غزة والعرب.. قصة جرح عمره 20 سنة

تصريحات الوفد الطبّي الكويتي الشّقيق الذي دخل قطاع غزّة لإجراء عمليات جراحية ولتزويد مستشفيات غزّة بكميات كبيرة من المساعدات الطّبية كانت صادمة بالنّسبة لأعضاء الوفد أنفسهم.

فقد رحّب أهالي غزّة بهم باللّغة الإنجليزية، وكانوا يستقبلونهم بكلمة “هاللوو”، وحين سأل طبيب بالوفد عن السّبب في أنّ أهالي غزّة يخاطبونهم بالإنجليزية، قال له طبيب فلسطيني بأنّ أهالي غزّة اعتادوا زيارة الوفود الأجنبية فقط، ولم يسبق لهم أن استقبلوا وفدًا عربيًا.

وكانت صدمة الطّبيب الكويتي حين عرف أنّه لم يقم أيّ وفد عربي بزيارة قطاع غزّة منذ أكثر من 20 عامًا.

تخيّلوا ذلك! العرب تخلّوا عن غزّة تمامًا، تركوها تواجه مصيرها منذ عشرين عامًا، لم يتركوها تدير نفسها وتبحث عن خلاصها، وإنّما حاصروها ومنعوا عنها الماء والغذاء والدّواء والوقود، ولو استطاعوا لمنعوا عنها الهواء، ألقوا بها بكلّ جبروت وضلال على قارعة الطّريق حتّى ينهشها عدو همجي بلا أخلاق أثبت بأنّه مختل عقليًا.

لماذا لم يقم النّظام الرّسمي العربي بأيّ خطوة إيجابية اتجاه غزّة؟ لماذا لم يحاول هذا النّظام أن ينفتح على غزّة وأن يلامس مشاكلها وهمومها، أن يسحبها إلى صفّه وإلى برّ الأمان؟ لماذا مارس دورًا مراهقًا في معاداة غزّة بحجّة أنّها تيار في الإسلام السّياسي، وهي ليست كذلك، ولا توجد في أدبياتها أيّة بنود أو مواد تثير غضب وحفيظة أيّ بلد عربي؟!

فهي منذ البيان الأوّل عام 1987 كانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) واضحة تمامًا، وأعلنت أنّها حركة تحرير وجهاد وكفاح ضدّ الاحتلال فقط، وأنّ مكان عملياتها فقط في فلسطين المحتلّة، وأنّها لا تتدخّل في الشّأن الدّاخلي للدّول العربية، ولم تكتف بأن يكون ذلك شعارًا ونصًّا مكتوبًا بل مارسته على أرض الواقع.

وحين أغلقت الأبواب في وجهها بحثت غزّة عن أيّة جهة تساندها وتدعمها سياسيًا وماليًا، حاولت مع الأشقّاء لكنّهم وضعوا شروطًا تتماهى وتتوافق تمامًا مع شروط العدو، وتتلخّص في الاستسلام الكامل وأن تقبل بدورها في المشروع الصّهيوني والغربي القائم على فكرة دمج كامل لسلطة الاحتلال في الوطن العربي، وما يترتّب عليه من مدّ سلطة الاحتلال لنفوذها في جميع الدّول العربية والإسلامية، ومصادرة حقّ الشّعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وفي إقامة دولته المستقلّة ذات السّيادة الكاملة على ترابها الوطني.

إزاء ذلك كلّه، وجد النّظام الرّسمي العربي نفسه وحيدًا غريبًا معزولًا تمامًا عن غزّة، بعد أن فقد جميع أوراقه وحرق جسوره مع غزّة التي تواجه مصيرها دون سند أو نصير سوى الله، وصمود شعبها وإيمانه بعدالة قضيّته وحتميّة انتصاره على العدو الذي تقف خلفه الولايات المتّحدة الأمريكية وأوروبا، وحكومات عربية ترى في غزّة وأهلها تهديدًا لمصالحها وتحالفاتها ومكتسبات نخبتها السّياسية والعسكرية والأمنية.

غزّة تقاتل وحدها، محاصرة ومنهكة وجائعة، وقد خذلت من ذوي القربى، فلو انفتح العالم العربي والإسلامي والغربي على غزّة ولم يحاول شيطنتها وخنقها ربّما كنّا سنوفّر على أنفسنا 5 حروب شنّها جيش العدو على قطاع غزّة بصمت عربي مطبق كصمت القبور. لكن “لو” هذه تفتح باب الشّيطان، وباب الشّيطان فتحته “تل أبيب” على وطننا العربي.

علي سعادة - كاتب وصحفي أردني

علي سعادة - كاتب وصحفي أردني

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الصين تثمن دور الجزائر في تعزيز السلام بالمنطقة والعالم نابولي يفشل في تأخير وصول مواني ليوفنتوس بن جامع يناشد المجتمع الدولي: "يجب التحرك فورا لمساعدة أطفال غزة" أسعار الذهب تقفز إلى أعلى مستوى منذ 3 أشهر زهاء 50 مشاركا في الرالي السياحي الوطني بالمنيعة الصحافة الدولية تسلط الضوء على تحرير الجزائر للرعية الإسباني قضية صنصال.. وزير الداخلية الفرنسي يهاجم "ريما حسن" التحضير لتنظيم ملتقى برلماني بخصوص التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر "الأرندي" يستنكر بشدة لائحة البرلمان الأوروبي "الأونروا": نحو 660 ألف طفل بغزة لا يزالون خارج المدارس الجزائر تحتضن الطبعة الإفريقية الأولى من Slush's D طقس مشمس وارتفاع في درجات الحرارة بهذه المناطق أسعار النفط تتجه نحو أول خسارة أسبوعية في 2025 استثمار كُتب السِّيَر في التربية والتعليم.. من يُوقظ أمّةً غَيّبت عظماءها في غبار التاريخ؟ مناقصة وطنية لتمويل برامج احتضان مبتكرة للمؤسسات الناشئة مبدأ "التضامن بين الأجيال".. نهج مبتكر لبناء مستقبل اجتماعي مستدام فرنسا والمخزن.. حسابات الذلّ والمهانة الجزائر في قلب الحوارات الدستورية الإفريقية الري والفلاحة في الجزائر.. استراتيجية متكاملة لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي بلمهدي يكشف شروط تنظيم رحلات الحج لموسم 2025