في حوار قصير، أضاءتْ الأديبة والأكاديمية المصرية “وداد معروف” بعض الزّوايا حول اللغة العربية، والاقتباس الأدبي للسينما، وعودة العائلات إلى ارتياد دُور العرض السينمائي التي هجرتْها لأسباب عديدة منها تدنّي لغة الحوار وضُعف الرواية التي تفتقد إلى جديّة الأدب ورسالته في الرقيّ بفكر ووجدان وسلوك الإنسان العربي..
الأيام نيوز: في معظم ثقافات الأمم، اللغة المكتوبة هي ذاتها اللغة المحكية، فكان الأدب الروائي مُلهِمًا و”متعاونًا” مع السينما وصناعة الأفلام. بينما الأمر يختلف في أقطارنا العربية، فهناك لغةٌ أمٌّ وهناك لهجات قد لا تكون مفهومة من بلد عربي إلى آخر.. والسينما العربية بُنِيَتْ، في أغلب إنتاجها، على اللهجات.. فهل أثَّرَ هذا الأمر على علاقة الإنسان العربي بلغته الأمّ؟
وداد: اللغةُ هويّةٌ، اللغة العربية وطنٌ يسَعُنا نحن العرب وكل من يتحدث العربية الفصحى، فلغتنا هي قاعدة لمنظومة قِيَم تحمي عروبتنا وهويتنا، وقد اهتمَّ الدكتور “شوقي ضيف” بهذا الأمر وأصدر فيه كتابه “تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبنيات والحروف والحركات” بَيّنَ فيه جناية العاميّة على الفصحى، وقد أدّى انتشار اللهجات العامية إلى إضعاف اللغة العربية على ألسنة أبنائها، وإلى تسلّل مُفردات اللغات الأجنبية إلى اللغة السائدة؛ فأصبحت لغةً هزيلة. كما أن شُيُوع اللّهجات المَحْكية تتسبب في تنوع اللهجات ونموها بطريقة “عشوائية”، كما كانت السينما أحد أهمّ أسباب انتشار اللهجات العامية بتنوعها وانحطاطها وحواراتها الشعبية المُتدنِّية.
الأيام نيوز: هل كانت اللغة عائقًا في تلاقي الأدب الروائي، على الخصوص، بالسينما والصناعة السينمائية؟
وداد: لم تكن عائقا أبدًا، قامت السينما منذ بدايتها على الرواية الأدبية، السينما العالمية، وبعدها السينما المصرية منذ أن عرضت فيلم زينب عام 1930عن رواية “محمد حسين هيكل” بعنوان “زينب” وصدرت عام 1913، والذي يُعَدُّ الاقتباسَ الأول في السينما المصرية التي تفوّقت وصارت صناعة قوية وُلِدت في أوائل الثلاثينيات. وقد لعب الأدبُ دورًا مُهمًّا في تثبيت هذه الصناعة عن طريق الاقتباس، حيث تمّ اقتباس 360 فيلما مُستمدًّا من الأدب العربي والغربي ما بين عام 1930 و2019، وهذا بدوره يُوضّح علاقة الأدب بالسينما العربية. ثم بعد عام 1952 أصبحت الرواية المصرية مُنافِسة للرواية الغربية في الاقتباس السينمائي وذلك لواقعيتها.
الأيام نيوز: هل طموح الروائي العربي لا يمتدّ إلى تحقيق أعماله سينمائيا؟
وداد: كل أديب يطمح أن تتحوّل روايته أو قصته إلى عمل سينمائي يضْمن له الذّيوع والانتشار، هذا حلم يتمناه كل أديب، فللسينما سحرُها وجمهورها، بينما الرواية الورقية لا يتعدّى قرّاؤُها المئات وإن تعاظمت فآلاف معدودة، لكن جمهور السينما غير محدود، كما أن السينما لا تتطلب إجادة القراءة والكتابة، والكتاب يتطلب ذلك. أنا مثلا أتمنى لو تحولت روايتي “الأستاذ” إلى فيلم أو مسلسل، ففيها كل العناصر التي تساعد كاتب السيناريو على كتابة فيلم متميز، شريطة عدم الهبوط بالمضمون أو المستوى الأدبي للرواية.
الأيام نيوز: كيف تتخيّلون واقع اللغة العربية و”حالة” الروائيين لو أن السينما العربية ارتكزتْ على الأدب، ومكّنتْ الرّوائيين والأدباء ليكونوا عنصرًا في الصناعة السينمائية؟
وداد: أتخيّل سينما عربية قيّمة، ذات موضوعات جادّة، خاصة لو اعتمدت هذه الأفلام على روايات حصدت جوائز كبرى، فسنكون أمام أفلام تضارع أفلام فترة الستينيات في السينما المصرية، حيث كان الاقتباس من روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وإدريس.. قد بلغ مبلغا كبيرا، وبهذا نتخلص من وِرَش الكتابة التي تُقدّم أفلامًا بتوْليفة مُعيّنة تُغازل المشاهدَ الأمّيَّ أو (الصنايْعي) الذي يريد أن يرفّه عن نفسه، بدخول السينما لمشاهدة فيلم يجد فيه البطل الشعبي والمطرب الشعبي والراقصة وقصة تافهة لا تضيف شيئا لوعي المشاهد. حين تعتمد السينما على الرواية الأدبية تعودُ لها الأُسَر التي هجَرتْ دُور السينما لهبوط مستوى الأفلام المعروضة.