ضمن استراتيجية متكاملة.. كنوز منجميّة هائلة تفرش طريق الجزائر نحو الريادة

تبنّت وزارة الطاقة والمناجم استراتيجية “متكاملة” قوامها ثلاثية (الاستخراج، التثمين، التصدير)، من شأنها الاستغلال الأمثل للموارد المنجمية بشكل يعود بالفائدة على الخزينة العمومية، ويضع الجزائر ضمن البلدان الرائدة في هذا المجال المنجمي على المستوى الإقليمي والدولي، في ظل التوجّه الجديد لاقتصاديات العالم المبني على الطاقات المتجدّدة والنظيفة وتنامي الاحتياج العالمي الكبير من المعادن خلال الأعوام المقبلة.

الجزائر التي تمتلك كنوزا منجمية هامة، أخذت على عاتقها ـ خلال العامين الأخيرين خاصة ـ رهان تطوير القطاع المنجمي، ما ساهم في رفع صادراتها (ما قيمته 216 مليون دولار) خلال 2022 بنسبة 100 بالمائة مقارنة بـ2021، حسبما كشفه الرئيس المدير العام للمجمع الصناعي المنجمي «مناجم الجزائر» (منال) محمد صخر حرامي، الذي توقّع شهر مارس الفارط، أن يتواصل هذا الارتفاع في رقم أعمال المؤسسة خلال 2023، ما سيسمح بالوصول إلى 49.3 مليار دينار مقابل 44.3 مليار عام 2022.

وعليه فإن استراتيجية الوزارة، حسب تدخّل ذات المسؤول عبر الإذاعة، مبنية على تصدير المواد المنجمية بعد تثمينها في عدة مصانع مخصّصة لذلك، وقد شرع مجمع «مناجم الجزائر» في إنشاء هذه المصانع التي سيدخل البعض منها حيز النشاط قريبا، ومن بينها، وفقا للمتحدث: مصنع «البنتونيت» بمغنية، مصنع الكربونات بسيق، مصنع الكربونات أيضا في الخروب، ووحدة بعنابة لإنتاج الفوسفات، ومصنع «الدولوميت» بولاية أم البواقي، وكل هذه المصانع أصبحت في المرحلة الأخيرة من إنجازها، يضيف حرامي.

غارا جبيلات بطاقة إنتاجية تصل إلى 50 مليون طن سنويا

وبالحديث عن الموارد المنجمية من المعادن، فيبرز أهم مشروع في مجال الحديد والصلب تراهن عليه الجزائر في قطاع المناجم لما سيقدمه من قيمة مضافة إلى الاقتصاد الوطني، «منجم غارا جبيلات»، الذي من المتوقع أن تبلغ طاقته الإنتاجية المُستغلّة ما بين 40 إلى 50 مليون طن سنويا بعد إنجاز خط السكة الحديدية الرابط بين غارا جبيلات وبشار وتهيئة خط السكة الحديدية الرابط بين بشار وأرزيو، وفق ما صرح به الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للحديد والصلب، أحمد بن عباس.

وموازاة مع ذلك فسيتم تدعيم ولاية بشار بوحدة إنتاجية خاصة بمركزات خام الحديد وذلك بداية من سبتمبر المقبل، حيث تمّ التوقيع مؤخرا على اتفاقية الشراكة بين المؤسسة الوطنية للحديد والصلب «فيرال» ومركب توسيالي للحديد والصلب ببطيوة، فيما سيتم إبرام شراكة ثانية مع مجمع صيني مع نهاية العام الحالي، ستسمح بتصدير 500 ألف طن من مادة الحديد الخام إلى الصين.

وفي هذا السياق، قال الخبير في الطاقة، أحمد طرطار، إن وزارة الطاقة والمناجم اعتمدت استراتيجية مبنية على استخراج وتثمينها وتحويلها لمنتوجات ذات منفعة أكثر ثم تصديرها، مشيرا إلى توجهها الأخير في سياق تثمين منجم غارا جبيلات بالجنوب الغربي، واستحداث مسار على مستوى بشار ما يسمح بإجراء العملية التحويلية اللازمة ثم التصدير على مستوى ميناء وهران عبر غليزان، وعلى هذا المنوال سيسير المصنع المُراد إنشاؤه في منطقة تندوف، حيث سيحظى بذات الإمكانية.

السياسة المنجمية تقوم على إدماج مؤسسات مختلفة

وذكر طرطار في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن العملية ذاتها ستُعتمد في أقصى الشرق، وتحديدا بمنطقتي «بلاد الحدبة» وبئر العاتر حيث يتم استخراج الفوسفات وتدوير المنتوجات على مستوى واد كبريت بسوق اهراس وإنتاج بعض الحوامض لاسيما الأمونياك، من أجل تصديرها عبر منطقة الساحل وبالضبط على مستوى ميناء عنابة، ليتابع: “على ذات المنوال يتم تثمين بقية المنتجات الأخرى سواء الذهب أو الزنك أو المغنيسيوم،  طبقا للاستراتيجية التي تتبناها مؤسسات الدولية المكلّفة بالاستخراج، التنقية، التكرير ثم إعادة بعث مشاريع مكمّلة يمكنها القيام عملية التحويل إلى منتجات نصف مصنّعة مثل السباك ليتم تصديرها ويتم استخدامها داخلي والترويج لها في السوق المحلية”.

ووصف المختص، استراتيجية مناجم الجزائر بـ”المتكاملة”، في ظل إدماج الكثير من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في نشاط المناولة وبعث أنشطة مُكمّلة للنشاط الأصلي بخلق هكذا مؤسسات وشركات ناشئة وتسخير خريجي الجامعية في سياق دفع حركية اقتصاديه تساهم في تغيير متغيّرات كثيرة على مختلف الأصعدة، ضمن أهداف تركز عليها السياسة المنجمية في الجزائر.

وفيما يخص هذه المصانع المُزمع إنشاؤها أو التي في طور الإنشاء وبلغت مراحل متقدمة من ذلك، سواء على مستوى منطقة سيق أو أم البواقي، عنابة، فمن شأنها تثمين المنتوج المُستخرج من باطن الأرض وإضفاء صبغة صناعية معينة عليه وبالتالي تصديره وتحقيق إيرادات من هذه العملة الصعبة، يقول طرطار.

رصيد مهم من الثروات المنجمية

وعلى ذات السياق، سار الخبير الاقتصادي، عبد الرحمان مساهل، حينما تحدث عن أهمية الموارد المنجمية ومساهمتها الدائمة والمهمة في اقتصاديات الدول منذ فجر التاريخ، واستخدامها في الصناعة بصفة عامة وفي الصناعات الحربية على وجه الخصوص، ثم تطوّر الحال، لتصبح قطاعا مستقلا قائمة بذاته خاصة بعد الثورة الصناعية في أوروبا، نظرا لحاجة المصانع الكبرى للمواد الأولية التي يستخدمها من أجل تحويلها إلى معدات صناعية، خاصة الحديد والفوسفات والكثير من المعادن الأخرى كالمعادن النفيسة، وبالتالي فهذا القطاع مهم للاقتصاد، خاصة بالنسبة للدول التي تمتلك رصيدا واحتياطات منجمية مهمة، يضيف مساهل.

وبعد أن أشار إلى أن الجزائر معروفة عالميا بأنها بلد نفطي بامتياز، وخاصة بالنسبة للغاز والبترول، اعتبر الدكتور في العلوم الاقتصادية ـ تخصص تسيير (مناجمنت) ـ أنها من بين الدول التي تمتلك رصيدا مهما من الثروات المنجمية، التي لم يتم استغلال أغلبها، نظرا لشُح الأرقام وصعوبة تحديد حجم الاحتياطي الوطني من الموارد المنجمية، خاصة بالنسبة للذهب واليوانيوم وبعض المواد الأخرى التي تحدثت بعض الدراسات عن وجودها بشكل مُلفت في جنوبنا الكبير، موضحا بالمناسبة، أن الاستثمار العمومي في هذا القطاع، من الاستثمارات الصعبة التي تتطلب أغلفة مالية معتبرة ومبالغ واستثمارات ضخمة جدا ومكلفة للغاية، وذلك لطبيعة التضاريس وشساعة المناطق الجنوبية ونقص الهياكل القاعدية للنقل وغيرها من الصعوبات، ما جعل الحكومة ـ في إطار تذليل صعوبات مشروع  غارا جبيلات للحديد ـ تتعاون مع الصينيين أو الأتراك لاستغلاله وتسيير مناجمه، كما أنها أعلنت عن مشاريع للنقل بالسكك الحديدية، والتي للأسف لم تستكمل إلى اليوم، على حد قوله.

الكرة في مرمى الحكومة  

وفي ذات السياق، تطرق الأكاديمي، في اتصال مع «الأيام نيوز»، إلى الصعوبة التي قد تصطدم بها الحكومة في إقناع الشركاء الأجانب من أجل الاستثمار في هذا القطاع وجلب التكنولوجيا والخبرة والأموال، ذلك أن المستثمر الأجنبي يهمه التسهيلات الممنوحة وتوفّر البنية القاعدية من طرق ومواصلات وموانئ وسكك حديدية ومطارات وتسهيلات جبائية وغيرها، لذلك، فإن الكرة اليوم هي في مرمى الحكومة، المطالبة بتسطير برنامج متوسط وطويل الأجل لتطوير هذا القطاع وجلب مستثمرين أجانب وفق معادلة رابح-رابح، إلا أن المتحدث ربط النجاح في تحويل القطاع إلى مصدر مُدّر للملايير، بفتح المجال وتسهيل جلب استثمارات أجنبية، بشكل يجعل من المناجم مساهما بشكل كبير في تدعيم الخزينة العمومية، شريطة اعتماد دفاتر شروط قوية تحفظ مصالح الجزائر، وفي ذات الوقت تعطي تطمينات وتشجع الاستثمار الأجنبي للعمل في هذا المجال.

وفي الأخير، خلص محدثنا بالإشارة إلى ثلاثية مهمة في هذا المجال، تتعلق برؤية الحكومة الرامية إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي وما يحتويه برنامجها من مساع لتخفيض الاستثمار العمومي والنفقات العمومية الاستثمارية إلى أدنى حدّ ممكن، وكذا غياب الخبرة والتكنولوجيا والموارد المالية الضخمة للمؤسسات والوكالات التي تعمل في القطاع، وثالثا توجّه الحكومة المُجسّد لتعليمات الرئيس، فيما يخصّ إشراك القطاع الخاص في إنجاز الاستثمارات، ولاسيما الكبرى منها والتي تحتاج لشركاء أجانب في الوقت الحالي، وفي ظل هذه الظروف والمعطيات.

وهيبة حمداني - الجزائر

وهيبة حمداني - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
سكيكدة.. إصابة 21 جريحًا في حادث مروري تونس.. شايب يجدّد التزام الحكومة بحماية أفراد الجالية قمة كمبالا.. الجزائر تشارك في رسم خارطة طريق زراعية جديدة الاقتصاد العالمي في 2025.. صندوق النقد الدولي يتوقع استقرار النمو وتراجع التضخم عام 2024.. تسجيل 14700 حالة إصابة مؤكدة بجدري القردة في إفريقيا الحرب على غزة.. 5 آلاف شهيد والإبادة الصهيونية مستمرة إرهاب الطرقات.. وفاة 64 شخصا وإصابة 2087 آخرين منذ بداية السنة أحوال الطقس.. ثلوج وأمطار على هذه الولايات بوركينا فاسو.. الجزائر تقدم مساعدات إنسانية مصدرها من المغرب.. توقيف 6 أشخاص وضبط قنطارين من الكيف بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة.. قوجيل يهنئ الجزائريين حملة التضليل والتشويه الفرنسي.. الخارجية الجزائرية ترد بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة.. الرئيس تبون يُهنئ الجزائريين تنصيب اللواء طاهر عياد قائدا للحرس الجمهوري بالنيابة "الفاف".. وليد صادي يعلن نيته الترشّح لعهدة أولمبيـة ثانية "لم يبق منها سوى فروة الرأس”.. انصهار وتبخر جثث الشهداء في غزة وسط الدمار.. الاستعانة بالسجناء لإطفاء الحرائق في لوس أنجلوس ارتفاع أسعار النفط بنحو 3%.. "برنت" يصل إلى 79,76 دولار للبرميل كيف أصبحت الجزائر "مكة الثوار" في إفريقيا والعالم؟ بمناسبة انتخابه رئيسا للبلاد.. رئيس الجمهورية يهنئ نظيره اللبناني جوزيف عون