تمرّ سبع وثلاثون سنة، على مجزرة «حمام الشط» جنوب العاصمة تونس، التي استهدفت مقرات منظمة التحرير الفلسطينية.
في غرة أكتوبر من عام 1985، حلّ يوم أسود امتزجت فيه الدماء الطاهرة لشهداء فلسطينيين وتونسيين إثر عملية إجرامية أَطلق عليها الاحتلال الصهيوني «الساق الخشبية»، وهي عملية محفورة في ذاكرة الشعبين الشقيقين مهما مرّ عليها الزمن.
ويخطئ من يظنّ أن الاعتداءات الصهيونية على تونس، توقّفت عند هذا الحد ـ بعد عملية حمام الشط ـ بل استمرّت بعد ذلك، إذ كرّر الاحتلال الصهيوني فعلته باغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) سنة 1988، ثم اغتيال صلاح خلف (أبو إياد) سنة 1991، وكذلك اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري أمام منزله بولاية صفاقس جنوب تونس.
ورغم مرور كل هذه السنوات، لم يعتذر الكيان الصهيوني على ما أقدم عليه في حق الشعبين الفلسطيني والتونسي.
أطوار العدوان..
كانت 8 طائرات تابعة لجيش الاحتلال صهيوني، قد اخترقت الأجواء التونسية في غرة أكتوبر من عام 1985، وقصفت مدينة «حمام الشط»، مستهدفة قادة منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، مخلّفة عشرات الشهداء والجرحى من التونسيين والفلسطينيين.
صنّاع الملحمة..
شهداء عملية «الساق الخشبية» الغادرة، صنعوا ملحمة بدمائهم الطاهرة، فحسب تقارير رسمية صادرة عن السلطات التونسيّة آنذاك، فقد استشهد 50 فلسطينيا و18 مواطنا تونسيا وجرح 100 شخص بين فلسطينيين وتونسيين، إضافة إلى خسائر مادية فادحة.
ويُذكر أن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الزعيم الراحل ياسر عرفات، دعا القيادة العسكرية إلى عقد اجتماع في تونس، وقامت المنظمة بدعوة ضبّاطها وقادتها في الجزائر وتونس واليمن للالتحاق بالاجتماع.
وفي صباح اليوم الذي جرى فيه الاجتماع، كان عرفات ـ عند حوالي الساعة التاسعة ـ يتمشى على شاطئ البحر، وإذا بمدير مكتبه العسكري يبلغه بتأجيل الاجتماع لأنّ عددا من كبار الضبّاط لم يتمكّنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية ما حتّم تأجيل الاجتماع إلى المساء.
وبالرغم من علم الموساد بتأجيل الاجتماع، إلا أنّ الطائرات الإسرائيلية كانت قد اقتربت من الشواطئ التونسية وانهالت في الساعة العاشرة صباحا بوابل من الصواريخ على مقر قيادة الأركان الفلسطينية في منطقة حمام الشط، كما قصفت قوات الاحتلال مقر ياسر عرفات ومكتبه.
ذاكرة شعبين
يقول الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي التونسي، محسن النابتي، لـ«الأيام نيوز»: “إن عدوان حمام الشط، ذكرى أليمة عاشتها تونس ما بعد الاستقلال كعدوان خارجي، وهي من أبرز الأحداث التي أكّدت للشعبين التونسي والفلسطيني وللأمة العربية، أن الكيان الصهيوني لا يستهدف فلسطين فقط، بل يستهدف أمّة كاملة من المحيط إلى الخليج، وهذا الكيان الغاصب تمّ زرعه في أرض فلسطين الطاهرة كمنطلق، لكنّ أهدافه تتجاوز فلسطين إلى كل الأقطار العربية”.
وحسب «النابتي»، فانّ: “ملحمة حمام الشط محفورة في ذاكرة الشعبين التونسي والفلسطيني، لأنها كُتبت بدمائهم، وهو اعتداء أكّد عمق الهمجية الصهيونية وفي ذات الوقت حصّن الوعي التونسي ضد أيّ قبول بأي علاقة مع هذا الكيان الغاصب”.
كما يرى «النابتي»، “أنّ الكيان الصهيوني يستعمل وسائل متعدّدة، بما في ذلك (العدوان الثقافي) لتخريب هويّتنا العربية وثقافتنا، ولم يتراجعْ عن تنفيذ مشروعه التدميري إلى الآن، فمنذ عقود يعتبر تونس أحد أهدافه الرئيسية من خلال الاختراق الثقافي وزرع أدواته وعملائه في كل مكان عبر مجموعات تكفيرية تسعى إلى تخريب النسيج الاجتماعي التونسي”.
وعلى المستويين السياسي والاقتصادي، يؤكد «النابتي»، أنّ: “الكيان الصهيوني يسعى إلى عزل تونس اقتصاديا، بدءا بتدمير كل مشاريعها الوطنية وتأليب القوى الدولية ضدها، وكذلك شنّ عمليات اختراق كبرى للاقتصاد التونسي عن طريق بعض اللوبيات ورجال الإعمال الفاسدين، والدليل على ذلك ما نعيشه منذ عشر سنوات من تحوّل الاقتصاد التونسي إلى اقتصاد أسود، تتحرك فيه كل المجموعات المرتبطة بالإجرام العالمي الذي تغذّيه (إسرائيل)”.
المغرب قاعدة متقدّمة للصهيونية
وعن استهداف منظومة الأمن القومي بشكل عام من قبل الكيان الصهيوني، يشير «النابتي» ـ في هذا السياق ـ إلى ما قامت به “إسرائيل”، من عدوان على عديد البلدان العربية دون (العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن وتونس…)، ولهذا يدعو المتحدث باسم حزب التيار الشعبي التونسي إلى سنّ قوانين تجرّم التطبيع مع هذا الكيان الغاصب المحتل”.
وللتذكير، فإنّ قوى سياسية تونسية ومنظمات حقوقية، تطالب باعتماد غرة أكتوبر يوما وطنيا لمناهضة الصهيونية، معتبرين أن الرسالة التي أراد أن يرسلها جيش الاحتلال الصهيوني من خلال تلك الغارة التي نفّذها ذات يوم بحمام الشط، هي أنه لا يفرّق بين تونسي وفلسطيني، وأن الصراع مفتوح على كامل امتداد الوطن العربي.
ويؤكد «النابتي» لـ«الأيام نيوز» أن: “حجم الاختراق الحاصل للمغرب العربي وحجم التأليب القائم ضد الجزائر من داخل الكونغرس الأمريكي، بالتحالف مع اللوبي الصهيوني وعبر الأداة المسماة (نظام المخزن)، كل هذا يصبّ في تنفيذ مشروع تخريبي ـ ضد الشعوب العربية ـ لم نشهده من قبل”، وشدّد «النابتي» على أن: “ما يقوم به النظام المغربي أخطر من كل الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها في وقت سابق بين الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية مثل مصر والأردن”.
ويحذّر «النابتي» من أن المغرب أصبح “قاعدة متقدّمة للعدو الصهيوني باعتبار أن اتفاقية العار مع نظام المخزن تعد الأفظع، بسبب التعاون العسكري المباشر بين الطرفين، والهدف دائما ضرب الاستقرار ومنظومة الأمن القومي لدول المغرب العربي وإفريقيا بشكل عام”.
لذلك، فإنه من الضروري ـ يضيف «النابتي» ـ “توحيد الجهود الرسمية والشعبية بين كل القوى الحيّة في المغرب العربي وخاصة تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا لعزل وتحجيم عملية التطبيع وتقديم كل أشكال الإسناد الثقافي والشعبي للشعب المغربي من أجل مقاومة العدوان الذي يشنّه نظام المخزن هناك”.
ويختم «النابتي» حديثه لـ«الأيام نيوز» بالقول، إن “الاختراق الصهيوني حوّل الرباط إلى منصة للتآمر على المغرب العربي بدرجة أولى ثم بقية الأقطار العربية الأخرى”.