عهد جديد من الاضطراب.. شتاء قاس أمام أوربا دون الغاز الروسي

تدخل أوروبا عهداً مضطرباً مع تناقص إمدادات الطاقة الروسية، مكابرةً وخائفة في الوقت نفسه، وهي التي بدأت تتحمل ثقل قراراتها ولا سيما عقوباتها وحصارها الذي فرضته على روسيا.

فمع بدء صيانة شركة غازبروم الروسية خط أنابيب الغاز نورد ستريم 1 تُعدّ المفوضية الأوروبية “خطّة طوارئ لتقليل الطلب على الطاقة”.

تسلل شعور  الذعر إلى الأوروبيين، لأنهم يعرفون جيداً أنّه لا غنى عن  موسكو التي تمتلك موارد الطاقة وترسلها إلى القارة العجوز.

ستبدأ شركة غازبروم الروسية، يوم الإثنين 11 تموز/ يوليو، عملية صيانة لخط أنابيب الغاز نورد ستريم 1، مما سيحرم أوروبا إلى حدٍ كبير من خدماتها، إنه تمرين روتيني يتكرر كل عام. ولكن كل من باريس وبرلين وروما لديها مخاوف من أن تتخذ موسكو ذرائع عدّة  لقطع إمدادات الغاز تماماً عنها وفق تقديرات مصادر أوروبية.

الأوروبيون يتوقعون أنّ يكون الشتاء في هذه الحالة قاسياً،  لأنّه قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كان الغاز الروسي يمثل 40% من الواردات للاتحاد الأوروبي.

وفقاً لدراسة أجراها مركز أبحاث Bruegel، نُشرت في 7 تموز/ يوليو، يجب على الدول الأوروبية الـ 27 تقليل استهلاكهم للغاز بنسبة 15% مقارنةً بما كان عليه قبل العملية العسكرية، إذا أوقفت موسكو عمليات تسليم الغاز.

بالنسبة لفرنسا وجيرانها الإيطاليين والإسبان، لن يكون للقضيةِ أيّ عواقب. من ناحية أخرى، بالنسبة لألمانيا، قد يعني ذلك انخفاضاً بنسبة 29% في الطلب وبالنسبة لدول البلطيق بنسبة 54%.

طلبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين في كلمةٍ لها أمام برلمان ستراسبورغ، في 6 تموز/ يوليو، من الأوروبيين الاستعداد لمزيد من الانقطاعات في إمدادات الغاز أو حتى قطع موارد الطاقة الروسية بشكلٍ كامل”.

ونبّه نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، في 30 حزيران/ يونيو الماضي من أنه “لن تكون مفاجأة كبيرة إذا قالت غازبروم لا يمكننا إعادة تشغيل نورد ستريم 1، أو أن يقولوا اكتشفنا مشكلة أثناء عمليات الصيانة”.

في النهاية، تفوّقت موسكو على الأوروبيين منذ بداية الصراع، وقلّصت شركة غازبروم باستمرار شحناتها، دون أن يكون لدى أوروبا شجاعة للاعتراف بأنّ من بدأ الحرب الاقتصادية والعقوبات على موسكو هم الأوروبيون بما في ذلك الحظر على الفحم الروسي.

مناقشاتٌ مكثّفة

وفي هذا السياق، تعمل الحكومات الأوروبية على خطط لتنظيم إدارة النقص المحتمل في القطاعات الصناعية المختلفة والتي تأمل ألا تضطر إلى تنفيذها، وقد تكون العواقب الاقتصادية والاجتماعية وخيمة.

في هذه الأوقات، وبعد عامين من انتشار جائحة كوفيد-19 وهي لا تريد إثارة الذعر بين المواطنين. وتقول مصادر إنّ “فرنسا نظرت في إطلاق حملة اتصال هذا الصيف لدعوة المستهلكين إلى توخي الحذر، لكنّها فضّلت الانتظار حتى لا تقلق الناس”. بين ارتفاع الأسعار والتقنين، يخشى قصر الإليزيه من اندلاع موجة جديدة من “السترات الصفراء” الاحتجاجية.

في الوقت نفسه، في بروكسل تعمل المفوضية على تقديم “خطّة طارئة لخفض الطلب على الطاقة” في 20 تموز/ يوليو والتي ستستند إلى هذا العمل التمهيدي من قبل الدول الأعضاء.

في الأيام الأخيرة، كانت المناقشات في المفوضية مكثّفة وهناك من يُفضّلون تقنين النشاط الصناعي حتى لا يعرض للخطر جهود الاتحاد الأوروبي لتحقيق حياد الكربون بحلولِ عام 2050.

حتى لو كان ذلك يعني وضع آلاف العمال في حالةِ بطالة فنيّة. وآخرون، مثل باولو جينتيلوني، مفوض الاقتصاد، أو تييري بريتون، نظيره في السوق الداخلية، يَخشون تداعيات مثل هذا الخيار ويدافعون عن سيناريو من شأنه أنّ يعطي أهمية أكبر لتنويع الإمدادات.

وفوق كل شيء، فإنّ تكثيف أو إعادة فتح محطات الطاقة التي تعمل بالفحم يمكن أن يتمّ على المدى القصير للغاية فقط. لقد اتخذت ألمانيا وفرنسا وهولندا والنمسا هذا الاختيار بالفعل. أما بالنسبة للدول التي تولّد الكهرباء من خلال الفحم، مثل بولندا أو بلغاريا، فهي لا تنوي التوقف عن ذلك.

قال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز مورافيكي، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”: حتى لو دفعنا هذا إلى تأخير أهدافنا المناخية الطموحة ، إلا أنّه شرطٌ ضروري لأوروبا القويّة القادرة على مقاومة روسيا ودعم أوكرانيا.

الحاجة إلى آلية ملزمة

سيتعين على أورسولا فون دير لاين إيجاد مسار ضيق بين حالة الطوارئ المناخية وحالة الطوارئ المتعلقة بالطاقة، وهو أمرٌ مقبولٌ للدول الأعضاء، والذي بدونه لا يمكن فعل أي شيء.

أياً كان القرار، سيتعين على فون دير لاين وضع آلية لتنسيق خطط الحصص الخاصة بها إذا كانت تريد حماية السوق الداخلية وسلاسل القيمة الصناعية. قال مسؤول كبير: “إذا قررت ألمانيا إغلاق مثل هذا الجزء من صناعتها، فإنّ العواقب ستظهر على الفور في أماكن أخرى في أوروبا”.

التحدي الآخر الذي سيختبر أيضاً تضامن الدول الأوروبية، هو أنّه سيتعين على اللجنة المعنية بهذا الأمر ضمان عدم الاعتماد على احتياطيات الغاز بطريقة غير منظمة، حتى لا يتضرر أحد.

في 27 حزيران/ يونيو الماضي، وافق الأوروبيون على ملء احتياطياتهم من الغاز الجوفي إلى “80% على الأقل” من طاقتهم بحلول 1 تشرين الثاني/ نوفمبر – وهي اليوم تبلغ 56%- وهو ما سيمكنهم، من تجنب الأسوأ. لكن المخزونات تتزايد “بشكلٍ أبطأ”، بمعدّل نصف أسرع مما كان عليه قبل انخفاض شحنات الغاز من موسكو منذ منتصف حزيران/ يونيو، كما حذّر روبرت هابيك في حزيران/ يونيو.

وفي حالة النقص، لا تنصّ الاتفاقية على القواعد التي ستتمكن الدول الأوروبية بموجبها من السحب من احتياطياتهم. يجب أن “نتأكد من أنّ الغاز يذهب إلى من يحتاجه”، وفق رأي أورسولا فون دير لاين.

“سيكون الأمر معقداً للغاية”، كما يقرّ أحد الدبلوماسيين، الذي يَذكر أنّ المفوضية اقترحت على الدول الأعضاء آلية للشراء المشترك للغاز، على غرار ما تمّ القيام به في شأن اللقاحات ضد Covid-19، ولكن في هذه المرحلة فشلوا في الاتفاق.

ويشير هذا المصدر إلى أنّ “شركات الطاقة الألمانية Uniper وRWE كبيرة جداً لدرجة أنّها لا تحتاج إلى أيّ شخص للتفاوض بشأن مشترياتها قدر الإمكان”.

وفي الأسابيع التي أعقبت اندلاع الحرب، كانت إيطاليا، وحتى ألمانيا، نشطة للغاية في تأمين حضورهما، حتى لو كان ذلك يعني رفع الأسعار لشركائها الأوروبيين الذين جاؤوا بعدها.

واثق مهاب

واثق مهاب

كاتب صحفي في موقع الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
برنامج عمل مشترك بين وزارة الشباب ومكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر مولوجي تُشدد على ضرورة "تحيين" مناهج التكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا الجمارك تحجز أكثر من ربع مليون "قرص مهلوس" بالوادي  أوابك.. الغاز الطبيعي المسال سيلعب "دورا رئيسيا" في الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون برنامج الغذاء العالمي.. 70 ألف لاجئ كونغولي ببوروندي مهددون بالمجاعة تنسيق جزائري-سعودي خِدمةً للحجاج والمعتمرين الجزائريين الرئيس تبون يستقبل الرئيس الأسبق لجمهورية تنزانيا الاتحادية نحو مراجعة سقف تمويل إنشاء مؤسسات مصغرة سوناطراك وسونلغاز تبحثان فرص التعاون والاستثمار في أديس أبابا تعليمات صارمة لإعادة بعث مشروع مصنع الإسمنت بالجلفة تحالف طاقوي تاريخي بين الجزائر والنيجر ونيجيريا.. هل يغير خط الصحراء خريطة الغاز العالمية؟ إيتوزا.. برنامج خاص لتسهيل تنقل المواطنين بالعاصمة خلال العيد وزير الصحة يقترح مشروع توأمة بين جامعة بلجيكية والمدرسة الوطنية للمناجمنت في الجزائر العراق يلجأ لتوريد الغاز الجزائري لتعويض الإمدادات الإيرانية منظمات جزائرية تدين الحملات العدائية لليمين الفرنسي المتطرف يستضيف المعطيات الوطنية.. بداري يُدشن قسم الحوسبة السحابية 50 ألف هكتار تمت معالجتها.. استراتيجية وطنية محكمة لمكافحة الجراد الصحراوي الاحتلال يرسم حدود الضم بالدم والنار.. هل تبقّى للفلسطينيين موطئ قدم في الضفة؟ وزير الصحة يؤكد على تعزيز قدرات العاملين في القطاع الصحي عبر برامج تكوينية متطورة شركة هولندية رائدة تدخل سوق المحروقات الجزائري