حقق السويدي جوهان أوغيست ستريندبرغ ـ بمسرحياته التاريخية وكذا الواقعية التي تدور حول الصراع بين الرجل والمرأة ـ شهرة واسعة أخذت ـ بعد أزمة عصبية مر بها ـ بعدا عالميا فكتب أكبر مسرحيات (الحلم والعقل الباطن) التي مكنته من أن يكون رائد الاتجاه النفسي في هذا المجال بلا منازع.
وتمر اليوم 22 يناير ذكري ميلاد هذا الكاتب والفيلسوف الكبير الذي جاء إلى الدنيا عام 1849 في مدينة ستوكهولم، ورحل في 14 مايو عام 1912، تاركا إرثا مسرحيا مازال يقدم علي خشبات المسارح في العالم كله حتى الآن ومنها مسرحيات: (الأب)، (الآنسة جوليا)، (مسرحية حلم)، (رقصة الموت)، وغيرها من الأعمال.
تأثر سترندبرغ Johan August Srindberg بالكثير من كتاب المسرح والفلسفة ومنهم هنريك إبسن، وجان جاك روسو، وفريدريك نيتشه، وجورج برانديس، وكارل روبرت إدوارد فون هارتمان، وإرنست هوفمان، وإدغار آلان بو، وأرتور شوبنهاور، وإمانول سفيدنبوري.
واعتمدت فلسفة سترندبرغ على أن العالم مبتلى بالصراع بين قوتين قوة الروح وقوة الجسد، الخير والشر، حيث يعاني الإنسان في دنياه لأنه معلق بين الأرض والسماء، حائر بين أشواقه الروحية التي تدعوه إلى السمو وبين شهواته الدنيوية التي تجره إلى الأرض.
ويرى أن الفهم والتسليم بمصائب الحياة يُعلمان الصبر على البلاء وأن لا سبيل لسعادة الإنسان إلا بخلاص الروح من كل القيود المادية التي تثقلها وتجرها إلى وحل الأرض! وتميزت فلسفته بالعبقرية والجنون فلا وسطية في فلسفته.
وأغلب الظن أن كتابات (سترندبرغ) جاءت نتيجة توتره العصبي والنفسي من واقع معاناته في طفولته البائسة داخل أسرة تتكون من أم تنتمي لعائلة فقيرة (أولريكا بيونورا)، وكانت تعمل في محل لبيع المسكرات.
أما الأب (كارل أوسكار) فهو سليل عائلة أرستقراطية قديمة لكنه لا يقوى على إعالة أسرته الكبيرة التي تضم عددا من الأطفال الجائعين، ولقد تسبّبت قسوة الوالد في توجيه أطفاله بعقد في نفس الطفل العبقري «سترندبرغ» الذي أصبح عصبي المزاج حاد الطباع لا يقوى على كبح جماح غضبه.
لقد كره الدراسة الكنسية التي فرضها والده عليه وقرر أن يكون كافراً بالعقيدة المسيحية ثم اتجه إلى دراسة الطب فوجد نفسه أبعد ما يكون عنها، ثم تقلب في القيام بين عدة أعمال منها التدريس ومكتب البرقيات والصحافة.
ثم توجه إلى التمثيل فترة إلى أن عين في المكتبة الملكية بستوكهولم في الفترة من 1874 إلى 1882 وهي الفترة التي أحس فيها بشيء من الاستقرار.
عام 1877، تم زواجه الأول من الممثلة SiriVon Essen التي تخلّت عن زوجها من أجله، لكنّ رواسب القهر والحرمان والشك في أعماق (سترندبرغ) جعلت من هذا الزواج عاصفة هوجاء تدمر كل شيء.
وربما كان الصراع المحتدم في نفسه بين مكانة أمه في الطبقة السفلى وأرستقراطية والده الضائعة والطفولة البائسة هي التي جعلت منه فنانًا متفردًا بكراهية كل النساء.
لم يدرك سترندبرغ هذا الصراع الداخلي الذي انعكس على أعماله الفنية وسلوكه الشخصي فجدد التجربة المريرة ثانية حين تزوج من صحفية فينيسية تدعى Frida Uhl.
وتحول هذا الزواج إلى تجربة مريرة أخرى دمرته في أقل من عام كانت عاصفة من المشكلات والشكوك وأصبح واضحاً أن موقف (سترندبرغ) من المرأة والزواج موقفًا مَرَضيًا.
وبعدها أصيب سترندبرغ بانهيار عصبي أقعده خمسة أعوام بعيدًا عن الحياة الأدبية وخرج بعدها إلى تجربة زواج ثالث فاقترن بالممثلة الشابة Harriet Bosse سنة 1901، فعاشت بعده نصف قرن وماتت سنة 1962.