فيما الوحشية الصّهيونية تطال المدارس وسيّارات الإسعاف.. عبدة العجل ينتحرون على “بــرّ” غزّة!

ذات تاريخ من عام 2005، وبينما كان على رأس زيارة رسمية قادته إلى نيويورك، نقلت عنه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تصريحا مغرورا خاطب به رئيس وزراء دولة الكيان الصّهيوني آنذاك “إيهود أولمرت، أحد المسؤولين الكبار بالبيت الأبيض، حين سأله عن الحالة في الأراضي المحتلة، فما كان من أولمرت إلا أن ردّ ساخرًا: “تعبنا من القتال؛ تعبنا من هزيمة أعدائنا وتركيعهم”.

أولمرت الذي انتهى به المطاف سجينا بتهم فساد بعد سنوات من تصريحه ذاك، لم يكن يتكلم من فراغ، ولكنّه كان يتكلم عن قناعة بأن الأمة العربية انتهت بموت نخوتها، التي لم تكن إلا “زعامات” عربيّة بقدر ما شوّهتها مخابر الغرب وحملات الكيانات الإسلاموية، بالطّعن في وجودها تحت مسمّيات الطغيان والدكتاتورية، إلا أن تاريخ اليّوم وما حبل به من خيانات وخذلان وتطبيع أنصفها بعد أن سجّل على شواهد قبورها أنها كانت السّدَ المنيعَ الذي وقف في وجه الكيان.

قبل الإعلان عن تأسيس ما يُسمى بدويلة الكيان من رحم مسمّى وعد بلفور بأكثر من ربع قرن، سألوا مؤسّس الصّهيونية العالميّة تيودور هرتزل، الذي لم يحضر لحظة العهد الموعود، عن الكيفية التي سيجسّد بها حُلمه، وهو الأعزل والضعيف والمشتّت بين البلدان، فكان ردّه إستراتجية زمن أورثها لمن خلفه، وقد اختزلها في عبارته الشهيرة: “سنُوَلّي عليهم سفلةَ قومهم حتى يأتي اليّوم الذي تستقبل فيه الشعوب العربية جيش الدفاع الإسرائيلي بالورد والرّياحين” ومن يرى العروش العربية، اليّوم، ويتمعّن في هاوية خذلانها وهوية حكامها، لن يُفاجأ بأن هرتزل كان يرسم ملامح القادمين من سادة عروش ولم يكن يقرأ الفنجان؛ ولكنّها معادلة المخططات وإستراتجية الاستمرارية والتراكمات ما مَكّنَه من صناعة المستقبل القادم بزرع رياحين اليهود وسقي وَردِها على رأس القصور العربية حتى يتمكّن سادتُها من تسيير الشعوب، فاليهود كمنظومة جبن لها تاريخ في الغدر لم تكن لديهم مشكلة أرض وحدود ولكنها مشكلة إنسان عربي هو الحدود التاريخية لأي جغرافية كانت، والمهم في ثنائية أولمرت وهرتزل أن ما صرح به حفيد هرتزل عن تعبه من القتال ومن هزيمة وتركيع أعدائه، لم يكن إلا تحصيل حاصل لما زرعه مؤسس الصّهيونية العالمية شخصيا من سقاة ورد وزرع، فتحوا أمام الكيان أبواب التأسيس لدويلة الكيان.

فقط، ما غاب عن مفكري الصّهيونية، وهم يُصفّون زعماء القومة العربية من جمال عبد الناصر إلى الملك فيصل فهواري بومدين وصدّام حسين وياسر عرفات والعقيد معمر القذافي، ليخلوَ لهم الجو، أن “فئة” من حملة لواء المقاومة، ممن لم ترصدهم أعين هرتزل أو غرور أولمرت وأجهزة الموساد، يمكنهم أن يُخلّوا بأوهام أن الكيان تعب من القتال ومن هزيمة وتركيع الأمة العربية، لتكون النتيجة اليّوم طوفان أقصى لم تتوقف مضاعفاته وتداعياته عند حدود غلاف غزّة وما حدث صبيحة غزوة 7 أكتوبر المنقضي، ولكنه تعدّاه إلى مقابر للشّتات داخل حدود غزّة، في حرب برية ظنها غربان القصف الوحشي لن تكون إلا سياحة فوق الجثث المقصوفة، فإذا الأبطال يكتبون بدماء الشهداء أن من لا يملك أرضا لا بَرّ له، وأن البَرّ ملحمة رجال، وليس لعبة “عيال” تمت جرجرتهم في غلاف غزّة من رقابهم ومن غرف نومهم، ليكونوا العبرة لعجل أولمرت ووهم كونه تعب من القتال ومن تركيع أمة بسبب سفلتها من حكام كانوا نطفة من إستراتيجية هرتزل القديم.

“بَــرّ” المقاومة ووبـر الحكام..!

يتضح جليّا، كل يوم، أن أكبر استثمار نجحت فيه الصّهيونية العالمية ليس قوة جيش امتلكتها فأرهبت بها الأمة وأخضعتها من خليج العمائم إلى محيط العمالة، ولكنهم حُكام عروش أعرابية، استثمرت المخابر الإستراتجية في تثبيت أركان سلطانهم بعد أن عجنتهم لسنوات من التأطير بملح العمالة والخيانة، فمن “مروك” المغرب، حيث السادس سداسية تلمود، إلى سعودية بن سلمان وما “تَسَلْمَن” فيها و”تعلَّج” (نسبة للعلج)، وصولا إلى الإمارات والأردن ومصر، فإنّ القوة الحقيقية التي اجتثت الأمة قبل أن تُركعها فتصل لمرحلة استقبال اليهود بالورد والرياحين، ليست إلا “سفلة” القوم ممن عرف وحدّد تيدور هرتزل ملامحهم حتى قبل وعد بلفور وإعلان قيام دويلة الكيان الصّهيوني، لذلك فإن ما يفعله اليّوم من حكام العروش والقصور من تآمر وخذلان وخيانة، وصلوا حسب تصريح أحد قادة حماس لمطالبة نتنياهو باجتثاث المقاومة من جذورها، ليس إلا تحصيل حاصل للمعادلة الهرتزلية، التي أوضحها بنيامين صراحة أنها حرب بقاء لا تخصّ فقط الكيان الصّهيوني ولكنّها تعني أصدقاءه من الحكام العرب، ولنا أن نتصور كيف تحوّلت الخيانة في هرم عروشها لسياسة ووجهة نظر! 

ما يبرر ويفسّر الجنون الصّهيوني، وخاصة بعد أن امتدت مقاصفه قبل أيام، إلى قصف المستشفيات واستهداف سيّارات الإسعاف والمدارس، ليس فقط الصمت العالمي والمساندة الأمريكو – أوربية، ولكنه الضوء الأخضر الذي تلقاه نتنياهو من زعماء التطبيع وملوك وأمراء عروش الخيانة، فالقضية بالنسبة إلى جمع وجموع المتآمرين خرجت من خانة ردّ صفعة عملية طوفان الأقصى وإعادة هيبة جيش آل السبت إلى محطة أنه لا مناصَ من القضاء على مقاومة أعادت للشارع العربي نخوته وشموخه ونبضه، ليصحو من غفلة صفقة الرياحين والورد التي جعلت من اليهود أبناء عمّ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتاجر معهم كما كانوا جيرانه، والمهم في ما انتهت إليه الحال، أن الحرب البرية التي كانت رهان، ليس فقط نتنياهو وجيشه، ولكنها رهان المتخاذلين من عمائم القصور العربية، انتهت إلى مستنقع ينذر بغرق صهيوني تتجاوز لعنته لعنة طوفان الأقصى وما خلّفه من هزيمة تاريخية في عقر الكيان، لتكون ردة الفعل أنْ جُنّ جنون القصف أكثر ولم يبق أمام الجيش الإسرائيلي إلا محوَ غزّة من الخريطة، ولا يهم إن كان الثّمن كل سكانها من الأبرياء.

هو الجنون الصّهيوني، وهي المقاومة الفلسطينية التي رسّخت في من لا أرض له، أن البَرّ لأقدام الرجال وليس لأشباه رجال، لا يحسنون من أخلاق المعارك إلا لعبة المقاصف وما أبادت من مدنيين وعزّل ومستشفيات وحتى سيّارات إسعاف.

“بقّ” بوتين وعجل نتنياهو..!

كما انتحرت غطرسة أمريكا وأروبا على أسوار بوتين “واحد”، غيّر معادلة الصراع من موسكو تابعة ومثهانة وضعيفة، لروسيا قيصر، لم يكتفِ “بوتينها” بغزو أوكرانيا أمام من صنعها ونفخها واستثمر فيها كقاعدة خلفية، بل أضاف لها تحديه وسخريته من “بقّ” باريس ومحاصرة أروبا وتهديدات أمريكا، قلنا كما حدث ذلك وانتحرت أفلام الكارتون وأسطورة الرجل الأورو – أمريكي الخارق، الذي لم يعد إلا “بقًّا” يسخر من طنينه بوتين، فإن الحال نفسها مع البعوض الصّهيوني، فباستثناء طائراته الحربية التي لا تتقن إلا وحشية القصف، فإن البرّ لمالك الأرض وصاحبها، ومن تطؤها أقدامه فإن مآله أن يدفن تحت ترابها، والأمر هنا يتعلق بإحصائيات رسمية معلنة من الكيان عن خسائر بشرية كبيرة، دفعت قادة العملية العسكرية البرية من جنرالات الكيان، لأن يفكروا في التراجع عن مشروع الغزو البري، بعد أن وصلتهم رسالة الرواسي في صمود غزّة الشجعان. والنتيجة، أنه ومهما كانت مآلات الحرب ووحشية القاصف، فإن العالم فهم أن القوة ليست في طائرة دون طيّار ولكن في ساعد يمسك الزناد ويجعل من تراب أرضه مستقرا، فإما أن يحميها أو يضْحى جزءا من أديمها.

نهاية الكلام.. ستنتهي الحرب ولن يحمل نياشينها هذه المرة سلطان ولا ملك ولا جنرال، ولكنهم فقط شباب لم يستشيروا في طوفانهم حكاما ولا محكوما، فقط..كانت صلاتهم قبلة تسمى الأقصى وعهدا يسمى فلسطين، فسلام على أرض الجبابرة من حمَلة نياشين وجيل صامدين.

للتذكير وللعلم بالشيء، فقط، فإن تاريخ الحثالة في زمن صهيون سجّل في حرب نتنياهو البريّة، أنه حين وقف أمام جنود جبهته زائرا ومؤازرا إياهم، خاطبهم بعباءة “حبر” من زمن المعابد حين استعار من كتاب صموئيل، وبالضبط من فصله الخامس عشر، آيته الثالثة ليخاطب بها جيشه قائلا: “والآن اذهب واضرب العماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعفوا عنهم. بل اقتلوا على السواء الرجل والمرأة، الطفل والرضيع، بقرا وغنما، جملا وحمارا”، لذلك، فما حدث ويحدث الآن من مجازر ومذابح ومقاصف، ليس إلا تطبيقا حرفيا لبنود التلمود. لكن بالمقابل، ففي البرّ أبناء الفاتحة ممن اعتنقوا الكتاب المبين، مؤمنين بأن الشّتات مآله كما مصيره مهما طغى؛ أن ينتهي شتاتا في بقاع الأرض، وذلك وعد السماء.

أسامة وحيد - الجزائر

أسامة وحيد - الجزائر

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
 غزة تشتعل.. تصعيد عسكري ونفير عام ورسائل تهز "إسرائيل" بوغالي يطالب إسبانيا بمراجعة موقفها من قضية الصحراء الغربية القضاء الفرنسي يرفض طلب تعليق قرار طرد المؤثر الجزائري "دوالمن" بشراكة صينية.. نحو إعادة إطلاق مصنع الإسمنت بالجلفة سقوط القصر الرئاسي بيد الجيش.. معركة الخرطوم تدخل مرحلة الحسم ليلة الشك.. الجزائر تتحرى رؤية هلال شهر شوال يوم السبت هذه حصيلة نشاط الرقابة وقمع الغش والمضاربة خلال 24 يوما من رمضان وزارة التربية تنشر جدول التوقيت الخاص بامتحاني "البيام" و"الباك" خيرات الصحراء الغربية.. موارد منهوبة تموّل آلة الإجرام المغربية! مواد مسرطنة في الحلويات الحديثة.. حماية المستهلك تحذّر محكمة الدار البيضاء تفصل غدًا في قضية بوعلام صنصال بعد محادثات الرياض.. واشنطن تعلن عن اتفاقات جديدة بين موسكو وكييف مشاريع ترامب حول العالم.. أرباح في آسيا وخسائر في أوروبا خطة طريق لتعزيز رقمنة قطاع التجارة الداخلية الجزائر تعيد رسم خارطتها الغذائية.. القمح الفرنسي خارج الحسابات بن جامع: "الهجمات الصهيونية انتهاك صارخ لسيادة سوريا ويجب وقفها فورًا" ارتفاع أسعار النفط عالميا وسط مخاوف من تقلص الإمدادات الجزائر والعراق.. شراكة طاقوية استراتيجية في ظل التحولات العالمية برنامج عمل مشترك بين وزارة الشباب ومكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز بالجزائر مولوجي تُشدد على ضرورة "تحيين" مناهج التكفل بالأطفال المعاقين ذهنيا