في إطار الجهود المستمرة لتعزيز رؤية الجزائر في مجال الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة، قام وزير الفلاحة والتنمية الريفية، يوسف شرفة، بعرض استراتيجية الدولة خلال منتدى الزراعة لمجموعة السبعة الذي انعقد في مدينة سيراكوز بإيطاليا. وتركّز هذه الاستراتيجية على تبني مقاربة تشاركية متعددة القطاعات تهدف إلى تحقيق الأهداف التنموية المحددة في أجندات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي. وتشمل الخطوط العريضة لهذه الاستراتيجية المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية، الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج وتلبية الاحتياجات الوطنية، مع تقليل الواردات وتعزيز الصادرات.
ويعكس البرنامج الطموح الذي تتبناه الجزائر التزامها بدعم الفلاحين وتوفير الموارد اللازمة لهم، بما في ذلك القروض الميسرة والعقار والموارد المائية. كما تسعى الجزائر إلى تعزيز استثماراتها الزراعية من خلال استصلاح الأراضي الجنوبية وإنشاء أقطاب متكاملة لإنتاج المحاصيل الاستراتيجية.
وعلاوة على ذلك، تتضمن الاستراتيجية أيضاً تحسين التكنولوجيا الزراعية، مثل الزراعة الدقيقة، التي تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المتعلقة بالمحاصيل والتربة والطقس. تبرز هذه التطورات كوسيلة لتعزيز الإنتاجية وتقليل المخاطر المرتبطة بالزراعة، وهو ما يشكل خطوة هامة نحو تحقيق الأمن الغذائي المستدام في الجزائر وعلى مستوى القارة الإفريقية.
وأبرز وزير الفلاحة والتنمية الريفية، يوسف شرفة، في مدينة سيراكوز (إيطاليا)، خلال مشاركته في منتدى الزراعة لمجموعة السبعة، الخطوط العريضة لاستراتيجية الجزائر لضمان أمنها الغذائي بشكل مستدام.
وفي كلمة ألقاها خلال فعاليات هذا المنتدى الذي جمع وزراء الزراعة في مجموعة السبعة ونظرائهم من الدول الإفريقية يوم الخميس، أوضح شرفة أن الجزائر اعتمدت “مقاربة تشاركية متعددة القطاعات” لتعزيز الأمن الغذائي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار أجندة الأمم المتحدة 2030 وأجندة 2063 للاتحاد الإفريقي.
وتتضمن استراتيجية الجزائر لتعزيز أمنها الغذائي تجسيد المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية (الحبوب، البقول، البذور الزيتية، ومحاصيل السكر والحليب)، بهدف زيادة الإنتاج والإنتاجية وتلبية الاحتياجات الوطنية، مع تقليص الواردات ورفع نسبة مساهمة القطاع الفلاحي في الصادرات خارج المحروقات. كما تشمل الاستراتيجية تجسيد المخطط الوطني لتعزيز قدرات تخزين الحبوب، وفقًا للوزير.
ولفت شرفة، في هذا السياق، إلى أن تغطية الاحتياجات الغذائية عن طريق الإنتاج الوطني بنسبة 75 بالمائة تمثل ثمرة الجهود التي تبذلها السلطات العمومية لدعم الفلاحين، من خلال القروض الميسرة، وتوفير العقار والموارد المائية، ومنح دعم الإنتاج، والتخزين، وجمع المحاصيل، والتحويل.
كما أبرز الوزير السياسة الطموحة للجزائر لترقية الاستثمار الفلاحي المحلي والأجنبي، عبر استصلاح مئات الآلاف من الهكتارات في الولايات الجنوبية بهدف إنشاء أقطاب متكاملة متخصصة في إنتاج المنتجات الاستراتيجية ذات الاستهلاك الواسع، “مع ضمان الاستخدام الرشيد لموارد التربة والمياه”.
وبعد أن ذكر بأهمية قانون الاستثمار الجديد الذي صدر سنة 2022 والذي يكرس مبدأ رابح-رابح، أشار شرفة إلى مجموعة من المشاريع المجسدة من قبل متعاملين وطنيين وأجانب، مسلطًا الضوء على الشراكة مع الشركة القطرية “بلدنا” لإنشاء قطب متكامل لإنتاج مسحوق الحليب، والشراكة مع المجمع الإيطالي “بي إف” لإنشاء قطب لإنتاج الحبوب (القمح الصلب) والبقوليات.
وتشمل استراتيجية تنمية القطاع الفلاحي في الجزائر أيضًا برنامجًا لتشجيع الزراعة العائلية التي تتميز بالتنوع البيولوجي وخبرة الفلاحين والمربين والنساء الريفيات، لاسيما من خلال التثمين عن طريق علامات الجودة مثل علامة البيانات الجغرافية (IG) وعلامة المنشأ (AO) وعلامة الجودة الزراعية. كما لفت الوزير إلى البرامج التنموية المندرجة في إطار التكيف مع تغير المناخ ومكافحة التصحر والانجراف.
وفي سياق متصل، أكد شرفة أهمية احتياجات أفريقيا من حيث الاستثمار في البنى التحتية (الطرقات، السكك الحديدية، الصوامع، منشآت التبريد، إنتاج الأسمدة وغيرها) لتحسين أداء النظم الزراعية وضمان استدامتها، وتعزيز قدرتها على التكيف مع التغيرات العالمية. وأضاف أن “الجزائر، بحكم موقعها الاستراتيجي، تفتخر برؤيتها الإفريقية في تشجيع وتعزيز التعاون بين دول القارة لضمان الأمن الغذائي في جميع أنحاء القارة.”
وتشهد الجزائر قفزة عالية في مجال الزراعة، ففي الوقت الذي تتوقع فيه الدراسات أن تسمح الزراعة القائمة على الذكاء الاصطناعي بتوفير نحو 30 بالمائة من استهلاك المياه عالميًا، مع زيادة المحاصيل الزراعية بنسبة 25 بالمائة، تسعى الجزائر إلى تعزيز أمنها الغذائي ورفع مردودية إنتاجها الفلاحي، في ظل وجود آفاق واعدة وتجارب مشجعة في مجال الزراعة الدقيقة.
وتقوم الزراعة الدقيقة على جمع بيانات مفصلة عن المحاصيل والتربة والطقس والظروف البيئية الأخرى، ثم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات بهدف اتخاذ القرارات المناسبة بشكل آلي أو بتدخل بشري.
ويكشف الخبير في الاقتصاد الزراعي والمكون في الذكاء الاصطناعي لفائدة المهندسين الفلاحيين، براهم لكفل، في تصريح للصحافة، عن “وجود تجارب ناجحة في إطار الزراعة الدقيقة القائمة على الذكاء الاصطناعي في مجال البستنة بالجزائر، يجب تعميمها”، وهي التجارب التي مكنت من “مضاعفة مردود إنتاج بعض الخضروات من 4 إلى 5 مرات”.
وأشار الخبير إلى أهمية اللجوء إلى الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بأمراض النباتات، قائلاً: “عندما تتوفر معطيات معينة، كالرطوبة والحرارة، يصبح تعرض النبات لبعض الأمراض أشبه بالحتمية، وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل هذه المعطيات للإنذار بها بغية اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفاديها”.
ويعد السقي الذكي عن بُعد أيضًا من المجالات المفيدة وسهلة التنفيذ نسبيًا، حيث يتعرف البرنامج الذكي على درجة حرارة التربة ليرسل إشعارًا إلى تطبيق هاتفي عن بُعد، يطلع عليه المزارع ليقرر إطلاق عملية السقي من عدمه، من أي مكان كان في العالم، مهما كانت المسافة، كما يضيف لكفل.
ومن التجارب الواعدة في مجال الزراعة الدقيقة، ما يقوم به ناصر بوزياني ومراد بوزيت، باحثان جزائريان في علم الروبوت والفيزياء مقيمان بالخارج، من خلال مشروع “سقاي” (Sakai)، المتمثل في روبوتات ذاتية القيادة، تعمل بالطاقة الشمسية، وتستخدم في الري والتسميد العميق للجذور بشكل آلي يكاد لا يحتاج إلى تدخل بشري، مما يوفر الماء والسماد بالقدر الكافي وفي الوقت المناسب لكل نبتة على حدا.
وتتمتع هذه الآلات بمستشعرات دقيقة يمكنها التعرف على رطوبة التربة وصحة الأشجار واكتشاف علامات النباتات المريضة، كما تدار بنظام تشغيل ومتابعة بالذكاء الاصطناعي، يوفر لها المعلومات اللازمة باستمرار، ويعرض للمزارع كل تفاصيل التربة والنباتات لديه، وفقًا لما أوضحه بوزيت.
هذا المشروع المبتكر، يضيف الباحث، “أثار إعجاب وكالة ناسا وبعض مراكز البحث الصينية التي عرضت المساهمة في تطويره، حيث يوجد حاليًا في مرحلة البحث والتطوير”.
ويرى الباحثان أن تبني نظام مثل “سقاي” بدلاً من الري التقطيري والتسميد السطحي، من شأنه خفض نسبة الموت المبكر للأشجار من 45 بالمائة إلى 15 بالمائة. وفضلاً عن كون التسميد العميق صديقًا للبيئة، فإنه أيضًا موفّر للمياه. ويمكن للروبوت الواحد ري وتسميد قرابة 120 هكتارًا، حسب كثافة الأشجار وموقع مصدر المياه، وفقًا للشروحات التي قدمها المبتكران.
ولا تقتصر الزراعة الدقيقة على الري والتسميد ومكافحة أمراض النباتات فحسب، بل تتجاوز ذلك إلى بناء نظم زراعية كاملة، يمكن من خلالها متابعة كل مراحل العملية الزراعية، بدءًا من الحرث وحتى الحصاد.
ومن المشاريع الواعدة في هذا الصدد، تبرز المزارع الحديثة التي يتأهب مجمع “سواكري” لإطلاقها قريبًا في الجزائر، حيث دأب، رفقة شريك تركي، على إنشاء نظام “أتمتة” (automatisation) شامل مزود بالذكاء الاصطناعي، يتحكم في كل خطوات إنتاج الطماطم الكرزية الموجهة للتصدير، بهدف التحكم في مردود المزارع وجودة المنتج، حسب ما أفاد به مسؤول المشاريع لدى المجمع، مراد فاسي، في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية. وأضاف فاسي أن النظام المعتمد على الذكاء الاصطناعي يتدخل في إدارة المحاصيل، حيث تتطلب الزراعة قدرًا كبيرًا من الدقة لضمان رفع الإنتاجية وتقليل المخاطر إلى أقصى حد.
ومن التجارب الواعدة أيضًا، تجربة “فارم أ أي” (Farm AI)، وهي شركة ناشئة جزائرية صنفت سنة 2023 كثاني أفضل شركة ناشئة في منافسة “Tech 4 Good” العالمية في الصين، لتطويرها نظامًا للتعرف على أمراض النباتات باستخدام الطائرات المسيرة. وقد دعت مسيرة الشركة، أحلام بورزاق، إلى تذليل العراقيل من أجل تطبيق هذه التقنية.
ويرى الاستشاري سليم بجة أن مثل هؤلاء المبتكرين بحاجة إلى مرونة أكبر في التشريعات، ووجود رؤية واضحة لدى المؤسسات الاقتصادية من حيث المتطلبات والبيانات المتوفرة. وفي الوقت الذي أصبح فيه إنشاء بنوك استثمارية قادرة على تحمل المخاطر المالية أمرًا ضروريًا، لأن مجال الابتكار يعد ذا مخاطر عالية لا يمكن للبنوك التقليدية تحملها.