تتطلع الجزائر وبجدية تامة إلى استعادة ريادتها القارية وتطوير شراكاتها الاقتصادية وترقيتها إلى مستوى علاقاتها السياسية والدبلوماسية الجيّدة التي تربطها بمختلف بلدان القارة السمراء، ومن ثَمَ قطع الطريق أمام أولئك الراغبين في الاستحواذ على السوق الإفريقية للحصول على مواردها وكنوزها الطبيعية دون وجه حق.
وتحرص القيادة العليا في البلاد على إيلاء أهمية قصوى لتجسيد هذا المسعى في أقرب الآجال من خلال جملة الإجراءات والقرارات التي تم تبنيها في هذا الإطار، والتي كان آخرها ما أمر به الرئيس عبد المجيد تبون، خلال افتتاحه الطبعة الأولى لـ«الوسام الشرفي للتصدير» بالعاصمة، حين أمر بفتح خطوط جوية جديدة مع كل العواصم الإفريقية.
وفي هذا الشأن، يؤكد متابعون أن هذا القرار الاستراتيجي يأتي في إطار رؤية طموحة تهدف إلى تعزيز مكانة البلاد في الساحة الدولية ودعم التكامل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة الإفريقية، باعتباره خطوة جريئة ومحسوبة ستسهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الروابط الاقتصادية بين الجزائر وباقي دول القارة، كما ستمكن هذه الخطوط، مستقبلا من استغلال الموقع الجغرافي للجزائر الذي يعد بوابة للقارة وهمزة وصل بين العديد من البلدان التي ترغب في التصدير باتجاه إفريقيا مرورا بالجزائر.
دحض قوى الجشع في المنطقة
يرى المحلّل السياسي والخبير في القانون الدولي إسماعيل خلف الله، أن فتح خطوط جوية جديدة مع كل العواصم الإفريقية، سيكون بمثابة الشريان الحقيقي الذي سيلعب دورا محوريا وبارزا في تعميق العلاقات والشراكات التي تربط الجزائر بمختلف دول القارة السمراء، كما أنه يعدّ أرضية صلبة لنجاح الانفتاح الاقتصادي الذي تسعى إليه الجزائر ضمن محيطيها الإفريقي.
وأوضح الدكتور خلف الله في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن تجسيد هذا القرار وترجمته على أرض الواقع سيعطي بعدا استراتيجيا هاما للجزائر، وسيمكّنها من دحض قوى الجشع وعدم ترك أي ثغرة أمام الجهات المعادية للجزائر التي تراهن أساسا على إيلاء أهمية قصوى للبعد الإفريقي والاستثمار داخل مجموعاته، فقد كان رئيس الجمهورية كان قد قرر في وقت سابق تخصيص ما قيمته مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية في إفريقيا، خاصة تلك التي تكتسي طابعا اندماجيا أو تلك التي من شأنها الدفع بعجلة التنمية في القارة.
وأردف الرئيس قائلا: “إن تجسيد هذا المسعى الذي ترمي إليه بلادنا لن يتحقق إلا من خلال العمل بجدية تامة على تعزيز قطاع وتطوير وسائل النقل التي تربط الجزائر بإفريقيا، وبشكل خاص تلك المرتبطة بالخطوط الجوية باعتبارها واحدة من أهم وسائل تطوير العلاقات الاقتصادية بين مختلف دول ومناطق العالم”.
في السياق ذاته، أشار الدكتور خلف الله، إلى أن هذا القرار سيجعل الجزائر معبرا دوليا حقيقيا لكل العواصم الإفريقية، من خلال لعب دور الوساطة بين مختلف دول القارة وعدة دول أخرى، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية للشريك الصيني عندما قال إن “الجزائر اليوم بإمكانها أن تكون وسيطا قويا وموثوقا به لبناء شراكة صينية إفريقية واعدة مستقبلا”.
وفي ختام حديثه لـ«الأيام نيوز»، أبرز المحلّل السياسي والخبير في القانون الدولي «إسماعيل خلف الله»، أن هذا الإجراء يخدم كذلك التوجهات الجزائرية الرامية إلى دعم القضايا العادلة في العالم ودعم الشعوب المضطهدة والمحتلة على غرار الشعبين الفلسطيني والصحراوي، ومن ثم المساهمة وبشكل فعلي في تعزيز مكانة الدبلوماسية الجزائرية، فحضور هذه الخطوط الجوية الجديدة التي تربط الجزائر بالعواصم الإفريقية يخدم وبقوة ويسهل العمل الدبلوماسي لبلادنا ويعطيها ذلك الزخم والميزة التي تميزها على المستوى القاري، المتوسطي وحتى على المستوى الدولي.
فتح فرص استثمارية جديدة مستقبلا
من جهته، يؤكد الخبير والمستشار الاقتصادي محفوظ كاوبي، أن هذا القرار يأتي في إطار الرفع من القدرات اللوجستية التي تتمتع بها بلادنا، باعتبار أن النقل من بين أهم الدعائم الأساسية للوجستيك في اقتصاد أي دولة، فمن خلال فتح خطوط جوية جديدة مع مختلف العواصم الإفريقية، ستتمكن الجزائر من توسيع نطاق تصدير منتجاتها وزيادة وتيرة التبادل التجاري مع دول القارة السمراء، وفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة مستقبلا.
وأوضح كاوبي في تصريح لـ«الأيام نيوز»، أن فتح خطوط جوية جديدة مع كل العواصم الإفريقية سيشكل دعامة قوية لسلسلة التصدير في بلادنا، مما سيساعد على تعزيز القطاعات الاقتصادية المختلفة وتحفيز النمو الاقتصادي، علاوة على ذلك، ستسهم هذه الخطوط الجوية الجديدة في زيادة حركة الأشخاص، كما ستؤثر بشكل إيجابي على حركة رؤوس الأموال والبضائع بين الجزائر ومختلف الدول الإفريقية.
في السياق ذاته، أبرز الخبير في الاقتصاد، أن تجسيد هذا القرار على أرض الواقع سيمثل نقطة تحول استراتيجية في تعزيز التعاون الاقتصادي وبشكل فعلي مع دول القارة الأفريقية، كما سيكون بداية جديدة لمستقبل أفضل لبلادنا وإحدى الخطوات الرائدة نحو تحقيق التنمية والازدهار وترقية الاقتصاد الوطني إلى مصاف أقوى اقتصادات العالم.
هذا، وفي تصريح صحفي سابق، أكد الناطق الرسمي لشركة الخطوط الجوية الجزائرية أمين أندلسي، أن فتح خطوط جوية باتجاه مختلف العواصم الإفريقية جاء استجابة لتعليمات رئيس الجمهورية الذي يولي أهمية كبيرة للتفتح على بلدان القارة لتطوير العلاقات الاقتصادية والعمل على ترقيتها إلى مستوى العلاقات السياسية التي تربط الجزائر بهذه الدول، وذلك من خلال تسهيل حركة تنقّل الأشخاص والبضائع، وتسهيل الاستثمارات وتمكين رجال الأعمال الجزائريين والأفارقة من التنقل بسهولة ويحفزهم على إقامة علاقات شراكة ومشاريع استثمار.
وأشار المتحدث إلى أن هذه الخطوط ستخدم المستثمرين الجزائريين الذين يمكنهم تسويق وتصدير منتجاتهم في مختلف المدن الإفريقية، عن طريق البرنامج الثري والجديد الذي اعتمدته الخطوط الجوية الجزائرية لربط الجزائر بعواصم دول إفريقية، مبرزا في السياق ذاته أن مطار الجزائر سيكون منطقة عبور كبرى من مختلف الدول الإفريقية نحو أوروبا ومن هذه الأخيرة نحو مختلف العواصم الإفريقية، وهذا ما سيجعل المتعاملين الجزائريين، أمام فرصة ثمينة لاكتشاف أسواق إفريقية جديدة والترويج لمنتجاتهم من خلال فرع الشحن التابع للجوية الجزائرية.
