قلت وأقول وسأظلّ أقول إنّ الصّهاينة لا يرقبون في أحد إلّا ولا ذمّة، وأحدهم مستعدّ للتّضحية بأقرب حلفائه أو من يقدّم له خدماته ليل نهار إذا وجد أنّ ذلك في مصلحته.
ما سبق ليس كلامًا أيديولوجيًا، ولا ديباجة أدبية، بل هو كلام سياسي بحت، ورغم أنّ السّياسيين يدركونه جيّدًا، إلّا أنّه ومثل كثير من القوانين الدّولية والأخلاقيات والنّظريات السّياسية فإنّها تتوقّف عن العمل إذا كان الطّرف المقابل هو الكيان الصّهيوني!!
نتنياهو لم يتورّع، أوّل أمس، عن إحراج الرّئيس الأمريكي جو بايدن وكبير دبلوماسييه أنتوني بلينكن ويكشف كذبهم وخداعهم للعالم كلّه، حين قال بعظمة لسانه إنّه ليس معنيًّا بأيّ صفقة لوقف إطلاق النّار، وأنّه “مستعدّ (فقط) لصفقة جزئية نعيد بها بعض المختطفين، لكن سنستأنف الحرب بعد الهدنة لاستكمال أهدافها”.
بهذه التّصريحات أهال نتنياهو التّراب على مقترح بايدن الذي سعى لحشد الدّعم له من الأسرة الدّولية كافّة، واستصدر قرارًا من مجلس الأمن الدّولي بدعمه، وكان قد قال إنّ هذا مقترح “إسرائيلي”، وأنّ الكيان موافق عليه، بل ذهب إلى حدّ اتّهام حركة حماس بأنّها هي العقبة الوحيدة أمام نجاح المقترح.
وهو ما كرّره وزير خارجيته أنتوني بلينكن الذي لم يبق إلّا أن يقسم على التوارة أنّ نتنياهو أبدى موافقته على المقترح، رغم أن لا أحد في العالم سمع من نتنياهو شيئًا من هذا. وتبرّع الرّجلان بايدن وبلينكن، للتحدّث باسم نتنياهو، وكان الهدف هو إحراج حركة حماس أمام المجتمع الدّولي والعربي وأمام الشّعب الفلسطيني خصوصًا في قطاع غزّة.
كرّر بلينكن وكذلك مسؤولون آخرون في إدارة بايدن ذات الكذبة؛ نتنياهو موافق على المقترح والعقبة الوحيدة هي حركة حماس. لكن نتنياهو يأبى أن يخرج عن طبيعته الصّهيونية، وها هو يسدّد ضربة قوية لبايدن وإدارته أمام المجتمع الدولي والعربي والشّعب الفلسطيني خصوصًا في غزّة، وها هو يكشف أنّه ليس في وارد الموافقة على مقترح بايدن الذي حظي بكلّ هذا الدّعم الدّولي، كما حظي بترحيب من حركة حماس علنًا.
نتنياهو في خلاف واضح مع إدارة بايدن، لكنّ الأخيرة آثرت أن تلقي الكرة بمرمى حركة حماس في خطوة طبيعية متوقّعة من الإدارات الأمريكية تجاه حليفها المدلّل في الشّرق الأوسط، لكن ما لم يتوقّعه هؤلاء مقدار الجحود والنّكران والخبث واللّؤم الذي يتحلّى بها نتنياهو!
كلّ من يتعامل مع نتنياهو والمسؤولين الصّهاينة سيذوق من نفس الكأس، وقد ذاقه بعضهم، لكنّهم يكابرون على تلك الإهانات!