لا شك أن مسألة استعانة الدول “بمجموعات عسكرية خاصة” تنوب عن الجيوش الوطنية في القتال، باتت سمة من سمات الصراعات العسكرية الحديثة، فقد أصبحت الدول الآن تستعين بجيوش خاصة، مؤسسوها ضباط متقاعدون لهم خبرة قتالية وتبقي على جنودها في المعسكرات. ومنذ بداية العملية العسكرية في أوكرانيا فيفري/شباط 2022، لعبت القوات الخاصة غير الخاضعة لسيطرة الجيش الروسي، وبخاصة مجموعات “فاغنر” دوراً رئيسياً في هذه العملية.
والأمر نفسه ينطبق على أوكرانيا أيضاً، إذ كان الرئيس فولوديمير زيلينسكي قد أعلن عن تشكيل “فيلق دولي” للدفاع عن أوكرانيا، وذلك بعد أيام ثلاثة من بدء العملية العسكرية الروسية، حين قال إن أوكرانيا ستنشئ فيلقاً “دولياً” أجنبياً للمتطوعين من الخارج. وبعد أشهر من الصراع، بدأت رحلة جديدة من المعارك في أوكرانيا، تُعلنها موسكو مع استبدال قوات مجموعة “فاغنر” بقوات شيشانية. فقد أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أول أمس الإثنين 12 جوان/يونيو الجاري، أنها وقعت عقداً مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية المعروفة باسم “كتيبة أحمد”.
من هي كتيبة أحمد الشيشانية؟
هي قوات شيشانية مكونة من 4 كتائب، سميت “قوات أحمد” تيمّنا بالزعيم الشيشاني أحمد قديروف، قوامها 10 آلاف ونفذت عدة هجمات في مدن أوكرانية، وتعد شبه تابعة للجيش الروسي رغم ضمها متطوعين من خارج الجيش.
التأسيس
في 26 يونيو/جوان 2022، أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف عن عزمه تشكيل 4 كتائب عسكرية شيشانية خاصة، كما أعلن تبعيتها لوزارة الدفاع الشيشانية. وهي 4 كتائب (أحمد شمال وأحمد جنوب وأحمد شرق وأحمد غرب)، وأضاف أن هذه الكتائب ستضمّ أعدادا هائلة من المقاتلين الشيشان حصرا، وسينضمون إلى صفوف قوات وزارة الدفاع الروسية.
ومنح الرئيس الشيشاني الكتائب الأربع اسم والده أحمد، وتعرف أيضا بقوات “أخمات” في رمزية خاصة له، ومحفزة للجنود الشيشان، لا سيما أن أحمد قديروف يعد زعيما وطنيا في الشيشان. ويرى الإعلام الأوكراني أن قوات أحمد الخاصة “مرعبة”، كونها القوات الوحيدة من خارج روسيا وأوكرانيا التي تشارك في الصراع مباشرة.
التكوين والأهداف
شُكّلت قوات أحمد الشيشانية الخاصة لمساندة روسيا في عمليتها العسكرية، وتتكون من 10 آلاف جندي، وتمثل جزءا من الجيش الشيشاني، كما يرأسها الجنرال آبتي علاء الدينوف. وتتسلح الكتائب بأحدث وأقوى الأسلحة الروسية، كما أشارت بعض الصحف إلى امتلاكها دبابات ومركبات روسية. وتحمل جميع مركبات قوات أحمد الشيشانية شعار حرف “Z” بالإنكليزية، وهو شعار دعم القوات الروسية في أوكرانيا.
المهام والطقوس
لكتائب “قوات أحمد” طقوس وتقاليد تحرص عليها قبل كل العمليات التي تقوم بها، ومنها أن يؤذن مؤذن بين العناصر، ويقيمون ما يسمونها “صلاة الفتح” ثم يدخلون المدن الأوكرانية “لتحريرها”. ومن طقوس “كتائب أحمد” أيضا التكبير، ويعد تقليدا ثابتا لديها، ولها أغنية خاصة بعنوان “أخمات سيلا”، تمجد كلماتها قوة مقاتلي “القوقاز”، وتثني على “الفرسان” وتفخر بتعاونهم وأخوتهم.
ما هدف “توقيع” روسيا مع القوات الخاصة؟
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الإثنين 12 يونيو/جوان، أنها وقعت عقداً مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية، المعروفة باسم “كتيبة أحمد”، وذلك بعد صدور أمر ينص على أنه يجب على جميع أعضاء ما تسمى “بوحدات المتطوعين” أن يوقّعوا عقوداً بحلول الأول من يوليو/جويلية 2023 بهدف إخضاعهم لسيطرة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
وبموجب التوقيع مع وزارة الدفاع الروسية، سيحصل المقاتلون المتطوعون على جميع المزايا والضمانات التي تحصل عليها القوات النظامية بما في ذلك تقديم الدعم لهم ولعائلاتهم إذا أُصيبوا أو قتلوا أثناء العمليات العسكرية في أوكرانيا، أو في أي مكان آخر بطبيعة الحال.
ووافقت “كتيبة أحمد” الشيشانية التابعة للرئيس الشيشاني رمضان قديروف على التوقيع مع وزارة الدفاع الروسية والانضواء تحت لواء الجيش الروسي رسمياً.
ما قصة “كتيبة أحمد” الشيشانية؟
يرى مراقبون، أن مسألة حلول القوات الشيشانية الخاصة محل مجموعات فاغنر الروسية في العملية العسكرية بأوكرانيا، لا تعدّ سراً أو تخمينات، حيث كان بريغوجين نفسه قد أعلن، يوم 7 ماي/أيار الماضي، عن استعداده لتسليم المواقع التي تسيطر عليها فاغنر في مدينة أرتيوموفسك في شرق أوكرانيا إلى قوات “كتيبة أحمد” الشيشانية، بعد أن قال قديروف إن قواته مستعدة لأخذ مكان قوات فاغنر في تلك المدينة الأوكرانية الواقعة تحت السيطرة الروسية.
محاولة اغتيال قائد الكتائب
ويذكر، أنه في 13 فيفري/شباط 2023، أعلن الرئيس الشيشاني عن محاولة تسميم تعرض لها مساعده وقائد قوات أحمد الخاصة علاء الدينوف. وكان ذلك بعد تلقي علاء الدينوف في الثامن من فيفري/شباط ظرفا فيه رسالة، اتضح فيما بعد أنها كانت مشبعة بمادة سامة. وفي مارس/آذار قال قائد قوات أحمد الخاصة إنه “لم يتعاف تماما بعد، لأن الأمر يستغرق وقتا طويلا”.
هجوم جديد في دونيتسك
وخلال يونيو/جوان الجاري، أعلن الرئيس الشيشاني عن استعداد قوات “كتيبة أحمد” لشن هجوم جديد في دونيتسك، وأضاف عبر قناته في تليغرام: “تم تعيين فوج تحت قيادتي، وفوجين آخرين، استعداداً لأعمال هجومية نشطة”، مؤكداً على كفاءة تلك القوات وقدرتها على أداء أي مهمة تكلف بها.
أما الجنرال علاء الدينوف، فقد أكد قائلاً: “إذا تم نقلنا إلى اتجاه دونيتسك، فأنا أضمن أن القوات الخاصة (أحمد) ستفعل كل شيء من أجل تحرير جمهورية دونيتسك الشعبية”.
رأي الخبراء
وفي هذا الموضوع، يقول الخبير العسكري العميد إلياس حنا، في تصريح صحفي، إن انتقال العمليات من مجموعات عسكرية لأخرى “خيار عسكري له شروطه وليس أمرا هيّنا”، في حين، يرى البروفيسور البريطاني، مايكل كلارك، أن “روسيا تسعى إلى الاستفادة من التصور السائد عن المقاتلين الشيشانيين بأنهم يضاهون الروس في الصلابة والشراسة”.