ارتفعت حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا مع تصعيد دبلوماسي جديد، جاء بعد رفض الجزائر استلام قائمة بأسماء مواطنين جزائريين مرحّلين من فرنسا، في تأكيد على تمسكها بموقفها الرافض لقرارات باريس أحادية الجانب، وهو الموقف الذي أصاب السلطات الفرنسية بالهستيريا، إذ سارعت إلى التهديد بإجراءات انتقامية، تجلّت في تصريحات حادة لكل من وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو ووزير العدل جيرالد دارمانان، في خطوة تعكس تصعيدًا جديدًا في اتجاه توتر العلاقات بين البلدين
رفضت الجزائر، مساء الاثنين، استلام قائمة تتضمن أسماء نحو 60 مواطنًا جزائريًا تزعم فرنسا أنهم مستهدفون بإجراءات الطرد، مؤكدة أن التعامل مع مثل هذه القضايا يخضع لاتفاقيات ثنائية وآليات قانونية محددة، وليس لقرارات فرضية من الجانب الفرنسي.
وأوضحت وزارة الشؤون الخارجية، أن موقفها ينبع من التزامها بحماية حقوق مواطنيها في الخارج، مؤكدة ضرورة احترام الإجراءات المتفق عليها بين البلدين. وشدد البيان على أن أي خطوة تتعلق بترحيل الجزائريين يجب أن تخضع للمراجعة القنصلية الدقيقة، وفقًا لاتفاقية العلاقات القنصلية لعام 1974، وليس بناءً على تفسيرات فرنسية منفصلة لبروتوكول 1994.
كما رفضت الجزائر ما وصفته بـ “المقاربة الانتقائية” التي تتبعها باريس في تطبيق الاتفاقيات الثنائية، متهمة السلطات الفرنسية بمحاولة فرض شروط غير متفق عليها من خلال إجراءات قسرية تتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.
باريس تصعد وتعلق اتفاقيات 2007
ردًا على الموقف الجزائري الحازم، أعلنت الحكومة الفرنسية تعليق العمل باتفاقيات 2007 التي تعفي حاملي الجوازات الدبلوماسية الجزائرية من التأشيرة، في خطوة اعتبرها المراقبون محاولة للضغط على الجزائر للامتثال للسياسات الفرنسية المتعلقة بالهجرة.
وفي مقابلة مع إذاعة “فرانس إنتر”، توعد وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو باتخاذ “إجراءات تدريجية” ضد الجزائر، متهمًا إياها بعدم التعاون في ملف الترحيل. كما لوّح وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، بإمكانية مراجعة اتفاقيات 1968 الخاصة بتنظيم الهجرة بين البلدين، وهو ما يعكس توجهًا فرنسيًا نحو تشديد الخناق على الجزائر دبلوماسيًا.
لكن رغم هذه التهديدات، فإن باريس تدرك أن أي تصعيد مع الجزائر قد ينعكس سلبًا على مصالحها الاستراتيجية، خاصة أن الجزائر شريك رئيسي في ملفات الطاقة والهجرة والأمن الإقليمي، كما أنها تعد من أهم موردي الغاز إلى أوروبا في ظل الأزمة الطاقوية الحالية.
ازدواجية المعايير الفرنسية
الموقف الفرنسي المتشدد تجاه الجزائر يثير تساؤلات حول ازدواجية المعايير التي تعتمدها باريس في إدارة ملف الهجرة. فبينما تستهدف الحكومة الفرنسية الجزائر بإجراءات تصعيدية، لا تتخذ مواقف مماثلة تجاه دول أخرى لها جاليات كبيرة في فرنسا.
ويشير مراقبون إلى أن الجزائر أصبحت مجددًا “ورقة داخلية” في السجال السياسي الفرنسي، حيث يحاول اليمين المتطرف استغلال ملف الهجرة للتحريض ضد الجزائريين، وسط مساعٍ لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات المقبلة.
ويأتي التصعيد الأخير في سياق أزمة دبلوماسية متزايدة بين الجزائر وباريس، تُعد من الأشد منذ استقلال الجزائر عام 1962. فقد تصاعد التوتر في الأشهر الأخيرة بفعل ملفات شائكة تتعلق بالذاكرة التاريخية، السيادة الوطنية، والهجرة، حيث تتهم الجزائر فرنسا بانتهاج سياسات أحادية الجانب لا تراعي مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول.
وزاد من تعقيد الأزمة تدخل فرنسا السافر في شأن جزائري خالص، بعدما حاولت استغلال قضية اعتقال الكاتب المزعوم بوعلام صنصال، الذي وُجهت له تهم تتعلق بالمساس بالسيادة الوطنية والتواصل مع جهات أجنبية معادية، على خلفية تصريحات أدلى بها لمنصة إعلامية فرنسية ذات توجه يميني متطرف. هذه التصريحات أثارت جدلًا واسعًا داخل الجزائر، حيث أُحيلت القضية إلى القضاء الجزائري وفق الأطر القانونية المعمول بها، في خطوة تؤكد استقلالية العدالة الجزائرية. ومع ذلك، لم تتردد باريس في التدخل ومحاولة استخدام القضية كورقة ضغط دبلوماسي، متجاهلة مبدأ احترام السيادة الوطنية، ما أثار ردود فعل رافضة داخل الجزائر.
رغم الضغوط المتزايدة، تؤكد الجزائر تمسكها بسيادتها ورفضها لأي محاولات ابتزاز سياسي من باريس. فهي ترى أن محاولات الضغط المتكررة، سواء عبر قضايا الترحيل أو عبر تصريحات مسؤوليها، لن تؤثر على مواقفها الثابتة القائمة على الندية واحترام المصالح المشتركة.
وفي ظل العلاقات المتشابكة بين البلدين، يبقى السؤال مطروحًا: هل ستدرك باريس أن سياسة التصعيد لن تحقق أهدافها، وأن لغة الإملاءات لم تعد مجدية مع الجزائر، التي تؤكد أن أي تسوية للأزمة يجب أن تقوم على الحوار المتكافئ والاحترام المتبادل، لا على محاولات فرض الأمر الواقع؟