في اليوم العالمي للمرأة، بينما تُضاء المنصات وتُلقى الخطب احتفاءً بإنجازات النساء حول العالم، هناك نساء يعشن في زوايا معتمة من هذا الكوكب، لا يصل إليهن نور العدالة، ولا يسمع العالم أنينهن. لا يُعاقبن فقط لكونهن نساء، بل لأنهن جزءٌ من شعوبٍ تناضل من أجل حقها في الحياة والحرية. في فلسطين والصحراء الغربية، لا يُعدّ هذا اليوم مناسبةً للاحتفال، بل هو شاهدٌ جديدٌ على معاناةٍ ممتدةٍ لعقود، حيث تُنتهك الحقوق، وتُزهق الأرواح، وتُرتكب الفظائع تحت غطاءٍ من الصمت الدولي المخزي، الذي لا يزيد الاحتلالين الصهيوني والمغربي إلا غطرسةً وتوحشًا.المرأة الفلسطينية والمرأة الصحراوية لا تواجهان فقط عنف الاحتلال، بل تتحملان أيضًا أعباء القصف، والاعتقال، والتهجير القسري، ويواجهن التعذيب النفسي والجسدي. ومع ذلك، يبقين صامدات، يحملن راية النضال، ويؤكدن أن الحرية تستحق كل تضحية.
في مخيمات اللاجئين، بين أنقاض البيوت، خلف قضبان السجون، وفي ساحات المقاومة، تكتب النساء الفلسطينيات والصحراويات قصصًا من الصمود بدموعهن وآلامهن، بدمائهن وتضحياتهن. لا يناضلن من أجل أنفسهن فقط، بل من أجل أجيالٍ قادمة تحلم بوطنٍ حر، وسماءٍ لا تمطر قنابل، ومستقبلٍ لا يسوده القهر.
في فلسطين، تواجه المرأة أشدّ أشكال العنف والاضطهاد، فهي الأم التي تفقد أبناءها تحت ركام البيوت، وهي الأسيرة التي تعاني في زنازين الاحتلال، وهي الجريحة التي لم تسلم من شظايا القذائف، وهي المشردة التي فقدت مأواها بفعل آلة الحرب. ومع ذلك، تظل المرأة الفلسطينية عنوانًا للصمود، تواجه الاحتلال بإرادة لا تنكسر، وتسطر ملاحم البطولة في ساحات النضال.
تشير التقارير الحقوقية إلى أن العدوان الصهيوني الأخير على غزة أسفر عن استشهاد أكثر من 12 ألف امرأة، وإصابة واعتقال الآلاف، وتشريد مئات الآلاف من منازلهن. وقالت حركة حماس إن هذه الجرائم تمثل “وصمة عار على جبين البشرية”، مؤكدة أن اليوم العالمي للمرأة ينبغي أن يكون فرصة لفضح هذه الانتهاكات التي تعرضت لها النساء الفلسطينيات، من القصف الهمجي إلى التهجير القسري، ومن الاعتقال إلى التعذيب في سجون الاحتلال، وسط صمت دولي مخزٍ.
كما أشارت الحركة إلى أن الصامتين والمتخاذلين عن إدانة هذه الجرائم، وخاصة أولئك الذين يدّعون حماية حقوق المرأة، يتحملون مسؤولية تاريخية وسياسية وأخلاقية في التصدي لهذه الفظائع. وأكدت أن الأسيرات الفلسطينيات يتعرضن لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، في انتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، مما يفضح ازدواجية المعايير التي تنتهجها بعض الدول الغربية.
من جانبه، أوضح رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، أن الاحتلال قتل بدم بارد 12,316 شهيدة، وتسبب في ترمّل 13,901 امرأة، وترك 17 ألف أمّ ثكلى، في حين أن 50 ألف امرأة حامل اضطررن إلى الولادة في ظروف غير إنسانية. كما أصيبت 162 ألف امرأة بأمراض معدية، وأصبحت 2000 امرأة وفتاة يعانين من إعاقات دائمة نتيجة بتر أطرافهن، فضلًا عن تعرض العديد منهن للاعتقال والتعذيب داخل سجون الاحتلال.
وفي هذا السياق، أكدت الأسيرة المحررة إيمان نافع، زوجة نائل البرغوثي، أن المرأة الفلسطينية تتحمل مسؤوليات جسامًا، خاصة بعد استشهاد أو أسر الأزواج والأبناء والإخوة، مشيرة إلى أنها لا تنجب الأبطال فقط، بل تقاوم وتتحمل مسؤولية أسرتها، وتغرس في أبنائها حب الوطن والتضحية في سبيله.
من جهتها، تحدثت الصحفية الفلسطينية ملاك أبو حسين عن معاناة الصحفيات الفلسطينيات في غزة، مؤكدة أنهن يواجهن الموت والتهديدات المباشرة، لكنهن يرفضن الصمت، ويعتبرن القلم والصورة سلاحًا في مواجهة الاحتلال. وأضافت: “في غزة اليوم، نعيش بين لحظتين متناقضتين؛ أملٌ في استمرار الهدنة وانتهاء الحرب، وخوفٌ دائمٌ من عودتها”. ودعت المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري وعدم الاكتفاء بالمشاهدة دون اتخاذ خطوات حقيقية لدعم الشعب الفلسطيني.
أما الطبيبة راوية حسين عامر طمبورة، التي تعمل في مستشفى كمال عدوان، فقد أكدت أن المرأة الفلسطينية تعيش ظروفًا كارثية، حيث تتحمل فوق طاقتها بسبب العدوان المستمر على قطاع غزة. وأوضحت أن المرأة الفلسطينية ستواصل المقاومة لأنها تحمل رسالة يجب إتمامها، مضيفة أنها تفخر بأنها تكافح من أجل تحرير أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
المرأة الصحراوية.. معاناةٌ في ظلال الاحتلال
على الجانب الآخر، تعاني المرأة الصحراوية تحت الاحتلال المغربي من قمعٍ منهجي وجرائم حرب ترتكب بحقها منذ عقود. ووفقًا لمنظمة تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان “كوديسا”، فإن النساء الصحراويات يتعرضن لانتهاكات جسيمة، تشمل القمع، والاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، والتعذيب الجسدي والنفسي، إضافةً إلى التحرش الجنسي والاعتداءات العنيفة، بسبب مشاركتهن في النضال السلمي من أجل تقرير المصير.
تعرضت النساء الصحراويات للقصف بالنابالم والفسفور الأبيض المحرّمين دوليًا في عام 1976، كما وثّقت منظمات حقوقية تنفيذ الإعدامات خارج نطاق القانون، ودفن بعض المعتقلات أحياء في مقابر جماعية. وما زالت النساء الصحراويات يواجهن حملات التشهير والتحريض والعقاب الجماعي، في ظل استمرار الاحتلال المغربي في منعهن من التظاهر السلمي والمطالبة بحقوقهن المشروعة.
وفي هذا السياق، أكدت لجنة المرأة والشباب والطفولة في “كوديسا” ضرورة إجراء تحقيق دولي في الجرائم المرتكبة ضد النساء الصحراويات، مطالبةً بكشف الحقيقة حول استخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين، والانتهاكات الممنهجة التي تستهدف النساء بشكل خاص، في محاولة لإخماد أصواتهن وإضعاف عزيمتهن
نداءٌ إلى الضمير العالمي
في ختام بيانها، ناشدت “كوديسا” والمنظمات الحقوقية الفلسطينية المجتمع الدولي التحرك العاجل من أجل إنهاء معاناة الشعبين الفلسطيني والصحراوي، والعمل على تطبيق القانون الدولي الإنساني بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتصفية الاستعمار، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة. كما أعربت عن تضامنها مع جميع النساء حول العالم اللواتي يعانين من التطهير العرقي والتهجير القسري وجرائم الحرب، داعيةً إلى التوقف عن الكيل بمكيالين في قضايا حقوق الإنسان.
إن اليوم العالمي للمرأة، الذي يُفترض أن يكون مناسبةً للاحتفاء بإنجازات النساء، يتحول في فلسطين والصحراء الغربية إلى يومٍ للحزن والتحدي، حيث تظل النساء هناك في طليعة المقاومة، يحملن مشاعل الأمل في غدٍ أفضل، رغم الألم والمعاناة. وبينما تُرفع الشعارات في المحافل الدولية حول تمكين المرأة، تواصل الفلسطينيات والصحراويات دفع أثمانٍ باهظة من دمائهن وأرواحهن، في معركة طويلة لم تُحسم بعد، لكنها حتمًا ستنتهي بانتصار الحق على الطغيان.