في الذكرى الـ16 لرحيله.. المجاهد “يحيى بوعزيز”.. مؤرّخ وصانع تاريخ حتى آخر نفَس

أنجبت الجزائر العديد من المؤرخين الذين أثروا المكتبة الوطنية والعربية بمؤلفاتهم وبحوثهم ونفضوا الغبار عن بعض الحقائق التي تخص التاريخ الوطني، ومن بين هؤلاء يبرز المؤرخ المرحوم ـ المجاهد يحيى بوعزيز ـ الذي خلف وراءه أكثر من ثلاثين كتابا في مختلف جوانب التاريخ الجزائري الحديث والمعاصر بالإضافة إلى عدّة مقالات نشرها في العديد من المجلات الوطنية والدولية ومئات من المحاضرات ألقاها في الندوات والملتقيات داخل وخارج الوطن.

وقد ركز المرحوم يحيى بوعزيز على الأحداث التي وقعت في القرن التاسع عشر، بما في ذلك المقاومة الشعبية، وأحداث القرن العشرين، بما في ذلك حركة التحرير الوطني وثورة أول نوفمبر 1954.

ولم يكن اهتمامه مقتصرًا فقط على التاريخ السياسي المعاصر، بل امتدت أبحاثه إلى ميادين أخرى من التاريخ، ومنها التاريخ الثقافي، كما يُظهر ذلك في كتابه “أعلام الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة” الذي تألف من جزأين. وقد قام أيضًا بتأريخ بعض المدن والمناطق مثل وهران وتلمسان، بالإضافة إلى جهوده في مجال التأليف، قام الدكتور يحيى بوعزيز بمحاولات في مجال التحقيق وتوثيق التراث الجزائري المخطوط.

ولا يزال أساتذة التاريخ بجامعة وهران يتذكرون المجاهد وأستاذ تاريخ الجزائر الراحل يحيى بوعزيز (1929-2007) ويحرصون في كل مناسبة على استذكار مآثره وجهوده المتميزة في كتابة تاريخ الجزائر وإضاءة الطريق للأجيال اللاحقة.

ورغم أن المرحوم يحيى بوعزيز ولد وترعرع بقرية الجعافرة (ولاية برج بوعريريج) إلا أنه ارتبط – حسب تلميذه الدكتور محمد بلحاج – أكثر بمدينة وهران التي التحق بها قبله شقيقه الأكبر خلال الأربعينيات من القرن الماضي ثم باقي أفراد أسرته في الخمسينيات بعد وفاة والده لينتقل إليها هو كذلك بعد الاستقلال حيث يدرس بمعهد تكوين المعلمين ثم بجامعة وهران بعد حصوله على شهادة الدكتوراه خلال السبعينات حتى وفاته بها يوم 7 نوفمبر 2007.

نبوغ مبكر

وذكر الدكتور محمد بلحاج الأستاذ بقسم التاريخ وعلم الآثار بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة” أن “الفقيد ولد في أسرة محافظة مكنته من حفظ القرآن الكريم وهو ابن 6 أعوام وقد انتقل إلى قسنطينة ثم عنابة للدراسة قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة بتونس حيث حصل على شهادة التطويع ثم إلى جامعة القاهرة بمصر التي حصل منها على شهادة الليسانس، وقد حصل على شهادة الدكتوراه الطور الثالث من جامعة الجزائر عام 1978 في تخصص تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر”.

وكان للمرحوم الدكتور يحيى بوعزيز، حسب محمد بلحاج، نشاط سياسي قبل اندلاع الثورة التحريرية المظفرة حيث انخرط في صفوف الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وهذا ما جعله يعايش القضايا العادلة كقضية وطنه والقضية الفلسطينية.

وأضاف الدكتور محمد بلحاج أن المؤرخ يحيى بوعزيز شارك بعد اندلاع الثورة التحريرية في الأنشطة السياسية والإعلامية لجبهة التحرير الوطني خاصة من خلال كتابة المقالات السياسية بالجرائد التونسية والمصرية حيث أقام بهذين البلدين الشقيقين خلال هذه المرحلة.

كما كان مسؤولا عن الثقافة في الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في تونس ثم في مصر فضلا عن مساهمته في تنظيم إضراب الطلبة يوم 19 ماي 1956 استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني.

ومن جهته ذكر مدير مختبر البحث التاريخي مصادر وتراجم لكلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة” الدكتور محمد بن جبور بأن “جيلنا كان له الحظ والشرف الكبير للتتلمذ على يد المجاهد والمؤرخ يحيى بوعزيز في التسعينيات من القرن الماضي ونهلنا من علمه ومعرفته عندما عين أستاذ لتدريس التاريخ الحديث والمعاصر في معهد التاريخ بجامعة وهران وعضوا في مجلسها العلمي”.

وقد عمل على ضبط برنامج للتدريس واقتراح مواضيع ومشاريع للبحث العلمي وبذل الجهد من أجل تحفيز الطلبة على دراسة تاريخ الجزائر والبحث عن مصادره بصفته عضوا في اتحاد الكتاب الجزائريين ورابطة المؤرخين الجزائريين، وفق ذات المتحدث.

وأشار إلى أن للمرحوم الدكتور يحيى بوعزيز أزيد من 30 مؤلفا تناولت العديد من المواضيع التاريخية حيث بدأ التأليف عندما كان طالبا بجامع الزيتونة بتونس بإصدار كتاب ” الأمير عبد القادر الجزائري رائد الكفاح الجزائري سيرته الذاتية وجهاده “، وهو ويمثل دراسة مبسطة لتاريخ الأمير الحربي وسيرته القلمية، كما أنه عرض لحياته في مختلف مراحلها وأطوارها، وكان دافع الراحل بوعزيز إلى التأليف في هذا المجال هو إهمال الدارسين لشخصية الأمير (أبو الثورات التحريرية الجزائرية) ومنها ثورة أول نوفمبر 1954 التي تعتبر امتدادا لثورته المسلحة.

ثم أصدر كتاب “الموجز في تاريخ الجزائر” عام 1965 لتتوالى كتبه ومنها كتاب” ثورة المقراني والحداد” عام 1978 والذي يعتبر مرجعا هاما في دراسة السياسة الفرنسية في الجزائر خلال عهد الإمبراطورية الثانية.

وأبرز الدكتور محمد بن جبور بأن المرحوم يحيى بوعزيز كان دائم الدعوة إلى ضرورة كتابة تاريخنا الوطني بأقلام جزائرية بالاعتماد على المصادر الموثوقة والتراث المخطوط بغية إبراز الذات الجزائرية ودرجة مساهمتها في الحضارة الإنسانية.

في ذكراه

وتعد ذكرى وفاته الـ16 التي تتزامن مع يوم 7 نوفمبر إحدى المناسبات التي اختارها تلامذته السابقين بجامعة وهران لإحياء مآثره من خلال ملتقى علميا وطنيا ينظمه يوم 9 نوفمبر المقبل مختبر تاريخ الجزائر بالتعاون مع قسم التاريخ وعلم الآثار بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة” مع العلم أن أغلب القائمين على هاتين المؤسستين العلميتين من تلامذته السابقين.

للراحل بوعزيز مؤلّفات تزيّن المكتبات في الجزائر والعالم العربي، أهمّها:

  • ثورات الجزائر في القرنين 19م و20م.
  • الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري.
  • كفاح الجزائر من خلال الوثائق.
  • الاتّجاه اليميني في الحركة الوطنيّة الجزائريّة.
  • أعلام الفكر والثّقافة في الجزائر المحروسة.
  • الموجز في تاريخ الجزائر.
  • فضاء في رحلة العمر؛ وغير ذلك من المؤلّفات والمخطوطات.
  • سياسة التسلط الاستعماري والحركة الوطنية 1830-1954.
  • الثورة في الولاية الثالثة التاريخية (أول نوفمبر 1954 ـ 19 مارس 1962 م).
  • موضوعات وقضايا من تاريخ الجزائر والعرب.
الأيام نيوز - الجزائر

الأيام نيوز - الجزائر

اقرأ أيضا