طعنةُ سانشيز في ظَهْر الصّحراء الغربيّة.. ثمن الانحراف!

بعد الموقف الجديد الّذي عبّرت عنه حكومة المملكة الإسبانيّة بقيادة بيدرو سانشيز، والّتي انحرفت فيه عن موقفها المتوازن حيال قضيّة الشعب الصحراويّ كآخر قضيّة تصفية استعمار في أفريقيا، تبرز سيناريوهات كثيرة للثّمن الذّي سيدفعه سانشيز لقاء هذا الطّيش السياسيّ.

في السّادس من شهر مارس/آذار الجاري، تلقّى الرّئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، مكالمة هاتفيّة من طرف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، أعرب فيها عن “شكره للرئيس الجزائري على استمرار الشراكة الموثوقة للجزائر في مجال الطاقة”.

وجاء في بيان للرّئاسة الجزائرية حينها أنّ الرّئيس تبون “تلقى مساء اليوم مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء الإسباني، السيد بيدرو سانشيز، أعرب له فيها عن شكره للجزائر كشريك موثوق في مجال الطاقة”.

وأضاف البيان أن سانشيز، عبّر عن “تطلعه إلى العمل على تطوير وتعزيز التعاون القائم بين البلدين”.

كما قدّم رئيس الوزراء الإسباني تعازيه لتبون إثر وفاة طالب جزائري في أوكرانيا.

بعد 12 يوما فقط من هذا “التودّد الإسبانيّ”، وفي الثامن عشر من مارس/آذار الجاري، يخرج رئيس الوزراء الإسبانيّ نفسُه بتصريح صادم ومفاجئ، سَحَبَ فيه موقف بلاده الداعم للشّرعيّة الدوليّة في قضيّة الصّحراء الغربيّة، وأعلن عن دعمه لوهم الحكم الذّاتي الّذي يقترحه النّظام المغربيّ.

وأعلنت الحكومة الإسبانية الجمعة عن ما أسمتها، “مرحلة جديدة في العلاقة مع المغرب”.

وجاء في بيان للحكومة الإسبانية “ندخل اليوم مرحلة جديدة في علاقتنا مع المغرب تقوم على الاحترام المتبادل، واحترام الاتفاقات، وغياب الإجراءات الأحادية، والشفافية والتواصل الدائم”.

يأتي هذا الإعلان بعد صدور بيان عن النّظام المخزنيّ، أشار فيه إلى رسالة وصلت من رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز اعتبر فيها الأخير أنّ “مبادرة “الحكم الذاتي المغربية المقترحة بمثابة الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف”.

ورغم أن الحكومة الإسبانيّة لم تتناول هذه الرسالة في بيانها والتي يمثل فحواها تغييرا جذريا في الموقف الإسباني، إلا أنها أكدت أن “هذه المرحلة ستتم في إطار خريطة طريق واضحة وطموحة كما هو مبين في بيانات الحكومة المغربية”.

كما أعلنت مدريد أنه من المقرّر أن يجري بيدرو سانشيز زيارة إلى المغرب، من دون أن تحدد موعدها، وأن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس سيزور الرباط “قبل نهاية الشهر الجاري” في إطار “تطبيع العلاقات بين البلدين”.

ابتزاز مغربيّ

لا يمكن الحكم أنّ الموقف الإسبانيّ الجديد حيال قضيّة الصّحراء الغربيّة، ناتج عن ممارسات ابتزازيّة مغربيّة، لكنّ انحراف مدريد يأتي في أعقاب أزمة عاصفة أثارها النّظام المخزني صيف العام الماضيّ، إذ فتح المعتقلات التي يسجن فيها آلاف المهاجرين غير الشرعييّن الأفارقة، ودفعهم نحو السواحل الإسبانيّة، كخطّة ابتزاز وضغط على استضافة مدريد للرّئيس الصحراوي للتطبّب في أحد مشافيها.

ودفع النّظام المغربيّ في مايو/أيّار من عام 2021 بأكثر من 8 آلاف مهاجر من إلى إسبانيا، واستدعت مدريد السفيرة المغربية لديها، معبّرة عن استيائها من وصول المهاجرين. واستدعى المغرب سفيرته “للتشاور” ولم تعد إلى الآن.

وأعلنت وزيرة الخارجية الإسبانية حينذاك أرانتشا غونزاليس لايا في تعقيبها على استدعاء السفيرة المغربيّة : “لقد ذكّرتها بأن مراقبة الحدود كانت ويجب أن تظلّ مسؤولية مشتركة بين إسبانيا والمغرب”.

وفي مواجهة خطورة الوضع، زار بعد ذلك رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز كلّا من سبتة ومليلية، على السّاحل المتوسطي.

وكان سانشيز قال سابقاً في مداخلة متلفزة من مدريد إن “أولويته” تكمن في “إعادة النظام إلى المدينة وحدودنا في أسرع وقت ممكن”. وتعهد أن تعتمد الحكومة “الحزم” من أجل “ضمان أمن” سكان سبتة.

 وأضاف أن “هذا التدفق المفاجىء للمهاجرين غير القانونيين يشكل أزمة خطيرة لإسبانيا ولأوروبا”.

وأثارت الخطوة الإبتزازيّة المغربيّة حينذاك، سخطا أوروبيّا أيضا، وعبرت بروكسل عن تضامنها مع إسبانيا ودعت النّظام المغربي، عبر المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون، إلى “منع العبور غير القانوني (للمهاجرين) وأن تتمّ إعادة الأشخاص الذين لا يحقّ لهم البقاء، بشكل منظّم وفعال. الحدود الإسبانية هي حدود أوروبا”.

ويقول ايساياس بارينادا، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كومبلوتنسي في مدريد، إن تدفق المهاجرين هذا “ليس من قبيل الصدفة” ويشكّل “رسالة من الرباط”، لأن آلاف الأشخاص “لا يدخلون هكذا بشكل عفوي” إلى سبتة.

ثمن الانحراف

ومع بداية عودة المياه “القذرة” إلى مجاريها بين مدريد و الرّباط، بعد النّقض الإسباني “المشين”، لحقّ الشّعب الصّحراويّ في تقرير مصيره، يستحضر مراقبون الثّمن الذي قد تدفعه حكومة سانشيز بعد هذا القرار.

وبعد استدعاء الجزائر لسفيرها من مدريد يوم السبت 19 مايو/أيّار الجاري، لـ”التّشاور” حول سبل الرّدّ على الخرجة الإسبانيّة، يبرز ملفّ الغاز بين العاصمتين، على اعتبار أنّ الجزائر تسيطر على نحو نصف واردات مدريد من الغاز.

ويربط الجزائر بإسبانيا خطُّ أنابيب غاز، تبلغ طاقته 13.5 مليار متر مكعب سنويا.

ولجأت الجزائر العام الماضي إلى الإستغناء عن خطّ الأنابيب المغاربي الأوروبي الذي يمر بأراضي المغرب في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بعد الأعمال العدائيّة التي شنّها النظام المخزنيّ، ضدّ الجزائر.

ولجأت الجزائر إلى خطّ  الأنابيب الثّاني” ميدغاز”، الرّابط مع اسبانيا، والّذي يمرّ تحت البحر، بطاقة ضخّ سنويّة تفوق ثمانية مليارات متر مكعب.

وتبرز أهميّة خطّ أنابيب ميدغاز في طاقته السنويّة التي تفوق ثمانية مليارات متر مكعب.

ومع نشوب الأزمة في أوكرانيا بكلّ انعكاساتها على سوق النفط والغاز، وتأثّر دول الإتحاد الأوروبيّ بتذبذات توريدات الغاز الرّوسيّ، وظهور انعكاسات سلبيّة لتوقّف ضخّ الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربيّة، حاول النّظام المغربي، المناورة مجدّدا، لضمان “تدفّق عكسي لخط الأنابيب الجزائري الثاني”، غير أنّ التحذيرات الجزائريّة لإسبانيا وأدت المخطّطات المخزنيّة.

“سانشيز..أنت قمامة”

ويأتي الإنحراف الإسبانيّ الخطير عن أبجديّات السياسة الخارجيّة التي دأبت مدريد على اتّباعها حيال القضيّة الصّحراويّة، في وقت تعيش فيه البلاد غليانا اجتماعيّا غير مسبوق، بسبب السّياسات “الخاطئة” لرئيس الوزراء الإسباني الحاليّ.

والسّبت، خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع إسبانيا تلبية لدعوة اليمين المعارض ، للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والوقود، التي تفاقمت مؤخّرا.

ونُظّمت تجمعات في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد بدعوة من حزب “فوكس” اليميني المتطرف، وسط استياء اجتماعي متزايد من التضخم الذي بلغ قرابة 8% في أعلى مستوياتها منذ 35 عاماً، ما يجعل أسر كثيرة تواجه صعوبات لدفع فواتيرها.

وتجمّع عدة آلاف أمام مبنى بلدية مدريد، ملوحين بالأعلام الإسبانية ورددوا شعارات تطالب باستقالة رئيس الوزراء الاشتركي بيدرو سانشيز ،وصرخوا “سانشيز، أنت قمامة، خفّض فواتيرنا”.

وقال زعيم حزب “فوكس” سانتياغو أباسكال وسط هتافات الحشود، “لدينا أسوأ حكومة، إنها ليست حكومة، إنها مصنع بؤس (…) ينهب ويبتز العمال من خلال الضرائب التعسفية، لن نغادر الشوارع حتى يتم اسقاط الحكومة غير الشرعية”.

وقالت المتظاهرة أنابيل (56 عاماً) التي لم تذكر اسم عائلتها، لوكالة فرانس برس إن هذه الحكومة “تأخذ منا كل شيء”.

وأضافت “يرفعون أسعار الكهرباء والغاز ويقولون إن ذلك بسبب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، لكن هذه كذبة. كان الأمر على هذا النحو من قبل”.

وفي شهر فبراير/شباط، بلغت نسبة التضخم 7,6 بالمئة على أساس سنوي، وهي الأعلى منذ 35 عاماً، كنتاج لسياسات سانشيز.

وفي العام الماضيّ، ارتفعت أسعار الطاقة بنسبة 72 بالمئة في إسبانيا، وهي واحدة من أعلى الزيادات في الاتحاد الأوروبي.

وبدأ سائقو الشاحنات الإسبانية قبل أسبوع، إضراباً لأجل غير مسمىّ بسبب ارتفاع أسعار الوقود، الذي تسبب بإغلاق طرق وخروج تظاهرات ما أدى إلى مشاكل في الإمدادات.

كذلك دفع ارتفاع الأسعار اتحاد العمال العام ونقابة اللجان العمالية، وهما أكبر نقابتين في إسبانيا، للدعوة إلى إضراب على مستوى البلاد في 23 آذار/مارس المقبل.

الطيّب عبد الجبّار

الطيّب عبد الجبّار

كاتب صحفي في موقع الأيام نيوز

اقرأ أيضا