فشل انقلاب بوليفيا.. نخب مستنيرة في مواجهة مؤامرات الـ”سي آي آي”

من خلال تأريخ الظّاهرة الانقلابية في أمريكا اللاتينية يتّضح دور المخابرات المركزية الأمريكية في هندسة حركات التمرّد داخل نخب المؤسّسات العسكرية هناك عبر آليات التّمويل والضّغط والتدخّل المباشر وليس دور “السي آي آي” في الإطاحة بحكومة اليندي الشّرعية في الشيلي عام 1973 بالدّم والدبّابات إلّا مثال حي ودراماتيكي عن تأثير المحدّد الأمريكي في صناعة الانقلابات الدّموية في المنطقة. 

وما حدث في بوليفيا مؤخّرًا إلّا تراكم منهجي وكرونولوجي لدور واشنطن الأصيل في اللااستقرار النّسق السّياسي الأمريكولاتيني بنيويًا واستراتيجيًا انطلاقًا من فكرة نيواستعمارية تعتبر دول القارة تابعة لـ “السي آي آي” التي تخصّص ميزانيات ضخمة لكي لا تستقل الشّعوب هناك عن الهيمنة والسّيطرة ولا تنتج أنظمة ثورية مضادة للمصالح الأمريكية.

وما حدث في باناما مطلع تسعينيات القرن الماضي يعكس حجم تحكّم البنتاغون في مصائر أجيال كاملة ترنو للحرية والسّيادة لكن إرادة الأمركة تتغلّب بالمخدّرات والعمولات والقتل والإعلام على كلّ مشروع تنموي وفكري حر والغريب هنا أنّ أمريكا الدّيموقراطية هي التي تطيح بالأنظمة المنتخبة شعبيًا من أجل إقامة أنظمة شمولية موالية لقيم ومعايير العم سام في تناقض صارخ بين الخطابات المثالية والممارسات الأمريكية في القارة الأمريكية.

ولعلّ فشل انقلاب واشنطن الأخير في بوليفيا رسالة وعي من نخب مستنيرة تنتج قطيعة تاريخية واقتصادية وأيديولوجية مع واشنطن التي تخسر مرّة أخرى رفقة حليفها الموضوعي الصّهيوني موقعًا آخر وليس أخير في لعبة الأمم تحت تأثير المقاومة الدّيبلوماسية الدّولية ضدّ العدوان الهمجي على غزّة والتي أحدثت انقلابًا في المفاهيم والأبعاد لصالح الشّعوب المستضعفة يتمظهر عبر انتصار الشّعب البوليفي على العدوان الأمريكو-صهيوني على إرادته ونموذجه ومنهجه في الحياة وحضارته التي تمتدّ لما قبل قيام الولايات المتّحدة الأمريكية والكيان الصّهيوني بقرون.

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

عكنوش نور الصباح - خبير إستراتيجي جزائري

اقرأ أيضا