مع تزايد معدّلات البطالة في قطاع غزة ـ المحاصر منذ أكثر من 15 عاما ـ لجأ عدد من الشباب الفلسطينيين إلى العمل في مجال جمع البلاستيك، وتحويله إلى وقود، بطرق تقليدية بسيطة.
وفي هذا الصدد، يقول «أنس الكفارنة» (23 عاماً) ـ وهو يعمل في إنتاج الوقود من البلاستيك برفقة ثلاثة من زملائه ـ “إن ارتفاع نسبة البطالة وقلّة فرص العمل دفعتنا إلى التفكير خارج الصندوق، لتوفير مصدر دخل في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية في قطاع غزة”.
وتحدث «الكفارنة» الذي يقطن في مدينة «جباليا» القريبة من حدود أراضي فلسطين التاريخية، في حديث مع «الأيام نيوز» عن آلية عملهم قائلا: إننا “نبدأ بجمع البلاستيك، ومن ثمّ فرزه بحسب النوع والحجم، ليتمّ وضعه على النيران المشتعلة لمدة تزيد عن 15 ساعة داخل «التنك» (البرميل) الخاص به”.
وأوضح المتحدّث أن “حرق البلاستيك يُنتج كمية كبيرة من البخار، يتم وضعه في شبكة مخصّصة مصنوعة يدوياً، لاستخراج السولار والبنزين والغاز منه، تليه عدّة خطوات أخرى”، ونبّه «الكفارنة»: إلى أن “المنتج النهائي (السولار والبنزين) يتم استخلاصه من خلال وضع البلاستيك المحروق داخل ماكينة خاصة تتراوح درجة الحرارة فيها من 200 إلى 350 درجة مئوية، ليتكثف قبل نزوله إلى شبكة التبريد”.
وأوضح أنّ “أولى مراحل الإنتاج، تبدأ من إخراج كميات من الشحمة الصناعية والغاز، لتحويلها إلى بنزين في الساعات الأولى من إحراق البلاستيك، كما يتم أخذ كميات مناسبة منه بناءً على الطلب، أما الكميات الأخرى فينتج منها السولار بعد تعرّضها للحرارة لمدة أطول”، ولفت «الكفارنة» إلى أنّ “الوقود الناتج من البلاستيك، يتم استخدامه للسفن والمركبات والدراجات النارية، وتشغيل المولدات الكهربائية”.
وأشار إلى انخفاض ثمن هذا الوقود مقارنة بذاك المتوفر بالأسواق المحلية، لذلك يكثر الإقبال عليه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة بقطاع غزة.
وكان الاحتلال الصهيوني قد دّمر ـ عام 2006 ـ محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين، تعمل المحطة بأقل من نصف طاقتها، حيث يعاني سكان القطاع من انقطاع طويل لساعات الكهرباء قد تصل أحياناً إلى أكثر من 10 ساعات يوميا.
ومن جانبه، يقول «محمد عثمان» ـ أحد العاملين في إنتاج الوقود من البلاستيك ـ إن “نصف طن من البلاستيك يُنتج 250 لتراً من السولار أو البنزين، منوهاً إلى اختلاف كمية الإنتاج اليومية بحسب المواد المتوفرة”، وذكر عثمان في حديث لـ«الأيام نيوز» أن التحديات الاقتصادية التي تواجهه متعددة، وأهمها تذبذب كميات البلاستيك بشكل يومي، حيث تتحكّم بنسبة الربح بشكل مباشر.
وأشار إلى أنه كان يعمل قبل سنوات في جمع البلاستيك فقط، لبيعه للمصانع بهدف إعادة تدويره، منوهاً أن دخله اليومي في السابق كان لا يتجاوز 5 شيكل فقط، (الشيكل: 3.50 دولار أمريكي)، وبالتالي لا يوفّر مصروفه الشخصي.
ولفت عثمان إلى أنه يعيل أسرة مكونة من 5 أفراد، وعمله في تحويل البلاستيك إلى وقود زاد من دخله اليومي بنسبة بسيطة، تكاد لا تكفي قوت يوم عائلته، وتطرّق الشاب إلى صعوبات العمل في هذه المهنة، وقال “تحتاج إلى مجهود بدني كبير، خاصة أن المواد البلاستيكية يتم تحريكها من فترة لأخرى بداخل النار المشتعلة، قبل أن يتم تركها لمدة 15 ساعة”.
واستدرك عثمان، أن العمل في ظل ارتفاع درجات الحرارة أمر مرهق نفسياً وجسدياً، خاصة أنه يكاد لا يفارق النيران المشتعلة خلال ساعات العمل، ويرى أن فكرة مشروع حرق البلاستيك لإنتاج الوقود، تعدّ مفيدة للبيئة المحيطة، حيث تخلصها من كميات النفايات الضخمة بطريقة توفّر مصدر رزق لعدد من العائلات الغزاوية.
ونوّه عثمان إلى أنه يعاني من أمراض تنفسية، لكنْ، عدم توفّر فرصة عمل له أجبرته على العمل بمهنة لا تناسبه صحياً، كونه العائل الوحيد لأسرته.
ويفرض الاحتلال الصهيوني، حصارا مشدداً على قطاع غزة منذ عام 2007، وشنت منذ عام 2008 خمس عمليات عسكرية كان آخرها في أغسطس 2022.
ويعتبر قطاع غزة، الذي يسكنه أكثر من 2 مليون نسمة، من أعلى المناطق بطالة في العالم، حيث تصل نسبة البطالة في القطاع إلى 45 في المائة، بينما في صفوف الشباب البالغ من سن 26 إلى 40 عاماً فهي تزيد عن 65 في المائة، وفقاً لأرقام مكتب الإحصاء الفلسطيني.
ووفقاً للكفارنة، فإن مشروعه لا ينجم عنه أيّة مخاطر تتعلق بالصحة أو البيئة، إلا أن الخبير البيئي «أحمد حلس» يعارضه في ذلك، موضّحا ـ في حديث لـ«الأيام نيوز» ـ إن المشروع: “لا يستند إلى أي ضوابط أو رقابة بيئية”، لافتاً إلى أن المواد الناجمة عن حرق البلاستيك هي: “مواد سامّة واستنشاقها يؤدي إلى أمراض في الجهاز التنفسي قد تصل إلى الإصابة بسرطان الرئة”.