غزّة.. كلمة السر التي تحدد توجّهات الشارع البريطاني

نعم صحيح؛ فاز حزب العمّال بالانتخابات البريطانية، وكلّف رئيسه كير ستارمر برئاسة الحكومة، لكنّه لم يكن تصويتًا للحزب ومحبّة فيه أو اقتناعًا ببرنامجه الانتخابي، وإنّما كراهية لحزب المحافظين بعد 14 عامًا من وجودهم في السّلطة، ما أدّى إلى تدمير البنى ‏التّحتية في بريطانيا، وزيادة التضخّم، وارتفاع الأسعار، وشبه ‏انهيار للنّظام الصحّي.

حزب المحافظين واجه أسوأ نتائج له منذ 200 عام، أمّا ‏العمال، فهي الأفضل له منذ عام 1997، وسط انهيار للمحافظين وخسارة ‏وزراء مقاعدهم البرلمانية. وتعد الانتخابات هزيمة لريشي ‏سوناك الباهت والعنصري والمتردد، الذي لم يمض على توليه الوزارة سوى عامين في “‏‏10 دواننينغ ستريت” مقر رئيس الحكومة البريطانية.

صحيفة الغارديان البريطانية أكّدت في تحليل لها لنتائج الانتخابات، أنّ فوز حزب العمّال المذهل لم يكن ‏بسبب حب النّاخبين له، ولكن لكراهيتهم المحافظين. وبدا أنّ ‏النّاخب البريطاني كان يريد معاقبة الحزب الحاكم وبشدّة‏، ولم يرد ‏النّاخبون على ما يبدو المغفرة لحزب المحافظين؛ لأنّه كان ‏مسؤولًا عن عدد من الكوارث، وبخاصّة الميزانية المصغّرة ‏التي قدّمتها رئيسة الحكومة ليز تراس عام 2022، وأدّت إلى زيادة رسوم ‏الرّهن العقاري وزيادة سعر الفائدة.

كما أنّ انتصار حزب العمّال ‏السّاحق، أعطي صورة أنّ السّياسة في بريطانيا باتت متقلّبة، ‏فلم تعد الولاءات القديمة للنّاخبين والموزّعة بين العمّال ‏والمحافظين معيارًا للسّياسة، وأثبتت أنّ الناخبين في الانتخابات البريطانية مستعدّين لمعاقبة السّاسة ‏وبقسوة، حال فشلوا في مهمّتهم.‏

وفاز الزعيم السابق لحزب العمال، والسياسي اليساري المخضرم جيريمي كوربين بمقعده البرلماني، في دائرة إيسلينغتون التي يمثلها منذ عام 1983، وتعهد كوربين بأن يكون شوكة في خاصرة حكومة كير ستارمر المقبلة، بعد خلاف حاد مع خليفته في قيادة الحزب.

وفي علامة على أنّ نهج حزب العمال في التّعامل مع حرب غزة أفقده الدّعم في بعض المناطق، تغلّب مرشح مستقل آخر حظي بتأييد كوربين، وهو شوكت آدم، على مرشح حزب العمال البارز جوناثان آشورث. واستقال كوربين من زعامة حزب العمال عام 2019، بعد هزيمة الحزب في الانتخابات وقام ستارمر بعزله من الحزب بعد أقلّ من عام، متّهمًا إيّاه بتقويض الجهود المبذولة لمعالجة معاداة السّامية.

في جميع الأحوال لن يختلف كثيرًا ستارمر عن سوناك في السّياسة الخارجية فحزب العمّال بعد أن تسلّم قيادتيه توني بلير سيء الذّكر ودوره الفاشي في تدمير العراق وغيرها من مؤامرات مسّت وطننا العربي، فقد هويته السّياسية بوصفه حزبًا يساريًا.

غزّة تحدّد ميزان الخسارة والكسب

زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر الفائز في الانتخابات التي شهدتها بريطانيا لاختيار 650 نائبًا في البرلمان، ليس سوى محرّض على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة عندما أعلن في بداية الحرب عن موافقته على فرض حصار على غزّة ومنع الكهرباء والماء والغذاء والدّواء عن القطاع، رغم أنّه عدل من مواقفه لاحقًا.

ستارمر وباقي الأحزاب والمرشّحين يعرفون أنّ الموقف من الحرب “الإسرائيلية” الوحشية على غزّة ستكون عاملًا رئيسيًا في تحديد هوية الذين سيدخلون البرلمان، لذلك لجأ إلى مغازلة الصّوت العربي والمسلم الغاضب في بريطانيا.

وقبل خوض غمار الانتخابات، أظهر استطلاعان رئيسيان أنّ حزب العمال المعارض سيفوز بأغلبية ساحقة، حيث يحصل على حوالي 431 مقعدًا، وبأنّ النّاخبين سيعاقبون المحافظين بعد 14 عامًا من الحكم الذي كان أقرب إلى التّهريج السّياسي والكوميديا السّوداء والذي تحوّل في السّنة الأخيرة وبعد الحرب المجرمة على غزّة إلى عملية تحريض على المجتمع المسلم وعلى مؤيّدي فلسطين في بريطانيا، وزيادة في كميات الأسلحة التي تمّ شحنها للاحتلال لمواصلة جرائمه على الأبرياء والمدنيين في غزّة.

وأظهر النّاخبون المسلمون والعرب وفي اليسار غضبًا واضحًا بسبب تأخّر حزب العمّال في المطالبة بوقف إطلاق النّار، رغم أنّه في المعارضة وليس في السّلطة إلّا أنّ الكثيرين غاضبون من ردّ فعل الحزب التي كانت أقرب للسّرد “الإسرائيلي” بجميع تفاصيله.

وقرّر العشرات من المرشّحين المستقلّين الترشّح للمقاعد التي يسيطر عليها حزب العمّال على البرامج المؤيّدة لغزّة، حيث حدّد حزب المعارضة 16 مقعدًا بأنّها “ساحات معركة”. وكانت حملة “الصّوت المسلم” قد دعت النّاخبين إلى اختيار مرشّحين مؤيّدين للفلسطينيين يخوضون الانتخابات مستقلين أو من أحزاب أصغر.

المخابرات “الإسرائيلية” تؤجج العنف ضدّ المسلمين

رابطة بريطانية متطرّفة يقف خلفها صهاينة شنتّ حملة مسعورة وشعواء على العرب والمسلمين في بريطانيا، ظاهرها الغضب من المسلمين لكن ما خفي منها هو عقاب للمجتمع المسلم على موقفه من الحرب المتوحّشة النّازية على قطاع غزّة.

وزادت أعمال العنف بعد الحادثة التي قتل فيها ثلاث فتيات صغيرات في حادثة طعن مأساوي فوقعت اشتباكات عنيفة خارج مسجد في مدينة ساوثبورت بعد حادثة الطّعن، وقام مثيرو الشّغب بتنظيم احتجاجات خارج المسجد للتّعبير عن آرائهم اليمينية المتطرّفة، مستغلّين المعلومات المضلّلة المنتشرة على الإنترنت والتي ادّعت أنّ المهاجم البالغ من العمر 17 عامًا مسلم، لتبرير تصرفاتهم العدائية، وثبت عدم صحتها. لكن أنصار اليمين المتطرّف استغلّوا الحادثة لإثارة العنف في أمكان متفرّقة من بريطانيا.

وتقود أعمال العنف العنصرية الحاقدة جهة بريطانية تطلق على نفسها اسم “رابطة الدّفاع الإنجليزية (EDL) ” وهي حركة يمنية عنصرية متطرّفة أسّسها تومي روبنسون وشريكه بول راي الذي سبق وأن عمل لصالح المخابرات “الإسرائيلية”، حيث قام بالتسلّل والتجسّس على حركة التّضامن الدّولية المؤيّدة للفلسطينيين (ISM) والتي كانت الأمريكية راشيل كوري التي قتلت بجرّافة “إسرائيلية” عضوًا فيها. وتم تقديم المعلومات التي جمعها إلى وكالات استخبارات متعدّدة.

وتم تسجيل الرّابطة في عام 2009 من قبل المجندة “الإسرائيلية” روبرتا مور التي خضعت لتدريب عسكري في مستوطنة “إسرائيلية”، وكانت مور تعتبر رئيسة الوحدة اليهودية في “رابطة الدفاع الإنجليزية”، والتي كانت تضمّ حوالي 100 عضو. وعندما سئلت عمّا إذا كانت الرّابطة تستغلّ الحركة الصّهيونية، أجابت: “إذا كان هناك أيّ شيء، فنحن نستغلّهم”.

وقاد الرّابطة البريطاني ستيفن ياكسلي لينون، الشهير بتومي روبنسون، بشكل غير رسمي بين عامي 2009 و2012، وخلال هذه الفترة سجن عدّة مرّات بسبب سلوكياته العدوانية. ووصف روبنسون الإسلام بأنّه “مرض وتهديد لأسلوب حياتنا”، وفي مقال كتبه عام 2016، قال: “أنا لا أنتمي إلى اليمين المتطرّف، أنا فقط ضدّ الإسلام. أعتقد أنّه دين متخلّف وفاشي”. كما اعتبر أنّ أزمة اللّاجئين ليست سوى “غزو إسلامي لأوروبا” ولا تتعلّق باللّجوء.

وفي البداية كانت تنحصر معظم أنشطة الرّابطة في مظاهرات ذات طابع عنصري، ففي عام 2010 برزت توجّهاتها المعادية للإسلام عندما بدأ أعضاؤها في ترديد شعارات تسيء إلى الذّات الإلهية والنّبي محمد -صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى تبادل التحية النازية فيما بينهم.

ورغم تقييد محتوى روبنسون العنصري والمعادي للعرب والمسلمين وحذف حساباته من على منصّات التّواصل سابقًا، إلّا أنّ للرّابطة حضورًا قويًا على وسائل التّواصل الاجتماعي. كما انتشر على مواقع التّواصل صور ومقاطع فيديو لروبنسون وهو يعلن دعمه لجيش الاحتلال “الإسرائيلي” في الأراضي الفلسطينية المحتلّة.

وفي العام الماضي، نظّم المتظاهرون اليمينيون احتجاجًا معارضًا للمسيرات المؤيّدة لفلسطين التي جرت في يوم الهدنة، ممّا تسبّب في اشتباكات مع الشّرطة واعتقال 145 شخصًا.

ووفقًا للبروفيسور البريطاني وأستاذ علم الاجتماع السّياسي في جامعة بريستول سابقًا ديفيد ميلر، وفي منشور على حسابه الرّسمي على منصّة “أكس” وتعليقًا على أحداث العنف التي تقودها هذه المنظّمة المتطرّفة ضدّ المسلمين والعرب والمهاجرين كتب التالي:

“هذه على وجه التّحديد مذبحة مناهضة للمسلمين ترعاها “إسرائيل” وتهدف إلى :

  1. معاقبتهم بسبب احتجاجهم على الإبادة الجماعية.
  2. معاقبة حكومة حزب العمل على موقفها الفارغ بشأن حظر مبيعات الأسلحة لـ “إسرائيل”.
  3. أن يُظهر للدّول والقادة الآخرين حول العالم أنّ الحركة الصّهيونية عالميًا ستمارس خيار شمشون إذا اعتقدت أنّ مصالحها تتعرّض للتحدّي.

الطريقة الوحيدة للردّ هي:

  • سجن بلطجية الشّوارع والمنظّمين بأحكام طويلة بشكل خاص.
  • تخليص المجتمع من الأصول الصّهيونية التي خلقت الظّروف الملائمة لأعمال الشغب هذه.
  • معاقبة دولة “إسرائيل” بشكل مباشر، من خلال الحرب الحركية.
  • إنّ ثمن التّخريب الصّهيوني يجب أن يكون القضاء على الصهيونية”.

(انتهى كلام ميل).

من الواضح أنّ الحركة الصّهيونية بدأت تشعر بحجم الاحتقار التي ينظر فيه العالم للدّولة المارقة والمنبوذة التي تمارس جرائم فاشية ونازية، وبدأت تشعر بأنّ النّشطاء في أوروبا وأمريكا يسحبون البساط من تحت قدميها ويقلبون الطّاولة على اللّاعبين، لذلك وجّهت سهامهما نحو الإسلام مستغلّة المتطرّفين الذين يقومون بتنظيف غسيلها القذر، رغم أنّ هؤلاء المتطرّفين في غالبيتهم نازيين وفاشيين، لكن مصالح الصّهاينة والنّازية التقت على حساب غزّة.

علي سعادة - كاتب وصحفي أردني

علي سعادة - كاتب وصحفي أردني

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
الرئيس الإيطالي يهنّئي تبون ويؤكد: "المستقبل الواعد بين البلدين سيتعدى مستوى العلاقات الثنائية" سلطان عمان والرئيس الصحراوي يهنئان الرئيس تبون القدس المحتلة.. تعزيز التحرك العربي لمواجهة الإجراءات الصهيونية نفذها الاحتلال جنوب غزة.. 40 شهيدا وعشرات المصابين في مجزرة جديدة أمطار رعدية على 9 ولايات هل سيحسم عمالقة التكنولوجيا نتائج السباق نحو البيت الأبيض؟.. مستقبل أمريكا في متاهة "السيليكون فالي" فشل ثلاثي الأبعاد.. المخزن يتخبط في مستنقع الإخفاقات انتقادات واسعة.. أداء سلطة الانتخابات في مرمى المترشّحين الثلاثة جهود التدخّل والإغاثة مستمرة.. إجراءات فورية للتعامل مع أضرار فيضانات ولاية بشار عائلته تستقبل التعازي في "بيت فرح وتهنئة".. الشهيد "ماهر الجازي" هدية الأردن لفلسطين وغزة العهدة الثانية للرئيس تبون.. أمريكا تسعى إلى ترقية التعاون الثنائي اختتام الألعاب البارالمبية في باريس.. الجزائر الأولى عربيا وإفريقيا وزارة التعليم الفلسطينية.. فتح مدارس افتراضية لأول مرة في غزة تعليم عالي.. استلام 19 إقامة جامعية جديدة بتكليف من رئيس الجمهورية.. عطاف في القاهرة ولقاءات مرتقبة مع نظرائه العرب الرئيس الصحراوي يوجه رسالة تهنئة إلى الرئيس تبون بعد فوزه بالعهدة الثانية.. اليامين زروال يهنئ عبد المجيد تبون جبهة البوليساريو تدين السياسة الإجرامية للاحتلال المغربي ضد الصحراويين أكد تمسكه بالعلاقة الاستثنائية بين البلدين.. ماكرون يهنئ تبون على إعادة انتخابه إجراءات عاجلة للتكفل بمخلفات الأمطار بولاية بشار