على أعتاب انتخابات أمريكية مضطربة.. ماذا يعني اعتقال دوروف بالنسبة إلى ماسك المستمر في دعم ترامب؟

إذا ثبت أن اعتقال رئيس شركة تلغرام، بافيل دوروف، هو بالفعل خطوة تمهيدية للإطاحة بمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب، فإن تحليلاً آخر سيصبح مجرّد تحصيل حاصل، ويشير هذا التحليل إلى أن دعم الملياردير الأمريكي إيلون ماسك لترامب سيقوده في النهاية إلى مواجهة عواقب وخيمة يدفع ثمنها باهظاً.

توصّل المحلل السياسي الروسي “ألكسندر نازاروف” إلى نتيجة مفادها أن هناك عدة أسباب وراء اعتقال مؤسس تطبيق “تلغرام” بافل دوروف، لا علاقة لها بالتفسير الكاذب الذي قدّمته السلطات الفرنسية، وهو طرح يعيد إلى الواجهة مسالة “تأثير المشاهير ورجال الأعمال على مجرى الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة” وهي المسالة التي تناولها المؤرخ الأمريكي تيفي تروي في مقاله بصحيفة بوليتيكو.

وعقد تيفي تروي مقارنة مثيرة للاهتمام بين الدور الذي لعبه مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، في وصول دوايت أيزنهاور إلى البيت الأبيض خلال الفترة 1953-1961، وبين انهماك الملياردير الأمريكي إيلون ماسك مؤخرا في المجال السياسي دعما لمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، دونالد ترامب.

وقال تروي -وهو باحث بارز في مركز السياسة الحزبية ومؤرخ رئاسي عمل في السابق مساعدا في البيت الأبيض- إن المقابلة التي أجراها ماسك مع ترامب في وقت سابق من هذا الشهر، عبر منصة “إكس” (تويتر سابقا)، أثارت ضجة كبيرة وكانت أحدث حلقة في مسلسل افتتان قطب التكنولوجيا الدائم بالرئيس السابق. وأضاف أن ماسك، “الذي استمرأ الجدل”، لم يتردد في دعم ترامب في انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في 5 نوفمبر المقبل، وكان له دور مؤثر في عودة ترامب إلى منصة إكس للتواصل الاجتماعي.

وفي كل دورة انتخابية، يحاول المشاهير التأثير بشكل غير عادل على نتائجها لصالح المرشح الذي يؤيدونه. وبينما أظهرت دراسة حديثة أن مشاهير مثل مغنية الراب الأمريكية ميغان ذي ستاليون والموسيقي والمغني الأمريكي كيد روك، يمكنهم إثارة حماس الناخبين، فإن رؤساء الشركات التنفيذيين “فاحشي الثراء والأقوياء” -من أمثال إيلون ماسك- هم من لهم القدرة على ممارسة نفوذ هائل في الحملات السياسية.

ولماسك وغيره من الرؤساء التنفيذيين -شأنهم في ذلك شأن جميع المواطنين الأمريكيين، وفق المقال- الحق في المشاركة بالحقل السياسي في بلاده، من تمويل لجان العمل السياسي الحزبي إلى الانخراط في حشد الأصوات لمرشحيهم واستقطاب ناخبين لهم على منصاتهم. لكن هذا الانخراط لن يكون بغير ثمن.

العبرة بالخواتيم

ويستلهم المؤرخ تروي العبر من الماضي القريب، فكتب يقول إن التاريخ يخبرنا أن مؤسس مجلتي تايم ولايف الأمريكيتين، هنري لوس، وضع كل موارده وإمكانياته في الترويج لحملة مرشح الحزب الجمهوري دوايت أيزنهاور الرئاسية في عام 1952، وهو أمر لم يكن مألوفا من مؤسسة إعلامية.

وقد جلب هذا الدعم لمؤسس ورئيس تحرير مجلة تايم آنذاك “فوائد قصيرة الأجل”، وأتاح له إمكانية التواصل مع أيزنهاور بعد اعتلائه سدة الحكم في البلاد. ولأن العبرة بالخواتيم، فقد أضرت مؤازرته المفعمة بالحماس لأيزنهاور بسمعة تايم الصحفية، بحسب مقال بوليتيكو.

لقد أراد هنري لوس، من خلال اهتمامه بالرئاسة، إقامة علاقات جيدة مع الرئيس، وهو ما استعصى عليه طوال حقبة الرئيس فرانكلين روزفلت، فقد كان الرجلان “يبغض كل منهما الآخر بغضا شديدا”.

ولطالما سعى لوس إلى هزيمته بدعمه مرشحين لم يحالفهم التوفيق، مثل ألف لاندون الذي ترشح ضد روزفلت في عام 1936. غير أن علاقته مع هاري ترومان، الذي خلف روزفلت في الرئاسة، لم تكن أفضل حالا. ويتوقع الناس في الوقت الراهن من الصحفيين توخي الحياد في تغطيتهم الإعلامية، وهو ما لا يتحقق دائما كما يعتقد كاتب المقال.

وقد كان ذلك هو الحال في عام 1952، قبل أن يوجه لوس مجلتيه تايم ولايف للكتابة بشكل إيجابي عن الجنرال أيزنهاور. وصدرت افتتاحية مجلة لايف في ذلك الوقت تحت عنوان “الدافع لتأييد أيزنهاور”، والتي قال عنها الرئيس آنذاك إنها شجعته على دخول السباق الرئاسي.

وأوضح تروي أن لوس ساهم في صياغة الرؤية الخاصة بالحملة الانتخابية، مما ساعده في التقرب أكثر إلى الرئيس أيزنهاور. وأصبح مقال جون فوستر دالاس في مجلة لايف الذي حمل عنوان “سياسة الجرأة”، الأساس الذي استند إليه أيزنهاور في سياسته الخارجية لبرنامج الحزب الجمهوري. وأصبح دالاس بعدها وزيرا للخارجية في إدارة أيزنهاور

ورغم استفادة لوس من وجود أيزنهاور في البيت الأبيض، فإنه تكبد أيضا خسائر فادحة، فقد تذمر العاملون في مجلة تايم من القيام بدور “الناطق بلسان حال أيزنهاور”. وفي الوقت نفسه، تعرضت سمعة المجلة للتشويه بسبب تأييدها الشديد لأيزنهاور، وانقلب المثقفون عليها، وبدأ الناس ينظرون إليها “باستخفاف”، باعتبارها مجلة متوسطة المستوى.

ويعود المؤرخ الأمريكي إلى الحديث عن إيلون ماسك، فيقول إنه من الواضح يحب التصرف بشكل مختلف عن هنري لوس، وهذا ما أشار إليه هو نفسه خلال ظهوره في برنامج المنوعات “ساترداي نايت لايف” الذي بُث مباشرة في آخر الليل على قناة (إن بي سي) الأمريكية في عام 2021.

وحينها قال: “لكل من أسأت إليه، أريد فقط أن أقول إنني من أعاد اختراع السيارات الكهربائية، وأنا من أرسل أشخاصا إلى (كوكب) المريخ في مركبة فضائية. هل كنت تعتقد أنني سأكون أيضا رجلا هادئا وطبيعيا؟”. وفي تعليقه على هذا التصريح، يرى تروي أن المرء يمكن أن يجادل بأن ماسك نجح في تبني هذا النهج حتى الآن، مما جعله أحد أغنى الناس في تاريخ البشرية.

لكن المؤرخ يحذر الملياردير الأمريكي بأن عليه أن يحتاط، فقد عانى قبله هنري لوس وإمبراطوريته الإعلامية من عواقب حقيقية جراء انخراطه في السياسة، وربما تكون ردود الفعل “السلبية” اليوم أشد وأوخم. ولفت تروي إلى أن منصة إكس تلقت ضربة عندما اشتراها ماسك في عام 2022، إذ انخفضت الإعلانات والمشاركات بشكل كبير منذ توليه زمام الأمور. ولكن لا يزال لدى إكس 50 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، و300 مليون آخرون في جميع أنحاء العالم.

وحذر من أن تأييد ماسك لترامب قد يبعد المستخدمين الذين لا يعجبهم وقوفه مع الرئيس السابق، عن منصته التي يريد توسيع نطاقها، إلا أن هذه المهمة تبدو “أصعب” لكونه شخصا “غير مرغوب فيه” لدى قطاعات واسعة في البلاد. وهناك احتمال بأن تعاني منتجات ماسك الأخرى، بما في ذلك سيارات تسلا وشركة تقنيات استكشاف الفضاء (سبيس إكس)، جراء دعمه ترامب.

أسباب اعتقال بافل دوروف

من جهة أخرى استهلّ المحلل السياسي الروسي “ألكسندر نازاروف” مقاله في قناته على “تلغرام” الخاصة بالكاتب، بوضع صورة للتناقضات الجارية عبر العالم من خلال أسئلة طرحها عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، الحرب بين روسيا و”الناتو” والحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وكذلك الديكتاتورية الفاشية في أوروبا، دون نسيان الحرب الأهلية الأمريكية و/أو الديكتاتورية العنصرية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى المجاعة العالمية والهجرات الجماعية والعصور المظلمة…

وكتب  نازاروف: يقول كثيرون “كفى مزاحا، كل ذلك مستحيل، لم يحدث هذا أبدا، بالتالي فلن يحدث”، واستدرك الكاتب يقول: “لكن كثيرا من التناقضات غير المتوافقة بعضها مع بعض تراكمت على النظام العالمي الحالي، بحيث أصبح المخرج الوحيد منها هو الحلول الأكثر جذرية، وفي إطار الأزمة الراهنة غير المسبوقة –يضيف- لم تعد هناك تدابير نصف ممكنة في جميع المجالات، ولم يعد على المرء سوى أن يختار التوقعات الأكثر تطرفا، وبرغم ذلك سيتجاوزها الواقع.

أما بشأن مؤسس تطبيق “تلغرام” بافل دوروف فقد أكد المحلل السياسي الروسي أن عدة أسباب كانت وراء ذلك، لا علاقة لها بالتفسير الكاذب للسلطات الفرنسية، فهناك أسباب راهنة، تتمثل –وفق رأي الكاتب- في محاولة الغرب احتكار وسائل الإعلام العالمية، والرقابة، والقضاء على المنافسة السياسية، وفرض وجهات النظر التي ترغب فيها نخب العولمة على الناس.

وأشار الكاتب إلى أن الجنود الروس يستخدمون “تلغرام” للتواصل بعضهم مع بعض في حال لم تعمل الاتصالات العسكرية لسبب ما أو حال تم قمعها بواسطة الحرب الإلكترونية، واعتبر الكاتب  أن السبب الرئيس وراء ذلك هو استعداد الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، للتحكم في الانتفاضات الشعبية، ما يلغي إمكانية تنسيق الاحتجاجات عبر تطبيق “تلغرام”.

ماكرون مجرّد أداة أمريكية

من الطبيعي أن يكون ماكرون بيدقا ينفذ أوامر واشنطن، فوراء اعتقال دوروف يقف أسياد الولايات المتحدة الأمريكية، نخبة العولمة، ويعتقد المحلل السياسي الروسي أن محاولة إخضاع الشبكة الاجتماعية الوحيدة في العالم، التي لا تزال غير خاضعة لسيطرة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية الخاصة، تشير إلى أن نخب العولمة تقدر احتمالية فوز ترامب بأنها مرتفعة، وتستعد للقضاء عليه بالقوة وقمع كافة الإجراءات المحتملة من أنصاره، وتشويش تصرفات العدو والقضاء على التنسيق والتواصل هو فعليا نصف النصر.

وحقيقة أن ماكرون ورؤسائه لا يبالون بمدى عدم ديمقراطية كل هذا، جعل “ألكسندر نازاروف” مقتنعا –وفق ما جاء في مقاله- أن اعتقال دوروف مرتبط على وجه التحديد بالانتخابات الأمريكية،  على اعتبار أنه عندما تكون المخاطر مرتفعة إلى هذا الحد، فإن الغرب لم يعد يولي اهتماما بالتكاليف، ولم يعد أحد يهتم بتقليل الضرر السياسي، بل يجب تحقيق الهدف بأي وسيلة وفي أقصر وقت ممكن.

وأضاف كاتب المقال، أن شهرين فقط تفصل عن الانتخابات، ولا يوجد وقت لإقناع دوروف أو الضغط عليه لفترة طويلة، بل يجب كسره على الفور، لذا فإن الاتهامات قاسية قدر الإمكان، ولا يهم مثلا أنها سخيفة إلى أبعد الحدود، فقد أدرك الغرب حتمية الحرب الكبرى، وبدأ في الاستعداد لها، حسب ما جاء في مقال المحلل الروسي الذي جاء فيه الآتي:

[نظرًا لحجم التحديات الراهنة وضرورة تعبئة وتركيز الموارد، يبدو من غير المرجح أن يتمكن الغرب من الوصول إلى مستوى الاستعداد المطلوب دون اللجوء إلى تدابير استثنائية، تشمل قمع الاحتجاجات وفرض أنظمة دكتاتورية صارمة، بما في ذلك السيطرة التامة على شبكات التواصل الاجتماعي، أما بالنسبة إلى الدول العربية، فإن اعتقال بافل دوروف يمثل إشارة واضحة إلى مستقبلها المحتمل.

ففي ظل صراع عالمي بهذا الحجم، يصبح الحياد أمرًا غير ممكن، سواء على مستوى الشبكات الاجتماعية أو على مستوى الدول. وسيتعين على هذه الدول، عاجلاً أم آجلاً، اتخاذ قرار حاسم واختيار جانب من الصراع، وبالإضافة إلى ذلك، إذا فازت كامالا هاريس في الانتخابات، فسيتعين على دول العالم، بما في ذلك الدول العربية، اتخاذ موقف مرتين: أولاً في الصراع بين روسيا و”الناتو”، وثانيًا في حال نشوب حرب بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين من جهة أخرى.

بالنسبة إلى الدول الصغيرة، قد تكون الطريقة الوحيدة لتجنب الانجرار إلى حرب عالمية هي انهيار الاتحاد الأوروبي واندلاع حرب أهلية في الولايات المتحدة، ما سيدفعها للتركيز على مشكلاتها الداخلية. ومع ذلك، وكما يتضح من اعتقال دوروف، فإن القوى التي تدعم الديمقراطيين تسعى بالفعل إلى منع نشوب حرب أهلية في الولايات المتحدة من بدايتها.

ولا مبالغة في القول إن مصير بافل دوروف قد يكون عاملاً حاسمًا في تحديد مسار الأحداث داخل الولايات المتحدة، وبالتالي تحديد مصير ملايين العرب، سواء من حيث عدد الضحايا بسبب الحرب والمجاعة أو من حيث الهجرة القسرية في السنوات المقبلة. تذكروا هذا وأنتم تتابعون آخر الأخبار المتعلقة بدوروف أو “تلغرام”.

وحيد سيف الدين - الجزائر

وحيد سيف الدين - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الإعلان عن نتائج الرئاسيات.. مديريات الحملة الانتخابية للمترشحين الثلاثة تصدر بيانا مشتركا بعد انتخابه لعهدة ثانية.. زعماء دول العالم يهنّؤون الرئيس تبون بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية.. قوجيل يهنئ الرئيس تبون بنسبة بلغت 94.65 بالمائة.. عبد المجيد تبون رئيسا لعهدة ثانية إعلان النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية الفاف.. بن ناصر يغادر تربص “الخُضر” لهذا السبب! ظاهرة فلكية نادرة في سماء الجزائر هذا الإثنين جراء سيول الأمطار المتساقطة في الولايات.. الحماية المدنية تحذر عمليات حفظ السلام.. اجتماع جديد لمجلس الأمن هذا الإثنين المحكمة الدستورية تتسلم محاضر فرز التصويت لـ 6 ولايات اليمن.. فأر يتسبب بانفجار منزل وقتل طفلين طرق مقطوعة بسبب ارتفاع منسوب المياه شمال قطاع غزة.. استشهاد 5 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال لمخيم جباليا أمطار رعدية غزيرة مرفوقة ببرد على أغلب ولايات الوطن اليوم نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية بلغت 48.03 بالمائة في ظل انقسامات داخلية تنذر بحروب أهلية.. ماذا بقي من الديمُقراطية في بلدان الغرب؟ الجزائر.. صباح جديد حرب غزة ورهانات الانتخابات الأمريكية ..كيف أصبحت دماء الفلسطينيين ورقة سياسية؟ غلق مكاتب الاقتراع وبداية عملية فـرز الأصوات الانتخابية نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى غاية الخامسة مساء بلغت 26.45 %