التقى وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، خلال زيارة العمل التي قام بها إلى واشنطن بتكليف من رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، مع مسؤولين رفيعي المستوى بمجلس الأمن القومي في البيت الأبيض وكذا بمقر وزارة الخارجية الأمريكية، كما دعا عطاف رجال الأعمال هناك ـ حسب ما أفاد به بيان للوزارة إلى الانفتاح على السوق الجزائرية التي تقدّم مزايا ربحية كبيرة بالنظر إلى ثروات البلاد وموقعها الذي جعلها بوابة لإفريقيا، ومن جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، على دعم بلاده القوي للمسار السياسي الذي تنتهجه الأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء الغربية، وهو التصريح الذي صبّ الماء البارد على رأس النظام المغربي المنتشي بحشيشة الأكاذيب التي يتعاطاها يوميا.
وبعد مباحثات جرت بين الوزير أحمد عطاف مع نظيره الأمريكي ـ تطرّق فيها الطرفان إلى عدد من أهم القضايا الإقليمية والدولية التي تشكّل أولوية بالنسبة إلى البلدين ـ صبّ بلينكن الماء البارد على رؤوس نظام المخزن، حين كتب في تغريدة على منصة «تويتر»، مساء الأربعاء قائلا: “لقد أكدنا خلال محادثاتنا دعمنا القوي للمسار السياسي الذي تنتهجه الأمم المتحدة بخصوص قضية الصحراء الغربية”، وأضاف: “التقيت بوزير الشؤون الخارجية الجزائري أحمد عطاف للحديث حول واقع وآفاق الشراكة الأمريكية-الجزائرية ومناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، سيما الوضع بمنطقة الساحل”.
ومن جانبه، جدّد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر التأكيد على “الدعم الكبير الذي يوليه بلينكن لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، في محادثاته مع الأطراف المعنية الرامية إلى إيجاد حلّ سياسي لملف الصحراء الغربية”، كما هنأ بلينكن نظيره عطاف ـ يضيف ميلر ـ بمناسبة انتخاب الجزائر عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي، مبديا “رغبة الولايات المتحدة في العمل مع الجزائر بشكل وثيق بخصوص كل القضايا التي يعالجها مجلس الأمن الدولي”.
بوريطة وبِركة الوحل الصهيوني
ومع أن زيارة عطاف إلى الولايات المتحدة، شملت العديد من المجالات واستقطبت أهم قطاعات صناعة القرار الأمريكي، وأظهرت قدرة الجزائر على الانتقال ـ وبسلاسة تامّة ـ من طرف، هناك ـ يتمثل في الصين وروسيا ـ إلى طرف نقيض، تمثله واشنطن، إلا أن ـ هذه الزيارة ـ أربكت الرأي العام في المغرب، إذ نظر إليها ـ على خلفية التحريض الذي تبثّه صحافة المخزن ضد الجزائر، ليخرج بانطباعات مخيبة للآمال على اعتبار أن واشنطن ـ تجاهلت كل تنازلات الرباط ـ وجدّدت موقفها الثابت إزاء ملف الصحراء الغربية، بما لا يتلاءم مع طموحات الاحتلال المغربي.
لقد اضطر مراقبون مغربيون ـ ولأول مرة ـ أن ينتقدوا وزير خارجية المخزن ناصر بوريطة، بطريقة صادمة، إذ لاحظوا أنه خلال زيارته إلى واشنطن ـ قبل نحو خمسة أشهر ـ كان يبالغ في إحناء رأسه للوزير بلينكن الذي يدرك بأن نظام المخزن بات داخل الجيب الأمريكي، بعدما انخرط مسؤولوه ـ وبنظرة أحادية قاصرة ـ في تقديم أنفسهم للكيان الصهيوني ولبعض العواصم الغربية، كحليف تحوّل ـ في أسرع وقت ـ إلى تابع، مجبر على التملق لأنه فاقد لاختيارات أخرى، وكل أوراق الضغط لديه محروقة.
ومعلوم أن زيارة بوريطة، إلى واشنطن ـ في مارس 2023 ـ تزامنت مع صدور تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب تضمن انتقادات قوية بشأن خروقات يمارسها نظام المخزن ضد حقوق الإنسان، وقد جاء التقرير مدويا مقارنة مع التقارير التي صدرت خلال السنوات الأخيرة، حول تقييم وضع حقوق الإنسان والفساد في المملكة.
وقد صدر التقرير هذا المخزي، في اليوم ذاته الذي حل فيه بوريطة بواشنطن، كما أن البيان الختامي للزيارة جاء صادما إذ أشارت إحدى فقراته إلى قضية الصحراء الغربية، وتم صياغتها ـ بشكل حرفي كالآتي: “أكد الوزيران دعمهما الكامل الكامل للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في الدفع نحو حل سياسي دائم يحفظ الكرامة لنزاع الصحراء الغربية”.
المراقبون المغربيون الذي تابعوا زيارة عطاف إلى واشنطن، وصلوا إلى قناعة مفادها أن نظام المخزن، يفشل دائما ـ أمام الجزائر ـ في كسب تأييد الدول لطروحاته، لكنه، ينجح عندما يتعلّق الأمر بكسب تأييد الكيان الصهيوني، وهي المساحة التي لن تنافسه في الجزائر على اعتبار أنها لا تعترف بهذا الكيان الغاشم، وتعلن عداءها الكامل له، وبالتالي فإنّ الفرصة مواتية لنظام المخزن ليمعن في الاستسلام لبركة الوحل الصهيوني، بعدما فقد القدرة على الاحتفاظ بأبسط مظاهر الكرامة والشرف.
توافق جزائري أمريكي
وكان وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، قد حلّ عشية الثلاثاء 15 أوت 2023، بواشنطن ـ في زيارة عمل دامت يومين، حيث أجرى محادثات مع نظيره الأمريكي، أنتوني بلينكن، استعرض من خلالها الطرفان واقع وآفاق العلاقات الجزائرية-الأمريكية، فضلا عن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وبهذه المناسبة، ثمن الوزيران “عاليا عمق وصلابة علاقات الصداقة والتعاون التاريخية التي تربط بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية”، مشيدين “بوتيرة التشاور السياسي البيني وتوسع العلاقات الاقتصادية إلى ميادين جديدة وكذا بالآفاق الواعدة لتحقيق المزيد بناء على قيم الصداقة والثقة والتفاهم”.
وفي سبيل ذلك جدد عطاف وبلينكن ـ وفق ما أفاد به بيان للخارجية الجزائرية ـ “التعبير عن الإرادة السياسية القوية التي تحدو قيادتي البلدين في تعزيز الشراكة الجزائرية-الأمريكية والارتقاء بها إلى أسمى المصاف والرتب المتاحة”، ومن جانب آخر، تحاور الطرفان وتبادلا التحاليل والرؤى بشأن المستجدات الإقليمية، وعلى وجه الخصوص الأوضاع في كل من النيجر ومالي وليبيا، حين أكدا “على توافق مواقف البلدين ومساعيهما الرامية لتفضيل حلول سلمية لهذه الأزمات بما يجنب المنطقة مخاطر الخيار العسكري”، حسب المصدر ذاته.
“كما تطرقا إلى تطورات القضية الفلسطينية في ظل انسداد آفاق استئناف العملية السياسية، وتناولا آخر تطورات قضية الصحراء الغربية مجددين التعبير عن دعمهما لجهود المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، الرامية إلى تمكين طرفي النزاع من الانخراط بجدية ودون شروط مسبقة في المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة”، وفي الختام، أعرب الوزيران – بحسب المصدر ذاته – “عن ارتياحهما لما تم تسجيله من توافق كبير في مواقف البلدين حول جميع القضايا، مؤكدين تطلعهما لمواصلة الجهود من أجل استكشاف الآفاق الواعدة للشراكة الجزائرية-الأمريكية وتكثيف علاقات التشاور والتنسيق بين البلدين، خاصة خلال عضوية الجزائر المقبلة بمجلس الأمن”.
وخلال زيارة العمل هذه ، التقى الوزير عطاف، مع مسؤولين رفيعي المستوى من مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض ومن وزارة الخارجية الأمريكية، إذ تحادث مع منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبيت الأبيض، بريت ماكغورك، حين استعرض معه مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط وتطورات القضية الفلسطينية، إلى جانب تطورات الأزمة في ليبيا على ضوء الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتهيئة الظروف والشروط الضرورية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تنهي حالة الانقسام، كما أجرى عطاف ـ بحسب البيان – محادثات مع مساعد كاتب الدولة، ديريك شولي، الذي يتأهب لشغل منصب نائب كاتب الدفاع
ندوة حول التعاون الجزائري-الأمريكي قريبا
كما التقى عطاف مع رئيس المجموعة البرلمانية الأمريكية للصداقة مع الجزائر، النائب تروي نالس، الذي اتفق معه على خطة عمل تشمل العديد من الخطوات الرامية إلى تعزيز التقارب وتسليط الضوء أكثر على أهمية الشراكة الاستراتيجية التي تربط بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مشروع زيارة من المنتظر أن يقوم بها أعضاء هذه المجموعة إلى الجزائر شهر نوفمبر المقبل، إلى جانب تنظيم ندوة في واشنطن قريبا حول التعاون الجزائري-الأمريكي في مجال الطاقة ومؤتمر حول الشراكة بين البلدين في مجال الصناعة، تجدر الإشارة، إلى أن هذه المجموعة قد تشكلت مؤخرا، حيث تم تنصيبها رسميا يوم 16 ماي 2023، تحت قيادة كل من النائب الجمهوري نالس والنائبة الديمقراطية شيلا لي جاكسن، وفقا لذات المصدر.
وفي إطار ذات الزيارة، التقى أحمد عطاف، بممثلين عن الجالية الجزائرية المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث نقل لهم ـ حسبما أفاد به بيان الوزارة تحيات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، وأكد لهم حرصه على “تعزيز مكانة أبناء الجزائر المقيمين بالمهجر وترسيخ الروابط التي تجمعهم بالوطن الأم عبر عديد التدابير والإجراءات التي أقرها لصالحهم”، وقد شكل اللقاء، يضيف البيان، “فرصة للاطمئنان على أحوال الجالية الجزائرية المقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية وإطلاعها على آخر التطورات المسجلة على الصعيد الوطني في سياق مسيرة التجديد الجذري والواعد الذي تعرفه الجزائر تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون”.
كما أطلع عطاف أفراد الجالية الجزائرية على نتائج زيارته إلى واشنطن وتبادل معهم الرؤى حول الحركية الجديدة التي تشهدها العلاقات الجزائرية-الأمريكية، مع تسليط الضوء على دورهم في تعزيز التقارب الجزائري-الأمريكي وتمكين بلادنا من كسب رهانات التنمية وتحقيق التطور المنشود، “وقد عرف اللقاء نقاشا أخويا ثريا أكد انخراط أفراد الجالية واستعدادهم للمساهمة كل من موقعه في الجهود الرامية لتحقيق التنمية الوطنية والدفع بالشراكة الجزائرية-الأمريكية إلى مستويات أعلى”، وفقا لذات البيان.
وفي ختام جولة الحوار الاستراتيجي بين الجزائر والولايات المتحدة في العاصمة واشنطن، التقى عطاف متعاملين اقتصاديين ورجال أعمال أمريكيين أعضاء في مجلس الأعمال الجزائري-الأمريكي، وقدّم لهم عرضا حول مقومات الاستثمار في الجزائر وعن محاور السياسة الجزائرية في مجال تحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية، والمؤشرات المالية والإصلاحات التي باشرها الرئيس عبد المجيد تبون والتي تظهر حسبه تحسن الوضع المالي للجزائر.
بيئة صديقة للأعمال
وفي الكلمة التي نشرتها وزارة الخارجية الجزائرية، أعاد الوزير التذكير بالترسانة القانونية الجديدة التي تم اعتمادها في عديد المجالات كالمحروقات والاستثمارات والنقد والقرض وغيرها من التشريعات قيد التحضير، والتي من شأنها تعزيز مناخ الأعمال بالجزائر واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهي الإصلاحات التي أشادت بها الإدارة الأمريكية في تقرير صدر بتاريخ 26 جويلية الماضي.
إلى جانب جهود الحكومة والتزامها بترقية بيئة صديقة للأعمال، أكّد عطاف أن الجزائر تتمتع بمزايا فريدة يوفرها موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي جعل منها بوابة للوصول إلى الأسواق المجاورة في إفريقيا والمنطقة العربية وأوروبا، وهي المزايا التي تم توظيفها وتعزيزها عبر اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها بلادنا مع كل من إفريقيا والاتحاد الأوروبي والعالم العربي.
وفي هذا الصدد، أشار عطاف إلى المشاريع الهيكلية الكبرى التي أطلقتها الجزائر لتقوية البنى التحتية التي تربطها بالدول المجاورة، من موانئ وطرقات وسكك حديدية، فضلاً عن تعزيز خدمات النقل البري والبحري والجوي، كما تناول الوزير تاريخ الشراكة الاقتصادية التي تربط بين الجزائر والولايات المتحدة، مبرزا أنها تمثل قصة نجاح حقيقة على مدار الأربعين عاماً الماضية.
ويمثل قطاع الطاقة الجزء الأهم من الشراكة بين البلدين بنحو 90 بالمائة من الاستثمارات الأمريكية، أكد الوزير أن التعاون في هذا المجال، له مستقبل واعد بالنظر إلى ما تحوز عليه الجزائر من احتياطيات من الغاز الطبيعي ومن إمكانيات هائلة في مجال الطاقات المتجددة، ولكون الولايات المتحدة قوة تكنولوجية واقتصادية، وبالمقابل شدد الوزير ـ في الوقت ذاته ـ على ضرورة فتح آفاق جديدة للتعاون الثنائي وعدم الاقتصار على الطاقة، لاسيما ما يتعلق باستغلال الموارد الأخرى التي تزخر بها الجزائر مثل الفولاذ والزنك والفوسفات وغيرها من الموارد النادرة.
ووجّه عطاف أنظار الأمريكان نحو قطاع الفلاحة الذي يمثل فرصة غير مستغلة للمستثمرين على وجه التحديد في جنوب البلاد، حيث تسعى الدولة إلى توفير 3 ملايين هكتار جاهزة للاستثمار على نطاق واسع، داعيا رجال الأعمال الأمريكيين إلى الاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة وأنظمة الري ومرافق المعالجة الزراعية وكذا في تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية، وفي خلاصة كلامه، قال عطاف إن الاستثمار في الجزائر يعني الاستثمار في مستقبل واعد وفي بلد يوفر كافة شروط النجاح كشريك موثوق ومضمون.
شركات أمريكية تدخل السوق الجزائرية
وخلال دورة الحوار الاستراتيجي هذه، عملت الجزائر على استقطاب الاهتمام الأمريكي في المجال الاقتصادي، وأبرز الوزير عطاف أن هناك وتيرة جديدة في التعاون، مستشهدا بكون الشركات الأمريكية التي كانت تدخل السوق الجزائرية في مجال الطاقة، كانت كلها من الدرجة الثانية أو الثالثة، في حين نشهد اليوم ـ ولأول مرة ـ حضور الشركات الكبرى في المحروقات في الجزائر مثل «أكسيدنتال» التي تم إبرام اتفاق معها في انتظار إتمام المحادثات مع «شفرون» و«اكسن موبيل»، واعتبر عطاف أن ذلك دليلا على المكانة التي باتت تحتلها الجزائر لدى الولايات المتحدة، إذ يقال ـ حسبه ـ في الولايات المتحدة إذا أردت أن تعرف اهتمام أمريكا ببلد، فتابع نشاط شركاتها النفطية.
وترغب الجزائر، في تطوير علاقات التعاون بين شركات الطاقة الجزائرية والأمريكية، وكذا آفاق تعزيز وتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية ولاسيما في مجالات المحروقات والبتروكيماويات والطاقات الجديدة والمتجددة، والمناجم، وقد وسبق للسفيرة الأمريكية إليزابيت مور أوبين، أن أكدت وجود اهتمام لدى رجال الأعمال الأمريكان بفرص الاستثمار في الجزائر بعد التسهيلات الجديدة التي أقرتها الحكومة.
ويبقى الحضور الأمريكي بالسوق الجزائرية بعيدا عن المستوى المأمول، وفق الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن الذي عبّر ـ في وقت سابق ـ عن أمله في تدارك ذلك بالنظر إلى إمكانيات البلدين والفرص الاستثمارية التي تتيحها السوق الجزائرية، وحاليا يبلغ التبادل التجاري بين البلدين نحو 5 مليار دولار، فيما تقدر قيمة الاستثمارات الأمريكية في الجزائر والتي تتركز في مجالات النفط والصناعات الصيدلانية وإنتاج الكهرباء والتكنولوجيات الحديثة بنحو 2.7 مليار دولار.