يحتفل العالم اليوم – 18 ديسمبر – باللغة العربية باعتبارها “لغة الشعر والفنون”، وهو الشعار الذي اختارته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) لهذه الاحتفالية، اعترافا بمساهمات لغة الضاد في تفجير ينابيع الإلهام لدى كثير من الفنانين والشعراء عبر مر العصور.
بدأ تخليد اليوم العالمي للغة العربية عام 2012، ويُوافق 18 ديسمبر من كل عام، وهو التاريخ ذاته الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة اللغة العربية سادسَ لغة رسمية لها قبل ذلك بنحو أربعة عقود، أي عام 1973. وقد قررت الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونسكو ـ عام 2013 ـ جعل اليوم العالمي للغة العربية محور نشاطها المركزي السنوي.
ويعد اليوم العالمي للغة العربية منبرا ثابتا للتعمق في مناقشات ثرية تخص تأثير اللغة العربية في تشكيل المعارف والتحولات المجتمعية من خلال الشعر، فضلاً عن تأثيرها في الفنون، مع تعزيز التّنوع الثقافي والحوار بين الثقافات، تتمحور اجتماعات المائدة المستديرة في إطار هذه المبادرة حول المواضيع التالية:
- الفلسفة والشعر: مساهمة الشعر العربي في تشكيل المعارف وفي التحولات الاجتماعية.
- اللغة العربية والفنون: توسيع آفاق التنوع الثقافي.
- اللاتينيون العرب: البصمة العربية في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
العربية.. لغة ثالثة
ويسعى اليوم العالمي للغة العربية إلى التأكيد على مركزية هذه اللغة، التي تُعد من أوسع اللغات السامية انتشارا، فعدد المتحدثين بها يتجاوز 420 مليون نسمة في البلاد العربية. وفضلا عن ذلك، فإنَّ معرفة – ولو محدودة – بها ضرورية لأكثر من مليار مسلم كي يُؤدوا صلواتهم، كما أنها اللغة المعتمدة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المشرق.
بدأ اهتمام اليونسكو باللغة العربية باكرا، فقد قرر المؤتمر الثالث للمنظمة، المنعقد في بيروت عام 1948، اعتماد العربية لغة ثالثة، إلى جانب الإنكليزية والفرنسية، لأشغال هيئات المنظمة في حال انعقادها في بلد ناطق بالعربية، كما استحسن المؤتمر إدراج العربية ضمن اللغات التي تُترجم إليها محاضر الاجتماعات والدوريات ووثائق العمل.
وفي عام 1960، اعترف مؤتمر المنظمة بأهمية اللغة العربية وبقدرتها على جعل منشورات المنظمة أكثر تأثيرا وجلبا للاهتمام في البلدان الناطقة بالعربية إذا تمت ترجمتها إلى هذه اللغة، وهكذا تقررت ترجمة أهم وثائق ومنشورات المنظمة إلى اللغة العربية. بيد أنَّ عام 1966، شهد تحولا مهما تمثل في اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للجلسات مع ترجمة آنية منها وإليها في المؤتمر العام للمنظمة، وبعد ذلك بعامين تم اعتماد اللغة العربية لغة عمل في المنظمة.
ومهّدت هذه الخطوة لاستخدام اللغة العربية بشكلٍ تدريجي في عمل المنظمة بدءا بترجمة وثائق العمل والمحاضر نحوها، وأثمرت تلك الجهود وضع برنامج لتوسيع استخدام اللغة العربية، حين اعتبرت المنظمة أن اللغة العربية – على غرار اللغات الرسمية لها – وسيلة للتعبير عن الحضارة والثقافة البشرية وحفظهما.
وتُّوج مسار ازدهار اللغة العربية في اليونيسكو باعتمادها لغة رسمية عام 1974، بفضل جهود حثيثة بذلتها الجزائر بالدرجة الأولى ـ وبعض البلدان العربية الأخرى ـ من بينها مصر والعراق والكويت ولبنان وتونس واليمن ـ مكنت من ترسيم اللغة العربية في جدول أعمال المؤتمر العام للمنظمة.
اللغة العربية تدخل عالم الرقمنة في الجزائر
وفي الجزائر، يبذل المجلس الأعلى للغة العربية جهودا حثيثة لترقية وتطوير استعمال اللغة العربية بالاستعانة بالتكنولوجيات الرقمية الحديثة، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس المجلس، صالح بلعيد، بمدينة معسكر في افتتاح أشغال الندوة الوطنية العلمية حول “المعجم التاريخي للغة العربية…رهاناته اللغوية وأبعاده الحضارية”
وقد تمكن المجلس الأعلى للغة العربية من رقمنة 80 بالمائة من المخطوطات الجزائرية القديمة، التي يبلغ عددها حوالي 12 ألف مخطوط، ويتم هذا العمل حاليا بالتعاون مع باحثين ومختصين في الإعلام الآلي والتكنولوجيات الحديثة، وفق صالح بلعيد، الذي أشار إلى أن إستراتيجية هيئته تتمثل في العمل على تعميم الاستخدام الرقمي لجميع منجزات المجلس في مجال ترقية وتطوير اللغة العربية.
36 دليلا رقميا!
كما كشف البروفيسور بلعيد أن هيئته أنجزت خلال العام الجاري 36 دليلا رقميا بهدف الارتقاء باللغة العربية، كما أبرز أن المجلس ساهم في إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الذي جرى طبعه ورقمنته بإمارة الشارقة (الإمارات العربية المتحدة)، وذلك من خلال مشاركة أكثر من 130 باحثا وخبيرا في اللغة العربية من الجزائر، مضيفا أن هذا المعجم يضم 76 مجلدا يتناول كل الجذور المتعلقة بكلمات اللغة العربية مع دراسة تطوراتها عبر مختلف المراحل التاريخية.
وفي آخر تصريح له ـ يوم الجمعة ــ أعلن رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، أن أربع لغات ستبقى سائدة في العالم في غضون 20 عاما المقبلة، من بينها اللغة العربية، مشيرا أن البلدان العربية تحتفي هذا العام ببلوغ 67 مجلدا من المعجم التاريخي للغة العربية عند 15 حرفا عربيا من الألف إلى الضاد، من أصل 28 تشكل جميعها حروف اللغة العربية، مضيفا بأنه من المنتظر أن يفوق عدد المجلدات في غضون السنوات القليلة المقبلة سقف الـ100 مجلد، من خلال التقدم في ما تبقى من حروف لغة الضاد.
وخلال عرضه – يوم الجمعة – 37 مجلدا من معجم اللغة العربية أمام الأساتذة والباحثين والطلبة بجامعة معسكر، خلال ندوة علمية نظمتها كلية الآداب واللغات، بالتنسيق مع مكتبة المطالعة العمومية يحي بوعزيز بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية المصادف لـ18 ديسمبر من كل سنة، أكد بلعيد أن 124 باحثا جزائريا يسهرون على إعداد وإثراء معجم اللغة العربية، أي ما نسبته 47 بالمائة من مجموع 300 باحث من عشر مؤسسات عربية.
بعيدا عن هيمنة الورق..
قال رئيس المجلس الأعلى للغة العربية إن لغة الضاد في تطور مستمر، ما دامت معاجمها في تزايد على يد أساتذة وباحثين من بعض الدول العربية، خلافا للغات أخرى تعرف انكماشا في استخدامها، بل إن بعضها تحولت إلى مجرد لهجات فقط، فالقطب الفرنكوفوني الذي كان يضم 84 بلدا تراجع إلى 54 بلدا، وحلت محله اللغة العربية بـ63 بلدا، مشيرا إلى أن الأبحاث والدراسات القائمة حاليا توحي ببقاء أربع لغات سائدة في العالم في غضون 20 عاما المقبلة، من بينها اللغة العربية.
وأوضح المتحدث أن آخر الإحصائيات بيّنت أن عدد مستعملي العربية في المجال الديني عند حدود مليارين وستة ملايين نسمة، بعدما كان عددهم سنة 2012 لا يتجاوز عتبة مليار ونصف، وهو – حسبه – دليل على ما تحققه اللغة العربية يوميا من نجاحات وإنجازات، بفضل جهود الأستاذة والباحثين في عدة دول عربية، الذين لا يزالون يعملون على توسيع رقعة استعمالها في العالم.
وقرن صالح بلعيد مسعى استعمال وتطوير اللغة العربية بوجوب التحكم في التكنولوجيا واستعمالاتها وكذا الذكاء الاصطناعي، اعتبارا من أنه لا يمكن البقاء تحت رحمة الورق، بل يجب الخروج من هذه الدائرة وتبني مبدأ صفر ورقة، على غرار ما هو معتمد في الجزائر التي طبقت هذا الأسلوب في كثير من مجالاتها، على حد قوله.
وضمن مساعي الدولة لحماية وتطوير اللغة العربية، أكد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية أن هيئته وجدت كل الدعم والمساعدة من أجل العمل ضمن هذا المسعى، من خلال تجديد تركيبة المجلس بتنصيب الأعضاء الجدد شهر جوان الفارط، والدخول والمشاركة والمساهمة في المجمعات اللغوية لكثير من البلدان.