فرنسا ترفض تسليم بوشوارب.. لعبة الابتزاز ومنطق حماية الفاسدين

مرة أخرى، يسقط قناع فرنسا ليكشف عن نهجها المزدوج في التعامل مع الملفات القضائية والدبلوماسية، وهذه المرة من خلال رفضها تسليم وزير الصناعة الأسبق، عبد السلام بوشوارب، إلى الجزائر، رغم إدانته في قضايا فساد كبرى ونهب المال العام. القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في إيكس أون بروفانس استند إلى حجج واهية تتعلق بالحالة الصحية للمتهم وظروف السجون الجزائرية، ما يعكس موقفًا انتقائيًا للحكومة الفرنسية، التي لا تتردد في الضغط على الجزائر باستخدام ملف المهاجرين غير الشرعيين، لكنها تمتنع عن تسليم مسؤول سابق متورط في اختلاسات مالية ضخمة.

هذا الموقف يكشف ازدواجية المعايير التي تنتهجها فرنسا في تعاملها مع القضايا القضائية، حيث تتجاهل التزاماتها الدولية والاتفاقيات الثنائية عندما يتعلق الأمر بمصالحها. فبينما ترفع شعارات محاربة الفساد وسيادة القانون، تفتح أبوابها لمسؤولين متورطين في قضايا فساد ونهب المال العام، ما يثير تساؤلات حول مصداقية خطابها الرسمي.

يُعدّ بوشوارب أحد أبرز المسؤولين السابقين المتورطين في قضايا فساد خلال فترة حكم الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة. وقد صدرت بحقه عدة أحكام غيابية، من بينها السجن لمدة 20 عامًا بتهم تتعلق بتبديد المال العام، وتبييض الأموال، واستغلال النفوذ، وإبرام صفقات مشبوهة. كما قدّمت الجزائر ستة طلبات رسمية لتسليمه بموجب الاتفاقية الموقعة بين البلدين عام 2019، إلا أن باريس لم تستجب لأي منها.

ما وراء الرفض الفرنسي؟

استند قرار محكمة الاستئناف في إيكس أون بروفانس إلى أسباب صحية وقانونية، حيث اعتبرت أن تسليم بوشوارب قد يشكل “خطرًا على حياته”، مستندة إلى المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. كما زعمت المحكمة أن ظروف السجون الجزائرية قد تؤثر على وضعه الصحي، وهو ما دفع محامي بوشوارب إلى الاستشهاد بتقارير نشرتها مجلة جون أفريك، المعروفة بمواقفها المناوئة للجزائر.

لكن هذه المبررات لم تقنع الجزائر، التي أكدت عبر محاميتها، سوفي بارتيكس، أن السلطات الجزائرية قدّمت كل الضمانات اللازمة لضمان محاكمة عادلة ورعاية صحية مناسبة لبوشوارب. وبالتالي، يثير هذا الرفض تساؤلات حول دوافعه الحقيقية، وهل يتعلق الأمر فقط بمخاوف حقوقية، أم أن وراءه اعتبارات سياسية؟

الأزمة المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا

يأتي القرار في سياق علاقات جزائرية-فرنسية متوترة، حيث تمرّ الدولتان بمرحلة شد وجذب بسبب عدة ملفات حساسة. فمن جهة، ترفض الجزائر استقبال المهاجرين غير الشرعيين الذين تسعى باريس إلى ترحيلهم، وهو ما دفع مسؤولين فرنسيين، بمن فيهم وزير الداخلية برونو روتايو، إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية على الجزائر. ومن جهة أخرى، تستمر الخلافات حول قضايا الذاكرة الاستعمارية، والتعاون الأمني، والملفات الاقتصادية.

الجزائر تعتبر رفض تسليم بوشوارب مؤشرًا على ازدواجية المعايير الفرنسية، حيث تُظهر باريس استعدادًا لترحيل مهاجرين جزائريين، لكنها تمتنع عن تسليم شخص متورط في قضايا نهب المال العام. كما أن القرار يعيد إلى الأذهان حالات سابقة لمسؤولين جزائريين متهمين بالفساد لجأوا إلى فرنسا أو دول أوروبية أخرى ولم يتم تسليمهم.

ويرى مراقبون أن هذا القرار سيؤثر على مستوى التعاون القضائي والأمني بين البلدين، وقد يدفع الجزائر إلى إعادة النظر في بعض الاتفاقيات الثنائية. كما قد تستغل الجزائر هذه القضية لزيادة الضغط على باريس في ملفات أخرى، مثل مراجعة الشراكات الاقتصادية والتجارية.

وفي هذا الصدد، يؤكد الإعلامي الجزائري، هيثم رباني، أن قضية بوشوارب ليست مجرد ملف قضائي، بل ورقة جديدة تُضاف إلى رصيد الخلافات الجزائرية-الفرنسية، مما يعمّق أزمة الثقة بين البلدين ويدفع بالعلاقات نحو مزيد من التعقيد.

سلسبيل شعبان

سلسبيل شعبان

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
روسيا تُبدي رغبتها في إطلاق مشاريع استثمارية جديدة في الجزائر الاتحاد الأوروبي يُشيد بدور الجزائر كشريك موثوق واستراتيجي في المنطقة توجيهات صارمة لتسريع عمليات صيانة وتجهيز البواخر مولوجي تُبرز جهود الدولة في التكفل بذوي الاحتياجات الخاصة وزير العدل: مشروع قانون الإجراءات الجزائية حماية للمال العام والاقتصاد الوطني سايحي يدعو إلى تكثيف الجهود لتحسين التكفل بمرضى السرطان وتوسيع مراكز العلاج وزير التجارة يؤكد على ضرورة تطوير آليات العمل الرقابي لمواكبة تحولات السوق مجاهد: نجاح الجزائر يكمن في تعاملها مع القضايا بالمبادئ لا بالمصلحة أزيد من 20 شركة روسية تستكشف السوق الجزائرية في منتدى أعمال مشترك فرنسا تغازل أحفاد النازيين.. ما القصة؟ الجزائر تستعدُّ لاحتضان مؤتمر إفريقي هام الأضاحي المستوردة.. الأولوية للفئات المعوزة وأصحاب الدخل المحدود حصيلة مروعة.. 39 قتيلا في حوادث المرور خلال أسبوع وزير الاتصال: "التكوين أساس تشكيل جبهة إعلامية تدافع عن الوطن" هذا موعد انطلاق الطبعة الثالثة للصالون الإفريقي للأعمال بوهران وزارة التربية تواصل سلسة جلسات دراسة وتدقيق اقتراحات المنظمات النقابية المعتمدة شنقريحة: العلاقات الجزائرية-الرواندية نموذج للتنسيق السياسي في الدفاع عن إفريقيا اللغة الأمازيغية.. دعم متزايد لإصدارات في مختلف المجالات الثقافية عرقاب: الجزائر تُشجع التحول نحو نموذج طاقوي مستدام ومتكامل في إفريقيا الغموض يخيّم على واغادوغو.. حملة اعتقالات تفضح صراع أجنحة في جيش بوركينا فاسو