انطلق، أمس الاثنين، الموسم الدراسي الجديد بالمغرب وسط مخاوف من عودة الاحتقان الذي هيمن طيلة العام الدراسي الماضي، على خلفية رفض آلاف الأساتذة “النظام الأساسي” لموظفي قطاع التربية وعجز الحكومة عن حل الملفات العالقة، وتأتي هذه الإخفاقات في المجال التعليمي، لتضاف إلى فشل الحكومة المغربية في معالجة أزمة الأسر المتضررة من زلزال الحوز الذي مضت عليه سنة كاملة. فهذه الأسر لا تزال تعاني من أوضاع معيشية صعبة، تفاقمت مع تجدد الأمطار والفيضانات، وذلك بعد كارثة الزلزال التي أودت بحياة أكثر من 3 آلاف شخص.
وفي ظل هذه الأزمات الداخلية، يتواصل الاحتجاج الشعبي في المغرب ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة منذ بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي. وقد قادت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة سلسلة من الأنشطة الاحتجاجية، تجاوزت 5400 وقفة ومظاهرة، بالإضافة إلى 700 مسيرة، شملت مختلف المدن والقرى في أنحاء المملكة.
وفي بيان لها, ثمنت الهيئة المغربية اتساع دائرة المؤيدين لفلسطين وللمقاومة الفلسطينية, مؤكدة على ضرورة العمل التنسيقي والتضامني مع الشركاء من كافة الأطراف السياسية والنقابية والحقوقية والمدنية في إطار الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع وإسقاطه.
وحثت ذات الهيئة مناضليها على “مزيد من العمل على تقوية الفعل المناهض للتطبيع خاصة الواجهات التربوية والإعلامية والثقافية, وكذلك الفعل المقاطع باعتباره أحد أهم جبهات الدعم الاقتصادي المقاوم الفعال والفتاك” والذي سجلت بشأنه الهيئة, بناء على رصدها, “تجاوبا واسعا من فئات الشعب المغربي بمقاطعة كثير من الشركات والمنتجات والعلامات التجارية”.
ولم يفت الهيئة التنويه بالجهود الكبيرة للعديد من الهيئات, مثل جماعة العدل والإحسان والاتحاد الوطني لطلبة المغرب وتنسيقية أطباء من أجل فلسطين, في التنديد بالسياسات المخزنية وحشد الشارع ضد التطبيع، وجددت الهيئة المغربية إدانتها لكل الخطوات التطبيعية التي أقدم عليها النظام الرسمي المغربي, معربة عن رفضها لعودة ممثل الكيان الصهيوني المجرم إلى الرباط وفتح “وكر الخراب والفساد”.
كما طالبت برفع الغطاء السياسي والدبلوماسي عن جرائم الكيان الصهيوني بـ”تعليق كافة أشكال التطبيع وتجميد الاتفاقات الموقعة رسميا وطرد ممثلي الكيان الفاشي النازي من أرض المغرب, انسجاما مع القيم الإنسانية ومقتضيات القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة واحتراما للشعب المغربي وتاريخه”.
من جهته, ندد حزب النهج الديمقراطي العمالي بالمغرب بمسار تطبيع النظام المخزني المغربي مع العدو الصهيوني, داعيا إلى وقف جميع أشكال التطبيع “نزولا عند رغبة الجماهير المغربية والتي عبرت عنها في مختلف الأشكال الاحتجاجية التي خاضتها”.
كما أشاد الحزب المغربي بحجم تضامن الجماهير المغربية مع القضية الفلسطينية, داعيا إياها إلى تكثيف التضامن مع الشعب الفلسطيني وابتكار أشكال جديدة وفعالة من أجل وقف التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل.
ومنذ 7 أكتوبر الماضي, تتواصل انتفاضة الشارع المغربي ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل, والمطالبة بإسقاط جميع اتفاقيات العار الموقعة نهاية 2020, حيث يخرج المغاربة, بشكل شبه يومي في احتجاجات عارمة عبر أرجاء المملكة, تنديدا بمواصلة النظام المغربي, التطبيع مع الكيان المجرم الملطخة يداه بدماء الأبرياء من الأطفال والنساء في فلسطين.
دخول مدرسي جديد وسط هواجس من عودة الاحتقان
انطلق أمس الاثنين الموسم الدراسي الجديد بالمغرب وسط مخاوف من عودة الاحتقان الذي هيمن طيلة العام الدراسي الماضي على خلفية رفض آلاف الأساتذة “النظام الأساسي” لموظفي قطاع التربية وعجز الحكومة على حل كل الملفات العالقة.
وفي سياق وضع اجتماعي متأزم, عاد أكثر من ثمانية ملايين تلميذ إلى المدارس بينما تشير معطيات بأن كثيرين منهم يواجهون صعوبات في تحصيلهم الدراسي, وهو ما كشفت عنه نتائج البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ “بيزا 2022”, حيث احتل المغرب المرتبة 79 في مجال القراءة من أصل 81 دولة والمرتبة 76 في العلوم والـ71 في الرياضيات.
كما ينطلق الموسم التعليمي الجديد في ظل تجدد النقاشات حول التحديات التي تواجهها المنظومة التربوية في المغرب, ولعل أبرزها النقص في الموارد البشرية التي ينتج عنها اكتظاظ في الفصول الدراسية, فضلا عن البنية التحتية التي يعتبرها العديد من متتبعي الشأن التعليمي “متهالكة وتحتاج إلى إعادة تأهيل”.
ويصادف التحاق التلاميذ بصفوف الدراسة أسئلة ما تزال عالقة حول مستوى التحصيل لدى هؤلاء التلاميذ في ظل الظروف الصعبة التي طبعت الموسم الدراسي المنصرم وتذمر واضح للأسر المغربية التي تعيش ضائقة مالية قد لا تسعفها في أداء واجبات التسجيل واقتناء الأدوات المدرسية التي باتت أسعارها تفوق قدرتهم الشرائية.
كما تتزامن بداية الموسم الدراسي مع الإحصاء العام للسكان والسكنى الذي انطلق في وقت سابق ويستمر إلى غاية 30 من سبتمبر الجاري وهي العملية التي أثارت “جدلا واسعا” بسبب مشاركة الأساتذة فيها.
وعلى الرغم من أن الوزارة الوصية طمأنت المغاربة بأنها “تعمل على تدبير هذه الفترة بالإجراءات اللازمة لضمان عدم التأثير على مصلحة التلاميذ” الا أن “الرؤية تسودها ضبابية” أمام الأسر حول الطريقة التي ستدبر بها الوزارة هذا النقص على مستوى الأساتذة الغائبين عن المدارس خلال هذه الفترة خاصة ب”النظر لأهمية هذا الشهر بالنسبة للعلاقة بين الأساتذة والمتمدرسين”.
وأوضح الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم, عبد الله غميمط, أن النقاش حول عملية الإحصاء “مفتعل للهروب من المشاكل الحقيقية التي يعاني منها القطاع والتي ليست وليدة اللحظة والممتدة لعقود بقرار رهن المدرسة العمومية بخيارات السوق والرأسمال وربط المدرسة والشأن التعليمي بالهواجس المالية”.
وتابع غميمط أن الدخول المدرسي الحالي “لا يختلف عن السنوات السابقة من حيث الارتباك والاختلالات المسجلة وهذا راجع بالدرجة الأولى لغياب تخطيط محكم وإرادة سياسية للدولة في النهوض بالمدرسة العمومية”, مشيرا إلى أن “أبرز مشكل ستعيشه المنظومة خلال هذا الموسم وسيحرم أبناء وبنات الشعب المغربي من حقهم في التعلم, هو النقص في أطر هيئة التدريس بسبب سياسة التقشف التي تمارسها الدولة التي لم تعد توظف العدد الكافي لسد هذا النقص.
ويرى متخصصون في الشأن التعليمي أن التحديات “تبدو كبيرة” بالنسبة للمنظومة التربوية إذ أن أكثر من ثلثي التلاميذ “لا يتقنون المهارات الأساسية في التعليم الابتدائي بسبب السياسات التعليمية التي تفضل المقاربة الكمية على حساب النوعية مما جعلها تدفع ثمنا باهظا لسياسة تعميم التمدرس لعقود دون وضع الموارد المادية البشرية الكافية لذلك”.
كما يواصل التسرب المدرسي في تآكل النظام التعليمي لدرجة أنه يمس أكثر من 300 ألف طالب كل عام وهم ينتمون إلى الفئة العمرية (15-24 عاما) وليسوا في المدرسة ولا في التكوين ولا في العمل حيث بلغ عددهم 1.5 مليون فرد عام 2023.
كيف حال الأسر المتضررة من زلزال الحوز؟
فشلت الحكومة المغربية بشكل مخز في معالجة أزمة الأسر المتضررة من زلزال الحوز, والتي لا تزال تعيش في ظروف قاسية مع تجدد الأمطار والفيضانات, بعد سنة كاملة من الكارثة التي أدت لوفاة 3 آلاف شخص على الأقل.
فأمام فشل الحكومة الذريع في وضع السياسات العمومية المناسبة لمواجهة الأزمة, طالب حزب العدالة والتنمية, السلطات المعنية بتسريع التجاوب مع الشكايات التي يرفعها المتضررون من زلزال الحوز.
ودعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية, في بيان أعقب اجتماعها يوم الأحد, الحكومة إلى “تسريع معالجة الشكايات المتعلقة بتقديم الدعم والمساعدات والتأخر المسجل في تنفيذ برنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز”.
وعبر الحزب عن استنكاره للجوء الحكومة إلى أساليب “غير مقبولة” في مواجهة الاحتجاجات على تأخرها في إنجاز وعودها بخصوص تنزيل برنامج المساعدات وإعادة البناء والتأهيل والوضعية المزرية التي تعيشها الأسر المتضررة, مطالبا باحترام حرية الرأي والتعبير والاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي كما يضمنها الدستور والقانون, “عوض ترويج أرقام ومنجزات لا تعكس الواقع المنظور للأسر المتضررة”.
وقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات لنشطاء تدين ممارسات المخزن تجاه الأوضاع الكارثية التي يعيشها المتضررون من زلزال الحوز, حيث لا تزال العائلات عالقة بين ذكريات ليلة الثامن من سبتمبر 2023 وبين صعوبة التعافي, وهناك الآلاف في القرى الجبلية الصغيرة يعيشون داخل خيام لا تقيهم أخطار الطبيعة والمناخ, لتستمر معاناتهم النفسية قبل المادية.
وسجل حقوقيون عدم استفادة مجموعة من المواطنين من دعم الحكومة وتشخيص البناء واستمرار تشريد الكثير منهم, بالإضافة إلى عدة خروقات وانتهاكات مست بحقوق الإنسان وفاقمت مأساة الأسر التي تعيش بين قسوة الجبال وطقسها بحره في الصيف وبرده في الشتاء.
في هذا الصدد, قال رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمدينة مراكش, عمر أربيب, أنه بعد مرور سنة عن الزلزال, سجلت الجمعية “خروقات على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية, انطلاقا من تدخلات الدولة لتدبير الأزمة التي لم تكن ناجعة”, مشيرا إلى أنه إلى حدود اللحظة, تستقبل هيئته “مئات الشكايات” من المواطنين المحرومين من الدعم الشهري وإعادة الإسكان والذين “يلزمون الصمت تحت خيامهم”.
وأكد المتحدث ذاته على أنه “تم إقصاء عدد كبير من المواطنين الذين من المفترض استفادتهم من التعويض”, مشددا على غياب مبدأ الشفافية في تدبير الدعم والمساعدات المقدمة لمناطق الحوز, “حيث تصل العديد من الإعانات لهذا الإقليم لكن يجهل مصيرها”.
وسجل المتحدث ذاته انتهاك حق أطفال المتضررين في التمدرس السنة الماضية, مشيرا إلى أن الذين التحقوا بفصول الدراسة لم يتمكنوا من ذلك بشكل فعلي قبل شهر ديسمبر, “ثم جاءت الإضرابات وبعدها توقفت الدراسة في شهر مايو, ما أسهم في عدم اندماجهم في الموسم المدرسي بشكل طبيعي لأن شروط التمدرس غير متوفرة إطلاقا”.
وأكد على أن معاناة سكان إقليم الحوز تتجلى بشكل واضح, في ظل تهميش وإقصاء الحكومة, والتي تتباطأ في عملية إعادة الإعمار, وبالرغم من ادعاءاتها بوجود إنجازات وأرقام “مبشرة”, فإن الواقع “يعكس نقصا حادا في الخدمات الأساسية, مع غياب سياسة واضحة لإعادة الإعمار”.
وقال أن المتضررين “يعيشون في ظروف صعبة داخل خيام بلاستيكية, حيث يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة”, موضحا أن هذا الوضع أدى إلى تصاعد الاحتجاجات في المنطقة, حيث يطالب المتضررون, الحكومة بالاستجابة لمطالبهم ووقف الإهمال الذي يعانون منه.