غير متزنة وخطيرة.
وأكد الدكتور شاهين على أن الذكاء الاصطناعي قد يكون أداة فعالة في دعم القرار، لكنه لا يمكن أن يكون بديلاً عن التحليل الاستراتيجي البشري الواعي، محذّرًا من الاعتماد الكلي على أدوات تقنية دون فهم معمّق للأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية.

ذكاء اصطناعي دون إشراف بشري… قرارات كارثية
ولعل أحد أخطر مظاهر استخدام الذكاء الاصطناعي في السياسة الاقتصادية، حسب الدكتور رامي شاهين، هو الاعتماد عليه دون إشراف بشري متخصص، مشيرًا إلى أن ما قامت به إدارة ترامب في ملف الرسوم الجمركية قد يكون مثالًا صارخًا على هذا الخلل.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته الكبيرة على المعالجة السريعة للبيانات، يظل أداة تحليلية غير قادرة على إدراك الأبعاد الاستراتيجية والسياسية والإنسانية للقرارات الاقتصادية، ما قد يؤدي إلى قرارات متسرعة أو اختزالية إذا تُرك دون رقابة بشرية.
وأشار إلى أن استخدام روبوتات المحادثة في نمذجة السياسة التجارية الأمريكية، أو حتى الاقتباس من نتائجها، يعكس خطورة كبيرة عندما تُؤخذ هذه النماذج كمرجع دون تدقيق أو مراجعة من خبراء في الاقتصاد والتجارة الدولية.
وأضاف شاهين أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحوّل إلى سلاح ذي حدين: فهو قادر على تعزيز فعالية السياسات إذا استُخدم بشكل سليم، لكنه قد يُنتج قرارات كارثية إذا تم التعامل معه على أنه بديل للعقل البشري، لا أداة مساعدة له.
وشدّد على أن المطلوب اليوم هو تأطير استخدام الذكاء الاصطناعي داخل مؤسسات اتخاذ القرار، من خلال بناء فرق مختصة تجمع بين المهارات التقنية والفهم العميق للسياق الاقتصادي والسياسي، بما يضمن توازنًا بين سرعة التحليل ودقّة الرؤية.

حلول ذكية بديلة تخدم التجارة
ويوضح الخبير أن الذكاء الاصطناعي قادر على بناء نماذج تحليل متعددة الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار السلع والخدمات، وسلاسل الإمداد، ومؤشرات الاستقرار الاقتصادي، مما يسمح بتحديد مواطن الخلل الفعلية في العلاقات التجارية مع الشركاء الدوليين.
وأشار إلى أهمية استخدام تقنيات مثل “محاكاة الرسوم الجمركية الديناميكية” التي تتيح للحكومات توقّع تأثير الرسوم قبل فرضها، وفهم السيناريوهات المحتملة من حيث الأسعار، الوظائف، وردود الفعل الدولية.
وأضاف شاهين أن من بين الحلول الذكية الأخرى توظيف “الذكاء التجاري التنبؤي”، الذي يسمح برصد التغيرات في الأسواق العالمية وتحديد التوقيت المثالي لعقد صفقات تجارية جديدة أو تعزيز إنتاج محلي بديل للواردات.
وشدّد على ضرورة إنشاء مؤسسات متخصصة، مثل “مركز وطني لتحليل القرارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي”، إلى جانب سنّ تشريعات تُنظّم استخدام هذه الأدوات في صنع السياسات، وتضمن الشفافية والمساءلة وتمنع الانزلاق نحو قرارات مرتجلة أو غير مدروسة.
وأكد على أن الحل لا يكمن في رفض الذكاء الاصطناعي، وإنما في توجيهه نحو بناء سياسات قائمة على البيانات والتحليل العميق، بعيدًا عن التبسيط والخطابات الشعبوية، موضحًا أن هذا التوجّه هو ما تحتاجه الدول لمواجهة التحديات الاقتصادية باحترافية ومرونة.

أحمد معطي 3
أحمد معطي – خبير اقتصادي ومدير تنفيذي لشركة “في أي ماركتس” – مصر

من الذهب إلى النفط.. ارتدادات الرسوم الجمركية تهز أسواق المال

أعطى الخبير الاقتصادي المصري أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة “في أي ماركتس”، في حديثه مع “الأيام نيوز” قراءة وتفسيرًا لحالة الاضطراب التي اجتاحت الأسواق العالمية عقب فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسومًا جمركية واسعة، معتبرًا أن ما جرى يُنذر بزلزال اقتصادي شامل. وأوضح أن الذهب ارتفع بشكل مفاجئ، وتراجع الدولار، واهتزت مؤشرات البورصات الأمريكية، إلى جانب انخفاض سعر النفط، ما يعكس حالة القلق وعدم اليقين في الأسواق. وأكد أن هذه السياسات تنذر بتغييرات جذرية في العلاقات التجارية الدولية، وتُعيد تشكيل النظام الاقتصادي العالمي على أسس أكثر توترًا وصدامًا.

وأكد أحمد معطي، أن قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على عدد كبير من الدول أثارت حالة من القلق الشديد في الأسواق المالية العالمية، تجلت بشكل مباشر في حركة الذهب والدولار.
وأوضح أن الأسواق سارعت إلى الاحتماء بالمعدن الأصفر كملاذ آمن، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب بنسبة تتجاوز 3%، ليصل إلى 3160 دولارًا للأونصة، وهو مستوى يعكس حجم الخوف وعدم اليقين لدى المستثمرين العالميين.
وأشار معطي إلى أن هذا الارتفاع المفاجئ في الذهب تزامن مع تراجع ملحوظ في قيمة الدولار الأمريكي، وهو ما يؤكد أن الأسواق تتخوف من التبعات الاقتصادية الأوسع للقرارات الجمركية، ومن احتمال الدخول في دوامة من التوترات التجارية التي قد تؤثر على استقرار النظام المالي العالمي.
وأضاف أن الأسواق عادة ما تتحرك بشكل استباقي تجاه الأزمات المحتملة، وما حدث بعد إعلان الرسوم يعكس تقدير المستثمرين لخطورة الموقف، خاصة وأن الرسوم جاءت في سياق سياسات حمائية متزايدة تهدد التبادل التجاري الحر.
وشدد معطي على أن التحركات الحادة في أسعار الذهب والدولار هي بمثابة “أول إنذار” لزلزال اقتصادي أكبر، قد يتسبب في اختلالات أوسع في حركة الأموال، وأسعار الفائدة، وسلوك المستثمرين في البورصات العالمية.
وأكد على أن هذه المؤشرات تستدعي يقظة من قبل الحكومات والأسواق الناشئة، لأن أي تغيّرات مفاجئة في الأصول الدولية الأساسية، مثل الذهب والدولار، ستنعكس حتمًا على الاقتصادات الهشة والمعرّضة لصدمات خارجية.

البورصات الأمريكية تهتز… مؤشرات في المنطقة الحمراء
ولعل أحد أبرز تداعيات قرارات الرسوم الجمركية التي اتخذتها إدارة ترامب حسب الخبير المصري كان الانخفاض السريع في مؤشرات البورصات الأمريكية، ما يعكس مستوى القلق والانكماش في ثقة المستثمرين تجاه السوق الأمريكية.
وأوضح معطي أن مؤشرات رئيسية مثل ناسداك وداو جونز شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال فترة وجيزة، وهو ما يُعد مؤشرًا واضحًا على أن الأسواق رأت في تلك الإجراءات مصدراً لعدم الاستقرار والارتباك.
وأشار إلى أن تراجع الأسهم الأمريكية يؤثر على السوق المحلي الأمريكي ويمتد أثره عالميًا، بحكم الترابط الكبير بين الأسواق المالية الدولية، حيث تؤدي مثل هذه الهزات إلى انسحابات واسعة لرؤوس الأموال، خاصة من الأسواق الناشئة.
وأضاف أن البورصات بطبيعتها مرآة لحالة التوقعات الاقتصادية، وما حدث بعد إعلان الرسوم يُعبّر عن مخاوف من تباطؤ النمو، وتزايد العوائق التجارية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد، ما قد يدفع الشركات الكبرى نحو الحذر في الاستثمار والتوسع.
وشدد معطي على أن هذه الخسائر في أسواق الأسهم تمثل إشارة قوية إلى عمق القلق المالي الذي خلقته السياسات الحمائية المفاجئة، مضيفًا أن الأسواق تترقب الآن ردود أفعال باقي الدول، وما إذا كانت ستلجأ لخطوات انتقامية أو تفاوضية.
وأكد المتحدث على أن استمرار هذا الاتجاه قد يُعيد الأسواق إلى سيناريوهات تشبه الأزمات الكبرى السابقة، ما لم يتم احتواء التوترات التجارية وتقديم رؤى واضحة حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين القوى الكبرى.

النفط في قلب المعادلة… وخطة أمريكية لتقليل الاستيراد
كما أوضح الخبير الاقتصادي المصري، أن تأثير قرارات الرسوم الجمركية لم يتوقف عند الأسواق المالية، وامتد إلى أسواق الطاقة، حيث شهدت أسعار النفط تراجعًا ملحوظًا إلى دون 70 دولارًا للبرميل، وهو ما يعكس بوضوح حالة القلق العالمية من تأثير هذه السياسات على النمو الاقتصادي العالمي.
وأشار إلى أن تراجع أسعار النفط يُعد نتيجة مباشرة لحالة عدم اليقين، خاصة مع توقعات بانخفاض الطلب العالمي بسبب الركود المحتمل، وهو ما يدفع الأسواق إلى إعادة تقييم مراكزها في قطاع الطاقة، سواء في الإنتاج أو التخزين أو الاستثمار.
وأضاف معطي أن إدارة ترامب بدت حريصة على تقليل الاعتماد على النفط المستورد، في محاولة لتعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق نوع من التوازن في سوق الطاقة، ما يُعتبر جزءًا من توجه استراتيجي أوسع يربط الأمن الاقتصادي بالأمن الطاقوي.
وأكد أن هذا التوجه يتماشى مع سياسات خفض التضخم التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقها، من خلال تخفيض أسعار النفط محليًا، بما يقلل من تكاليف النقل والإنتاج، وبالتالي يخفف من ضغوط الأسعار على المستهلكين الأمريكيين.
وشدد معطي على أن هذه السياسات قد تبدو مفيدة للولايات المتحدة في المدى القصير، لكنها تُربك التوازن العالمي في قطاع الطاقة، خاصة بالنسبة للدول المنتجة والمصدرة، التي ستتأثر سلبًا بتراجع الأسعار وفقدان جزء من أسواقها.
وقال إن استمرار هذا النهج قد يُؤدي إلى تحولات جذرية في خريطة الإنتاج الطاقوي العالمي، ويعيد طرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل التعاون بين الدول في ملف الطاقة، وسط توجهات أمريكية أكثر انعزالًا وتركيزًا على الذات.

النظام الاقتصادي العالمي على صفيح ساخن
ولم يخف معطي أن قرارات الرسوم الجمركية التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تُنذر بتحولات عميقة في شكل النظام الاقتصادي العالمي، وتهدد بإعادة تشكيل العلاقات التجارية الدولية على أسس من التوتر والمواجهة بدل التعاون والتكامل.
وأوضح أن هذه السياسات تفتح الباب أمام موجة من التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والدول التي فُرضت عليها الرسوم، خصوصًا في ظل غياب آليات تفاوض فعّالة أو رغبة واضحة في التوصل إلى تسويات عادلة تحفظ مصالح الأطراف المختلفة.
وأشار إلى أن تصاعد النزاعات التجارية سيؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، ويزيد من نزعة كل دولة إلى الانكفاء على مصالحها القومية، وهو ما يُضعف التعاون الاقتصادي متعدد الأطراف.
وأضاف معطي أن مثل هذه القرارات قد تدفع العديد من الدول إلى مراجعة اتفاقياتها التجارية والاستثمارية، وتفضيل التعامل مع شركاء لا تشملهم السياسات الحمائية الأمريكية، مما يُعيد رسم خارطة التبادل التجاري العالمي.
وشدد على أن الأسواق العالمية أصبحت أكثر هشاشة تجاه القرارات الأحادية، حيث لم تعد السياسات الاقتصادية تتوقف عند حدود دولة واحدة، وإنما تنتشر تداعياتها بشكل فوري عبر الأسواق المالية وسلاسل التوريد وشبكات الإنتاج العالمية.
وأشار بالقول إن العالم يقف أمام لحظة مفصلية في مسار العولمة الاقتصادية، مؤكدًا أن ما يحدث اليوم تحول استراتيجي ستكون له آثار بعيدة المدى على مسار النمو، واتجاهات الاستثمار، ومستقبل التعاون الدولي.

رضا الشكندالي 3
البروفيسور رضا الشكندالي – أستاذ جامعي مختص في الاقتصاد – تونس

هل تُغيّر الرسوم الجمركية خريطة الاقتصاد العربي؟

يعتبر البروفيسور التونسي رضا الشكندالي، الأستاذ الجامعي المختص في الاقتصاد، في تصريحه لـ”الأيام نيوز”، أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة تشكّل عامل اضطراب واسع النطاق في المنطقة العربية، نظرًا لتأثيرها المباشر على عدد من الدول، وغير المباشر على باقي الدول المرتبطة بشبكات التجارة العالمية. ويرى أن هذا التفاوت في التأثر يُربك الموقف العربي الموحد، ويفتح الباب أمام ركود اقتصادي وتضخم متصاعد، مع احتمال فقدان بعض الدول لجاذبيتها الاستثمارية لصالح دول عربية أخرى لم تُمس برسوم مرتفعة.

ويرى الشكندالي أن قرارات الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية جديدة أحدثت شرخًا واضحًا في الموقف الاقتصادي العربي، بسبب المعاملة غير المتكافئة التي استهدفت عددًا محدودًا من الدول العربية دون غيرها.
وأوضح أن ست دول عربية فقط فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة، وهي سوريا بنسبة 41%، العراق 39%، ليبيا 31%، الجزائر 30%، تونس 28%، والأردن 20%، بينما بقيت باقي الدول العربية في منأى عن هذه الزيادات، مما أوجد تفاوتًا حادًا في مستوى التأثر.
وأشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والمغرب ولبنان والسودان واليمن لم تُفرض عليها رسوم إضافية، إذ بقيت الرسوم على وارداتها من الولايات المتحدة مساوية لتلك المفروضة على البضائع الأمريكية، وهو ما يجعلها غير معنية بشكل مباشر بهذه الإجراءات.
وأضاف أن هذا التباين يُضعف إمكانية بلورة موقف عربي موحد أو اتخاذ قرار جماعي تحت مظلة جامعة الدول العربية، لأن المصالح لم تتضرر بالدرجة نفسها، مما يدفع كل دولة إلى التركيز على تداعياتها الخاصة بمعزل عن غيرها.
وشدد الشكندالي على أن مثل هذا الواقع الاقتصادي غير المتكافئ لا يخدم التكامل العربي، ويُعمّق الفجوة بين دول المنطقة في التعامل مع الأزمات العالمية، ويُعقّد أي محاولة لبناء جبهة تفاوضية جماعية أمام الشركاء الدوليين.
وأشار بالقول إن الرسوم الأمريكية فرّقت بين دول العالم، وأيضًا خلقت تفاوتًا داخل الفضاء العربي نفسه، وهو ما يستدعي نقاشًا جديًا على المستوى الإقليمي حول آليات التنسيق الاقتصادي في مواجهة التحديات الخارجية المشتركة.

شراكات اقتصادية تحت الضغط… والدول غير المستهدفة ليست بمنأى
وأكد البروفيسور رضا الشكندالي أن التأثيرات الاقتصادية لقرارات ترامب لا تقتصر فقط على الدول العربية الست التي فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة، وإنما تمتد إلى باقي الدول العربية بشكل غير مباشر، من خلال تشابكها مع أسواق عالمية رئيسية تأثرت بشدة بهذه الإجراءات.
وأوضح أن غالبية الدول العربية، حتى التي لم تُفرض عليها رسوم مباشرة، ترتبط اقتصاديًا بأسواق كبرى مثل السوق الأوروبية، السوق الصينية، والسوق الشرق أوسطية، وهي بدورها تضررت من الحرب التجارية التي أشعلتها الولايات المتحدة، ما سينعكس على الشركاء العرب.
وأشار إلى أن الصين تحديدًا، التي فُرضت عليها الولايات المتحدة أعلى الرسوم الجمركية، تُعد من أبرز الشركاء التجاريين لكثير من الدول العربية، وبالتالي فإن تراجع النمو في الصين سيؤثر على صادرات المنطقة، وعلى حجم الاستثمارات والتبادل التجاري معها.
وأضاف أن أوروبا كذلك تُعد شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا لمعظم الدول العربية، وإن أصيبت هذه السوق بالركود بسبب السياسات الأمريكية، فستتقلص فرص النمو والتصدير والتمويل أمام الدول العربية، حتى وإن لم تكن مستهدفة بشكل مباشر.
وشدد الشكندالي على أن هذا الترابط الاقتصادي العالمي يجعل الدول العربية جزءًا من سلسلة التأثر غير المباشر، حيث تنتقل الصدمة من الأسواق الكبرى إلى الشركاء الأصغر عبر انخفاض الطلب العالمي، وتقلبات الأسواق، وتراجع ثقة المستثمرين.
وأكد على أن الرهان على “النجاة الفردية” لم يعد واقعيًا، لأن أي اضطراب في النظام الاقتصادي العالمي ستكون له ارتدادات على كل من هو مرتبط به، وهو ما يضع كل الدول العربية، دون استثناء، أمام مسؤولية التكيّف مع تبعات هذا الواقع الجديد.

ركود وتضخم ورفع للفائدة… وصفة أزمة شاملة في العالم العربي
كما أكد البروفيسور التونسي أن تداعيات القرارات الجمركية الأمريكية لن تتوقف عند حدود التبادل التجاري، وستنعكس على الأداء الاقتصادي العام في الدول العربية، من خلال موجة ركود اقتصادي متوقعة، مصحوبة بارتفاع في نسب التضخم، مما سيُدخل المنطقة في وضعية معقّدة ماليًا ونقديًا.
وأوضح أن تراجع النمو الاقتصادي العالمي سيؤثر مباشرة على الطلب على صادرات الدول العربية، سواء تعلق الأمر بالسلع أو الخدمات، وهو ما سيؤدي إلى انخفاض النشاط الاقتصادي وتباطؤ في خلق فرص العمل، مما يُضعف القدرة الشرائية ويزيد الضغوط الاجتماعية.
وأشار إلى أن ارتفاع الأسعار العالمية نتيجة التوترات التجارية، إلى جانب تراجع العرض في بعض الأسواق، سيُسهم في تصاعد معدلات التضخم في معظم الدول العربية، ما سيُجبر البنوك المركزية على التدخل من خلال رفع نسب الفائدة المديرية.
وأضاف أن رفع الفائدة سيزيد من كلفة الاقتراض الداخلي والخارجي، مما يُثقل كاهل المؤسسات الاقتصادية والمواطنين، ويضعف القدرة على الاستثمار، في وقت تحتاج فيه الدول العربية إلى تعزيز الإنفاق لتحفيز النمو الاقتصادي ومجابهة التحديات الاجتماعية.
وشدد الشكندالي على أن هذا الواقع سيكون أكثر قسوة على الدول ذات المديونية العالية، خاصة تلك التي تعتمد على الاقتراض الخارجي، لأن ارتفاع الفائدة في الأسواق العالمية – وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا – سيرفع من كلفة خدمة الدين بشكل مباشر.
ونبّه إلى أن الدول العربية مقبلة على مرحلة تتطلب إصلاحات هيكلية شاملة، وخططًا إنقاذية مرنة تأخذ بعين الاعتبار هذه المتغيرات، محذرًا من أن استمرار الاعتماد على السياسات التقليدية في ظل هذه الأوضاع قد يُفاقم الأزمة بدل التخفيف منها.

هروب محتمل للاستثمارات نحو الدول العربية غير المتأثرة
كما حذّر البروفيسور رضا الشكندالي من احتمال حدوث تحوّل في حركة الاستثمارات الأجنبية، بل وحتى المحلية، داخل المنطقة العربية، نتيجة التفاوت في الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على بعض الدول دون غيرها، مما قد يُعيد رسم خريطة الجاذبية الاقتصادية في المنطقة.
وأوضح أن المستثمرين، خاصة أولئك الذين يعتمدون على التصدير نحو السوق الأمريكية، قد يُفضلون نقل استثماراتهم إلى الدول العربية التي لم تُفرض عليها رسوم مرتفعة، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، للاستفادة من ميزة تنافسية أكبر.
وأشار إلى أن دولًا مثل تونس والأردن قد تكون في وضعية حرجة، إذ أن ارتفاع الرسوم المفروضة على صادراتها نحو أمريكا يُضعف من جاذبيتها كموقع إنتاجي للمستثمرين الموجهين نحو السوق الأمريكية، مما يُهدد بفقدان جزء من استثماراتها الخارجية.
وأضاف أن هذا التحوّل قد يشمل أيضًا المستثمرين المحليين، خاصة المصدرين منهم، الذين سيبحثون عن بيئة ضريبية وجمركية أكثر استقرارًا وانفتاحًا على الأسواق الكبرى دون قيود إضافية.
وشدد الشكندالي على أن هذا الواقع الجديد يُحتم على الدول العربية المتضررة مراجعة سياساتها الاستثمارية، والعمل على تحسين بيئة الأعمال، وتقديم حوافز واقعية قادرة على الحفاظ على الاستثمارات الحالية وجذب أخرى بديلة.
وأكد على أن الحفاظ على جاذبية الاستثمار في المنطقة يتطلب تنسيقًا عربيًا مرنًا، يأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجذرية في بيئة التجارة الدولية، والعمل على تعزيز التكامل الإقليمي كخيار استراتيجي لمواجهة التحولات العالمية.

النفط في قلب العاصفة… الرابحون والخاسرون في العالم العربي
كما أوضح البروفيسور رضا الشكندالي أن من بين أبرز التداعيات غير المباشرة للحرب التجارية التي أشعلتها قرارات الرسوم الأمريكية، التأثير المحتمل على الأسعار العالمية للنفط، نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي وانخفاض الطلب على الطاقة.
وأكد أن تراجع الطلب الناتج عن الركود المرتقب، خاصة في أسواق رئيسية كالصين وأوروبا، سيؤدي إلى انخفاض الأسعار العالمية للنفط، وهو ما ستكون له نتائج متفاوتة على الدول العربية بحسب موقعها من معادلة الإنتاج والاستهلاك.
وأشار إلى أن الدول العربية المورّدة للنفط قد تستفيد نسبيًا من هذا الانخفاض بسبب تراجع كلفة التزود بالطاقة، في حين ستتضرر بشدة الدول المصدّرة للنفط، التي ستتكبد خسائر كبيرة على مستوى العائدات، ما سيُرهق موازناتها ويزيد من عجزها المالي.

سمير جعوتي 3
الدكتور سمير جعوتي – محلل اقتصادي

تأثير مزدوج عبر النفط والدولار.. الرسوم الترامبية تطرق أبواب الاقتصاد الجزائري

قلل المحلل الاقتصادي سمير جعوتي، في تصريح لـ”الأيام نيوز”، من احتمال تأثر الجزائر بشكل مباشر بقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة بفرض رسوم جمركية على عشرات الدول، مشيرًا إلى أن العلاقات التجارية بين الجزائر والولايات المتحدة تبقى محدودة. لكنه في المقابل حذر من تأثيرات غير مباشرة قد تطال الاقتصاد الجزائري من خلال تراجع أسعار النفط أو تغير قيمة الدولار، مؤكدًا أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى زعزعة النظام المالي العالمي ويمهد لما وصفه بـ”شهادة وفاة الدولار”.

وأكد جعوتي أن تأثير قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتعلقة برفع الرسوم الجمركية على الاقتصاد الجزائري، يظل في جوهره محدودًا من الناحية المباشرة، نظرًا لطبيعة العلاقات التجارية الضعيفة نسبيًا بين البلدين.
وأوضح أن المبادلات التجارية بين الجزائر والولايات المتحدة لا تُعد كبيرة، حيث تتركز الصادرات الجزائرية نحو السوق الأمريكية بشكل أساسي في قطاع المحروقات، الذي لم يُستهدف مباشرة في حزمة الرسوم الجمركية الترامبية المعلنة حتى الآن.
وأشار إلى أنه في حال بقيت الرسوم محصورة في قطاعات السلع المصنعة والخدمات، فإن الجزائر لن تتأثر بشكل مباشر، خصوصًا أنها ليست من بين الدول التي تشهد عجزًا تجاريًا كبيرًا مع الولايات المتحدة أو تُعد شريكًا استراتيجيًا في قطاعات الصناعة الثقيلة.
وأضاف جعوتي أن الرسوم الترامبية طالت أكثر من 60 دولة، بعضها لا يربطها تبادل تجاري فعلي مع أمريكا، وهو ما يسلّط الضوء على الطبيعة الانتقائية والمثيرة للجدل في هذه السياسات، لكنها تبقى بعيدة – ظاهريًا – عن التأثير المباشر على الاقتصاد الجزائري.
وشدد على أن الاعتماد المحدود للجزائر على السوق الأمريكية كمصدر رئيسي للواردات أو وجهة رئيسية للصادرات، يجعلها خارج دائرة التصعيد الجمركي المباشر، إلا أن ذلك لا يعني أن الجزائر في منأى عن تبعات هذه القرارات.
وأشار إلى أن الخطر الحقيقي يكمن في الارتدادات غير المباشرة التي قد تنتج عن هذه السياسات، وهو ما يستدعي المتابعة الدقيقة لتطورات المشهد التجاري العالمي، حتى وإن كانت العلاقات الثنائية الجزائرية-الأمريكية محدودة.

الجزائر في مرمى تداعيات غير مباشرة عبر النفط والدولار
والخطر الأكبر على الاقتصاد الجزائري – حسب المحلل الاقتصادي – لا يكمن في الرسوم الجمركية الأمريكية بحد ذاتها، وإنما في تداعياتها غير المباشرة، التي قد تضرب أهم مرتكزات الاستقرار الاقتصادي في الجزائر، وفي مقدمتها أسعار النفط وسعر صرف الدولار.
وأوضح أن الجزائر تعتمد بشكل كبير على صادراتها من المحروقات كمصدر رئيسي للعملة الصعبة، وهو ما يجعلها شديدة التأثر بأي تراجع في الطلب العالمي على النفط، خصوصًا إذا أدت قرارات ترامب إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي ودخول بعض الاقتصادات الكبرى في حالة ركود.
وأشار إلى أن أي تراجع في أسعار النفط، نتيجة لتقلص الطلب العالمي، سينعكس مباشرة على الإيرادات الجزائرية، ويُعيد الضغط على الميزانية العامة وميزان المدفوعات، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تقليص العجز وتعزيز الاحتياطات.
وأضاف جعوتي أن الدولار الأمريكي بدوره يمثل متغيرًا حاسمًا في هذه المعادلة، حيث أن فرض رسوم جمركية واسعة قد يؤثر على قيمته في الأسواق العالمية، فإذا تراجعت قيمة الدولار، سترتفع فاتورة الواردات الجزائرية، التي تعتمد بشكل كبير على السلع المسعرة بالدولار.
وشدد على أن الجزائر، مثلها مثل العديد من الدول النامية، ستجد نفسها في موقع هش إذا حدث تذبذب حاد في أسعار الطاقة أو تغير مفاجئ في قيمة العملة الأمريكية، خصوصًا مع محدودية تنويع اقتصادها الداخلي.
ونبّه بالقول إن القراءة المتأنية لتداعيات الرسوم الترامبية يجب ألا تقتصر على القنوات الرسمية المباشرة، ويجب أن تمتد لتحليل الأثر غير المباشر عبر الأسواق العالمية، لأن ما يهزّ الاقتصاد العالمي سيرتد بطريقة أو بأخرى على اقتصاد الجزائر.

خفض محتمل لقيمة الدولار… والجزائر ضمن المتأثرين بصمت
ويؤكد المحلل الاقتصادي سمير جعوتي أن أحد السيناريوهات المحتملة في حال استمرار الرئيس ترامب أو من يسير على نهجه في تطبيق سياسة الرسوم الجمركية هو اللجوء إلى خفض قيمة الدولار الأمريكي بهدف تعزيز تنافسية السلع الأمريكية في الأسواق العالمية.
وأوضح أن خفض الدولار سيكون محاولة لتعويض آثار الرسوم على الصادرات الأمريكية، لكنه يحمل في طياته مخاطر كبيرة على اقتصادات عديدة، وعلى رأسها الدول التي تربط عملاتها بالدولار أو تعتمد عليه بشكل كبير في معاملاتها التجارية والمالية.
وأشار إلى أن الجزائر من بين الدول التي ستتأثر بشكل غير مباشر في حال تراجع قيمة الدولار، خاصة وأن أغلب الواردات الجزائرية تتم بالدولار، مما يعني ارتفاعًا في تكلفتها، وبالتالي ضغطًا جديدًا على الميزان التجاري واحتياطي الصرف.
وأضاف جعوتي أن خفض قيمة الدولار يمكن أن يربك أيضًا الأسواق المالية العالمية، حيث أن التغير في قيمة العملة الأمريكية يُحدث هزات في حركة رؤوس الأموال، ويُضعف ثقة المستثمرين في استقرار النظام النقدي الدولي.
وشدد على أن الدول التي تمتلك احتياطيات بالدولار أو تستثمر في سندات الخزينة الأمريكية ستتأثر أيضًا، لأن قيمة هذه الأصول ستتراجع، مما قد يُفقدها جزءًا من وزنها المالي والاستراتيجي، وهو ما ينطبق أيضًا على الجزائر بدرجة أو بأخرى.
وأشار إلى أن خفض قيمة الدولار قد لا يُعلن رسميًا، لكنه قد يتحقق من خلال قرارات متراكمة تؤدي إلى تراجع القوة الشرائية العالمية للعملة الأمريكية، وهو ما يجعل الدول المرتبطة به – مثل الجزائر – عرضة لمخاطر مالية صامتة لكنها حقيقية.

شهادة وفاة الدولار؟… تحذير من اهتزاز الأسواق العالمية
وحذّر المحلل الاقتصادي الجزائري من أن المسار الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية في التعامل مع التجارة العالمية، وعلى رأسه تصعيد الرسوم الجمركية، قد يكون مقدمة لانهيار الثقة في الدولار الأمريكي، وهو ما وصفه بـ”توقيع شهادة وفاة الدولار” إذا لم يتم تدارك الأوضاع.
وأوضح أن الدولار يستمد قيمته من قوة الاقتصاد الأمريكي، ومن الثقة الدولية في استقرار السياسة المالية والنقدية للولايات المتحدة، وهذه الثقة تهتز بشدة عندما تتحول القرارات الاقتصادية إلى أدوات للصراع السياسي والتجاري دون حساب للعواقب.
وأشار إلى أن الدولار يُستخدم اليوم كعملة احتياط رئيسية عالميًا، وتُسعّر به معظم السلع الاستراتيجية مثل النفط والذهب، فضلًا عن كونه أساسًا لمعظم الاستثمارات العالمية في السندات، وعلى رأسها سندات الخزينة الأمريكية.
وأضاف جعوتي أن أي اهتزاز في قيمة الدولار أو شكوك حول مستقبله، سينعكس بشكل مباشر على الأسواق المالية العالمية، التي قد تشهد موجات من التذبذب والخروج المفاجئ لرؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، ما سيؤثر سلبًا على استقرارها الاقتصادي والمالي.
وشدد على أن الأصول المقوّمة بالدولار، بما في ذلك استثمارات الدول في السندات الأمريكية، قد تُسجّل خسائر ملموسة إذا فقد الدولار جزءًا من مكانته الدولية، وهو ما يتطلب من الدول النامية، مثل الجزائر، تنويع أصولها وتقليل ارتهانها للعملة الأمريكية.
وأكد على أن العالم لم يعد في منأى عن تداعيات قرارات اقتصادية تتخذ من جانب واحد، وأن انكماش الثقة في الدولار ستكون له تداعيات تتجاوز أمريكا، لتصل إلى كل دولة ترتبط عملتها أو اقتصادها بهذه العملة، بشكل مباشر أو غير مباشر.

مصطفى بن ميرة

مصطفى بن ميرة

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
روسيا تُبدي رغبتها في إطلاق مشاريع استثمارية جديدة في الجزائر الاتحاد الأوروبي يُشيد بدور الجزائر كشريك موثوق واستراتيجي في المنطقة توجيهات صارمة لتسريع عمليات صيانة وتجهيز البواخر مولوجي تُبرز جهود الدولة في التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة وزير العدل: مشروع قانون الإجراءات الجزائية حماية للمال العام والاقتصاد الوطني سايحي يدعو إلى تكثيف الجهود لتحسين التكفل بمرضى السرطان وتوسيع مراكز العلاج وزير التجارة يؤكد على ضرورة تطوير آليات العمل الرقابي لمواكبة تحولات السوق مجاهد: نجاح الجزائر يكمن في تعاملها مع القضايا بالمبادئ لا بالمصلحة أزيد من 20 شركة روسية تستكشف السوق الجزائرية في منتدى أعمال مشترك فرنسا تغازل أحفاد النازيين.. ما القصة؟ الجزائر تستعدُّ لاحتضان مؤتمر إفريقي هام الأضاحي المستوردة.. الأولوية للفئات المعوزة وأصحاب الدخل المحدود حصيلة مروعة.. 39 قتيلا في حوادث المرور خلال أسبوع وزير الاتصال: "التكوين أساس تشكيل جبهة إعلامية تدافع عن الوطن" هذا موعد انطلاق الطبعة الثالثة للصالون الإفريقي للأعمال بوهران وزارة التربية تواصل سلسة جلسات دراسة وتدقيق اقتراحات المنظمات النقابية المعتمدة شنقريحة: العلاقات الجزائرية-الرواندية نموذج للتنسيق السياسي في الدفاع عن إفريقيا اللغة الأمازيغية.. دعم متزايد لإصدارات في مختلف المجالات الثقافية عرقاب: الجزائر تُشجع التحول نحو نموذج طاقوي مستدام ومتكامل في إفريقيا الغموض يخيّم على واغادوغو.. حملة اعتقالات تفضح صراع أجنحة في جيش بوركينا فاسو