تتابع الجهات الحقوقية في تونس ـ بقلق شديد ـ صعود تحالف اليمين إلى الحكم في إيطاليا، إذ من المتوقّع أن يكون لهذا الفوز فاتورة باهظة سيدفعها المهاجرون التونسيون خاصة غير النظاميين، في ظل ما تخطّط له «جورجيا ميلوني» ـ رئيسة حزب «فراتيللي دي إيطاليا» المرشحة الأوفر حظاً لمنصب رئاسة الوزراء في بلادها، بعد فوزها الساحق بالانتخابات التشريعية الأخيرة ـ إذ سبق لها أن توعّدت بإنشاء ما أسمته “مهمة عسكرية أوروبية” لمواجهة المهاجرين غير النظاميين.
ويؤكد النائب السابق المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي، في تصريح لإحدى الإذاعات التونسية الخاصة أن “النتائج تشير إلى صعود (ائتلاف حاكم) وهو مزيج من اليمين واليمين المتطرف في إيطاليا، وقد تكون جورجيا ميلوني رئيسة الحكومة المقبلة، باعتبار أن حزبها فاز تقريبا بـ25 في المائة من الأصوات”.
ويمثل (ائتلاف اليمين) 44 في المائة، أي ما يتراوح ما بين 236 و238 مقعدا من مجموع 400 مقعد في البرلمان، ولم يخف هذا الائتلاف على مر التاريخ هاجسه إزاء ملف الهجرة وخاصة جورجيا ميلوني التي توعّدت ببناء سور بالبواخر لمنع المهاجرين من القدوم إلى إيطاليا، بحسب توضيحات «الكرباعي».
وقال النائب السابق: “شاهدنا الحملة الانتخابية لسالفيني التي كانت تحت عنوان كفى لمراكب الهجرة”، ويتمنى سالفيني العودة إلى منصبه كوزير للداخلية، وبالتالي ستكون هناك قرارات صارمة قد تؤثر على مستقبل المهاجرين وخاصة المهاجرين غير النظاميين”، وأتوقع أن تتم إعادة بلورة وإعداد رؤية لاتفاقيات الهجرة”.
إملاءات إيطالية..
وحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن أكثر من ألفي قاصر تونسي وصلوا إلى إيطاليا بشكل غير نظامي منذ بداية سنة 2022 والى غاية أوت الفارط، وقد تمكّن 10139 تونسيا من بينهم 2102 قاصرا و498 امرأة من الوصول إلى السواحل الإيطالية منذ مطلع العام.
وفي المقابل تم اعتراض أكثر من 14700 مهاجر غير نظامي، كثير منهم من مواطني دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتوفي 443 أو فُقدوا خلال الفترة ذاتها، حسب أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي يعنى بملف الهجرة في تونس.
ويقول رمضان بن عمر الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ«الايام نيوز»، “إن صعود اليمين المتطرف في إيطاليا لم يكن مفاجئا لأنه امتداد لصعود اليمين في شمال أوروبا (السويد والنمسا) وقد أتى دور إيطاليا من خلال فوز «ميلوني» الذي كان محور خطابها خلال حملتها الانتخابية هو تغذية الكراهية تجاه المهاجرين”.
أما بالنسبة للعلاقات التونسية الإيطالية في ملف المهاجرين ـ يؤكد بن عمر ـ أنها علاقات تقوم على الابتزاز إلى غاية إخضاع الدولة التونسية لإملاءات روما، وأن “المرحلة القادمة ستشهد انتهاك حقوق وكرامة المهاجرين التونسيين، باعتبار أن الفائزة بالانتخابات الإيطالية لمّحت إلى أنها مستعدّة لمنح تونس حوافز مالية هامة مقابل تشديد الرقابة على سواحلها والضغط على تونس حتى تقبل بالترحيل القسري للمهاجرين”.
ابتزاز ومآسي إنسانية
ويرى بن عمر “أن ابتزاز إيطاليا سيكون له تأثير أكثر على الدولة التونسية لأن سفير روما بتونس المنتهية مهامه قد لمّح خلال لقائه الأخير برئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن أن إيطاليا ستدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي وبالتالي ستحاول إيطاليا توظيف الملفات الاقتصادية وحاجة تونس لدعم مالي في هذه الفترة الصعبة”.
ويتوقع بن عمر أن “المآسي الإنسانية للمهاجرين في إيطاليا ستشتدّ لأن الأولوية تتجّه للمنع وليس لإنقاذ هؤلاء، وستكون المقاربة الأمنية هي الأبرز كما سيتم الفرز بين المهاجرين على أساس الهوية وانتهاك الحق في اللجوء وسنشهد تسريعا في عمليات الترحيل وهذا لن يشمل فقط المهاجرين التونسيين غير النظاميين فحتى من لهم سنوات طويلة بإيطاليا ولديهم بعض المشاكل على مستوى الإجراءات القانونية قد يشملهم الترحيل”.
ترحيل واحتجاز
وتفيد دراسة عن الظروف المعيشية ومسارات المهاجرين التونسيين المرحلين من إيطاليا تم نشرها في أوت 2022، أنه مع عودة ما لا يقل عن 1922 تونسيا في عام 2020، وعودة 1872 في عام 2021، أصبحت تونس تشكل الوجهة الرئيسية للمرحلين من إيطاليا بنسبة 73,5 بالمائة.
وتم إجراء هده الدراسة بالشراكة بين «منظمة محامون بلا حدود» والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية الدراسات القانونية حول الهجرة بإيطاليا كجزء من عملهم المشترك لضمان تحقيق العدالة للتونسيين ضحايا الترحيل القسري من إيطاليا، وتندد الدراسة بظروف الاحتجاز والمعاملة التمييزية للتونسيين.
وحسب الدراسة فقد كانت رحلة المهاجرين التونسيين محفوفة بالصعاب، فمن مأساة اعتراضهم في عرض البحر من قبل خفر السواحل الإيطاليين إلى مشهد ترحيلهم إلى تونس مرورا باحتجازهم في أماكن مختلفة، كما ظهرت انتهاكات مختلفة داخل مراكز الترحيل الإيطالية كالحرمان من الولوج إلى العدالة، وغياب إيصال المعلومة بلغة مفهومة لأصحاب الحقوق، وعدم وجود سبيل اعتراض فعال أمام القاضي على القرار القضائي، وقد شكّل غياب توفير معلومات واضحة عقبة أساسية في جميع مراحل هجرة التونسيين، وأظهرت الدراسة، أن المقاربة الأمنية في التعامل مع الهجرة هي السياسة السائدة.
ويؤكد بن رمضان أن “الخيارات اليمينية المتطرفة تحكم قبضتها على سياسات الجوار والهجرة شمالا و تحاول فرض مقاربتها الأمنية على أمن وسيادة بلدان جنوب البحر المتوسط”، مذكرا بتصريحات أدلت بها وزيرة الدفاع الإيطالية ـ المنتمية إلى حركة النجوم الخمسة الشعبوية اليمينية ـ أشارت فيها إلى قرب وصول قوات عسكرية إيطالية جنوب سواحل تونس للمساهمة في ضمان ضبط الحدود البحرية للحد من التدفقات الهجرية حسب زعمها تحت عنوان ما يسمى بالتعاون الثنائي وتبادل الخبرات وفي إطار تنسيق كامل مع الحكومات المغاربية.
ويقول بن رمضان “تأتي هذه التصريحات تزامنا مع تصريحات شريكها في الائتلاف الحكومي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الذي طالب في رسالة وجهها لنظيره التونسي في وقت سابق تدعو تونس إلى مزيد ضبط الحدود والسواحل الجنوبية بحجة تكثف انطلاق التدفقات نحو إيطاليا انطلاقا منها وبتسريع وتيرة الترحيل بإضافة الترحيل القسري للمهاجرين الوافدين عبر البحر وعلى متن قوارب الإنقاذ الإنسانية”.
سياسة يمينية متشددة
ومن جانبه يرجّح الدبلوماسي التونسي السابق أحمد ونيس لـ«الأيام نيوز»، أن “تتأثر العلاقات بين إيطاليا وتونس بسبب السياسة اليمينية المتشددة هناك، خاصة فيما يتعلق بقضية الهجرة التي أخذت تأثيرا انتخابيا واضحا، فهي قضية تتغذى منها التيارات السياسية اليمينية المتشددة في عديد الدول الأوروبية التي أصبحت تعتبر نفسها في حالة دفاعية”.
ويتوقّع «ونيس» أن تتغير سياسات التعاون بين إيطاليا وتونس في ملف الهجرة لأن فوز حزب «إخوة إيطاليا» اليميني المتشدد ورئيسته جورجيا ميلوني “سيكون له أكبر تأثير على ملف المهاجرين من خلال فرض ضغوطات وسياسات قمعية حيث ستلجأ السياسيات الحكومية الجديدة في إيطاليا ـ وحتى في دول أوروبية أخرى شهدت صعود اليمين مؤخرا ـ إلى تشديد العقوبات على تونس”.