دأب الصهاينة على المكر والخداع، وهذه عملتهم في التعامل مع “الأغيار” غيرهم من شعوب الأرض، مهما كانت درجة القربى التي تجمعهم، فهم يؤمنون حقا بأنهم خير خلق الله فوق الأرض، ويعتقدون فعلا بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وبالتالي فكل خلق هو عبد لهم وكل ثروة هي ملك لهم، فهم السادة وغيرهم الخدم، بمفهوم كتبهم المُحرَفة وعقائدهم المزيفة.
ولذلك كان مَثَلُ الصهاينة في خبثهم كمثل ذلك الثعلب الغادر، ومثل المهرولين كمثل ذلك الديك الغبي الذي ظل يسرق من طعام سيده ليطعم الثعلب.. فلما اختلى به الثعلب يوما غدر به وافترسه.. قتله ومزق جسده، وفي خضم التهامه له، علقت عظمة صغيرة في حلقه فلم يستطع ابتلاعها ولا لفظها، فراح يركض يمنة ويسرة والألم يزداد مع كل لحظة ويتعاظم، يئن ويتأوه ويعوي.. حاول أن يقنع الكلب بمساعدته، فلم يكترث لأمره الكلب.. ترجى ثعلبا آخر ففر من وجهه.. استعطف ذئبا فلم يعره هما.. حتى وقف بين يديه ديك آخر كان في الجوار، وسمع الجلبة التي أحدثها، فسأله عن الأمر.. وبصعوبة خانقة أخبره الثعلب بأن عظمة كلب علقت بحلقه، ووعده بأن هو ساعده وخلصه منها، أعطاه كل ما يريد ويشتهي.
وافق الديك على العرض من غير تردد، وطلب من الثعلب أن يستلقي على ظهره، وأن يفتح فاه ويشرع فكّيه إلى أقصى ما أمكن.. فلما فعل، أدخل الديك رأسه في فمه ومدّ منقاره إلى حلقه، وأطبق على العظمة وسحبها إلى أن خرجت، فتجشأ لها الثعلب راحة بعدما كادت روحه تخرج إثرها، ثم قفز مستويا قائما على أرجله.. وهنا، سأله الديك إنجاز وعده قائلا؛ الآن، وقد خلصتك من ألم العظمة التي كادت تودي بحياتك، هلا حققت لي طلبي كما وعدتني..؟ هنا، كشّر الثعلب بخبث عن أنياب حادة بيضاء، وابتسم مكرا قبل أن يجيب الديك المخلّص، كن قنوعاً أيها الديك، فقد أدخلت رأسك بين فكّي فم ثعلب وأخرجتها سالمة آمنة، أليس في هذا جائزة لك من السماء..؟
اقتنع الديك الغبي بكلام الثعلب الماكر، وأدرك بأنه كان قاب قوسين أو أدنى من هلاك محتوم بسبب غبائه وتجشمه عناء وضع خير في غير موضعه، فانسحب وتوارى وفرّ بجلده قبل أن يغير الثعلب رأيه، وينقض عليه فقد استعاد عافيته.
على العرب المطبعة أن تدرك بأنها تصنع المعروف مع من لا يستحق، وتبخس حقا لمن هم أحق، وأن الوقت يضيع منها وينفد، قبل أن تصل إلى نقطة الإدراك والوقوف على الحقيقة المرّة.
ليست الحكمة ما ينقص العرب، لا ولا المال والرجال والجيوش، وإنما هي النزوة البهيمية التي تملّكت رؤوسهم فأهانت كبرياءهم، وصار لا فرق عندهم بين صهيوني مجرم قاتل، وفلسطيني مقاوم طاهر.. ولذلك عليهم أن يدركوا بأن البحث عن عسل النحل في شهد الدبور، مرجح على استعطاف السلام في جُحر “تل أبيب”.. فالصهاينة لم يؤتمنوا وهم يهودا مستكينين، فكيف وقد أصبحوا طغاة مجرمين..؟
ورد في تراث العرب أن امرأة في البادية كان قد وجدت جرو ذئب حديث العهد بالولادة، كان الرعاة قد قتلوا أمه وتركوه يكابد ألم الضياع والموت الأكيد في الصحراء. فأخذته إلى خيمتها ومنحته رعايتها، حيث أطعمت جوعته وأروت عطشته وآنست وحشته، وآخت بينه وبين خروف بمثل سنّه، فكان يرضع من ثدي الشاة وكأنه من بطنها، والشاة لا تفرق بينه وبين خروفها، تلعق فمه وتمسح على ظهره وتنظف شعره.. وهكذا، والمرأة تفاخر بأنها ربّت ذئبا وأدّبت طباعه، حتى صار يماثل الخراف ويتمثل بسلوكهم.
بالغت الأعرابية في الاعتناء بالذئب، وكانت كلما حذّرها أحدهم من طباع الذئاب، تقول بأنه سيكون ذئبا مطيعا يدافع عن شياهي ويحمي متاعي أشدّ من الكلب وأوفى، فأنا التي ربيته وأحسنت تربيته.
وظلّ الذئب “الأليف” يزداد مع كل يوم قوة ويكبر، ويزداد معه أمل المرأة ويعظم في أن يكون أمينها في خيمتها وما تحوي، وحاميها من سباع الصحراء وما تخفي.. إلى أن قوي واشتدّ أكثر، فوثب على الشاة التي أرضعته وبقر بطنها، على حين غفلة من مولاتها التي خرجت في بعض شأنها، فلما عادت وجدت الذئب يتمرغ في بركة من الدماء، وقد ولغ في أحشاء أمّه من الرضاعة، وبضعة كبد بين فكيه تسيل دما، فصرخت بملء فيها فزعة نادبة حظها، فلما رآها الذئب على تلك الحالة فرّ هاربا، وعاد إلى طباعه التي جبل عليها، تاركا سيدته تندب بختها مكتفية بضرب الكف على الكف ولطم الخدّ وشق الثوب، حزنا وأسى على ما أصابها بما اقترفت يداها.
وبعد نوبة جارفة من الحزن العميق، انتبهت وعادت وهدأت من هلعها، واحتوت فجيعتها وأدركت خديعتها، وفي غمرة استحضارها ما فعلت مع الذئب وكيف عاملته وربته في بيتها، أنشدت وكلها حسرة وندامة؛
عقرت شويهتي وفجعت قلبي….وأنت لثديها ولدٌ ربيبُ
غُذَّيتَ لبانها ونشــــــــأتَ فينا…فمَن أنباكَ أنّ أباكَ ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ ســــوءٍ…..فلا أدبٌ يُفيد ولا أديبُ
فما بال العرب إذا كان ذئبهم صهيوني الهوى يهودي العقيدة سادي الفكر كلبي النزعة، ماكر غادر خادع خبيث، لا يحفظ في الناس إلاًّ ولا ذمّة.
لقد فتحت جرائم غزّة وحرب الإبادة التي سلطت عليها، عيون العالم على هذا حجم “الإثم السياسي” التاريخي الذي ارتكبته المجموعة الدولية، يوم أذعنت بالاعتراف الإجرامي لهذا الكيان الإرهابي القاتل بالوجود.. وعليه، وجب على شرفاء العالم وأحراره إعادة النظر في علاقاتهم بهذا المسخ الكياني، وتصحيح مسار التاريخ وتقويم نهج العدالة والقانون.
ولما كان العرب أولى الشعوب بمواجهة هذا السرطان الخبيث، فإن موقفهم لا بد وأن يتبدل ويتغير إلى الوجهة الصحيحة، وأدنى ما يمكن فعله، هو سحب كل سفراء الدول العربية المعتمدة في عاصمة هذا الكيان، وطرد سفرائه من العواصم العربية، والتعامل مع هذا الوباء كحالة مرضية طارئة لا بد وأن تزول ذات يوم.. وفي ذلك بعض الاستعادةِ للشرف العربي المهدور.