تحلّ، اليوم الخميس، الذكرى الـ 63 لمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار (1514)، الذي ينص على منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، في وقت تبنّى فيه الجهاز الأممي قرارا يجدد التأكيد على الإطار القانوني لقضية الصحراء الغربية التي تبقى آخر مستعمرة في إفريقيا. ومن جهة أخرى، يطالب الشعب الفلسطيني برفع نيران العدوان الصهيوني عنه والحسم في قضية استقلاله.
ويعد حق تقرير المصير حقاً ثابتاً في القانون الدولي، ومبدأ أساسيا في ميثاق الأمم المتحدة، والتي جاء في قرارها رقم (1514) لـ “إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة”، بتاريخ 14 ديسمبر 1960، التأكيد بصفة صريحة أنه “لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعي بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”.
ويشمل هذا الحق القضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده القرار الأممي (3236)، بتاريخ 22 نوفمبر 1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة “تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل، وفقاً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه (…) وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمدّ بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق”.
بادرة مضيئة
كما يعدّ هذا القرار من أهم القرارات التي صادقت عليها الأمم المتحدة ويظل مرجعيا، حين لقي طريقه إلى التحقيق وشكل حلا عادلا وتاريخيا للعديد من البلدان الإفريقية التي كانت مستعمرة سابقا، ما أتاح لها فرصة التحرر والتمتع بالكرامة.
لكن، يظل ملف الصحراء الغربية في انتظار الحل النهائي، وسط تزايد أطماع المغرب التوسعية، ما عرقل تنظيم استفتاء تقرير المصير للشعب الصحراوي وانعتاقه من نير الاحتلال، رغم أن قرار التسوية “الأممي- الإفريقي” الذي صادق عليه طرفا الصراع (المغرب وجبهة البوليساريو) سنة 1991 ينص على ذلك.
وبالمقابل، فإنه – ومنذ أول أيام عملية “طوفان الأقصى” – اتفقت الدول الغربية على الانحياز إلى جانب الاحتلال الصهيوني، وهو ما عبرت عنه بالدعم العسكري الذي قدمته واشنطن لمجرمي الاحتلال، كي يستمروا في قصف المدنيين بقطاع غزة. وبالتوازي مع ذلك، سعى الخطاب الرسمي والإعلامي الغربي إلى نزع الشرعية عن عمل المقاومة الفلسطينية ووصفه بـ”الإرهاب”.
موقف محرج!
وفي حين تكفُل المواثيق الدولية والقرارات الأممية حقّ الشعب الفلسطيني في المقاومة، بشتى الطرق، بما فيها المقاومة المسلحة، تضع هذه المواثيق الغرب في موقف محرج، إذ يتباهون بأنفسهم كحماة للقوانين، في حين ينكرون على الفلسطينيين حقهم الشرعي ويغضون الطرف عن جرائم الحرب التي تقوم بها سلطة الاحتلال وقطعان جيشها الدموي.
وبشأن قضية الصحراء الغربية، أكد مسؤول العمليات في المكتب الصحراوي لتنسيق الأعمال المتعلقة بالألغام (سماكو)، غيثي النح، في تصريح صحافي، أن القرار (1514) هو “البوصلة القانونية والشرعية للقضية الصحراوية، والممر من الحتمي المرور عليه لمنح الدول التي ترزح تحت نير الاستعمار حريتها”، مستغربا كون “القرار والقرارات ذات الصلة جرى تفعليها في دول أخرى، إلا أنها لم تفعل في حالة القضية الصحراوية، إذ لايزال الشعب الصحراوي محتلا من قبل المغرب، رغم أن الأمم المتحدة أكدت أن الصحراء الغربية إقليم لا يتمتع بالحكم الذاتي”.
ودعا غيثي النح المنتظمَ الدولي إلى الالتفات إلى القضية الصحراوية وإيلائها الاهتمام الكامل لإنهاء الاستعمار من على أراضيها، ومنح الشعب الصحراوي حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
وتأتي الذكرى تزامنا وتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 78 القرار رقم (78/85) دون تصويت حول قضية الصحراء الغربية، تحت البند (58) من جدول أعمالها المتعلق بتنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، إذ أنها جددت – من خلاله – التأكيد على مسؤولية الهيئة الأممية تجاه الشعب الصحراوي، مطالبة اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (لجنة الـ24) أن تواصل النظر في حالة الصحراء الغربية باعتبارها “إقليما خاضعا لإنهاء الاستعمار منه”.
وبخصوص القرار الجديد، قال غيثي النح إنه يدفع الشعب الصحراوي إلى مواصلة نضاله وكفاحه في وجه الاحتلال المغربي، والعمل باتجاه انتزاع حقه في تقرير مصيره والاستقلال، واصفا القرار بـ”المهم”، وأنه “يدعم الخلفية القانونية والحقوقية للصراع مع المحتل المغربي”.
ودعا المسؤول الصحراوي المجتمع الدولي إلى العمل على “وضع المغرب في مربعه الحقيقي، والمتمثل في كونه دولة مستعمرة ومحتلة وغازية، والتشديد على خروجه من الأراضي الصحراوية، ولكن أيضا التعويض وجبر الضرر عما لحق بالشعب الصحراوي منذ 1975 وإلى غاية اليوم”.
مبدأ جوهري
ويكرس القرار (78/85) المبدأ الجوهري المتمثل في تقرير مصير الشعب الصحراوي، على اعتبار أنه يؤكد نص وروح القرار الذي اعتمدته لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة) التابعة للجمعية العامة بتاريخ 11 أكتوبر الماضي.
وفي ظل ذلك، يعكف المخزن على تكريس سياسته الإجرامية تجاه الصحراويين، سواء عبر فرض حصار بوليسي عليهم وسجنهم في منازلهم بالأراضي الصحراوية المحتلة، أو من خلال اعتقالاته التعسفية لهم، والانتهاكات المنتظمة والجسيمة والمتكررة لحقوقهم والتي تم التحقق منها وإثباتها من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية الدولية، وكذا من قبل المقرر الخاص للأمم المتحدة. ويضاف إلى ذلك إزهاق أرواح المدنيين الصحراويين على طول الجدار الرملي، عن طريق الألغام المزروعة، وحتى في الأراضي الصحراوية المحررة عن طريق الطائرات المسيرة.
دعم ثابت للقضايا العادلة وللشّعبين الفلسطيني والصّحراوي
وبفضل دبلوماسيتها النشطة للغاية، تقدم الجزائر – أيضا – دعما ثابتا للقضايا العادلة للشعبين الفلسطيني والصحراوي اللذين يكافحان لاستعادة حقوقهما الأساسية، وهي الالتزامات التي تواصل التأكيد عليها أمام المؤسسات القارية والدولية مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ، لتذكير المجتمع الدولي بالتزاماته التاريخية تجاه حق الشعوب في تقرير المصير.
فبخصوص قضية الصحراء الغربية، لم تتوقف الجزائر عن التذكير بأن الحل الوحيد والعادل والدائم لهذا النزاع هو ذلك الذي من شأنه أن يسمح للشعب الصحراوي بممارسة حقه في تقرير المصير بحرية، وفقا للقرار (1514) الأممي.
في الواقع، أدرجت منظمة الأمم المتحدة، منذ عام 1963، الصحراء الغربية في قائمة الأقاليم الـ17 التي تنتظر إنهاء الاستعمار. وفي عام 1990، أعادت الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على أن القضية الصحراوية تعتبر قضية تصفية استعمار.
وفي هذا الصدد، نددت الجزائر مرارا وتكرارا بالانسداد الواقع في هذا الملف، وحذرت من المخاطر التي تهدد السلام والاستقرار الإقليميين، في الوقت الذي تتعرض فيه قرارات الأمم المتحدة، التي من المفترض أن تكرس حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، للانتهاك.
كما تستمر الجزائر في دعم الشعب الفلسطيني والاستجابة لندائه والبقاء إلى جانبه إلى حين تجسيد حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، على النحو المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة 194 لعام 1949.
وسبق للجزائر ـ على لسان وزير الشئون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف ـ أن أبرزت الأولويات التي ستعكف على التركيز عليها خلال عهدتها المقبلة في مجلس الأمن، وبالخصوص القضايا المتعلقة بالعالم العربي والقارة الإفريقية.
ومن بين أولويات الجزائر إيجاد حل دائم للقضية الفلسطينية، إذا قال الوزير خلال مناسبة سابقة: “وفي المنطقة العربية، جاءت المأساة المستمرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في قطاع غزة المحاصر، بمثابة تذكير مروع بالحاجة الملحة إلى معالجة القضية الفلسطينية بشكل صحيح وفقا لحل الدولتين الذي وافق عليه المجتمع الدولي منذ عقود مضت”.