أحمد تيمور باشا، كان أديبا بارزا غزير الإنتاج، وهو من أصول غير عربية، ولد يوم 6 نوفمبر 1894، وقد عُرف عنه اهتماماته الواسعة بالتراث العربي، كما أنه أحد أهم الباحثين في فنون اللغة العربية، والأدب والتاريخ.
ولد أحمد تيمور في درب سعادة بالقاهرة، لأب كردي أحد كبار أعيان القاهرة، وقد اختار الأب هذا المكان لقربه من مقر عمله كرئيس لديوان الخديوي إسماعيل، ولكنه لم يهنأ ليطالع ابنه علماً في مجاله الأدبي، إذ توفي بعد شهور من ولادة الصغير، وتمكنت هذه الأسرة بفضل وفرة المال والقرب إلى السلطة من تعليم الابن في مدارس فرنسية، وليتعلم عدة لغات بجانب الفرنسية، منها الفارسية، فضلاً عن اللغة الأم وهي الكردية.
ومنذ نشأته المبكرة، لم يعتمد أحمد تيمور فقط على التلقين سبيلاً للتعلم، بل سعى إلى تنويع وإثراء معارفه بنفسه ولينهل من أساتذة عصره بشكل مباشر، فدرس العلوم العربية والإسلامية على يد الشيخ حسن الطويل، والإمام محمد عبده، والشيخ الشنقيطي، وحسن عبد الوهاب.
وتتجلى لطائف الأقدار في وضوح هذا النموذج، إذ بدا أحمد تيمور مستمسكاً بالعربية والهوية الإسلامية أشد من كثير من الأدباء العرب، واشتهرت مقولته بأن “الأكراد عرب” رافضا الانضمام إلى جمعية “تورانية” تضم غير المصريين.
وبالتوازي مع رفضه للتجمعات التي تشجع على الانشقاق، شجع أحمد تيمور إنشاء كيانات جامعة للأمة، مثل جمعية الشبان المسلمين وساهم فيها بماله، وشارك في أنشطة جمعية الهداية الإسلامية، كما اختير عضوا في مجلس إدارة دار الكتب، وهو صاحب المنظومة المستمرة حتى اليوم لكيفية تنظيمها وتنسيق مقتنياتها، كذلك اختير عضوا في لجنة إصلاح الأزهر عام 1924، وقدم جهدا بارزاً في لجنة إحياء الكتب العربية التي أسسها الإمام محمد عبده، وتتويجاً لجهده، اختاره الملك فؤاد لعضوية مجلس الشيوخ الأول، ومنحه رتبة الباشوية.
وضمت خزانة كتب أحمد تيمور أكثر من 18 ألف مجلد، وقد سجل كثيرا من التعليقات على هوامش مخطوطاته وصحف كتبه، إذ خصص حياته للبحث والتحقيق والكتابة والدراسة والتصويب، لكنه آثر ألا يسارع إلى نشر مؤلفاته لأنه ظل معنيا بتهذيبها كل حين، فبقيت الكثير من مؤلفاته بخطه لتُنشر بعد وفاته.
بل إنه في كتابه “أعيان القرن الثالث عشر وأوائل القرن الرابع عشر الهجري” مزق أكثر ما كتبه بسبب إلحاح معارفه عليه بأن يكتب عن أقاربهم بما لا يوافق التاريخ، بينما اختص تاريخ أعلام أسرته بكتاب مطبوع هو “تاريخ الأسرة التيمورية”.
ويميل منهج أحمد تيمور في كتابة التراجم إلى منهج شبه قصصي، وفق وصف زكي مبارك “فكانت روح القصاص تكمن لدى الرجل وحين غلبتها روح البحث فرت منه إلى ولديه محمد ومحمود”، ومما كُتب عن هذا العلَم الموسوعي أنه كان منقطعا لمكتبته التي كانت أغنى مكتبة في مصر بعد دار الكتب والأزهرية.
وقال العلامة محمد كرد علي في سياق الثناء عليه: كنت إذا عرض لي أو لبعض أعضاء المجمع إشكال لغوي أو تاريخي، أو أحببت أن أعرف كتابا في موضوع يهمني البحث فيه، لا أجد من يشفي غلتي، غير أحمد تيمور.
وكان من طبقة النبلاء المستنيرين الذين عاشوا للعلم، وكان أغنى ما عنده في الوجود: أبناؤه، والدين الإسلامي، واللغة العربية، وخزائنه الخاصة. وكان بالإضافة إلى هذه السمات العلمية دمث الخلق، كريم الطبع، وقد تحلى بكثير من الصفات الشخصية النادر اجتماعها من الجود والكرم، التواضع، نكران الذات، بذل المعروف من جهده وعلمه وماله. ومع أنه بحكم طبعه كان منقبضا عن الجمهور، فإنه كان حفيا بالعلماء ومجالسهم، بحسب المفكر العربي الدكتور محمد الجوادي.
ومن بين مؤلفاته “ذيل طبقات الأطباء، أعلام المهندسين في الإسلام، ضبط الأعلام، الألقاب والرتب، نظرة تاريخية في حدوث المذاهب الأربعة، الزيدية ومنشأ نحلتهم، الآثار النبوية، تاريخ العلم العثماني، التصوير عند العرب، لعب العرب، الأمثال العامية” إلى جانب “تصحيح لسان العرب، تصحيح القاموس المحيط”.
وأما كتابه “التّذكرة التّيمورية” فيعتبره محققون أبرز مؤلفاته الموسوعية المختصرة المفيدة للمشتغلين بالدراسات الأدبية، التاريخ، البحث العلمي، وهو في حقيقته دائرة معارف في الدِّين، شؤون المجتمع، الأجناس والسكان، الطوائف، البحار، الأنهار.
زاهد ورِع.. محبٌ للعزلة
كتب عنه نجله محمود تيمور أنه “لو أن متصفحا يتتبع سيرة أحمد تيمور فيعرف كيف كان شديد الورع، بالغ التحرج، مطبوع النفس على حفاظ وانقباض، مؤثرا للعزلة ما وسعه الإيثار، زاهدا أيما زهد في حومة الحياة وملتطم الناس.. فأي نهج يتمثله المتصفح لصاحب تلك السيرة، حين يعامل بنيه، في ذلك العهد البعيد؟ وعلى أي نحو تراه يسوس فلذات كبده، وهو لهم راع، وعليهم رقيب؟”.
وتابع: ألقيت على نفسي هذا السؤال، لأجيب عنه بما شهدت، لا بما يعمد إليه متصفح السيرة من تكهن واستنباط، فما راءٍ كمن سمع، ولا من خالٍ كمن تخيل.. ولعل الجواب ألزم بي، أنا الذي كنت أحد أبناء أحمد تيمور حوله، فشهدت كيف كان يقوم على تربيتنا ونحن إخوة ثلاثة، متلاقون على عاطفة وشعور، وإن اختلفنا في الميول والنزعات بعض الاختلاف.
توفيت زوجة العلامة الموسوعي قبل أن يتم 20 عاما، ورغم شبابه لم يتزوج بعدها خشية التأثير سلباً على أبنائه، ومات ابنه محمد فأصيب بمتاعب قلبية، واعتل أكثر بمتاعب صحية ألمت بابنه الثاني محمود، ليرحل الباشا الموسوعي عام 1930، وعقب وفاته شكّلت لجنة برئاسة أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد باشا، لنشر المؤلفات التيمورية، وقد عنيت هذه اللجنة بنشر أعماله التي لم تنشر من قبل.