في مهمة إنقاذ شرف العرب.. إنسانية الجزائر فوق سقف العالم

لم يبق في الأرض شريف واحد إلا وأثنى على الجزائر، ولا حرّ ماجد إلا وأشاد بمواقفها السيادية العصماء، ولا مكافح صامد إلا وانبهر بإصرارها واستماتتها في الدفاع عن الحق والعدل والحرية والسلام، وهي ترافع من أجل عودة الروح للأمم المتحدة، وعودة الضمير للسياسة الدولية، وعودة الإنسانية للدبلوماسية العالمية.

كانت المسيرة وعرة والمسار محفوفا بالعوائق والمطبات، ولم يكن من السهل إقناع المجموعة الدولية بعدالة المطلب وصدق المسعى، لو لم يكن الخطاب متزنا والرسالة واضحة.. كان ذلك منذ البدء، منذ استوت الجزائر في مقعدها بمجلس الأمن الدولي، وأوضح سفيرها “عمار بن جامع”؛ “سنعود أقوى وأكثر صخبا بدعم من شرعية الجمعية العامة، والدعم الأوسع من أعضاء الأمم المتحدة، فإنّ هذه ليست سوى خطوة أخرى في الرحلة نحو العضوية الكاملة لفلسطين..”.. متحديا بذلك “حق النقض” الفيتو الأمريكي على المشروع الجزائري لقرار مجلس الأمن، والذي طالب بقبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.

“إن التأييد الساحق لقبول دولة فلسطين، يبعث برسالة واضحة مفادها أنّ دولة فلسطين تستحق مكانها الصحيح بين أعضاء الأمم المتحدة..”، مذكرا “بن جامع” المجموعة الدولية من مجلس الأمن، مستطردا في ذات السياق، في كلمة موجهة إلى أولئك الذين لم يتمكنوا من دعم قبول دولة فلسطين، قائلا: “نأمل أن تفعلوا ذلك في المرة القادمة..”، مختتما خطابه بقوله الفصل؛ “لن تتوقف جهود الجزائر حتى تصبح دولة فلسطين عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة..”.

فعلا، وفي بضعة أيام، تمكنت الجزائر من تمرير مشروعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فكانت النتيجة ساحقة لصالح القضية، حيث صوّت مائة وثلاث وأربعون دولة بنعم، فيما امتنع خمس وعشرون، وعارض تسع دول هي؛ الولايات المتحدة الامريكية والأرجنتين والكيان الصهيوني، وهنغاريا ودول ميكروسكوبية لا يسمع بوجودها إلا في مثل هذه المناسبات.. إلا أنّ الجزائر لم تقتنع بهذا الإنجاز، مشدّدة مرة أخرى على أنها لن تتوقف إلى أن تتمكن فلسطين من الحصول على مقعدها السيادي في محفل الأمم المتحدة، مثلها مثل أية دولة عضو بالجمعية العامة.

أما ممثل الكيان الصهيوني الغاصب، فقد ظهر في صورة بلطجي صعلوك، وهو يمزق ميثاق الأمم المتحدة أمام أعين الحضور، متهما الدول التي ستصوت لصالح مشروع قرار عضوية فلسطين “تمزق ميثاق الأمم المتحدة بأيديها”، منهيا تدخله بعبار؛ “عار عليكم”.. بعدما كان قد أردف بقوله؛ “..لقد اختارت هذه الهيئة الوقحة مكافأة النازيين المعاصرين بالحقوق والامتيازات..”، مضيفا أن الجمعية العامة فتحت الأمم المتحدة أمام “الجهاديين الذين يرتكبون الإبادة الجماعية، والملتزمين بإقامة دولة إسلامية في جميع أنحاء “إسرائيل” والمنطقة، والذين يقتلون كل رجل وامرأة وطفل يهودي.. أشعر بالاشمئزاز”.. يتكلم هذه المسخ القاتل وكأنه هو الذي يقف الآن تحت القصف المتواصل لأكثر من سبعة أشهر، وآلاف القتلى والجرحى والمعطوبين وغيرهم من الفارين قسرا من جحيم الدمار والخراب الذي فرضه عليهم سيده المجرم الأكبر “النتن-ياهو”.

قد لا يكون هذا السافل الوقح، على علم بما يحضره له السفير “عمار بن جامع”، بداية بمجلس الأمن ولجان البحث والاستقصاء في المقابر الجماعية المرتكبة من قبل جيش كيانه الإرهابي.. إلى العريضة التي هي بصدد التحضير والتحرير، والتي ستطالب من خلالها الجزائر مجلس الامن بتجميد عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة، وهو الطلب الذي تحاول أمريكا تجنبه وعدم إثارته، لأنها تدرك جيدا قوة الطرح الجزائري.

يعرف العالم ويشهد بأنّ للجزائر باع طويل في إجراءات الإلغاء والاعتراف بعضوية الدول في الأمم المتحدة؛ بداية بطرد تايوان ممثلة الصين الوطنية، وإدخال الصين الشعبية للجمعية العامة للأمم المتحدة.. إلى إخراج النظام العنصري لجمهورية جنوب إفريقيا، وفرض الاعتراف بحق السود في العيش الكريم.. إدخال الرئيس الراحل “ياسر عرفات” هيئة الأمم المتحدة وهو زعيم الثورة الفلسطينية الذي كان مطاردا من قبل الموساد والمخابرات الأمريكية، إلى إعلان تأسيس دولة فلسطين وإدخالها عضوا مراقبا بهيئة الأمم المتحدة.. وبالتالي، فإنّ مطلب تجميد عضوية الكيان الصهيوني لن يكون تحقيقه بالأمر المستحيل، وإنما هو في متناول شرفاء العالم أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبعدما نجحت الجزائر في وضع الملف وجدولة القضية فوق مكتب الجمعية العامة للأمم المتحدة، ارتفعت أصوات إعلامية من هنا وأخرى من هناك، هذه تبارك للسعودية “الفوز المزعوم” وتلك للإمارات، وثالثة أوهمت المغرب “بنصر منحول”.. لا لشيء إلا للتشويش على الجزائر، ومحاولة الانتقاص من عظمة إنجازها “الباذخ”، وانتصارها أمام عتاة الدبلوماسية العالمية والكواليس الأممية.. لكن العالم كله يعلم، وفلسطين والصهاينة والأمريكان والشرق والغرب، كلهم علموا بأنّ لولا الجزائر ما كان للقضية الفلسطينية العادلة أن تستنفذ كل هذا الزخم وتستقطب كل هذا الاهتمام وتجذب كل هذه الأضواء.. فما قامت به الجزائر خلال أربعة أشهر من انتخابها عضوا بمجلس الأمن الدولي، لم تتمكن المجموعة العربية من تحقيق ولو ربعه طوال ربع قرن من العبث والمساومة والابتزاز.

ولذلك، يعمد صهاينة العرب من المهرولين والمطبعين، إلى شنّ حملات إعلامية متواصلة عبر كل الوسائل والمنصات، لتلطيخ سمعة الجزائر والحطّ من شأنها، خدمة للمشروع الصهيوني الخبيث، الذي جردهم من كل معاني الكرامة والشرف.. كل ذلك حتى يستوي الجميع في المروق والفسوق والخضوع والخنوع والزلل المبين، ولذلك، أصبح وجود الجزائر وحضورها بين العرب بعفتها وكرامتها وشرفها وقداستها، أمرا مثيرا للإزعاج والاحراج والضيق والنكد.

يُحكى فيما مضى عن قرية نائية في بلاد بعيدة، أن رجالها كانوا يخرجون صباحا للتجارة والزراعة والرعي، ويتركون النساء في أشغال البيوت طوال اليوم، فحدث أن مرّ جنود متوحشون بالقرية، فلما لم يجدوا فيها غير النساء، عمد كل جندي إلى الاختلاء بامرأة في بيتها اغتصابا، ولم تجد النسوة من بد سوى الرضوخ قسرا لهوى المعتدين.. فعل المجرمون فعلتهم، ولما أنهوا جريمتهم غادروا القرية منتشين، لحدّ أنهم لم يشعروا بتخلّف واحد منهم داخل مخدع المرأة التي اختلى بها.. وعندما ابتعد الجنود، خرجت النسوة يندبن حظهن ويبكين حالهن، وكيف يقابلن أزواجهن بعد العودة وملابسهن ممزقة… إلا واحدة من بينهن، فقد خرجت صامتة شامخة والدماء تلطخ ثيابها، ممسكة برأس الجندي الذي حاول اغتصابها، فقد قاومته وقاتلته حتى قتلته وفصلت رأسه عن جسده، منتصرة بذلك لعرضها ومحافظة على عفتها.

انبهرت بقية النسوة في أول الأمر بشجاعة صاحبتهن، ورحن ينظرن إليها بعين الإكبار والاجلال، وهي تخاطبهن متبخترة بينهن بخيلاء وعزة وكبرياء؛ هل كنتن تعتقدن بأنني سأتركه يغتصبني دون أن أقتله أو يقتلني..؟؟ هنا، تغيّرت النظرات وتبدلت المشاعر.. فقد سقطت كلماتها على قلوبهن مثل صاعقة من السماء؛ أقتله أو يقتلني..؟ يا للهول، فالشرف لا يحتمل موقفا ثالثا.

جنّ الليل وسكنت القرية.. لكن نار الغيرة والحقد زاد لهيبها واندلع في صدور النسوة المغتصبات، ولن يطفئها سوى أمر جلل.. اجتمعن الليلة الأولى في بيت إحداهن ورحن يفكرن في حلّ ينتشلهن من مستنقع العار والرذيلة الذي وقعن فيه دون تلك التي قطعت رأس الجاني.. مرّت الليلة ثقيلة من دون أن تقفل لهن عين، ومع طلوع الفجر خرجت العفيفة من مخدعها تتبختر خيلاء، أو هكذا خيل لهن.. وهن يرمقنها جيئة وذهابا، ومع كل خطوة كان كبرياؤها يزداد هيمنة وطغيانا.. “يا إلهي، ما هذا لقد صرنا مجرد حشرات عفنات أمام هذه الطاهرة العفيفة.. فعلا فقد أصبح وجودها مستفزا وحضورها مزعجا.. ولا بد من إنهاء هذا الأمر، وبأية طريقة ممكنة”.. ومن هنا بدأ نسج المكائد وحبك الدسائس وتدبير المؤامرات.

وفي ليلة حالكة مشؤومة، والقرية تغطّ في سابع نومها، اجتمعت النسوة في دار الفتنة واتفقن على إشعال النار في بيت العفيفة الطاهرة، ويقتلنها شر قتلة حتى لا يُسألن بعدها؛ لما لم تدافعن عن شرفكن ولم تقاومن مثلها..؟ قتلنها، لكنهن قتلن الشرف ليحيا العار.. قتلنها، لكنهن قتلن العزة والكرامة لتعيش الذلة والمسكنة.. قتلنها، لكنهن قتلن الرفعة والكبرياء لتعيش الخساسة والمهانة.

مصطفى بن مرابط - الجزائر

مصطفى بن مرابط - الجزائر

كاتب في الأيام نيوز

اقرأ أيضا

آخر الأخبار
رحلت في عيد ميلادها.. بطلة مسلسل "لن أعيش في جلباب أبي" ناهد رشدي في ذمة الله عمرة 2024.. الجوية الجزائرية تطلق خدمة جديدة تونس.. انطلاق الحملة الانتخابية للرئاسيات رئاسيات 2024.. الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات اليوم أسعار النفط تتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية.. وبرنت يسجل 71,61 دولار للبرميل بطلب من الجزائر.. مجلس الأمن يناقش استهداف عمال "الأونروا" في غزة تقلبات جوية.. طرق مقطوعة عبر 3 ولايات جنوبية فلسطين تجلس على مقعدها الرسمي في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعزز حقوقها الدبلوماسية العاصمة.. تعديل في برنامج رحلات “ايتوزا” بداية من الأحد أمطار رعدية غزيرة عبر عدة ولايات ذكرى المولد النبوي الشريف.. الإثنين عطلة مدفوعة الأجر عبد الفتاح السيسي يُهاتف الرئيس تبون وهذا ما اتفقا عليه توقيف 4 إرهابيين واستسلام آخر بتمنراست رئيس المجلس الوطني لحماية الوطن لدولة النيجر يهنئ الرئيس تبون تطعيم 105 آلاف طفل ضد شلل الأطفال خلال يومين في غزة قبل نهاية سبتمبر.. كاسنوس تدعو الفلاحين إلى تسديد الاشتراكات موسم الحج 2025.. ضبط القائمة النهائية لوكالات السياحة والأسفار عشية المولد النبوي.. وزير الصحة يُحذّر من خطورة استعمال الألعاب النارية الصداع النصفي"الشقيقة".. الأعراض وطرق العلاج وكالة الطاقة الدولية تخفض توقعات الطلب على النفط خلال 2024