في العديد من البلدان حول العالم، تحتل النساء مناصب سياسية بمعدلات أعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة، واستنادا إلى تقرير صدر في 2022 عن الإتحاد البرلماني الدولي وهو هيئة تتشكّل من برلمانات عِدّة لدول من كافة أنحاء العالم ـ تراجع التمثيل السياسي للمرأة الأمريكية مؤخرا من المرتبة 48 إلى المرتبة الـ67 عالميا.
لعقود من الزمان، قادت النساء العديد من الدول ـ من كندا والمملكة المتحدة إلى ألمانيا وفرنسا، ومن إستونيا وسنغافورا إلى إثيوبيا وفنلندا)، ولكن خلال ما يقارب 250 عاما، لم تنتخب الولايات المتحدة أي رئيسة.
وفي الوقت الذي حاولت فيه المناضلات السياسيات بالولايات المتحدة ـ بداية من شيرلي تشيشولم عام 1972 وصولا إلى هيلاري كلينتون في عام 2016، وإليزابيث وارن عام 2020 ـ بلوغ أعلى منصب في البلاد، فإن احتمال قول الأمريكيين “سيدتي الرئيسة” بدل “سيدي الرئيس” لا يزال يبدو بعيد المنال.
الديمقراطيون أكثر ترحيبا بالنساء من الجمهوريين
يعد انتخاب كامالا هاريس ـ نائبة للرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن ـ كأول امرأة تحتل هذا المنصب، وقراره بمنح ما يقارب الـ50℅ من الحقائب الوزارية في إدارته للنساء، مكسبا كبيرا للسياسيات الأمريكيات، لكن هذا الإنجاز ورغم رمزيته لا يمكن القياس عليه، ببساطة لأن إدارة بايدن إدارة ديمقراطية، ودعم النساء والأقليات باختلاف فئاتها يُعد أحد مبادئ الحزب الديمقراطي، الذي قد يخسر الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024، وتأتي إدارة جمهورية بنظرة مختلفة.
فاستنادا إلى أرقام نشرها موقع ” Statista” (ستاتيستا) ـ وهو مؤسسة ألمانية مختصة في جمع وتحليل البيانات ـ ينخفض تمثيل المرأة في كل مرة يفوز الحزب الجمهوري برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، ففي حين يقدر تمثيلها في إدارة بايدن بـ48℅، لم تتعدّ نسبة النساء اللائي كلفهن الرئيس السابق دونالد ترامب (جمهوري) نسبة 26.1℅، وفي الوقت الذي تراوحت فيه نسبة تمثيل النساء خلال عهدتي حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما ما بين الـ30.4℅ في العهدة الأولى والـ34.8℅ في العهدة الثانية، لم يتعدّ تمثيلهن في إدارة سابقه جورج بوش الابن نسبة الـ23.8℅.
انخفاض التمثيل النسوي في السياسة الأمريكية لا يقتصر على منصب نائب الرئيس أو وزير، فحسب المركز الأمريكي للمرأة والسياسة)، فإن المحكمة الأمريكية العليا التي تتشكل من 9 قضاة، توجد بها أربع قاضيات مقابل خمسة قضاة، ومجلس الشيوخ الذي يتشكل من 100 عضو، لا تتعدى نسبة النساء فيه الـ25℅.
أما مجلس النواب الذي يتشكل من 435 عضوا، فيقدّر عدد عضواته النساء بـ125 نائب، أي ما نسبته 28.7℅، وحتى على المستوى الولائي لا يختلف الأمر كثيرا، ففي كل الولايات الأمريكية الخمسين إضافة إلى مقاطعة كولومبيا ـ العاصمة واشنطن ـ لا توجد بالولايات المتحدة الأمريكية سوى 12 حاكمة.
هل المجتمع الأمريكي جاهز لانتخاب سيدة كرئيسة للبلاد؟
أعلن 10 مترشحين خوضهم لسباق الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، وهناك 5 مترشحين محتملين من المنتظر أن يعلن اثنين منهم ـ هما نائب الرئيس السابق مايك بنس وحاكم ولاية نيوجرسي السابق كريس كريستي ـ ترشحهما بشكل رسمي خلال هذا الأسبوع الجاري.
ولكن بين هؤلاء الـ15 مترشح بشكل رسمي ومترشح محتمل، لا توجد سوى امرأتين اثنين، حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي التي أعلنت ترشحها عن الحزب الجمهوري، وماريان ويليامسون، المؤلفة والمستشارة الروحية السابقة لأوبرا وينفري، التي ترشحت كديمقراطية، وهنا يطرح السؤال حول مدى استعداد المجتمع الأمريكي لانتخاب سيدة كرئيسة لها.
بعد إعلان الجمهورية نيكي هيلي شهر فيفري الماضي، ترشحها للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، أجرت “YouGov” ـ وهي مؤسسة مختصة في استطلاعات الرأي، مقرها لندن ـ سبر آراء حول حظوظ هيلي في الفوز بالرئاسة، ومدى تقبل الأمريكيين لامرأة في المنصب، فكانت النتيجة أن غالبية الأمريكيين (55℅) قالوا إنهم يأملون في أن يروا امرأة تشغل منصب الرئيس خلال حياتهم، لكن 50℅ فقط توقعوا ذلك، وقالت نسبة مماثلة من الأمريكيين (49℅) إن البلاد مستعدة لانتخاب امرأة كرئيسة.
إذا كان نصف الأمريكيين يتوقعون رؤية سيدة تشغل منصب رئيسهم ويتمنون أن يعيشوا ذلك، والكثير منهم يقولون أن الولايات المتحدة الأمريكية على استعداد أن تقودها امرأة، فما الذي يمنع المترشحات النساء من الفوز في الانتخابات على مدار عشرات السنين؟
أرجعت دراسة نُشرت في الـ22 فيفري 2022، على موقع مجلة “Greater Good” الأمريكية، تحت عنوان: What Keeps Us From Electing a Woman President? (ما الذي يمنعنا من انتخاب رئيسة؟)، للباحثة في علم النفس Jill Suttie جيل سوتي، السبب الرئيس لعدم قدرة الأمريكيين على انتخاب سيدة كرئيسة للبلاد، إلى ما أسمته بـ”التحيز البراغماتي”.
وقالت الباحثة التي تشغل منصب كاتبة محررة ومساهمة في مجلة Greater Good، إن الصور النمطية عن النساء بأنهن غير قادرات على اعتلاء مناصب معينة، تضرّ بفرصهن في الفوز بمنصب الرئيس، لكنها ليست السبب الوحيد، فحسب رأيها هناك نوع من التحيز يلعب دوارا كبيرا في تقليل حظوظهن، يتمثل في “التحيز البراغماتي” ضد المرأة في الانتخابات، ويعني أن الأشخاص الذين يفضلون مرشحة امرأة ما زالوا لا يصوتون لها خوفًا من اعتقادهم أنه سيكون من الصعب أو بالأحرى من المستحيل عليها الفوز، وذلك في الغالب لأنهم يعتقدون أن الآخرين لن يصوتوا لها.