عبر مخطّط استراتيجي يمتد إلى 5 أعوام.. خطوات ثابتة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب

تتطلّع الحكومة الجزائرية إلى رفع إنتاج الحبوب بغية تلبية الطلب الوطني عليها وتقليص فاتورة الاستيراد التي أثقلت كاهل الخزينة العمومية، مع التوجه إلى التصدير، عبر مخطّط استراتيجي يمتد إلى خمسة أعوام، ويهدف إلى رفع مردودية الإنتاج السنوي لهذه المادة الاستراتيجية، بتسخير المزيد من الإمكانات والاعتماد على التقنيات الحديثة، والتركيز على نوعية البذور لتحقيق الأمن الغذائي.

ولتوفير كل الظروف الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي في الحبوب، سطرت الحكومة مخططا استراتيجيا لتطوير إنتاجها في البلاد للفترة من أكتوبر 2023 إلى جوان 2028، أشرفت على إعداده لجنة متعدّدة القطاعات، تضم باحثين وخبراء ومسؤولين يمثلون قطاعات الفلاحة والتعليم العالي والبحث العلمي والصناعة والطاقة والري والنقل، للوقوف على أسباب عدم استقرار إنتاج الحبوب خصوصا القمح اللين ووضع الحلول، لاسيما أمام الإمكانات التي تملكها البلاد لكنها غير مستغلة.

وفي هذا الصدد، أكد مدير المدرسة الوطنية العليا للفلاحة، ورئيس لجنة التفكير لتطوير إنتاج الحبوب، البروفيسور طارق حرطاني، على “إمكانية تحقيق الجزائر للاكتفاء الذاتي تدريجيا في مجال شعبة الحبوب، إذا تضافرت جهود جميع المتدخلين في القطاع”.

وأفاد البروفيسور طارق حرطاني، في تصريح لـ«الإذاعة الجزائرية»، أن “الجزائر مصنفة الأولى إفريقيا في الغذاء ولكن، تسجل في بعض الأحيان عمليات تذبذب في الحبوب وتعود في مجملها إلى التغيرات المناخية ومنها الجفاف وكذا إلى عوامل جيوسياسية ظرفية، في إشارة منه إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا”.

وأشار المتحدث إلى أن “حاجيات الجزائر سنويا من الحبوب تقدر بـ9 ملاين طن في حين لا ننتج حاليا أكثر من 3 ملايين وهو ما يتطلب إيلاء عناية قصوى لهذه الشعبة بصفة مستمرة لتقليص العجز المسجل عبر إشراك لجان للمتابعة والقيادة على المستوى المحلي تسهر على تطبيق التوصيات”.

خطوات عملية للتدارك

ومن أجل رفع مردودية إنتاج القمح في الهكتار تمت الدعوة في ذات المخطط إلى “وضع سياسة النوعية في إنتاج القمح اعتبارا من السنة القادمة لتشجيع الممارسات الجيدة في شعبة الحبوب”، كما تضمن المخطط الاستراتيجي الدعوة إلى إطلاق “مشروع وطني قصد تحويل الأراضي البور التي تضم نحو 2.5 مليون هكتار على مدى عشرة أعوام إلى إنتاج محاصيل أخرى على غرار البقوليات مع تخصيص مساحات للمحاصيل الصناعية”.

وفي السياق، أبرز رئيس لجنة التفكير لتطوير إنتاج الحبوب، البروفيسور طارق حرطاني، أن “المخطط الخماسي 2023-2027 في مجال تنمية شعبة الحبوب يستهدف إنتاج ما يقارب من 7 إلى 8 ملايين طن من القمح بنوعيه الصلب واللين”، وحسبه فإن “هذه الاستراتيجية تقوم على ضرورة العمل بنتائج البحوث والدراسات التقنية المنجزة في الجزائر والخاصة بالتربة والمناخ لتحديد المناطق المثلى لزراعة القمح الصلب واللين والشعير والشوفان مع مراعاة نوعية البذور”.

وبالمقابل، أكد المتحدث على ضرورة “منع زراعة القمح الصلب في مناطق القمح اللين والشعير ومنع زراعة القمح اللين والشعير بالمناطق المخصصة للأشجار المثمرة والمراعي”، داعيا إلى “اتخاذ كافة الإجراءات لوقف تدهور التربة في شمال الوطن حيث تسود زراعة الحبوب”.

ومن بين التوصيات التي شدد عليها حرطاني لتطوير شعبة الحبوب من الناحية التقنية “تعميم تربية المواشي تدريجيا على مستوى الأراضي المخصصة لزراعة الحبوب في شمال وجنوب الوطن وهو ما يسمح بتحسين خصوبة التربة”، داعيا إلى “تحويل إحدى المزارع النموذجية إلى مركز بحوث وطني خاص بالزراعة المطرية يكون تحت وصاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبالتعاون مع إحدى الدول ذات الخبرة في مجال الحبوب”.

تحسين قدرات التخزين

ومع عدم قدرتها على إنتاج الكميات المطلوبة من مادتي القمح والحبوب، تعاني الجزائر في كل موسم من مشكل في إدارة إنتاج المحاصيل وتخزينها بالنظر إلى الضعف المسجل في البنية التحتية للتخزين، وبهذا الخصوص أفاد القيادي بالجمعية الوطنية للتجار والحرفيين، محمد مشدان بأن “أغلب مخازن الحبوب هي مخازن قديمة، وذات سعات تخزين ضعيفة”.

وحسبه فإن “المخازن الجديدة التي بادرت الدولة الجزائرية إلى بنائها مطلع الثمانينات، غير كافية، كونها بنيت في مناطق معينة لتخزين الحبوب المستوردة كون الجزائر من أكبر الدول المستوردة للقمح، وأخرى بنيت في المناطق الشمالية لأن أغلب الأراضي الزراعية الخصبة في شمال البلاد، باعتبار الفلاحة الصحراوية حديثة النشأة”.

وبالمقابل، أشار محمد مشدان في تصريح لـ«الأيام نيوز» إلى “الجهود المعتبرة المبذولة من أجل تحسين مردودية الإنتاج للهكتار الواحد، حيث يتراوح المعدل من 30 إلى 50 قنطار في الهكتار الواحد، حسب نوعية التربة ونسبة السقي ونوعية البذور المزروعة، مع الاعتماد على مهندسين وخبراء بالمعاهد الجزائرية المختصة في هذا المجال والزراعة الحديثة بمكننة القطاع واستعمال وسائل تكنولوجية حديثة وحفر آبار ارتوازية للري المحوري في مناطق التي تعاني من نقص في الأمطار مع مراقبة دورية المحاصيل عن بعد باستعمال طائرات الدرون”.

وفي السياق ذاته، دعا الخبير الفلاحي، لعلى بوخالفة، في تصريح لـ«الأيام نيوز»، إلى “إعطاء أهمية قصوى لسياسة التخزين، بإنشاء مراكز جديدة للتخزين تكون قريبة من الولايات والحقول المنتجة للقمح والحبوب، على غرار مناطق الهضاب العليا على غرار ولايات: سطيف وقالمة وقسنطينة، ومنطقة الرهوية بولاية تيارت، لتفادي الطوابير الطويلة للمزارعين أمام مراكز التخزين”.

أشار لعلى بوخالفة إلى أن “العجز في وسائل التخزين يعرض المنتجات الزراعية للإتلاف، بسبب عوامل الرطوبة، والفيضانات، ومختلف الحشرات”، مطالبا بضرورة “إنشاء صوامع لتخزين منتوجات القمح والحبوب، لأن الموجود حاليا لا يلبي أكثر من 40 بالمائة من المخزون المتاح”.

رفع مردودية الإنتاج

ومن جهته، أكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، كمال بداري، أن “المخطط يرمي أساسا إلى تحسين الإنتاج والمردودية في شعبة الحبوب وتطوير جودة البذور، وأوضح الوزير أن “الوثيقة تستهدف كذلك تنظيم الشعبة وتطوير التقنيات الفلاحية المستخدمة في الإنتاج وتطوير البحث العلمي”، مضيفا أن “هناك لجنة لضمان تجسيد ومتابعة المخطط الرامي لبلوغ الاكتفاء الذاتي تماشيا مع توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ومخطط عمل الحكومة”.

إلى جانب ذلك، أكد وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحفيظ هني أن “شعبة الحبوب تعد من مقومات القطاع الفلاحي في الجزائر والذي يعد هو الآخر أحد ركائز التنمية الاقتصادية الشاملة للبلاد في إطار المخطط الوطني للتنمية الفلاحية في أفق 2030″، وفي استعراضه لأولويات القطاع أوضح هني بأن “الأمر يتعلق بتوفير المناخ الأمثل للوصول إلى فلاحة عصرية وتنافسية وذات نجاعة كفيلة بالمساهمة في تنويع الاقتصاد وتعزيز أسس الأمن الغذائي المستدام للبلاد”.

كما أفاد أنه في إطار رفع المساحة المخصصة للحبوب فقد تم تسطير هدف بلوغ 1 مليون هكتار كمساحات مسقية في الجنوب الكبير في إطار الاستثمار عن طريق الامتياز في آفاق 2025 مشيرا إلى تسجيل تسارع في وتيرة توزيع العقار حيث تم منح محفظة عقارية قدرها 460 الف هكتار لفائدة المستثمرين.

ومن جهته، أبرز رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال إشرافه على أشغال اجتماع الحكومة بالولاة الأخير، أن “الجزائر تتوفر على كافة الإمكانات والوسائل لتصل إلى إنتاج 9 ملايين طن من الحبوب سنويا، وهو ما يوازي الكميات التي تستهلكها”، وشدد على أنه من “غير المعقول أن يبقى معدل مردودية إنتاج الحبوب في الجزائر في حدود 20 قنطار في الهكتار”، داعيا إلى “زيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة، والتركيز على نوعية البذور”.

منير بن دادي

منير بن دادي

اقرأ أيضا