بينما يتشكل تحالف ناشئ بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، تواجه الولايات المتحدة تحديًا استراتيجيًا يهدد بإعادة رسم موازين القوى العالمية. ورغم اعتماد واشنطن على استراتيجياتها التقليدية في تفكيك التحالفات عبر المناورات الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية، يبدو أن هذه الأدوات باتت أقل فعالية في مواجهة شراكة متماسكة تربط أطراف “محور الشر” الجديد. وفي الوقت الذي تواصل فيه الصين تعزيز نفوذها العالمي بخطى مدروسة، تغرق واشنطن في سياسات عتيقة أثبتت محدوديتها، مما يدفع أصواتًا أمريكية بارزة إلى انتقاد نهجها القائم على خطاب أيديولوجي لم يعد مقنعًا لمعظم دول العالم. فهل تعيد الولايات المتحدة حساباتها قبل أن تفقد المزيد من نفوذها العالمي؟
وباتت الأبعاد العسكرية للتحالف الناشئ بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، محورا يثير قلقًا متزايدًا في واشنطن، حسب ما توصلت إليه الكاتبة أوريانا سكايلر ماسترو، من معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد، والباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، معتبرة -في مقال لها على موقع فورين أفيرز- أن هذا التحالف يمثل تهديدًا استراتيجيًا للولايات المتحدة ويؤدي إلى فقدانها لأفضليتها العسكرية لأول مرة منذ عقود. الأهم من ذلك، أن واشنطن لم تجد بعد صيغة فعّالة للتعامل مع هذا التحالف بسبب مرونة التفاعلات بين أعضائه وقدرتهم على العمل سويًا أو بشكل مستقل.
يشمل هذا التحالف الذي تقوده الصين افتراضيًا، ثلاث دول نووية، ودولة رابعة يُعتقد أنها على العتبة النووية، مما يشكل تحديًا عسكريًا كبيرًا للولايات المتحدة، التي غالبًا ما تركز على التعامل مع صراع كبير واحد في كل مرة. لذلك، تدعو سكايلر واشنطن إلى التعامل مع هذه الدول الأربع كمحور واحد حقيقي يهدف إلى تحدي الهيمنة الأمريكية، بدلاً من إضاعة الوقت في محاولة فهم علاقات كل دولة على حدة.
يستعرض المقال التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الولايات المتحدة وبعض القوى الكبرى التي تمثل تهديدًا لمكانتها العالمية، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية. يتناول أيضًا كيفية تطور العلاقات بين هذه الدول التي تتنوع بين التعاون العسكري والاقتصادي، ما يجعل من الصعب على واشنطن التعامل مع هذه التحديات بشكل منفصل. فيما يلي تحليل لأبرز النقاط التي يتم تناولها في المقال:
مقال سكايلر يسلط الضوء على الاتفاق غير الرسمي بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، والذي يُنظر إليه من منظور واشنطن على أنه “محور الشر”. وتشترك هذه الدول في أهداف استراتيجية تسعى إلى تقويض الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي. ورغم أن الصين هي القوة المحورية في هذا التحالف، إلا أنها تبذل جهدًا للحفاظ على علاقات دبلوماسية مع دول غربية من الاتحاد الأوروبي. وتقدم الصين دعمًا اقتصاديًا وعسكريًا لروسيا وإيران وكوريا الشمالية، لكنها تتجنب الانخراط المباشر في صراعاتهم، مما يعكس رغبتها في تجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن.
تكمن أهمية الصين ضمن هذا المحور في قدرتها على الاستفادة من موقعها كداعم رئيسي للقوى الأخرى بالمنطقة، مع الحفاظ على استراتيجية “قدم في الداخل وأخرى في الخارج”، ذلك أن الصين –وفق تحليل الكاتبة- لا ترغب في أن تكون في قلب هذا التحالف الرسمي، بل تفضل أن تظهر كداعم رئيسي دون تحمل مسؤولية سلوكيات الدول الأخرى. وهذا التكتيك يعكس الحذر الاستراتيجي، حيث تدرك بكين أن التقارب مع هذه القوى قد يؤدي إلى تصعيد المواجهة مع القوى الكبرى الأخرى، مثل اليابان وألمانيا.
من الجانب الاقتصادي، تقدم الصين دعمًا ضخمًا لروسيا بعد غزوها لأوكرانيا، حيث توفر أكثر من 9 مليارات دولار من السلع ذات الاستخدام المزدوج، مما يساعد موسكو في الحفاظ على اقتصادها رغم العقوبات الغربية. وفي الوقت نفسه، تدعم الصين إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية. ويمثل هذا التعاون الاقتصادي تحديًا مباشرًا للهيمنة الأمريكية في الساحة العالمية ويزيد من تعقيد محاولات واشنطن فرض سيطرتها على هذه الدول. ومع ذلك، فإن الصين تأخذ حذرًا في استخدام هذا الدعم، فهي لا ترغب في أن يبدو تحالفها مع هذه الدول تهديدًا لعلاقاتها مع حلفائها التقليديين.
خطاب أيديولوجي متآكل
مقال فورين أفيرز ينتقد الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة هذا التحالف، مشيرًا إلى أن واشنطن اعتمدت تاريخيًا على سياسة تقسيم الخصوم لتقويض التحالفات المناوئة لها. ومن أبرز نجاحاتها في هذا الصدد، استمالة الصين ضد الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، ما أدى إلى إنشاء قنوات تواصل دبلوماسية أفضت إلى زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية لبكين عام 1972.
لكن المقال يؤكد أن هذا النهج أصبح غير فعال في السياق الحالي. فالعلاقة بين الصين وحلفائها، وخصوصًا روسيا وإيران، ليست فقط قائمة على المصالح المشتركة، بل أيضًا تمنح الأطراف مزايا حيوية مثل الدعم السياسي، إمدادات الطاقة، والتكنولوجيا التي يصعب الحصول عليها من الغرب. وبالتالي، فإن محاولات الإيقاع بين أعضاء هذا التحالف تواجه صعوبات كبيرة بسبب الترابط الاستراتيجي بين أطرافه.
بدلاً من السعي إلى تقسيم هذا المحور، يقترح المقال نهجًا بديلًا يعتمد على التعامل مع الدول الأربع ككتلة واحدة مترابطة. ويشمل هذا النهج فرض عقوبات اقتصادية جماعية تستهدف جميع أعضاء التحالف، وليس فقط الصين أو روسيا على نحو منفرد، وعرض المقال المكاسب المحتملة لهذا النهج:
- تحفيز الحلفاء الغربيين: التركيز على الروابط بين الصين وروسيا قد يدفع أوروبا إلى التعامل بجدية أكبر مع تهديدات بكين.
- زيادة الضغط على الصين: تحميل بكين مسؤولية أفعال موسكو قد يدفعها إلى ممارسة نفوذ أكبر على روسيا لتجنب العقوبات، حتى لو ادعت في البداية أنها لا تملك هذا النفوذ.
- تعلم الدروس من الصين: كسب الدول النامية، ذلك أن أحد أبرز نقاط القوة في السياسة الصينية هو تركيزها على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتوسيع نفوذها العالمي. فقد استطاعت بكين كسب دعم الدول النامية من خلال تقديم مساعدات موجهة لتحسين البنية التحتية والصحة والتعليم، وتجنب الخطاب الأيديولوجي الذي قد يثير حساسية هذه الدول.
يحث المقال الولايات المتحدة على التخلي عن الخطاب الأيديولوجي التقليدي الذي يصورها كحارسة للديمقراطية في مواجهة مستمرة مع الأنظمة الاستبدادية، إذ أن هذا الطرح لم يعد يجذب اهتمام العديد من الدول، بما فيها الديمقراطيات النامية مثل البرازيل وإندونيسيا. بدلاً من ذلك، ينبغي على واشنطن التركيز على مبادرات تستجيب بشكل مباشر لاحتياجات هذه الدول، مثل مشاريع التنمية، تعزيز الأمن السيبراني، ودعم التعليم.
ورغم تأكيد المقال –بالمقابل- على ضرورة ممارسة الضغط على الصين وحلفائها، إلا أنه يقر بالتحديات التي قد ترافق هذا النهج. ففرض عقوبات إضافية قد يدفع بكين إلى تعميق علاقاتها مع روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ومع ذلك، يرى المقال أن التراجع أمام الصين ليس خيارًا واردًا، إذ قد يمنحها ذلك هيمنة إقليمية على تايوان وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في آسيا.