بالتزامن مع ما يجري في الأراضي المحتلة بقدس وغزة الشرفاء التي كانت “وعدا” افتكته عائلته “اليهودية” من “بلفور” بريطاني، ليتحوّل ذلك العهد إلى لعنة تاريخية امتدّت تداعياتها وأثارها حتى يوم البؤس هذا، ووسط تحوّلات جوهرية مسّت البنية الذهنية للبشرية جراء “طوفان” أقصى أزاح الغشاوة من على أعين وعمى العالم، وعن عمر يناهز السابعة والثمانين من السيطرة على ما تحت الأرض من ثروات جارية، للتّحكم في مصير وأقدار ما فوقها من بشر وحجر وشجر، أعلنت عائلة روتشيلد عن هلاك و”نفوق” عجوزها اللورد “جاكوب روتشيلد”، وذلك بعد تسعين عاما من عُمّر رجل، كان هو العالم في قرنه الحالي، كما كانت عائلته ولا زالت رمزا لثروة الأرض وعنوانا لمسمى الحكومة العالمية الخفية التي تكتب أقدار العالم على مدار ثلاثة قرون من بداية “قرصنة” تاريخية، كانت نبوءة من منتصف القرن التاسع عشر، لعجوز ألمانية، هدّأت من روع حفيدها الذي كان يجالسها حول مدفئة شتاء، ليحدّثها مرتعبا من المستقبل القادم، وذلك على خلفية انتشار الحرب في أوروبا وخوف الفتى من تداعيات الصراع بين فرنسا وألمانيا، على عائلته، لتكون المفاجأة يومها، أن ابتسمت العجوز “مربّتة” على مخاوف حفيدها، بقولها: “لا تخف، لن تحدث الحرب إلا إذا سمح أولادي بذلك”. والنتيجة أنّ نبوءة العجوز لم تكن قراءة في فنجان حظ، ولكنها لحظة التأسيس لعائلة الجدة التي تحقّقت نبوءتها بعد عام من الحادثة، وذلك بعد أن سطع نجم أبنائها “ناثان ماير” و”جيمس ماير دي روتشيلد” وتحوّل إلى ثروة هي الحرب وهي لحظة التأسيس لعالم ما بعد الحرب..
خبر “نفوق” اللورد جاكوب روتشيلد، منذ أيام، ورغم أهميته العظمى، كونه يتعلّق بنهاية حاكم فعلي للعالم، أسّست عائلته إمبراطورية “خفية” على امتداد قرون من المؤامرات وصناعة حروب الثروة على مختلف جغرافياتها وأزمنتها وسلاطينها، إلا أنه، أي ذلك الخبر، مَرّ في صمت القبور، فالرجل الذي خلّف في مكتبة بيته “النسخة” الأصلية لوعد بلفور، كما كان يفاخر منتشيا في كل المحافل الدولية، أنّ ذلك الوعد كان أهم ما فعلته عائلته على امتداد “ثروتها” ووجودها بقوله: “عائلتي هي من أنشأت “إسرائيل”.. لقد كانت فكرة إنشاء وطن قومي لليهود هي الأعظم خلال آلاف السنوات”، ذلك الرجل اليهودي التأصيل والصهيوني المشروع، ومن سوء نهايته وخاتمته، أنه لم يرحل إلا بعد أن رأى مشروع عمره وعمر عائلته، ينهار ويتهاوى بفعل لحظة تاريخية فارقة تسمّى “طوفان أقصى”، جرف كما جَبّ كل ما قبله من مخططات ومن تهويد و”تجذير” لآل العجل ولوعد كان بلفورا فانتهى طوفانا، عنوانه، أنّ فلسطين، التي أهداها أجداده لشتات بلا امتداد ولا جذور، ستبقى “قبلة” وقدسا عربية الصلاة والصمود..
تاريخيا، فإنّ عائلة روتشيلد، التي فقدت عرّاب عصرها الحديث اللورد “جاكوب روتشيلد”، قبيل أيام، هي اليد الفعلية لحكومة العالم الخفية، حيث ارتبط وجودها التأسيسي بأنّها الثروة المتحركة والمضاعفة التي أينما كانت الأوبئة والمجاعات والثورات الاجتماعية والصراعات الطائفية وتقسيم الأوطان والدول العربية بالذات، كانت يد العائلة تجمع “الغنائم” لتكتنز لها من على ظهر الدماء ذهبا ونفطا وتوريطا للعالم في ديون طائلة، بلغت 1800 مليون تريليون دولار، حيث حتى الأجيال التي لم تولد بعد، وبذلك الرقم الفلكي، مدانة لآل روتشيلد ومنه آل السامري، ما بقيت للأجيال حياة، لكن المفارقة القدرية العجيبة في كل ما سبق، من معطيات، حول حكومة “الأشباح” المالية التي تدير وتتحكم في مصير شعوب العالم، عن طريق جيش من الحمقى والمهرجين تم وضعهم على رأس القرارات السياسية في جغرافيات تسمى اعتباطا دولا ذات سيادة، قلنا، المفارقة العجيبة فيما كان وما يجري اليوم، أنه قبيل رحيل صاحب التسعين عمرا من “التخطيط” والتمويل والدعم لحلم “إسرائيل الكبرى” من طرف المدعو اللورد “جاكوب روتشيلد”، صفعت عصا القدر كما عصا موسى، كلّ السحر الذي أعمى العالم عن حقيقة الأشياء، وحقيقة من يقف وراء بعبع “الصهيونية” والماسونية ومن ينفخ فيهما وجودا، لتعجّ الأرض التي ظنّت عائلة روتشيلد، أنها كلما امتلكت ما تحت بطنها من ثروات، امتلكت إنسانها، بوعي إنساني، أطاح بخرافة اليهود كما أطاح بأحلام الهيكل المزعوم، ومملكة من النهر إلى البحر..
أهم مؤشر، عن نهاية الخرافة، ليست فقط الصهيونية، ولكن، خرافة العائلة التاريخية الحاكمة للعالم، هو ما حرّره طوفان الأقصى من وعي عالمي وما كسره صمود غزة من قيود عبودية على المستوى الذهني، الذي تجاوز طوق تسيير الشعوب كقطعان غنم عن طريق ألجمة حكامها وسلاطينها وملوكها، لتكون الصورة والمشهد معا، نيران جندي في سلاح الطيران الأمريكي، حيث البيت الأبيض، هو “شمعدان” المحرقة الصهيونية، نيران، التهمت قبل “طيارها” الثائر على حُكم المعبد، كل الخرافة الإسرائيلية ومعها أمريكا، ومختزل الحكاية التي لا زالت تصنع الحدث في عالم، ظنّته نبوءة “الجدة” روتشيلد في منتصف القرن التاسع عشر، أنّه تمت إخاطته وإخاطة حروبه على مقاس ثروة عائلتها، قلنا مختزل تلك الحكاية التي أشعل نيرانها طوفان غزة وأقصاها، أنّ جنديا في مقتبل العمر بسلاح الطيران الأمريكي يدعى “آرون بوشنل”، استجمع كل ما فيه من قوة احتجاج ورفض للأقدار التي سطّرتها أيادي المعبد العالمي، ليختار موقع السفارة الإسرائيلية بواشنطن، ويضرم النار في جسده، احتجاجا على موقف البيت الأبيض من الإبادة الجماعية، والمشهد برغم مأسويته وحزنه، إلا أنه كان صورة عن “تحرّر” الإنسان الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام من سلطة الأمر الواقع وسلطة الخرافة الصهيونية وسلطة عائلة روتشيلد وحكومتها العالمية الخفية..
تحرّر الجندي “آرون بوشنل” والذي يعتبر استنساخا لنيران بوعزيزي تونس في ثورة رغيف و”قهر” سابقة، كان عنوانه أكبر من الرغيف الذي يتحكم في مصير شعوب العالم، ولكنه ثورة مبادئ وقيم عنوانها صرخة فتى مخترق: “أنا لن أكون مشاركا في الإبادة الجماعية. سأقوم بعملٍ احتجاجي متطرف، لكنه ليس متطرفا أبدا مقارنة بما يواجهه الفلسطينيون على أيدي مستعمريهم والذي تريد النخبة الحاكمة أن يكون طبيعيا”، والرسالة التي أوصلها “آرون” بعد احتراقه، أنّ رماد جثته، لحظة تاريخية فارقة، لم تطح فقط بأمريكا وتحرق مزاعمها وتوجهاتها، ولكنها أطاحت بمنظومة حُكم عالمية من خلال حكومة “خفية”، رسّخت في العقل الجمعي، أنّ الانتحار غالبا ما يكون سببه الرغيف والجوع واليأس، وأنّ جغرافيته بالضرورة عربية، فإذ بابن الثلاثة والعشرين من نخبة الجيش الأمريكي الذي تقصف بوارجه غزة، يرسّخ في العالم، أنه إذا كانت المحرقة في غزة إجراما صهيونيا، فإنّ احتراقه مبدأ وموقف سجّله التاريخ عن نهاية تنويم وتخدير الشعوب..
الغريب كنهاية وخاتمة قول، أنه في الوقت الذي باع فيه الجندي “آرون بوشنل” روحه وقدّمها كقربان للمبادئ والمواقف، وهو الذي لا علاقة له بالإسلام ولا بالدين، فإنه في الضفة الأخرى للنفاق والارتزاق، أصدر شيخ سعودي بصفة عالم دين، وهو المسمى “عبد الرحمان السديس”، تحذيرا أو فتوى، بعدم جواز رفع راية “فلسطين” في البقاع المقدّسة، إذعانا لأمر دين “بن سلمان”، ولنا أن نتصوّر النقيض بين شاب أمريكي باع دنياه لأجل مبادئه، وبين شيخ سلطان، باع “دينه” لأجل ولي أمره وخمره، والمهم، كملخص شامل لما قيل وورد سابقا، أنه كما طينة السديس، بضاعة اخترعتها منظومة “روتشيلد” للسيطرة على أذهان الشعوب العربية عن طريق أفيون “دين” الحكام، فإنه في أمريكا ذاتها، أعلن إنسانها أنّ التحرّر من قيود العبودية على مختلف أنواعها المادية والإعلامية والسياسية، مسألة مبدأ، حمله “جيل” عنوانه القادم “آرون بوشنل”، فأمريكا بايدن وأمريكا روتشيلد وأمريكا ترامب، انتهى زمنهم، والقادم بوعزيزي أمريكا يحرق نفسه ومعه كل الشعوذة الماسونية، والسبب ليس رغيفا ولكن مبدأ عنوانه، أنّ أمريكا إما أن تتغيّر أو “تختفي”.